اطبع هذه الصفحة


حقيقة الإسلام العلماني

محمد صالح المنجد


عناصر الموضوع:
1. من الحِكم في سنة التدافع بين الحق والباطل
2. طرق التشويه والتحريف لهذا الدين
3. طرق وصور الطعن في هذا الدين
4. الإسلام العلماني
5. إقامة الحدود وحرية الإنسان
6. قدسية النص القرآني
7. حجية السنة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ..أما بعد

من الحِكم في سنة التدافع بين الحق والباطل

فإن الله -سبحانه وتعالى- أنزل دين الإسلام، ليكون شريعة للأنام، وجعله -سبحانه وتعالى- مهيمناً على ما قبله من الأديان، أحكم أحكامه، وشرع شرائعه، وأنزل هذا النور، وجعل نبي هذا الدين أفضل الأنبياء، وأصحابه أفضل الحواريين على مر العصور والدهور...
هذا الدين عظيم، ومن عظمته .. أنه مهما اجتمع الناس على حربه فإنه باقٍ، ومهما جرت المحاولات لتشويهه وتعطيله وتنحيته، فإنه لا يزال حياً قائماً موجوداً، ولا تزال طائفة من هذه الأمة به ظاهرين، على الحق ثابتين.
عباد الله، من عظمة هذا الدين، أنه مهما اجتمعت عليه سموم الأقلام، وأحقاد الإعلام، والشرق والغرب، وكيد اليهود والنصارى، وسعي المنافقين، فإنه لا يزال قائماً، هذا من أدلة العظمة، ولو لم يُمتحن هذا الدين في الواقع، بمثل هذه الضغوط العظيمة والكيد الجبار، ومكر الليل والنهار، ما ظهر تفوقه، ولا بانت عظمته، والله -عز وجل- من حكمته أنه يقدّر الجولات، بين الحق والباطل، هذه الصراعات، وهذه التدافعات، كر وفر، إقبال وإدبار، امتداد وانحسار، هزيمة وانتصار، إنه تدبير الواحد القهار، مكور الليل على النهار، -سبحانه وتعالى- ، وهذه الحكمة البالغة من جعل هذا التدافع، وهذه السنة الإلهية في جعل هذه المواجهة يصطفي الله بها -عز وجل- من أهل العلم من يثبون على الحق، ويدافعون عن الدين، ويصمدون أمام موجات الأعداء، ويثبّتون المسلمين، يوضحون هذا الدين، وينشرونه في العالمين، ويدافعون عنه بين هؤلاء الحاقدين والماكرين، وهذه أيضاً سنة عظيمة يرفع الله بها أجور هؤلاء الصالحين والعالمِين، ويجعل بها أبواباً للفتنة وارتكاساً لأولئك الأعداء من الكافرين والمنافقين، فيجعلهم في جهنم دركات، كما يجعل أهل الحق والثبات في الجنة درجات، جعل الله من هذا الكتاب آيات محكمات، وأخر متشابهات، ابتلاء للعباد، ويتبين من الذي يزيغ من الذي يثبت، من الذي يرى نور الحق من الذي لا يبصره، من الذي نور الله بصيرته فاستنارت، ومن الذي أعرض وتعامى فغشت عينيه من الغشاوة، وصار في أذنيه من هذا العزل ما جعله يعرض عن الحق ويدبر عنه .
آيات محكمات مبينات مفصلات، واضحات الدلالة لا التباس فيها، وأخر متشابهات على بعض الناس، وهذا التشابه من قدر الله تعالى أن جعله في كتابه، فيتميز به أهل العلم في رد المتشابه إلى المحكم، وتفسير المتشابه بالمحكم، فيزول اللغط وتزول الشبهة، وتنقشع غيوم الحيرة عن الناس، ويرون الحق أبلج، وأيضاً تكون هذه المتشابهات أداة في أيدي هؤلاء المنافقين والكافرين، والماكرين وأعداء الدين ليحاربوه بها، وكان ربنا تعالى قادراً على أن يجعل كل آيات الكتاب العزيز واضحة للعامة، فضلاً عن الخاصة، ولكنه -عز وجل- أراد ما أراد لحكمة بالغة،كان بالإمكان أن يكون الدين منصوراً على طول الزمان، وأهل هذا الدين ظاهرين بالسيف والسنان على مر العصور، وكر الدهور، وتوالي الأيام، ولكنه -عز وجل- يريد أن يصطفي شهداء وعلماء، وأهل حق وثبات، ولذلك شاء ما شاء.

