اطبع هذه الصفحة


الدرر المنتخبَة من ( المشوّق إلى القراءة وطلب العلم ) للشيخ/ علي العمران.!

أبو الهمام البرقاوي

 
بسم الله الرحمن الرحيم

(31) الفوائد المنتخبة من كتاب (المشوّق إلى القراءة، وطلب العلم) للشيخ المحقق/ علي العمران.
 

بسم الله والحمد لله، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله، وعلى آلهِ وصحبِهِ ومن والاه، ومن تبعهم بإحسان إلى يومِ نلقاهُ، وبعد.
فإني شغفٌ بكتابات الشيخ المحقق/ علي العمران، صاحب (جامع المسائل)، ومما أعجبني كتابه المشوق " المشوق إلى القراءة وطلب العلم " خاصة أنه كتب في المقدمة (فلا أظن قارئ هذا الكتاب قد فرغ من قراءته إلا وهو يردد بصدق قول العلامة المقريزي)-سيأتي- وقد جعلت هذه الدرر في عشر صفحات؛ ليتسنى للمقدم رجلًا والمؤخر أخرى أن يرى محتواه، فيشتاق للقراءته.
مع ذلك هو ملخصٌ جدا، وانتقيتُ ما راقَ لي انتقاؤه، فلا يلومنني أحد.

ذكر الشيخ الفاضل/ علي العمران، سببي تأليفه للكتاب:
أولاهما: عزوف كثير من طلبة العلم عن إيلاء كتب أهل العلم مكانتها، وإنزالها منزلتها، فاشتغلوا بغيرها،- وذكر أهل الألقاب المتعالمين بأسمائهم-.
أخراهما: استثارة الهمم، وشحذ الخواطر، وتبصير طلاب العلم بما كان عليه السلف من صبر وبذر في تحصيل، وقراءته، وإقرائه.
بسم لله نبدأ.

(1)
الأبيات التي قيلت في طلب العلم.


* قال العلامة المقريزي – رحمه الله – في(درر العقود الفريدة):

وقد أعرضَتْ نفسـي عن اللهوِ جملةً ** وملَّت لقاء الناسِ حتّى وإن جلُّوا
وصار – بحمد الله- شغلي وشاغلي** فوائدُ علم لست من شُغلها أخلو
فطورا يراعى كاتبٌ لفوائدٍ ** بصحتها قد جاء العقلُ والنقلُ
وآونة للعلم صدري جامعٌ ** فتزكوا به نفسي، وعن همّها تسلو


* قال الشاعر محمد رضا الشبيبي العراقي :

فتنـنةُ الناس – وُقينا الفتنا- ** باطلُ الحمدِ، ومكذوبُ الثنا
لم تـزلْ – ويحكَ يا عصرَ أفق-**عصرَ ألقاب كبارٍ وكُنى
حكمَ النَّاسُ على النّاس بـما ** سمعوا عنهم، وغضّوا الأعيُنا
فاستـحالتْ – وأنا من بعضهم ** أذني عينا، وعيني أذنـا
 

* أنشد بعضهم في طلب الاستزاد من العلم، وعدم الاقتصار على فنٍّ:

احرصْ على كلِّ علمٍ تبلغُ الأملا ** ولا تواصلْ لعلمٍ واحدٍ، كسلَا
النّحلُ لما رعَتْ من كلّ فاكهـةٍ ** أبدتْ لنا الجوهرين: الشمع والعسلا
الشمعُ بالليل نورٌ يستضاءُ به ** والشهدُ يبري بإذن الباري العللا


قال ابنُ الجوزي:

لي همّة في العلمِ ما إن مثلها ** وهي التي جنتِ النحولُ هي التي
خُلِقَت من العِلق العظيمِ إلى المُنى** دعيَت إلى نيلِ الكمال، فلبتِ


عُذِلَ بعض العلماء في كثرة شراء الكتب، فقال:

وقائلةٍ: أنفقتَ في الكُتِبِ ما حوتْ** يمينُك من مالٍ، فقلتُ: دعيني
لعلي أرى فيها كـتابا يدلُّني ** لأخذِ كتابي آمنا بيمـيني
 

