اطبع هذه الصفحة


ولن يرضى عنك العلمانيون حتى ...

د.سعد بن عبدالله البريك

 
حتى تطالب بعزل الدين عن كثير من شؤون الحياة ، وحتى تتبرَّم من '' سيادة الشريعة '' مندداً بصوت جهوري '' إلى متى يبقى المجتمع خاضعاً للونٍ واحد ولفكرٍ واحد'' ، ''أين التعددية ''؟.

ولن يرضى عنك العلمانيون حتى تعمل على '' كسر الثوابت '' و'' خلخلة المسلَّمات '' ، بـ '' حرية الرأي '' واحترام '' الرأي والرأي الآخر '' لتوجِد لنفسك أرضية تستطيع الانطلاق منها ما دام رأيك نقيض الشريعة .

ولن يرضى عنك العلمانيون حتى تقبل التعامل بمصطلحاتهم ولا تطالب بتحديد مقاصدها ، ولك بهذا أن تمرَر تحت '' حرية الرأي '' و'' قبول الرأي الآخر ''كل ما يخالف الشريعة .

ولن يرضى عنك العلمانيون حتى تهاجِم الدعوة إلى الله باستمرار وتحاول أن توهم الناس أن '' الدين هو سبب تخلفهم وانحطاطهم ''، ولا بد من نبذه ظهرياً للسير في ركب الحضارة والتقدم .

ولأجل ذلك لا بد أن تحسن '' استغلال الأحداث'' وأن تعرف '' من أين تؤكل الكتف '' وأن تكون صياداً ماهراً لتتمكن من '' الاصطياد في الماء العكر '' فإذا قام أهل الضلال والانحراف بأعمال تفجير أو قتل ، عليك استغلال هذه الحادثة لمهاجمة حلقات ومدارس تحفيظ القرآن ومكاتب الدعوة وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأنها سبب ذلك وأنها '' تزرع وتُفرَخ الإرهاب '' في رؤوس رُوَادِها .

ولن يرضى عنك العلمانيون حتى تهاجِم العلماء بـأنهم '' علماء السلطان'' و''لا مصداقية لهم'' ، وأنهم في ''أبراجهم العاجية'' لا يعيشون نبض المجتمع ولا يتفاعلون مع مشكلاته ، وحتى تزرع إسفين الفُرقة بينهم وبين الدعاة بتصوير هؤلاء الدعاة أنهم دعاة تطرف وفتنة وخروج على ولاة الأمر ، فإذا زرعتَ هذا الإسفين بينهم ؛ اختلفوا وتنافروا وسقطوا من أعين الناس ، وحينئذ تستطيع اصطياد العامة والبسطاء من الناس .

ولن يرضى عنك العلمانيون حتى يكون ولاؤك وحبك للغرب وحضارته بعُجَرها وبُجَرها ، وحتى تنافِح ما استطعت عنها ، وتعمل على تسويق قيمها ومُثُلِها ، وإن لم يبادلك الغربيون الشعور بالحب لك أو السعي لتسويق قيم ومفاهيم حضارتك وثقافتك ، وعليك المحافظةُ على هذا الولاء حتى ولو ''شتموا دينك'' و''أهانوا قرآنك'' و''قتلوا بني جلدتك'' و''اغتصبوا النساء'' و''احتلوا الديار'' و''نهبوا الثروات'' ، وليكن ''تحريك الشهوات وإثارة الغرائز '' سلاحك الماضي لتسويق التغريب ، وإذا ترافق مع هذا السلاح تهميش الدين من الأنفس وانتقاص العلماء والدعاة ، سهُل عليك إيقاع الناس في فخ ''التغريب'' .

ولن يرضى عنك العلمانيون حتى تكون دائم التأهب والترقب فإذا بان من عوار الغرب شيء ، فعليك أن تبادر إلى ستره وتغطيته ، حتى ولو '' سَبَّ نبيك صلى الله عليه وسلم واستهزأ به '' وَوصفَه بأشنع الأوصاف ، لأن '' العالمية '' تقتضي منك أن تتجاوز الإقليمية والصراعات الدينية.