طرق التشويه والتحريف لهذا الدين

يقوم أعداء الدين في كل زمان ومكان بمحاولة إطفاء نور الحق، وأن يُغَشُّوه ويَغُشّوه، وأن يستروه ويكفروه والكفر هو الستر والتغطية، حرباً عليه، وتنفيراً عنه، وقلباً لحقائقه، وتشويهاً لصورته، وتحريفاً له، وصداً للناس عنه، وصرفاً للناس إلى غير مراد الله ورسوله منه، وقد تمثلت جهودهم في أنواع من المكر، تارة بالتشويه على المعلومة، تارة بجحد النص، تارة بتحريف معنى النص، تارة بإدعاء دعاوى على النص باطلة، تارة بالتشكيك في النص، وتارة بالتصويت على النص والحكم الشرعي، وإخضاع الأحكام المعلومة بالضرورة للمناقشة، وجعل الثوابت الإسلامية مجال للتصويت عليها، وأخذ الآراء، وتوضع أحكام الله على مائدة النقاش والحوار بدعوى المنطق وحرية الكلمة، ليصبح كل شيء قابلاً للنقاش، تُطرح الثوابت القطعية الشرعية، والأحكام المرعية الإلهية لأجل أن يؤيد فلان وأن يعارض فلان، وهكذا تُجرى التصويتات على هذه الأحكام في البرلمانات والمنتديات .
استفتاءات حول القبول بتطبيق الشريعة، استفتاءات هل تؤيد أن تقيم الفتيات في المجتمع العلاقات؟ هل تؤيد الزوجة الثانية ؟ هل تؤيد الحدود الشرعية ؟ هل أنت مع حد الردة أم أنت معارض له؟ هل أنت مع حد الخمر أم أنت معارض له ؟ هل تؤيد إقامة حد الزنا أم لا ؟ هل تؤيد حد الرجم ؟ هل تعتقد أنه كان مخصوصاً بزمن معين ؟ أو كان مناسباً وملائماً لمدة معينة؟هل تظن بأن هذا الحد هو من الدين ؟ أم ليس كذلك، وهكذا .. تارة بتشويه أهل الحق وسمعتهم كما قال الأولون عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- : ساحر كذاب مجنون .

طرق وصور الطعن في هذا الدين

الطعن يأخذ أشكالاً كثيرة، كما قال الله -عز وجل-: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ}(التوبة: من الآية12). فهذا الطعن في الدين له أشكال وصور، قام المنافقون في العهد النبوي بأنواع من المكر في هذا، يشككون في الوحي، يشككون في النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويرمون المسلمين عن قوسٍ، ويقفون مع أعداء الدين، ويتحالفون مع الكفار الذي حاصروا المدينة النبوية، ويعقدون الصلات وأنواع المؤامرات مع اليهود الذين كانوا منتشرين في تلك المدينة وما حولها، يتمالأ المنافقون مع الكفار واليهود لإحكام الحصار حول المدينة، وعندما تأتي جموع الكفار محاصرة من قريش وغطفان وأوباش العرب، يقول المنافقون: سبب بلائنا وشقائنا هذا الرجل، هذا محمد الذي عادى العرب، فرمونا عن قوس واحدة، وحاصرونا وجوّعونا وأخافونا، حتى لا يستطيع أحدنا أن يذهب لقضاء حاجته، هذا النبي بهذا الدين هو الذي جعل الأمم تعادينا، والروم تهددنا، والفرس تكايدنا، وهكذا من أنواع الضغوط النفسية التي عانى منها المسلمون كثيراً في مكة من قبل المدينة، ومن بعد والله غالب على أمره .

