اطبع هذه الصفحة


القراءة وأهميتها للفرد والمجتمع

اعداد: د.حذيفة السامرائي


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد:

فالقراءة
تعد منذ القدم من أهم وسائل التعلم الإنساني والتي من خلالها يكتسب الإنسان العديد من المعارف والعلوم والأفكار، فهي التي تؤدي إلى تطوير الإنسان وتفتح أمامه آفاقاً جديدة كانت بعيدة عن متناوله. ويحكى أن أول مكتبة وضعها الفراعنة تحت رعاية آلهتهم كتبوا على بابها: ( هنا غذاء النفوس وطب العقول ) .

وتعد القراءة من أكثر مصادر العلم والمعرفة وأوسعها،
حيث حرصت الأمم المتيقظة على نشر العلم وتسهيل أسبابه، وجعلت مفتاح ذلك كله من خلال تشجيع القراءة والعمل على نشرها بين جميع فئات المجتمع.
والقراءة كانت ولا تزال من أهم وسائل نقل ثمرات العقل البشري وآدابه وفنونه ومنجزاته ومخترعاته، وهي الصفة التي تميز الشعوب المتقدمة التي تسعى دوماً للرقي والصدارة.

ولبيان أهمية القراءة
فإن أول كلمة خاطب بها جبريل (عليه السلام) سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هي كلمة: ( اقرأ )، في قوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ العلق: 1-5. وهذا له دلالة كبيرة وعميقة في اكتشاف أهمية القراءة للعلم والمعرفة.

وإذا تأملنا بعض مواقف السيرة النبوية نجد اهتمامًا كبيرًا جدًا بقضية القراءة ، منها: موقف فداء الأسرى في بدر ؛ فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب من الأسير المشرك الذي يريد فداء نفسه من الأسر تعليم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة!! ، وفي هذه الحادثة دلالة واضحة وهامة على أهمية القراءة والكتابة ، لأنها احتياجات ضرورية لأي أمة تريد النهوض والتقدم.

وإذا نظرنا إلى حال المسلمين أيام بدر وجدناهم في حاجة إلى الأموال وفي حاجة إلى الاحتفاظ بالأسرى للضغط على قريش، أو الاحتفاظ بهم لتبادل الأسرى إذا أسر مسلم، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يفكر بما هو أهم من ذلك كله، وهو أن يعلم المسلمين القراءة... كانت هذه نقطة هامة في فكر النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبني أمة الإسلام بناءً متكاملاً.. حتى أن الصحابي الذي يستطيع القراءة كان يُقدَّم على أصحابه.. انظر إلى زيد بن ثابت رضي الله عنه الذي قُدم على كثير من الصحابة، وصار ملاصقاً للرسول صلى الله عليه وسلم بصفة شبه دائمة لأنه يُتقن القراءة والكتابة.. فصار كاتبًا للوحي، وكاتبًا للرسائل ومترجما للسريانية والعبرية.. و كان مبلغه من العمر ثلاثة عشر عامًا! .

لهذه المواقف – ولغيرها - غُرس حب القراءة في قلوب المسلمين، وكانت المكتبات الإسلامية في التاريخ الإسلامي من أعظم مكتبات العالم، بل أعظمها على الإطلاق ولقرون طويلة: مكتبات بغداد ، وقرطبة ، وإشبيلية ، وغرناطة ، والقاهرة ، ودمشق ، وطرابلس ، والمدينة ، والقدس.... تاريخ طويل جداً من الثقافة والحضارة والعلم.

هذه هي قيمة القراءة في الميزان الإسلامي .
. وهذه هي قيمة القراءة في تاريخ المسلمين..

أما في العصر الحديث:
فقد دخلت القراءة في أنشطة الحياة اليومية لكل مواطن، فالقراءة هي السبيل الوحيد للإبداع وتكوين المبدعين والمخترعين والأدباء والمفكرين، والأمم القارئة هي الأمم القائدة، والذين يقرأون هم الأحرار؛ لأن القراءة والمعرفة تطرد الجهل والخرافة والتخلف.

إن المبدعين والمفكرين:
( مجموعة من الشخصيات المتميزة اختاروا العلم موطناً والقراءة طريقاً؛ لأن الإبداع عندهم هو أن توجد شيئاً جديداً من مجموعة ما لديك من معطيات، ولن يتأتّى ذلك إلا بالقراءة والمعرفة المرتبطة بها ) .
إن عقولنا لا تدرك الأشياء على نحو مباشر بل عبر وسيط معرفي مكون من مبادئ علمية وعقلية وخبرات حياتية، وعلى مقدار ما نقرأ يتحسن ذلك الوسيط، وبتحسنه يتحسن فهمنا للوجود، وتتحسن معه نوعية حياتنا، ولذلك فمن لم يكن قارئاً فقد عطّل وسائط تفكيره وإدراكه وسبل حياته.

لقد ذُكر عن عباس محمود العقاد أنه قال:
(( القراءة تضيف إلى عمر الإنسان أعماراً أخرى ))، هي أعمار العلماء والكتاب والمفكرين والفلاسفة الذين يقرأ لهم, وما من عالم كبير أو مخترع عظيم إلا وكانت القراءة الواعية المستمرة وسيلته إلى العلم والاختراع، ومثال على ذلك: ) فيلو) (Philo Franz Worth) مخترع التلفزيون، فقد كان "فيلو" تلميذاً مجتهداً ومحباً للقراءة، وقد قرأ كل ما في مكتبة المدرسة عن الصوت والضوء والسينما الصامتة، وكان همه أن يجمع بين الصوت والصورة، فظل "فيلو" يقرأ، ودرس دراسة شاقة وقرأ قراءة واسعة حتى توصل إلى ما رغب فيه، وقيد اختراع التلفزيون باسمه.

فيا أمتنا جميعا:
إن لم نقرأ ، لن نجد سبيلاً للتقدم والتطور لأن كل حرفة ووظيفة مهما كانت، تتطلب المعرفة، وتتطلب مزيداً منها كل يوم في ظل هذا العصر, عصر الانفجار المعرفي الهائل وثورة المعلومات المتسارعة

وقد صدق الشاعر حيث يقول:

علومًا وآدابًا كعقل مؤيد --- وخيرُ جليسِ المرءِ كتبٌ تفيده


وقال آخر:

تلهو به إن خانك الأصحاب --- نعم المحدث والرفيق كتاب
وينال منه حكمة وصواب --- لا مفشياً للسر إن أودعته
 

نسأل الله عز وجل أن يسهل لنا طرقَ العلم والمعرفة والقراءة وأن يسهل لنا طرقَ الجنة.. وأن يفقهنا في ديننا وأن يعلمَنا ما ينفعنا، وأن ينفعَنا بما علمنا.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.



 

طلب العلم

  • مقدمة الموسوعة
  • منهجية الطلب
  • القراءة
  • دراسة الفنون
  • الحفظ
  • أدب الحوار والخلاف
  • متفرقات
  • المكتبة
  • الأفكار الدعوية
  • الموسوعة