* تذاكروا المتنزهات عند ابن دريد، فقيل(غوطة دمشق)وقيل(نهرون بغداد) فقال: هذه متنزهاتُ العيون، فأين متنزهات القلوب؟ قلنا: وما هي؟ قال: (عيون الأخبار)للقتبي، و(الزهرة) لابن داود، و(قلق المشتاق) لابن أبي طاهر، ثم أنشد :

ومن تكُ نزهتَه قينةٌ ** وكأس تحث، وكأس تُصَبْ
فنزهتـنا واستراحتـنا ** تلاقي العيون، ودرس الكتبْ


قال ابنُ الأعرابي:

لنا جـلساءُ ما نمـلّ حديثُهم ** ألبّاء مأمونون غيْبًا ومشهدا
يفيدوننا من علمهم علم ما مضى** وعقلا وتأديبًا ورأيًا مسدّدًا
بلا فتنةٍ تخشى ولا سوء عشرة ** ولا يُتقى منهم لسانا ولا يدا
فإن قلتَ: أمواتٌ، فل أنت كاذبٌ** وإن قلت: أحياء، فلستَ مفنّدا


وقيل لرجل: من يؤنسُك؟ فضرب بيده إلى كتبه، وقال: هذه، فقيل: من الناس؟ قال: الذين فيها، وقيل: هذه الأبيات وغيرها، كانت على باب خزانة الإمام أبي بكر القفّال:
 

خليلي كتابي لا يَعافُ وصاليا ** وإن قلّ لي مالٌ، وولّى جماليا
كتابي عشيقي حين لم يبقَ معشقٌ ** أغازِله لو كان يدري غزاليا
كتابي جليسي لا أخاف ملاله ** محدّث صدقٍ لا يخاف ملاليا
كتابي بحر لا يغيض عطاؤه ** يفيض عليّ المال إن غاضَ ماليا
كتابي دليل على خيرِ غايةٍ * فمن ثَمّ إدلائي ومنه دلالـيا


حكى التبريزي اللغوي أن أبا الحسن بن سلّك الفالي الأدب كانت له نسخة(الجمهورة) لابن دريد، فدعته الحاجة فباعها الشريف المرتضى أبو القاسم بستين دينار، وتصفحها فوجد بها أبياتا بخط بائعها الفالي، وهي:


أنستُ بها عشرين حولًا، وبعتها ** لقد طال وجدي بعدها وحنيني
وما كان ظني أنني سأبيعها ** ولو خلّدتني في السجون ديوني
ولكن لضعف، وافتقار، وصبيةٍ** صغارٍ عليهم تستهلّ شؤوني
فقلتُ ولم أملك سوابق عبرة ** مقالةَ مكوي الفؤاد حزيني
(وقد تخرج الحاجات يا أم مالك** كرائم من ربٍ بهنّ ضنينِ).

 

(2) قيمةُ العلم عند السلف:

أ-
قال ابنُ القيم – رحمه الله – ولو صوّر العلم صورة، لكانت أجملَ من صورة الشمسِ والقمرز

ب- قال الله تعالى " وقل ربّ زدني علما " قال الزمخشري: هذه الآية متضمنة للتواضع لله، والشكر له، عندما علم من ترتيب التعلّم، أي: علّمتني يا رب لطيفةً في باب التعلم، وأدبا جميلا ما عندي، فزدني علمًا إلا علم، فإن لك في كل شيء حكمةً وعلما " الكشاف(2/448).

ج-
عن ابن عبّاس – رضي الله عنهما – قال: لو كان أحدٌ يكتفي من العلمِ، لاكتفى منه موسى –عليه السلام- لما قال { هل أتبعكَ على أن تعلمنِ مما علمتَ رشدا }.

د-
قال ابنُ مسعود " والذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آيةٌ من كتابِ الله إلا أنا أعلم بما أنزِلت، ولو أعلم أحدا أعلمَ مني بكتاب الله، تبلغه الإبل؛ لركبتُ إليه:.

