اطبع هذه الصفحة


إني أرى الإلحاد عارياً

حسام الدين حامد


(1)


كان أحد الملوك يستمتع بنفاق حاشيته و شعبه ، فخرج عليهم في الاحتفال بذكري تتويجه ، خرج عليهم عاريًا ، فأخذت الحاشية التي تغلغل النفاق إلي خوافيها تمدح الملك و تثني علي جميل ثيابه و عظيم حيائه و مرهف حسه ، و من وراء الحاشية ردد المنافقون من الشعب مثل مقالهم ، و لكن طفلًا نظر إلي الملك و تعجب و قال ببراءة الأطفال (لكني أري الملك عاريًا !! )

كذلك الحــال !!

الملحد يعرض عورته الفكرية - و الإلحاد عورة فكرية -علي أقرانه ، فيتسارعون إليه زرافاتٍ و وحدانًا ، و يكيلون له الثناء أشكالًا و ألوانًا ، لكني رغم هذا الكلام أقولها ببساطة بعيدًا عن النفاق (لكني أري الإلحاد عاريًا !! )

أخي المسلم!!يا من رأيت رماد الإلحاد فحسبته نورًا ، سأنزع هذه الأردية الكاذبة التي تحول دون رؤية الفكر الإلحادي و عريه الفاضح ، فخذ عني بعضًا مني.

 

الرداء الأول : مدح المادحين و كذب المنافقين.

( إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)

 

أخي المسلم المتردد :اسمع مني و لا تعجل علي!!

يا من اغتر بشيء من كتابات الملاحدة ..اسمع مني ..فلست ممن ينافقك ..إنما أنا لك ناصح أمين ..لو علم القلم خوفي عليك لانفلق .. و لو علم الورق فحوي مقالي لاحترق .

اسمع خطابي للملحد و عهدي بك أنك ستفهم ما وراء الكلام .

 

أيها الملحد !!

لا تعجل علي حتي لو قلت لك كما قال برنارد شو (إني لا أجد عقلًا يستحق احتقاره إلا عقل شكسبير )

لا تعجل علي حتي لو قلت لك ( إني أري إلحادك عاريًا !! )

 

أقول لك : إن هؤلاء الذين يمدحون مقالك ، و يرددون أقوالك ، لو علمت منهم ما أعلم من شأنهم مع أمثالك ، لأحرقت مقالك ، و لنبزت أقوالك ، إذ أثني عليها الكذاب المنافق.

ما مثلهم و مثلك إلا كهذا المجرم الفاتك الذي قال له المنفلوطي:

( شريكك في الجريمة هذا المجتمع الإنساني الفاسد الذي أغراك بها ، و مهد لك السبيل إليها ، فقد كان يسميك شجاعًا إذا قتلت ، و ذكيًّا فطنًا إذا سرقت ، و عالمًا إذا احتلت ، و عاقلًا إذا خدعت ، و كان يهابك هيبته للفاتحين ، و يجلك إجلاله للفاضلين ، و كثيرًا ما كنت تحب أن تري وجهك في مرآته فتراه وجهًا أبيض ناصعًا فتتمني لو دام لك هذا الجمال ، و لو أنه كان يؤثر نصحك ، و يصدقك الحديث عن نفسك ، لمثل لك جريمتك في صورتها الشوهاء ، و هنالك ربما وددت بجدع الأنف لو طواك بطن الأرض عنها ، و حالت المنية بينك و بينها )

هذه حالهم معك ، و تلك حالك معهم!!

ينافقونك و تحب النفاق ، و يداهنونك و تحب المداهنة!!

فاسمع !! لعل كلامي هذا يكون أصدق ما تسمع !!

 

* بعضهم يمدحك أملًا أن تصير مثله لتحصل له الطمأنينة ، فهو يزخرف لك طريق الإلحاد بخادع الزينة .

إن كنت مسلمًا تعبر عن ترددك مدح فيك الصدق مع الذات ، و طالبك بالسير في هذا الطريق -تحت عينه -علك تجد الهداية !!

إن أعلنت عدم اقتناعك بالإسلام و توجهك للملذات ، طالبك بمزيد من البحث في المذاهب و الأديان علك تجد في إحداها الغاية !!

إن أعلنت لادينيتك و رفضك للترهات ، طالبك بالمزيد لربما تصير مثله في النهاية !!

