اطبع هذه الصفحة


طالبَ العلمِ؛ إذا عرفتَ الطريقَ فقد أمنتَ الوصول! (المنهجية)

معاذ إحسان العتيبي

 
إنَّ السعيَ لتحصيلِ العلمِ من ألذ العبادات وأشرفها، يقطعُ بذلك كل من جرَّب وكابد، حيثُ إنَّ النفس بعدَ ذلك تسعى لترنو الوصول أعلى الدرجاتِ وأسماها، فإن العلمَ يورث في القلبِ عزة وعزيمة، ومفخرًا وغنيمة، حاله:

إذا غامرتَ في أمر مرومٍ *** فلا تقنع بما دونَ النجوم

تجدُ هذا الطالبَ المجِد يحملُ المتونَ والأسفار، في حله وارتحاله، سفرهِ وحضره، مجلسهِ وقيامه، مَشيه ووقوفه، هذا لأنَّ الحبَّ الذي يطغى -بل قد طغى- يكتنفه أبدًا سرمدًا.

والغنيمة كل الغنمِ أن يكونَ هذا الطَّالب المجد سائرٌ في دربِهِ ماضٍ في عزمه، لا توانيه الظروف والأحوال، ولا تنغِّصه المصائب والأوبال، قلبه معلق بالله ولسانه لا يفتر عن ذكر الله بل يستهدي ويسترشد من ربِّ العزَّةِ ذي الجلال.

وأغنمُ من هذا كلِّه زيادةً- أن تجدَ هذا الطالبَ المجد قد (وُفِّق) في مسيره، وهذه كلمةٌ أعني التوفيق- سهلة النطق عسيرة المنال، وهذا لتقريره في النفسِ أصعبُ وأشدُّ من تحبيره وتنويره.

ومعنى (توفيق الله لطالب العلم) أن يعرفَ هذا الطالب ما يصلح له وما لا يصلح، ولعمر الله لو علم كل صاحبِ همٍ ما يُصلح به همه وما لا يُصلح لكابدَ الأنفس وعذَّبها لنيلِ هذه الإصلاح!

فما إخالكَ بعبدٍ طائعٍ باحث عن طرق القرب إلى الله بالعلمِ ينالُ هذا (التوفيق) فإن نيلها والكرم بتحصيلها تعني لنا:

* سلامة السيرِ والجدِّ فيه بعزمٍ وحزم.

* عدم العبءِ بعتبِ الآخرين ونصحِهم وتصحيحهم.

* الرقي في التحصيل؛ فإذا به يصيرُ ممن يشار إليه بالبنان، ويصبوا إليه الخَلق كالعنان.

* الاسترشاد منه للتصحيح والتنقيح؛ لأن (من جرب عرف) و (من أمن الطريق أمن الوصول).

فإن قيل: قد أضنيتنا بذكرك التوفيق فما دلائله؟

أقول: ذاكَ السائل- حائزُ الوصول؛ وهو أي الوصول- حاجزُهُ، فكم تجدُ ممن سئلَ بحقِّ () قد حازَ بسؤْله- مراتب الوصول وسبلها، وكم تجدُ أن من أكبرِ (عوائق التحصيل الصحيح):

* تمني المعالي وهو في أدنى الدواني ()، فلا سعيَ ولا همَّة؛ بل تسويدُ الورَق بالكَلِم وعزيمة دَنِية؛ فما إخاله بالوصول وما إخال الوصول به! ما درى الطريق فمالَه وما للوصول!

* كثرة السؤال والتجني فيه بالمبالغةِ وبالتكثير، وهذا بينٌ ومقرر في المقالِ المذكور آنفًا.

لذلكَ أقول لك وبملءِ فَكَّيَّ وكَفَّي- أيها الطالب الصادق: اعلم أنك إذا عرفت الطريق وهم أقلاء- فإنك قد أمنت الوصول، ولو أن تكابد السنين في البحث عن الطريق خير لك من أن تكابد السنين في المضي في الطرق المعوجة والغالطة، فكم رأيت من صاحب همةٍ همتُهُ تناطح السحاب لم يعرف لمعنى الطريق و(حسن الوصول) سبيلًا؛ فحُرم أعظم الحرمان.

أقول هذا وأكرره -مرارًا ومكثارًا- لأمور:

* ما مسسته من طلبةٍ لا همَّ لهم من التحصيل إلاَّ (الجَرد والجَرد) ثم ماذا؟ ثم أبْلِغَ الأقران والمجلِّين لي أن (يا قوم قد أنهيتَ الكتاب الفلاني وعليَّ الحَلَوان) وقد فعلها بعضهم لأنه أنْهى (مختصر كذا وكذا) في عدة أشهر!

* ما مسسته من طلبةٍ كلما زاد في العمر والطلب زاد في الرجوع؛ فهو هوَ، وشتان بين كان هو وما زال هو! وداءُ ذلك معلومٌ لا يُجهل ومعرَّف لا ينكَّر!