هــ- يقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة " لقد ظننت ألا يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أول منك؛ لما رأيتُ من حرصكَ للحديث " قال البدر العيني " الحريص يبلغه الحرص إلى البحث عن الغوامض، ودقيق المعاني؛ لأن الظواهر يستوي الناس في السؤال عنها؛ لاعتراضها أفكارهم، وما لطفَ من المعاني لا يسأل عنها إلا الراسخ (عمدة القاري2/ 128).

و-
ذكرَ ابن حزم عن يحيى بن مجاهد، قال: كنتُ آخذُ من كلّ علمٍ طرفًا، فإن سماع الإنسانِ قوما يتحدّثون وهو لا يدري ما يقولون غُمة عظيمة، أو كلامًا هذا معناه، قال ابنُ حزم : وصدق – رحمه الله -.

ز- محمد بن طلحة النعالي: أنه حضر مع الدارقطني دعوةً، فجرى ذكر الأكَلَة، فاندفع الدارقطي يوردُ نوادرَ الأكَلَة، حتى قطع أكثر ليلتِه بذلك.


حـ-
شمس الدين بن الديري: سمعتُ الشيخ علاء الدين البسطامي- ببيت المقدس- يقول وقد سأله: هل رأيت الشيخ تقي الدين ابن تيمية؟ فقال: نعم قلتُ: كيف كانت صفتُه؟ قال: هل رأيتَ قبّة الصخرة، قلتُ: نعم قال: كان كقبة الصخرة مُلْأَ كتبًا، لها لسانٌ ينطق.

ط- كان ابن الخشاب النحوي الحنبلي(567) يقول: إني متقن في ثمانية علوم، ما يسألني أحد عن علمٍ منها، ولا أجد لها أهلا، وكان أبو البقاء السبكي(777)يقول: أعرف عشرين علما، لم يسألني عنها بالقاهرة أحد.

(3) أخبار أهل العلم مع العلم.

أ-
سأل ابنُ أبي حاتم أباهُ وهو في النزع ولا أعلم، عن عقبة بن عبد الغافر، يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، له صحبة؟ فقال برأسِهِ: لا، فلم أقنع منه، فقلتُ: فهمتَ عني؟له صحبة؟ قال: هو تابعي اهـ.
يقول ابنُه : فكان سيد عمله معرفةَ الحديث، وناقلة الأخبار، فكان في عمره يُقتبس منه ذلك، فأراد الله أن يُظهر عند وفاتِه ما كانَ عليه في حياتِه.

ب- انتهى مسرّة بن مسلم الحضرمي – وكان من أهل العلم والزهد التام- إلى قوله (وعجلتُ إليك ربّ لترضى) وكان ابتدأ القرآن حين احتضر، ففاضتْ نفسُه.

ج-
حفظ جمال محمد بن عبد الله بن مالك النحوي خمسة شواهد، في اليوم الذي ماتَ فيه.

د-
يقول ابن عقيل الحنبلي (513) : إني لأجد من حرصي على العلم، أنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجده، وأنا ابن عشرين سنة.

هـ- قرأ العلامة المتفنن ابنُ الجوزي وهو في(الثمانين) القراءات العشر على ابن الباقلاني، مع ابنه يوسف، قال الذهبي معلقا –
فانظر إلى هذه الهمة العالبة!-.
 

(شغفُ العلم بقراء الكتب)


أ- قال الجاحظ في (الحيوان):
من لم تكن نفقته التي تخرج من الكتب، ألذ من إنفاق عشاق القيان، والمستهترين بالبنيان، لم يبلغ في العلم مبلغا رضيا، وليس ينتفع بانفاقه حتى يؤثر اتخاذ الكتب إيثار الأعرابي فرسه باللبن على عياله، وحتى يؤمّل العلم ما يؤمّل الأعرابي في فرسه.

ب-
ذكر ابنُ حزم، وابن الجوزي قاعدة ( لا يخلو كتاب من فائدة ).

ج- يقول ابن الجوزي في(صيد الخاطر)
ولو قلتُ: أني طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر، وأنا بعدُ في الطلب).