فإن أعلنت إلحادك ، فمرحي مرحي ، فقد تحقق المراد ، و ما مدحك أولًا و آخرًا إلا لتنضم إليه لتحصل له الطمأنينة!!

 

علك تسأل : و ماذا تقصد بالطمأنينة ؟

ألا تعرف ؟!!

ألا تدري أن الملحد مهما أظهر من الثقة بكلامه فهو في شك و ريب ؟ و كم تمني لو علم الغيب!!

الملحد دائمًا يسأل " ماذا لو كنت مخطئًا ؟!! " ، تأمل هذا السؤال يدور في خلده بين الفينة و الأخري .

إنه يقول :حياةٌ ثم موتٌ ثم بعثٌ حديث خرافات ، لكن ماذا لو كان بعد الموت بعثٌ و بعد البعث نُحشَر أجمعينَ ؟!

هو يخاف ، فيريد أن يزيد من عدد أقرانه عله يحس الطمأنينة ، و لكن هذا لا ينفعه ، اقرأ قوله تعالي :

( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ* مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ*وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ* مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ)

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (أزواجهم :أشباههم و نظراءهم )

 

* بعضهم يمدحك لصداقة بينك و بينه ، و لكن لا تظلم نفسك و تصدق هذا المدح الكاذب ، ألم تسمع بنداء من يفعل ذلك يوم القيامة ؟؟

اقرأ قوله تعالي :

( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً *يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً *لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً)

 

* بعضهم يظن نفسه الملحد المخضرم ، و أنه في نظر الملاحدة كبيرهم الذي علمهم الكفر ، فيمدح مقالك لترد عليه (يكفيني تشريف مثلك لمقالي ، فأنت .. و أنت .. )

و هو ما راغ إلي مدحك باليمين ، إلا لينال أضعاف ذلك بالشمال و اليمين .

 

* بعضهم يمدحك لمحبة بينك و بينه .

إن هواك الذي بقلبي*** صيرني سامعًا مطيعًا .

و هذا المدح الكاذب لا يصدر إلا عن غشاش مخادع.

 

* بعضهم لا يترك لك مقالًا إلا سجل تقديره و إعجابه ، حتي تطبع اسمه في ذهنك ، و تحفظ له جميل صنعه ، و تحمل في قلبك من الود ما تحمل لمادح مثله ، فإذا أراد التعرف عليك وجد ذلك سهلًا ميسورًا ، و ما مدحك ابتداءً إلا ليلج إليك من هذا الباب ، باب حبك للمادح الكذاب .

لست تنفك راجيًا لوصال *** من حبيب أو راجيًا لنوال .

أي ماء يبقي لوجهك هذا ***بين ذل الهوي و ذل السؤال ؟!

 

* بعضهم يجد لك مقالًا قد ضمنتَه الأبحاث العلمية ، فيسجل موافقته و رضاه ، و كأنه قرأ و فهم ، و فكر و قدر ، و عن علمٍ حكم ، و ما قرأ إلا تلك الإشارات إلي الأبحاث الموسومة بأنها علمية مع بعض الكلمات الأعجمية ، فقال في نفسه ( إن سجلت التأييد ، فسيقول الناس :ليتنا أوتينا من الفهم مثل هذا الصنديد !!)

 

* قد يجد مقالك من المسلمين منتقد ، و لم يثنِ عليه أحد ، فيسارع إلي تسجيل الإعجاب ، لا عن اقتناع ، و لكنها إشارة إلي اللبيب ، أن إذا وجدته في مثل حالك ، فبادر بمساندته من باب ( هذه بتلك ) .

 

* قد يكون مقالك ضد علم من أعلام المسلمين أو عقيدة من عقائدهم ، فإذا وجد ذلك دفعه الحقد علي الإسلام إلي المبادرة بالمديح ، ليس لأنه قرأ مقالك و لكن من باب (ليس حبًّا في علي ، و لكنْ بغضًا لمعاوية !! )

 

* بعضهم يمدحك إذا وجد غيره من الملاحدة قد صدقك القول و بين لك أنك افتريت ، فيبادر إلي مدحك لتعلم أن الملاحدة منهم من يمدحك و من يذمك فلا تكره الإلحاد فيهم فتظل علي الإلحاد مثلهم !!