1.التشكيك في المسلّمات الشرعية بحججٍ واهية

التشكيك بالمسلّمات الشرعية اليوم بحجة حقوق الإنسان، حرية الفكر، الأُخوة الإنسانية، المساواة بين الجنسين، اختلاف الزمان، تغير الأحوال، مسايرة الواقع، مواكبة التطور والحضارة، مجاراة الأمم الأخرى، صار معيار التقدم، نسبة التقدم تقاس بنسبة التخلي عن الشريعة، فكم نسبة المتبرجات هذا علامة تقدم في المجتمع؟ كم نسبة المحجبات من أعلى إلى أسفل، هذا نسبة تأخر وتخلف في المجتمع؟ كم نسبة التخلي عن الحدود الشرعية هذا يعتبر تقدم؟ لأن الإنسانية تقتضي اليوم عدم قطع يد السارق، وعدم رجم الزاني المحصن، وعدم إقامة حد الردة وقتل المرتد، فصارت الحدود معياراً للتخلف، وصار التخلي عن الحدود واستبدالها وجعل مكانها عقوبة مالية، مدة سجن معينة، هذا يعتبر مقياساً ودلالةً على التقدم والحضارة والمدنية .

2.المجتمع المدني أداة للطعن في الشريعة

صارت قضية المجتمع المدني، ولا يقصدون طبعاً المدني نسبة للمدينة النبوية، وإنما تمييزاً عن المجتمع القروي والبدوي، صارت هذه القضية تتخذ اليوم سبباً وأداة للطعن في أحكام الشريعة، صارت قضية سعة الأفق تقاس بمدى إيمانك بالكفر الآخر الموجود في العالم، وإتاحة المجال له بحجة تفهم الثقافات الأخرى، أو الانفتاح، صار قضية السكوت عن الطعن في الشرعة يعتبر تقدماً، لماذا ؟ لأنه تشجيع لممارسة النقد، وتشجيع ممارسة النقد عندهم هذه مدنية، هذه تحضّر هذه انفتاح هذه عقلية مثقفة.

3.حرية ممارسة النقد
طيب ماذا تقصدون بممارسة النقد، لو كنت تقصد بممارسة النقد؛ نقد الروتين السخيف، نقد تعطيل المعاملات، نقد تأخر الناس عن أعمالهم، نقد مثلاً أداء المصانع، نقد أداء الشركات، نقد طرق عقيمة في الإدارة، لكانت المسألة صحيحة، لكن تشجيع حرية النقد اليوم تشمل نقد الشرع، ونقد الأحكام، ونقد الثوابت لأنه ليس هنالك شيء مقطوع مسلّم به، وكل شيء قابل للتطوير والتحسين والتغيير، إذاً ما معنى قول الله -عز وجل- : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نعمتي}(المائدة: من الآية3) .إذا كانت الشريعة قابلة للتطوير والتحسين، والأحكام قابلة لمزيدٍ من التكميل، فمعنى ذلك أن الدين في عهد محمد -صلى الله عليه وسلم- كان ناقصاً، كان فيه ثغرات، يوجد فيه تخلف، الآن نريد أن ننقد لنطور ونغير ونحسّن، أليس النقد هو بداية التغيير، أليس النقد هو بداية التحسين والتطوير، فأدخلت الثوابت والمسلمات والأحكام الشرعية ضمن العجلة المتسارعة لقضية تشجيع ممارسة النقد، باسم زيادة حجم دائرة الاجتهاد أُدخلت قطعيات من الدين غير قابلة للاجتهاد، هل يمكن الآن مثلاً أن تقبل نقاش وأنت مسلم موحد لله، مستسلم لأمره، مؤمن بما شرع، أن تقبل النقاش في قضية حد القذف، هل ثمانون جلدة مناسب أو غير مناسب، هل الجلد يعتبر حضارياً مناسباً أو غير مناسب، لو كنت فعلاً على القانون الإلهي والجادة الإيمانية التي شرحها ربنا وبيّنها : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}(الأحزاب: من الآية36).