* ما مسسته من طلبة يسْتحْلونَ (الأسفار النفيسة) وهذا لمضمونه بالطبع، فتراه يمشي ضمنَ "سيرٍ مهذب" و "طريق آمن" فإذا هو يمشي في "طرق الدواب" ثم يرتقي حتى يخالطَ الطريقين ببعضهما ويبحث مع ذلك عن طرق جديدة، وقفْ هنا لتدركَ الغلط!

غريب في هذا الذي ذكرتَهُ! أين الغلطَ؟ ألم يجدْ حلاوة الطرق وسهولة سلوكها؟ ألمْ يستلذَّ بتنوع الطرق وحسنِ وِصالها؟

أجل..إنه الحلو (منطوقه) المر (مفهومه)؛ بله (حقيقته) ولو درى أن المفهومَ قد يكون أجلى من المنطوق لشدة (بيانه) ما انبرى لتخبطه وتعبطه، ولكن (لغموضِ العلة) أعماه (الظاهر) عن (مؤوله) الراجح، وحينما (أطلق) عنانه وأرخى ثيابه (قيَّدته) العواقب!

ولكنْ لتطبيب هذه الأدواء فإني غير خائنٍ أحدًا بإرشادهِ "الطريق السليم" ليأمنَ "معالي الوصول" إنه الطب الخبير الذي أجمع عليه الخبراء:

[حسنُ المَنهجيةِ في الطَّلب].

قد رأيت وربِّي- رجالاً من أحسنِ ما ترى، لا يعرف لمعنى التخبط سبيلاً، بله العشوائية، وحِسان هذا الأمر وجِماعه "توفيق الله" لأنه حينما وُفِّق عرف ما يَصلح وما لا يَصلح.

نموذج...

طالبُ علم رتَّبَ أسبوعه في قراءة علوم عدة، في الفقه والعقيدة والتفسير واللغة، في هذا كتاب منهجي، وفي هذا كتاب منهجي وهكذا..

فتعرضَ له (شيخٌ ثقةٌ) وقال له: هلمَّ لأشيركَ على كتاب عزيزٍ قلَّ نظيره!

الطالب: أي شيءٍ هو؟

الشيخ: هو كتاب (التفسير الكبير) للإمام الرازي، فإنه من أروع كتبِ التفسير وأجمعها وأنفعها.

الطالب: جزيتَ خيرًا بالتي هي نصيحة، ولكن تمنعني "المنهجية" عن إجابتك، فإن أسمعْ قولكَ أُمنع مسير الدرب.

فانظر الغلطَ حينما نفخَ الشيخ في غير ضرم، واستسمنَ ذا ورم، فأشار بالذي هو غرم، وأبعدَ عن الذي هو غنم.

نموذج...

طالبا علمٍ يدرسان ويتباحثان متن "قطر الندى"، فبينا هما في "سطة الكتاب" أتاه قرينُهُ فقال له: أيْ أخيَّ! قد طالعتُ "شذور الذهب" فألفيته قد فاق كتب النحو فالزمه ولا تغتر بغيره! وليتنا قد أبدلنا قراءتنا عن هذه المتنِ؛ بهذا الكتاب.

فتأمل الغلط البيِّنَ في هذا التحول الذي أنتج منه في ظنهما "إمضاء الوقت في الفارغ"! وهذا خلاف الواقع، ولكنه الاغترار!

فخلاصة الكلام/ إلزم طريقًا تسيرُ به يوصلك المعالي، والزمْ شيخًا (صاحب منهجية لا شيخًا مطلقًا) يرشدكَ في المسير إلى أحسنِهِ وأتقنِهِ، ولا تغترَّ بكثرة الناصحينَ وإلاَّ أفقدكَ ثقةَ النفسَ والبلوغَ بها، وإن مللتَ مسيركَ المتحدَ فانءَ عنه مُدَيدة لقراءةِ كتاب أو التمتع به ثم ارجعْ إلى مسيركَ الأصيلَ حتى تكونَ:

* طالب علم تستشعر بالتفوّق وشدة النفع والرقيَّ في وقتٍ ليس بالطويل، وقد لاحظتُ هذا ممن سار على منهجية كيف صار؟! وكذا من سار على غير منهجية.

* نفع الطلبةِ في المستقبل، فالذي نشأ على منهجيةٍ سليمةٍ سيورثه لتلاميذه، وهذا باتفاق العقلاء.

* ضابطًا للعلومِ فاهمًا لها، قادرًا على إفادةِ الغير من دونما تلكؤ أو تردد.

* وسأضفي بمشيئةِ الله - تعالى -"طريقًا مرسومًا كاملاً" لطلابِ العلمِ، وهي طريقةٌ شاملةٌ واصلةٌ موصلةٌ إلى معالي الدرجات، وإلى طبقاتِ العلماء، وذلك لكثرةِ الطالبين وصدقُ السائلين.

وفَّق الله الجميع لما يحبه الله ويرضاه.



 

طلب العلم

  • مقدمة الموسوعة
  • منهجية الطلب
  • القراءة
  • دراسة الفنون
  • الحفظ
  • أدب الحوار والخلاف
  • متفرقات
  • المكتبة
  • الأفكار الدعوية
  • الموسوعة