 

* بعضهم يقنع نفسه أن الذين انتقدوا المقال من ذوي العقليات الرجعية ، فيمدحك ليدفع عن نفسه الشعور بالدونية!!

 

* بعضهم يمدحك لأنه رأي غيره مدحك ، و كما يقال في المثل (كلبٌ ينبح لأنه رأي شبحًا ، و ألف كلب ينبحون لنباحه ) ، هذا مثل علي ما أظن من الصين ، يبين لك الموقف واضحًا ، و إن لم أقصد به - في الغالب -الإسقاطات الشخصية .

 

هذا حال من غرك مدحه ؟

أتريد اختبار صدق المادح ؟

اسأل : أفهمت الفكرة و استوعبت العِبرة ؟

فلابد من (نعم ، و لم مدحتك إذن ؟!! )

فقل له : فخذ هذا المقال و اعرضه علي المسلمين العالمين و نافح عنه و جادل !!

فستري الفرار المشين !

 

و مالي أذهب بعيدًا ؟!!

أنت نفسك تصدق هذه الهالة الكاذبة من المدح و تحبها و تسعي إليها و تكتب من أجلها .

سل نفسك :لماذا أسأل الملاحدة عن أمر أشكل علي في الإسلام و لا أسأل عنه طلبة العلم المسلمين فضلًا عن علمائهم ؟

سل نفسك :لماذا أضع ما أزعم أنه "سورة " أعارض بها القرآن عند الملاحدة المستعجمين ، و لا تسعفني الشجاعة لعرضها عند أرباب الفصاحة و البيان ؟!

سل نفسك : كم من كلمة لفظتها أمام الملحد متراخيًا و أنا علي يقين أني لا أستطيع إثباتها مع طفل مسلم ذي علم ؟

سل نفسك :لماذا أناقش علم الأجنة في القرآن و السنة مع الملاحدة و لا أناقشه مع أطباء المسلمين ؟

 

تدري لماذا ؟

لأنك تبحث عن الضلالة لا الهداية ، الفراغ لا الحقيقة ، تريد المنافقين لشخصك لا المخلصين في نصحك ، تبحث في النفاق عن الراحة ، و لا راحة إلا في الصراحة ، تريد الهزل لا القول الفصل ، تخشي أن :

تري إلحـــادك عاريًا !!

 

أيها المسلم المتردد الذي اغتررت ببعض كتابات الملحدين :هذا المدح من الأقنعة الزائفة التي تحول دون رؤية الفكر الإلحادي علي حقيقته ، أرجو الله أن أكون وفقت في كشفه و بيان زيفه .

 

أيها الملحد :

لقد صدرت كلامي بقول خليل الله إبراهيم لقومه (إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)

و آن الأوان لتعلم نهاية هذه المودة ، فاقرأ :

( إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضاً )

فيوم القيامة :

(الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)

 

سبحانك اللهم و بحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك.
 



(2)

الرداء الثاني :الحيل الدفاعية

(مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ)

 

الحيلة الأولي :حيلة استنكف النعام عن فعلها

قال تعالي(وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ)

قال صلي الله عليه و سلم(المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور )

 

بقدر ما ظلمنا النعام اغتر بعضنا بمُلْحِدة الزمان فظلمهم !!

 

•طالما حدثونا - و كذبوا - أن النعام يدفن رأسه في الرمال - و حاشاه -ظنًّا منه أنه طالما لا يري صائده فصائده لا يراه !!

 

أيها السادة :النعام لا يفعل ذلك !!

 

•لكنَّ هناك من يعيش في عالم نسجه من خياله ، لا .. بل دفن رأسه في أوحاله ..

فإن تكلم عن الوجود و السببية دَفَنَ رأسه ، و زُكِمَ أنفه ، و كَظَمَ عقله ، في وحل ضيق المسام ، كثير الأسقام .

فإن أراد أن يحي حي عن بينة من أمره في كل ما أراد ، و سار رافعًا رأسه ، معملًا فكره ..

فبينا هو يسير إذ سأله سائل عن مبدأ الأمر و آخره ، فاستأذنه ثم دفن رأسه ، و زكم أنفه ، و كظم عقله ، و أتانا بما يصم السميع و يعمي البصير ، و يُسْأَل من مثله العافية !!