4.مبدأ الحرية وتغيير الدين

هل يمكن أن تقبل بقضية السماح بالردة، واحد يريد أن يغير دينه الإسلامي إلى دين آخر، يا أخي اقتنع بالنصرانية، بالكونفوشيسية باليهودية، بالزرادشتية، بالمجوسية بالبوذية بالهنودسية، يدخل في طائفة عبادة الشيطان أليس حراً، وتحت مبدأ الحرية تقبل قضية تغيير الدين، تغيير الهوية الدينية، بحجة الحرية، هل يمكن لمسلم أن يقبل كل هذا وهو يؤمن بقوله تعالى : {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ} نفى الله الإيمان {حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ }(النساء: من الآية65) .يرتضونك أنت حكماً وحيداً، لا غير، وحاكماً مسلطاً ومعتمداً ومطاعاً ونافذ الحكم { فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } من الخلافات، وتعدد الآراء، فاليوم ينادى بأن تكون المحاكم الغربية والأجنبية والأحكام والقوانين الدولية،هي المرجع، هي التي تحكم في الناس، لأن الحضارة تطورت والدنيا تغيرت، والأمم الأخرى أبدعت وأخرجت لنا من الكنوز القانونية والنفائس الحُكمية، والطرق القضائية، فمن باب التنَور والتقدم والتحضر وسعة الأفق،اعتماد ما عند الآخرين من الحسنات والإيجابيات، لماذا لا نأخذ ونعتمد ما لديهم، وهكذا تطرح الأشياء على البساط، ويُشكَك أبناء المسلمين وبناتهم. القبول بالتعدد ماذا يعني ؟ أن تقبل بمن ناصب دين الله العداء، وخرج عن شرعه ونابذ حكمه وتمرد عليه، وعاند دينه، وأراد ديناً آخر وشرعاً آخر، باسم حرية الاعتقاد والتعديل.اليوم تمارس أنواع من الردة، لما يقول بعضهم باسم فهم النص الحديث يقول: الله يسمح بالكفر، سبحان الله أين ذلك؟ يقول: هناك آية في سورة الكهف رقم 29، {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}(الكهف: من الآية29). وقد تنطلي القضية على بعض الجهلة ولماذا نفترض أن كل المسلمين الذين يسمعون هذه الحوارات من الشاشات هم محصّنون ضد هذا الفهم المغلوط الجاهل المنحرف الخارج عن ما أراد الله من الآية، هات ما قبلها وما بعدها حتى نفهم المقصود، هذا أسلوب تهديد، لو كان هذا عربياً أو يفقه شيء من اللغة العربية لعلم وعرف أن هذا أسلوب تهديد، العرب تقول : افعل ما تريد، اذهب وافعل ما شئت، لا على سبيل التخيير، ولا على سبيل السماح،وإنما على سبيل التهديد، فهو يقول له : سترى العاقبة، ماذا يقصد ؟ {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً}(الكهف: من الآية29). بعد كل هذا الوعيد يقال : من شاء فليكفر أن الله يسمح بالكفر وأن الله أعطى الناس الحرية في الكفر وعدم الكفر،والإيمان وعدم الإيمان، فيستدل بها على ذلك، بل إن الآيات التي فيها بيان ردة وخروج أصحاب الملل الأخرى عن دين الله، وأن الله لا يقبل هذا الكفر، يراد اليوم طمسها، وإذهابها، وإخفائها، والتغطية عليها بأي نوع من أنواع التغطيات، مع أن هنالك النصوص الصريحة الواضحة، {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}(المائدة: من الآية17) {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ}(المائدة: من الآية73) {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران:85) .
الله -عز وجل- بيّن أنه لا يقبل ديناً غير الإسلام، وأن من اعتنق ديناً غير الإسلام فهو خاسر وفي النار صاغر وعليه العذاب والدمار، ((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ)) رواه مسلم رحمه الله في صحيحه .
وهؤلاء كتابيون، أهل دين سماوي سابق، وكان عندهم نبي وقال لهم هذا الكلام فما بالك بالأديان الأخرى، من المجوسية والهندوسية والبوذية والإلحادية والشيوعية والوجودية،{وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً}(المائدة: من الآية3) يعني لا يقبل غيره، اخترته لكم، واصطفيته لكم، وارتضيته لكم، احمدوا ربكم عليه، واثبتوا عليه، واشكروا له هذا، واعبدوه به، وامتثلوه، اعملوا به، طبقوه، اعتمدوه، لا تحيدوا عنه، لا ترضوا بغيره .