ولن يرضى عنك العلمانيون حتى تُغْفِلَ قضايا المسلمين الأساسية والملِحَّة ، وتعمل على تهميشها إلى أقصى حد ممكن ، لأن في تفعيلها إيقاظا للناس.

ولن يرضى عنك العلمانيون حتى تهاجِم المناهج مدعياً أنها '' تربي الطلاب على الإرهاب '' ، وأنها '' تحشو ذهنه بما لا فائدة منه ''. وإذا كان لديك إلمام جيد بإحدى اللغات الغربية ، قُمْ بترجمة مقاطع من هذه المناهج وأرسلها إلى الدوائر المعنية هناك ، لإقناعهم بأن مناهجنا ''تؤسس الكراهية ضد الآخر ''. وليكن تركيزك على مناهج بلادك ولا تتطرق لغيرها، حتى مناهج اليهود التي تنضح بالعنصرية والكراهية والدموية ، لا تقرَبْها لأن ذلك لا يخدم مخطط ''التغريب ''.

ولن يرضى عنك العلمانيون حتى تعلم أن كلمة السر للفوز بمحبة القوم هي ''المرأة '' فاعمل على تسخير قلمك للنيل من حجابها موهماً أنه '' تقييد لحريتها'' ، وأنه '' كفن أسود أجبرت عليه وهي لا تزال على قيد الحياة '' ، وعليك أن تدندن حول '' حقوقها المهضومة '' ، سيما حقها في العمل السياسي وغيره وحقها في عدم الانفصال عن ''النصف الآخر '' ـ الرجال ـ وحقها في أن تكون حرة في كشف ما تشاء من جسدها . وعليك أن تتجاهل عمداً حقوقها المشروعة كحقها في الحياة الكريمة وحقها في الحصول على ما أوجب الله لها من الإرث ، وحقها في الزواج ممن تختار دون إكراه ، وحقها في مالها دون أن يسطو عليه أحد ، واحذر من إثارة هذه المشاكل لأن ذلك يهمش القضايا التي يدندنون حولها ويفسد دعوى '' تحرير المرأة ''.

وختاماً حتى يرضى عنك العلمانيون ، لا تحرج ''أمريكا في الكيل بمكيالين ''ولا تتحدث عن '' مفاعل ديمونة '' ولا تسكت عن نزع السلاح النووي في المنطقة ولا تذكر أسرى ''غوانتانامو'' ولا تتحدث عن الاضطهاد والاغتصاب والتعذيب في ''أبو غريب '' ولا تفتح صفحة العذاب المنسية في أفغانستان ، وكن حذراً قوي الشك من كل من رفع رأسه بالسنة وحفِظَ سمتَهُ في الالتزام بها .

هذه هي '' الخلطة السحرية '' الكفيلة بجعلك محبوباً عند دعاة التغريب، وعلى قَدْرِ مهارتك في تحضير هذه الخلطة يكون نصيبك من الود والقُرْب.

وإذا فعلت هذا كله أحبك كل منافق شرح بالكفر صدراً ، وجهر بالدعوة إلى هدم المكتسبات جهراً ، وأبرم مع الأعداء في السر أمراً ، ولاكَ لسانه في المصلحين كذباً ومكراً ، وتقرب بدعوى النصح سوءاً وغدراً .

والمسكين من صدَّق وعودهم أو وثق بهم أو ركن إليهم فَمَثُلاتِهِم في رفاقهم معلومة ، ومن حمل الأفاعي في مَزَّادته فلا يعجبنَّ مِن غرائب سُمَها
 

مذاهب فكرية

  • كتب حول العلمانية
  • مقالات حول العلمانية
  • الليبرالية
  • الحداثة
  • منوعات
  • رجال تحت المجهر
  • الصفحة الرئيسية