 

أيها السادة : عن الملحد أحدثكم..الملحد يفعل ذلك !! و يشقي الإنسان إن زاد اسمه عن حقيقته !! فمن ظن في الملحدين غير ذلك فقد ظلمهم !!

 

علك تقول : رويدك رويدك !!فالقوم عقلاء !! و ما بجرة قلم نسلِّمُ لك بذَمِّهِم!!

 

أقول: خلاك ذمٌّ !!و لكن اصبر صبر يعقوب عليه السلام ، فالأمر مزلة أقلام ، مضلة أفهام !!

 

تقول: ففصِّل ما أوجزت !!

 

يا سيدي لك ما أردت و مثله معه !!

 

قال: فدع عنك الأماني و هات ما عندك!!

 

قلت: ويح الشيطان !!إني أشترط عليك شرطًا أعزم عليك ألا تنقضه !أقسمت عليك أن تكون محايدًا !!فلا تمدد للملحد يدًا !! و إن فعلت فيدك الأخري تكون معي !!

 

قال: لك ما أردت!

 

قلت: الناس أشكال و طبائع ، و أخلاق تكتسب و أخري جبلية ، و في الدنيا مصائب تذر الديار بلاقع ، فعلى قدر اختلاف الناس في صفاتهم يختلفون في مواجهة المصائب المتتالية ، بل يختلف الإنسان ذاته بين مشكلة و أختها ، فواحدة تحل بحقها ، و أخري تُرْجَي إلي حين علها تقضي نحبها ، و أخري معلقة ، فمن الناس من يحاول إقناع نفسه بأنه لا مشكلة ، و هذه المحاولات هي الحيل الدفاعية ، أليس كذلك يا أخي ؟!

 

قال: ويح الشيطان !!أشترط عليك شرطًا عزمت عليك ألا تنقضه ، أقسمت عليك أن تدع المقدمات و تلج إلي الباب ، علنا نبلغ المنزل ، و عن سؤالك أقول : بلي هو كذلك .

 

قلت ململمًا شتات الحوار : لك ذلك !فالملحد رأي نفسه في مشكلة .

 

كيف ؟

 

قلت: يتبع منهجًا لا يُثْبِتُه ، و إن تحدث لا يُنْصِفُه ، و إن جادل لا يَنْصُرُه ، و إن انفرد لا يركن إليه.

 

هذي المشكلة ..فماذا فعل ؟

 

قلت: أسَرَّ في نفسه ألا يدخلنها اليوم عليكم عاقل فضلا عن مجادل ! فعاش بمبادئ غير المبادئ و بني لنفسه عالمًا غير العالم ! لا يعرفه إلا هو و من على شاكلته ! بل ..أكثر من ذلك..

هو نفسه يعيش في هذا العالم إن كان الأمر متعلقًا بإلحاده ..فإن كان الأمر متعلقًا بعمله ، بماله ، بأهله ، بأي شيء غير إلحاده ، ترك عالمه الوحلي ذاك ، و عاد يسير رافعًا رأسه معملًا فكره كأنه من الناس و الناس منه ، فإن أثير ما يقترب من الإلحاد و لو من بعيد عاد إلي دفن الرأس في الوحل ضيق المسام كثير الأسقام ..

 

قال: الكلام جميل ، فقل لي أين الدليل قبل أن ينفد صبري الجميل ؟

 

قلت: الدليل يطول ، و بالمثال يتضح المقال ، فسأحدثك حتي ترضي ، فإن رضيت انتقلت بك إلي الحيلة الدفاعية الثانية التي يتبعها الملاحدة ، و إن لم ترضَ زدتك حتي ترضي بإذن الله ربي و ربك و رب العالمين.

 

قال: ويح الشيطان !!أنساني أن أسألك و ما هذه الحيلة الدفاعية التي تجعل صاحبها يعيش في عالم غير العالم حتي يظن أنه ليس ثَمَّةَ مشكلة !!

 

قلت: سمِّها ما شئت ، الأحلام المَرَضية في اليقظة ، الهروب المَرَضي إلي الخيال ، و أفضل من ذلك " حيلة استنكف النعام عن فعلها ".

 

قال: فهات ما عندك.

 

آه..

 

للحديث شجون ..

 

اسمع كلام مكلوم في قوم استحوذ عليهم الشيطان و والله لولا "فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً "لانفلق الكبد ..