الإسلام العلماني

باسم أن الحقيقة نسبية، وأن أحداً لا يملك الحقيقة المطلقة، وبمذهب النرجسية صارت الألفاظ والمصطلحات تخرج من الأدب الفرنسي وغيره، وتخرج من الكُتّاب العالميين والغربيين تؤخذ ليحارب بها الدين، يقول أحد الضالين المضلين: يجب علينا نسف النرجسية الدينية. ما معنى ذلك؟ يقول مكملاً شرح العبارة : يجب علينا نسف النرجسية الدينية التي تعتبر الإسلام الدين الوحيد في العالم. يعني الدين الصحيح الوحيد في العالم، وهكذا نجد اليوم من يشكك بقضية الأحكام، وأن الله -عز وجل- منه الحكم لا من الناس، ويقولون الدين الإسلام هذا يعني هو ممارسة بينية بين الخالق والمخلوق، وأما ما كان بين المخلوق والمخلوق وبين الناس في الأرض والمعاملات هذه لا دخل لها في الدين، وهذا هو ما يعرف بالإسلام العلماني، يقول لك : صم كما تشاء، وصل كما تشاء وباتئاد، ادخل المسجد واعتكف فيه كما تشاء، اقرأ القرآن وارفع يديك وادع، لكن خارج المسجد خارج الصلاة خارج العلاقات بينك وبين الله هذه الدين يقف هنا، لا يتدخل، طيب ما معنى ؟ {لَهُ الْحُكْمُ}(القصص: من الآية88)، {أَلا لَهُ الْحُكْمُ}(الأنعام: من الآية62) .{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}(يوسف: من الآية67) {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}(المائدة: من الآية44) {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(المائدة: من الآية45) {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(المائدة: من الآية47). طيب من أكبر الردود إن لم يكن هو أكبر رد على هؤلاء الذين يقولون أن العلاقات بين المخلوق والمخلوق وبين الدول ببعضها، وبين المجتمعات والمجتمعات وبين الناس والناس وبين الأفراد والأفراد، وبين الشركات والشركات، وبين الشركات والأفراد، والموظفين والمؤسسات، لا دخل للدين بها، أكبر رد على هذا أجده في كتاب الله قول الله -عز وجل- : {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ }(النساء: من الآية65). فيما شجر بينهم : خلافات بين من ومن ؟ علاقات بين من ومن ؟ شجر بنيهم هذه علاقة مخلوق بالخالق ؟ أم علاقة المخلوق بالمخلوق، شجر بينهم هذه العلاقات البينية، شجر بينهم الأفراد وجماعات، وجماعات وجماعات، وأفراد وأفراد، شجر بين الموظف والمؤسسة، شجر بين الشركة والشركة، شجر بين مجتمع ومجتمع، فيما شجر بينهم : بينهم عامة، بين الخلق هؤلاء على اختلاف أشكالهم وصورهم وأماكن وجودهم وأشكال وجودهم وأشكالهم القانونية وأنواعها، فيما شجر بينهم حتى يحكموك أنت يا محمد -صلى الله عليه وسلم- فيما شجر بينهم، فكيف يقال بعد ذلك أن الإسلام فقط بين الخالق والمخلوق، وهذا الطرح الموجود اليوم الإسلام العلماني، هذا الذي يريدونه، اختصار الإسلام، تحجيم الإسلام، ضغط الإسلام، تقطيع الإسلام، هذا هو، يريدون إسلاماً مختصراً مقطعاً، يريدون إسلاماً مصغراً، يريدون إسلاماً محجماً، لا يريدون إسلام يحكم العالم ولا يعم الدنيا ولا يكون مرجع بين الناس في علاقاتهم، ثم يقال : اللباس حرية شخصية ما يدخل بين الخالق والمخلوق، تلبس ما شاءت، ثم يقال: تراضيا عن الزنا، ما دخل الشريعة والدين، واحد ووحده ذهبا متراضيين، ما اغتصبها ولا تعدى عليها، اتفقا على ذلك، شركة تريد أن تقترض من مصرف بالربا، المصرف راضي، والشركة راضية وستقترض منها بالربا نسبة معينة وتقيم المصنع، وتعمل الإنتاج وتسوّقه وتبيعه وتربح وتسدد الفوائد وتأخذ بقية الربح والدنيا ماشية، والعالم كله كذا، تريدون أن تصادموا كل العالم ؟ أنت تفهم أكثر من كل العالم؟ تريد أن تخالف وتعاكس عجلة التاريخ، فأتاهم الله بالأزمة المالية، {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ}(الأحزاب: من الآية26). محاولات كثيرة جداً، نقلل نسبة الفوائد، ونحاول الإنفاق، ونطبع العملات، ومحاولات واجتماعات، والبطالة تزيد، والركود يزداد، وحالات الإفلاس تتعاظم، أراهم الله آية، ما معنى الخروج عن الشرع، وما معنى أن يركن الناس إلى أحكامهم الخاصة، وما معنى أن تصبح الدنيا حرةّ والناس أحرار فيما يأخذون من المذاهب الاقتصادية، لما فتحوها وصارت الحرية الاقتصادية والرأسمالية رجعوا الآن إلى المركزية، يؤممون المصارف ويشترون الشركات ويجبرون نظام الإفلاس والتحكم المركزي والمناداة بالنظام المركزي، وتغيير النظام القديم، يسموه مرة البالي والمهترئ والقديم والغير ملائم، هذه أنظمتكم، وهذه الأنظمة التي تفاخر بها منافقونا، وقالوا لنا : أنها أنظمة متطورة وغربية، والعالم يسير عليها.
عباد الله، ينكر بعضهم بكل وقاحة وجرأة في الباطل طبعاً، قضية التقسيم الثنائي للبشر، ويقولون إن من أسباب التخلف عند المسلمين اعتمادهم التقسيم الثنائي للبشر، ماذا يقصدون بالتقسيم الثنائي ؟ تقسيم البشر إلى مسلمين وكفار، طيب الله يقول في كتابه العزيز : {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (التغابن:2) . أرجع الانتقاد إلى القرآن إذن، انتقد رب العالمين إذن، اطعن في آيات وكلامه وأحكامه، وهكذا باسم التعايش تقبل أنواع من الكفر، والله قال : {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ }(المجادلة: من الآية22).