د- نقل ابن رجب عن ابن عقيل: أنا أقصر بغاية جهدي أوقات أكْلي، حتى أختار سفّ الكعك، وتحسّيه بالماء على الخبر؛ لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ؛ توفرا على مطالعة، أو تسطير فائدة لم أدركها فيه اهـ.

هــ- أبو الخير بن عبد القوي عن العمَري الصغّاني =
أعرفهُ أزيدْ من خمسين سنة، وما دخلت إليه قطّ إلا ووجدته يطالع، أو يكتب.

و- قال ابن القيم :
حدثني عبد الرحمن ابن تيمية، أخو شيخنا، عن أبيه عبد الحليم، قال: كان الجد أبو البركات إذا دخل الخلاء يقول لي: اقرأ في هذا الكتاب، وارفع صوتَك، حتى أسمع.

ز- قال الشوكاني عن المؤدي اليماني: كان من عجائب الدهر، وغرائبه، فإن مجموع عمره تسع وعشرون سنة، وقد فاز من كل فنّ بنصيب وافر... وصنّف في هذا العمر القصير التصانيف المفيدة والفوائد الفريدة العديدة-وذكر عددا منها ثم قال-: وإذا سافر أول ما تُضرَب خيمةُ الكتب، وإذا ضُربت دخلَ إليها، ونشرَ الكتب، والخدمُ يصلحون الخيَم الأخرى، ولا يزالون ليله جميعه ينظر في العلم، ويحرر ويقرر مع سلامة ذوقه.

ح- ذكر الذهبي عن ابن طاهر المقدسي أنه قال:
بُلتُ الدم في طلب الحديث مرتين، مرةً ببغداد، ومرة بمكة، وقال: كنت أمشي حافيا في الحر فلحقني ذلك، وما ركبتُ دابة قط في طلب الحديث، وكنت أحمل كتبي على ظهري، وما سألتُ في حال الطلبِ أحدًا، كنتُ أعيش على ما يأتي اهـ.

ط- ذكر الذهبي عن الدغولي أنه قال:
أربع مجلدات لا تفارقني سفرًا وحضرًا، كتاب المزني، وكتاب العين، والتاريخ للبخاري، وكليلة ودمنة.

ي- ذُكر عن التبريزي أنه حصلت له نسخة لكتاب (تهذيب اللغة) للأزهري، في عدة مجلدات، فأراد أخذها عن عالم باللغة، فدل على أبي العلاء، فجعلها في مخلاة، وحملها على كتفه من تبريز إلى المعرة، ولم يكن له ما يستأجر به مركوبا، فنفذ العرق من ظهره إليها، وقيل: إنها ببعض الوقوف البغدادية، وأن الجاهل بخبرها إذا رآها يظن أنها غريقة، وليس بها إلا عرق يحيى بن علي-رحمه الله-.

كـ- قال الذهبي في(السير) لم يشتغل عيسى بن أحمد اليونيني إلا بالعبادة والمطالعة، وما تزوج، بل عقدَ على عجوزٍ تخدُمُه.

ل-
كان سليم بن أيوب الرازي يحركُ شفتيه، إلى أن يَقُطَّ القلم.

م- حدّث أبو هِفّان قال:
لم أرَ قطّ ولا سمعتُ من أحبَّ الكتب والعلوم أكثر من الجاحظ، فإنه لم يقع بيده كتابٌ قطّ إلا استوفى قراءته كائنًا ما كان، حتى إنه كان يكتري دكاكين الورّاقين، ويبيتُ فيها للنظر.

ن- كان الفتح بن خاقان
يحضر مجالسة المتوكل، فإذا أراد القيام لحاجة أرج من كمه أو خفه وقرأه في مجلس المتوكل، إلى حين عَوده إليه، حتى في الخلاء.

ص- كان عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب
لا يجالس الناس، وينزل مقبرة من المقابرة، وكان لا يكاد يُرى إلا وفي يده كتاب يقرؤه، فسئل؟ فقال: لم أوعظَ من قبر، ولا أمنعَ من كتاب، ولا أسلمَ من الوحدة، فقيل له: قد جاء في الوحدة ما جاء! فقال: ما أفسدَها للجاهل، وأصلحَها للعاقل!.