إقامة الحدود وحرية الإنسان

تُستأجر أقلام من الكفار، أقلام عربية أقلام من بني جلدتنا ويتكلمون بألستنا، وتُدفع لهم الأموال ليطعنوا في الدين ويقولون عن الحدود الشرعية: أنها تخالف حرية الإنسان، وإنها يعني الرجم بالحجارة ؟ هذه همجية وحشية وتخلف، تريد أن تقيم حد السرقة حتى يتحول المجتمع إلى مجموعة من المعوقين والمشوهين، وهذا مقطوع وهذا مجلود وهذا مرجوم، إذن فلتنتشر الجرائم، وهل حارب الجرائم في العالم سجون فيها أنواع التسلية والترفيه والإنترنت وكرة السلة، هل قضت على الجرائم ؟ والله يخرجون ليجرموا مرة أخرى ويعودوا، وهو يعلم إلى ما يعود عليه، فلو كان الحد يقام، لكان شأن العالم شأناً آخر، يقول عمر رضي الله : (لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ حَتَّى يَقُولَ قَائِلٌ لَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ, فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ .أَلا وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى وَقَدْ أَحْصَنَ - هذا الذي ذاق لذة الحلال، ووطء في عقدٍ ونكاحٍ صحيحٍ، وهذا الذي أعفه الله بما شرعه ثم يترك هذا ويستغني ويذهب إلى الحرام هذا مخلوق لا يستحق الحياة، ولذلك جاء حد الرجم ومع ذلك قيده بقيود شديدة، أربعة شهداء أو يعترف، أو الحبَل للمرأة - و إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ, أَلَا وَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ) متفق عليه.
قطع يد السارق هذا الحد الذي ينقذ أموال الناس، الذي شرع هذه الحدود، حد السكر وحد القذف وحد الردة ((مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ))، هذا هو الحكيم الخبير، {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الملك:14) . ثم إذا لم تكن الشريعة هي المعتمد في هذا فماذا ستعتمدون ؟ سجن ؟ طيب كم سنة ؟ إلى أهوائكم!! عشرين، خمس وعشرين، عشر، خمس، سنة واحدة، شهر،شهرين، غرامة مالية كم ؟ ألف، ألفين، عشرة، خمسة، هذه أحكام تقام على الغني والفقير والشريف والوضيع ؟
بنو إسرائيل هلكوا لما صارت الحدود تقام على الضعفاء، والأشراف يُكتفى بتسويد وجهه أو سبه وشتمه أو أن يركب على دابة مقلوباً ويطاف به. {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (المائدة:50) .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية :

الحمد لله أحمده حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، أشهد أنه ربنا وخالقنا وإلهنا وسيدنا سبحانه وتعالى مالك الملك، يحكم ما يشاء، ولا معقب لحكمه وهو الواحد القهار، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، يقلب الليل والنهار، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وذريته الطيبين الأطهار ..
قدسية النص القرآني
عباد الله، إن التشكيك في النصوص الشرعية اليوم يأخذ مناح عدة، ومن ذلك أن يقال أن مدرسة تقديس النص قديمة، لا تصلح لهذا الزمان، هذا الزمان يجب أن يكون فيه النص مقدساً في لفظه حراً في فهمه، الألفاظ هذه ألفاظ الإلهية، وكل حرف بعشر حسنات ليس عندنا مانع، اقرؤوه كيف شئتم، اختموا القرآن كما تريدون، ختمات متوالية وكل حرف بعشر حسنات، نحن نقرأ معكم، ونسمعه، ضعوه في البرامج والسيارات بالتلاوات والأصوات الجميلة، نحن معكم، هذا كلام الله وهذا قرآن، لكن الفهم حر، كل واحد يفهم كما يريد، وإذا قلت هذا كلام الله باللغة العربية، واللغة العربية ألفاظها معروفة عند العرب، ومعانيها معروفة عند العرب، الكلمات هذه مستعملة في أشعارهم، مستعملة في نثرهم، خطبهم شعرهم، ومعلوم هذه الكلمة ما معناها، وأنزله الله بلسان عربي مبين، لا تقبل التجزئة، لو واحد قال : التليفون مذكور في القرآن، أين ؟ قال في قوله تعالى : {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ*عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ*الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} (النبأ:1-3) هل هذا كلام يمكن أن يصح عقلاً، فضلاً على أن يصح لغة، لا مخ لديهم .
يا أيها الأخوة، أن القضية في العبث تصل من هذا المستوى المنحط إلى مستويات كثيرة، تلاعب بالألفاظ، تلاعب بالمعنى، تلاعب بالمدلول، وإذا جئت تنكر عليهم وتقول : يا جماعة القرآن هذا له أصول، إذا أردت أن تفسر لا بد أن تكون عالماً باللغة العربية، ومدلولات الألفاظ، أن تكون عالماً بأصول التفسير، تفسير القرآن بالقرآن، تفسير القرآن بالسنة، تفسير القرآن بأقوال الصحابة، لا بد يكون عندنا مرجعية حتى لا تضل الأفهام، حتى لا ينحرف الناس في التفسير، حتى لا يفسر من هّب ودب، هناك قواعد؛ ناسخ ومنسوخ، وخاص وعام ومطلق ومقيد، وأسباب نزول تبين المراد من النص . يقولون : لا هذه عبادة للنص، أنت عندك ظاهرة تسمى صنمية النص، نحن نحارب صنمية النص لأننا نريد إطلاق الطاقات، والحرية في الفهم، وتحت بند وعبارة وعنوان ( الدين ملك للجميع ) و (الدين ليس حكراً على أحد ) يقوم صحفي بتفسير آية وشرح حديث واستنباط حكم شرعي، يقوم واحد تخصصه في مرض من الأمراض مثلاً، أو متخصص في إنشاء الجسور والهندسة، أو تخصصه في علم الأدوية والصيدلة، أو تخصصه في المحاسبة، يفسر القرآن، ويعطي المعاني، وقد يكون كاتباً فاشلاً ليس عنده سادس ابتدائي، ومع ذلك أتيحت له المجالات، وصار على منبرٍ من المنابر، ويتكلم. وينتقدون قضية حرفية النص، وأن هذا من مظاهر التشدد والغلو، وهذا مخالف للحرية، قال الله في كتابه : {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}(هود: من الآية1) . {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}(العنكبوت: من الآية49) {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}(آل عمران: من الآية7) {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}(آل عمران: من الآية7)
{وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ}(فصلت: من الآية41) {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (فصلت:42) .
لا تتلاعب به الأهواء، ولا يغلبه هؤلاء السفهاء، بل هو يحجهم ويفحمهم، ويلقمهم ما يسكتهم، ومن عرف معاني الكتاب، وعرف المناظرة به فإنه والله ميدان عظيم للجهاد كما قال الله عنه : {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً}(الفرقان: من الآية52). يعني بالقرآن . جاهدهم به.