ف- سئل أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي: ((ما تقول في عزلة الجاهل؟ فقال: خبال ووبال، تضره ولا تنفعه، فقيل له: فعزلة العالم؟ قال: مالك ولها، معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر، إلى أن يلقاها ربّها)).

ض-
قال الجاحظ في (الحيوان) سمعت الحسن اللؤلؤ الكوفي صاحب أبي حنيفة، يقول: غبَرتُ أربعين عاما ما قِلتُ ولا بِتُّ ولا اتكأتُ إلا والكتابُ موضوعٌ على صدري.

ر- قال ابن الجهم
(( إذا غشيني النعاس في غير وقت نوم – وبئس النوم الفاضل عن الحاجة- فإذا اعتراني ذلك تناولت كتابا من كتب الحكَم، فأجد اهتزازي للفوائد، والأريحية التي تعتريني عند الظفر ببعض الحاجة، والي يغشى قلبي من سرور الاستبانة وعز التبيين أشد إيقاظا من نهيق الحمير وهدة الهدم)).

س- قال رجلٌ لخالد بن صفوان
(أحد بلغاء العرب وفصائحها) ما لي إذا رأيتكم تتذاكرون الأخبار، وتتدارسون الآثار، وتناشدون الأشعار، وقع علي النوم؟ قال: لأنك حمار في مسلاخ إنسان.

ت- الزبير بن أبي أبكر بكار قال: قالت ابنة أختي لأهلنا " خالي خير رجل لأهله، لا يتخذ ضرّة، ولا يشتري جارية،قال: تقول زوجته " والله لهذه الكتب أشد علي من ثلاث ضرائر.

ث- كان القاضي برهان الدين الزرعي الحنبلي مغرمًا بالجواري التركيات، قال الصفدي: كنت أراه جمعة في سوق الجواري، وجمعة في سوق الكتب، فجمع بين الدر والدراري.

خ- ذكر الحافظ ابن حجر
في ترجمة شافع الكناني (( كان يحب جمع الكتب، حتى أنه لما مات ترك نحو العشرين خزانة ملأى من الكتبِ النفيسة)) وكان من شدة حبه للكتب إذا لمس الكتاب يقول (( هذا الكتاب الفلاني، ملكته في الوقت الفلاني، وإذا طُلب منه أي مجلد كان، قام إلى الخزانه فتناوله كما وضعه فيها)).

(4) صور من العصر الحديث.

أ- الشيخ جمال الدين القاسمي (1332) يقول: وقد اتفق لي بحمده تعالى قراءة " صحيح مسلم " بتمامه رواية في أربعين يوما، و" سنن ابن ماجه " في واحد وعشرين يوما، و" الموطأ "في تسعة عشر يوما، و" تهذيب التهذيب " مع تصحيح سهو القلم فيه وتحشيته، في نحو عشرة أيام، فدع عنك أيها اللائم الكسل، واحرص على عزيز وقتك بدرس العلم، وإحسان العمل.

ب-الشيخ محمد بدر الدين الحسني(1345)
حفظ الصحيحين غيبا بأسانيدهما، ونحو (20) ألفا من المتون العلمية، ما أحب في الدنيا غير الكتب، ويشتري المخطوط ولو بوزنه ذهبًا.

ج- الشيخ الأديب علي الطنطاوي
يقول " فأنا اليوم، وأنا بالأمس، كما كنت في الصغر، أمضي يومي أكثره في الدار أقرأ،
وربما مر علي يوم أقرأ فيه ثلاثمائة صفحة، ومعدّل قراءتي مئة صفحة من سنة(1340) إلى سنة(1402).

(5) قراءة المطولات في مجالس معدودات.

أ- الشيخ عز الدين بن عبد السلام
كان يخرج إلى المسجد يوم الأربعاء ومعه(نهاية المطلب) للجويني، فيمكث بالمسجد يوم الأربعاء ، ويوم الخميس، ويوم الجمعة، إلى قبيل الصلاة، فينظر في هذا الوقت(النهاية) وقال الشيخ سراج الدين البُلقيني: ولا أستبعد؛ لأن الشيخ عز الدين لا يشكل عليه منها شيء، ولا يحتاج إلى أن يتأمل إلا شيئا قليلا ...".

ب- الحافظ أبو الحجاج المزي
يقرأ (المعجم الكبير) للطبراني بحضور الحافظ البرزالي في ستين مجلسًا.

ج- الحافظ العراقي
قرأ (مسند الإمام أحمد) على ابن الخبّاز في ثلاثين ميعادا.

(6)
تكرار قراءة الكتاب الواحد المرات الكثيرة.

أ- قيل:
قراءة كتاب واحد ثلاث مرات، أنفع من قراءة ثلاثة كتب في الموضوع نفسه.

ب- قال المزني: أنا
أنظر في كتاب-الرسالة- منذ خمسين سنة، ما أعلم أني نظرتُ فيه مرة، إلا وأنا أستفيد شيئًا لم أكن عرفته.

ج- كرر (أبو بكر بن عطية
) صحيح البخاري، سبع مئة مرة.

د- قال الشيخ العلامة عبد العزيز الميمني الراجكوتي
(1398) : قرأتُ " معجم الأدباء " على الأقل سبع أبو ثماني مرات، وأفضِّله على كتاب " وفيات الأعيان " .

هـ - قال السخاوي :
حكي عن مالك أبو إسحاق الأبناسي أنه قرأ (أوضح المسالك) لابن هشام، ما ينيف على الثلاثين.

و-
ذكر القاضي عياض في" ترتيب المدارك" عن أبي بكر الأبهري أنه قال: قرأت مختصر ابن عبد الحكم خمس مائة مرة، والأسدية خمسا وسبعين مرة، والموطأ خمسا وأربعين مرة، ومختصر البرقي سبعين مرة، والمبسوط ثلاثين مرة).

ز- يقول عبد الله بن محمد اليَعمري :
لازمتُ تفسير ابن عطية، حتى كدتُ أحفظه.

ح- اشتُهر أحمد اليماني
بمعرفة كتاب " الوسيط " حتى كان يعرف أين مكان المسألة فيه، وفي أي صفحة هي، بعد أن أصيبَ بالعمى = وهو كتاب للغزالي، وله البسيط، والوجيز، والخلاصة في المذهب الشافعي.

(7) تدريس الكتاب أكثر من مرة.

أ-
لقب الإمام " الزركشي " بـ " المنهاجي " نسبة إلى منهاج الطالبين، للنوي؛ لعنايته به وإتقانه للفهم والشرح

ب- يقال:
أن إسماعيل بن الفراء الحرّاني أقرأ (المقنع) مئة مرة، وكتب بخطه المغني، والكافي، لابن قدامة.

ج-
بعضهم ألقى الكشّاف ثماني مرات، وأقرأ المدونة كل شهرين مرة، ودرّس التذكرة لابن عقيل أربعين مرة.


د-
بعضهم أقرأ البخاري أربعين مرة، والألفية ثلاثين مرة في الشهو الواحد، ومختصر خليل ثلاثين مرة، والآجرومية ما زال يقرئها خصوصا للصغار من أعقابه وأبناء أهل المودّة من وفاتِه.

هــ-
ومنهم من درّسها سريعا، كتدريس المدونة في شهر، والحاوي في أيام يسيرة.

و- لطيفة :
يذكر عن " أبو رأس " بقوة الحافظة وسعة الاطلاع، فاتهموه، فاجتمع جماعة من تلاميذه فركب كل واحد منها حرفا وجعلوه اسما لملك، وسألوا الشيخ، فأملى ترجمته وسيرته، فاتفقوا أن الشيخ كاذب ... ولما طالت المدة وقف أحدهم على الاسم والسيرة في كتاب تاريخي على نحو ما أملاه الشيخ، فعلموا صدق الشيخ، وهم مقصرون متهمون مما هو منه بريء، وعقب الكناني: وهذه حالةُ كبار الحفاظ مع القاصرين والجاهلين.