حُجية السنة

وإذا قال : السنة وفيها تشكيك وأحاديث وأشياء ما نعرف صحتها، فقل له: أنت تزعم أنك قرآني ؟ لو كنت صادقاً في هذه اللفظة لاتبعت الآيات:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(الحشر: من الآية7). لاتبعت قول الله : {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}الرسول -عليه الصلاة والسلام- { أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(النور: من الآية63).
يقول الأمام أحمد : نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في ثلاثة وثلاثين موضعاً.
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ}(الأحزاب: من الآية36)
القرآن والسنة، وإلا لماذا جرّد العلماء سيوف الحق لمقارعة الوضّاعين والكذابين ونخلت هذه الأحاديث نخلاً، وبُيّن الصحيح من السقيم والضعيف من الحسن، والصحيح .
وهكذا جهود متواترة، وعلم الجرح والتعديل لا يوجد لا عند الصين ولا عند أوروبا، وما أحد في الدنيا عنده أسانيد متسلسلة من صاحب الكتاب الحديثي إلى النبي، إلا هذه الأمة، أعطني إسناداً لعيسى -عليه السلام-، هات إسناداً لمقولة لموسى -عليه السلام-، فيها سلسلة تبدأ بالحواريين أصحاب عيسى، سمعت عيسى ثم إلى من بعده، حتى تثبت في كتابٍ لأحاديث عيسى، هذا القرآن من حفظ الله له أنه تسلسل إلى يومنا هذا بالإسناد المتصل، القراء الحفظة الذين يقرؤونه على هذه التواتر العظيم العجيب بالتسلسل، فيقال : أعلى إسناد موجود اليوم بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- تسع وعشرين شخص مثلاً، بالتواتر، منقول بالتواتر، ملايين الحفاظ في العالم، متفقون على الحرف والكلمة، والآية والترتيب في السورة وترتيب السور .
الميدان عظيم في هذا يا عباد الله، لكن والله مما يدمي القلب، أن يقع عدد من أبناء المسلمين وبناتهم ضحايا لهذه الهجمة، ودين الله ماضي، والشريعة منصورة، ((ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين)) ظاهرين بالحق الذي معهم، يغلبون من ناظرهم وناقشهم، لكن الرزية والأسف والبلية لهؤلاء الضحايا الذين يسقطون يومياً صرعى لبرنامج فضائي ومقال صحفي وكلام لمأفون، ودعوة لعدوٍ ودعاية لمنافق، ويموتون على الشك، ويموتون على الانحراف، يموتون على هذا الباطل مع الأسف .
اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، أحينا مؤمنين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا وغير مفتونين، علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، واجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين، اللهم من أراد أمن هذه البلاد بسوء فاشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، اللهم إنا نسألك أن تثبت علينا الأمن والإيمان، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، أحسن خاتمتنا وثبتنا على الحق حتى نلقاك، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

مذاهب فكرية

  • كتب حول العلمانية
  • مقالات حول العلمانية
  • الليبرالية
  • الحداثة
  • منوعات
  • رجال تحت المجهر
  • الصفحة الرئيسية