(8) إيقاظات وتنبيهات، لطلبة العلم.

الأول :
أجلّ العلوم ما قربّكَ من خالقك، وما أعانك على الوصول إلى رضاه، وهذه هي علوم السنة والكتاب

الثاني :
الأصل الأصيل في تلقي العلوم، هو عن أفواه المشايخ، وهي طريقةُ السلف، قبل تدوين الكتب.

الثالث:
العلم مودعٌ بالكتب، إلا أنّ مفاتَحَه بأيدي الرجال.

الرابع :
التنقل بين الكتب دليلٌ على ملل الطالب، وعدم فلاحه – غالبا -.

الخامس :
ليحرص طالب العلم على كتب المتقدمين، والمحققين كابن جرير (310) والبغدادي (463) وابن عبد البرد (463) وابن قدامة (620) والنووي (676) وابن دقيق العيد(702) وشيخ الإسلام (728) وابن القيم (751) وابن كثير (774) وابن رجب (795) والعراقي (806) وابن حجر (852) وغيرهم.

السادس :
ليس كل كتاب يقرأ سريعا! ولا حرج للمتفنن في فنّ ما أن يقرأ ما يستجد له من كتب الفن قراءة سريعة، وكذلك في كتب التاريخ والأدب والسير والتراجم فيقرأها سريعا، مع تدوين النكات والفوائد، أما الكتب الكبيرة مثل " فتح الباري " التمهيد " تاج العروس " تفسير القرطبي " أضواء البيان " فلن يخرج بالفائدة التي كان يرجوها، فلهذا النوع من الكتب نوع خاص من القراءة، ذكرها أبو عبد الرحمن بن عقيل في(الفنون الصغرى) السفر الخامس، في قراءة مثل هذه الكتب.

السابع :
معرفة اقتناص الفوائد، وسرعة اقتناصها، والاحتفاظ بها، ومعرفة توظيفها ووضعها في مكانها اللائق، هذه الثلاث إذا اجتمعت استكملَ الطالبُ فوائدَ القراءة، وجنى ثمرها.

قال الفربري راويةُ البخاري
( كنت مع محمد بن إسماعيل بمنزله ذات ليلة، فأحصيتُ عليه أنه قام وأسرجَ يستذكر أشياء يعلقها في ليلةٍ، ثمانِ عشرة مرة).

ومن الكتب في الفوائد المفردة :
( الفنون ) لابن عقيل، و( الفوائد العونية ) للوزير ابن هبيرة، و( صيد الخاطر ) لابن الجوزي و( قيد الأوابد ) للدغولي في أربع مائة مجلد، و(بدائع الفوائد) لابن القيم، وتذكرة السيوطي، والصفدي.

ولا يتوهّمن أحد لأجل ثنائنا وإشادتنا بتقييد العلم، وتدوين الفوائد، أنا نقلل من أهمّية الحفظ، ونحطّ من شأنه، كلا؛ إذ لا تعارض بينهما بحمد الله تعالى، وهل من ذكرنا خبرهم – قريبا – في حرصهم على التقييد .. إلا من أكابر الحفاظ،
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

إلى هنا =
انتهى انتخابُ الكتاب، وفي الغد : أكملُ ما استطعتُ من " سنابل الحكمة " وأشرع في " الجزء الثالث " من ( التدريبات اللغوية ).
إن شاء الله الباري.
 

أخوكم / أبو الهُمام البرقاوي
ليلة الثلاثاء، الموافق / 23 / 10 / 2011م


بارك الله في الشيخ الجليل/ علي العمران،
وأرجو أن يسامحني على هذا التطفل الثقيل، فمع أني لم أستأذن في انتخاب كتابه المفيد، إلا أني جازم على رضاهُ بما فعلت؛ نشرًا للعلم، وذكرًا له في محياه ومماته.

 

طلب العلم

  • مقدمة الموسوعة
  • منهجية الطلب
  • القراءة
  • دراسة الفنون
  • الحفظ
  • أدب الحوار والخلاف
  • متفرقات
  • المكتبة
  • الأفكار الدعوية
  • الموسوعة