 

المثال الأول :الملحد في مختبره أو معمله :

 

المشهد الأول من عالم الأحياء:

 

هذا الملحد دأب على دراسة الكائن المسبب لمرض من الأمراض ، و هذا المرض المعروف عنه أن سببه غير معروف حتي الآن "Idiopathic"، و لكن الملحد يعمل واصلًا ليله بنهاره لأنه يعلم أن هذه الأعراض أعراض عدوي بكتيرية في الغالب ، و أن وسيلة انتشار المرض توحي بأنه نوع من البكتريا التي تنتشر عن طريق الطعام مثلًا ، و ذلك يجعله في هم دائم "متي سأصل إلي الكائن المسبب لهذا المرض ؟؟ "

 

المشهد الثاني من عالم الأوحال:

 

هذا الملحد بعينه وَقَفَه شخصٌ مسلمٌ هادئ ، سأله عن رأيه في السببية كدليل لإثبات وجود الخالق ، و المسلم يخاطبه على قدر عقله فالأولي من السببية أن يقال "الخالقية".

الأهم: حك الملحد لَحْيَيَه ، و قال - و ليته سكت - "لعل الكون هو الشيء الوحيد الذي لا سبب له "

لنا صاحب لا كليل اللسان ...فيصمت عنا ولا صارم .

وشر الرجال على أهله ...وأصحابه الحمق العارم .

 

التعقيب:

 

لماذا لم يخطر في قلب الملحد و لا هب على أذنه و لا لمع أمام عينه خاطر و هو في معمله ليقول في نفسه " لعل هذا المرض هو الشيء الوحيد الذي لا سبب له " ؟؟؟؟!!!!

لماذا و هو في المعمل لا يدفن رأسه في الوحل كما أجاب المسلم ؟!!

لأنه في المعمل يواجه مشكلة يحلها بحقها ، و مع المسلم وقع في ورطة لا حل لها .

 

المثال الثاني :الملحد وسط تلامذته:

 

المشهد الأول من عالم الأحياء:

 

وقف رافعًا رأسه معملًا فكره ، و قال( من أهم القواعد التي تعينك في مسايرة الحياة و اتخاذ القرارات أن اليقين لا ينتقل عنه للشك ، فإن انتقلت عن اليقين فليكن إلي يقين أشد منه و إلا فارض باليقين )

كانت هذه آخر الكلمات قبل أن يدع طلبته و يلملم أوراقه ليخرج مارًّا بالشارع إلي بيته .

 

المشهد الثاني من عالم الأوحال:

 

بينا هو في الشارع مر به صديق مسلم قديم فسأله بعد التحية و التقدمات "أما آن لك أن ترجع إلي سابق عهدك ، أعني ترجع كما كنت قبل أن تلحد و يهجرك كل من عرفك قبل إلحادك ثم عرف عنك بعد إلحادك "

أجاب" لا لم يئن بعد " و ابتسم ابتسامة حاول أن يجمع فيها ما يمكن جمعه من ثقة في ابتسامة.

فقال المسلم "فحدثني هل مازلت على إنكارك لوجود الله ، أم أنك وصلت لمنحدر جديد ؟ "

أجاب" لا !! أنا الآن لا أثبت و لا أنفي وجود إله ، لأني وجدت إنكارَ وجودِ إلهٍ أمرًا لا يمكن البرهنة عليه "

 

التعقيب:

 

فأنت تري الملحد كان على يقين من أمره في دينه ، و الآن صار " لا يثبت و لا ينفي " أي صار" جاهلًا "بعد أن كان على يقين أو على الأقل ظن غالب ، فلم ترك اليقين إلي المحال و هو الإلحاد ثم إلي الشك و هو اللاأدرية!!؟

 

المثال الثالث :الملحد في متجره :

 

المشهد الأول من عالم الأحياء:

 

التاجر الذكي هو الذي يختار المنهج الذي يكون به فائزًا على كل حال.

هذه هي الحكمة التي يوازن بها الملحد في صفقاته حين يعقدها.

 

 

المشهد الثاني من عالم الأوحال:

 

هذا التاجر أمامه منهجان :

(الإيمان : إن صح فاز و ربح و إن أخطأ ما خسر )

(الإلحاد و ما شابهه : إن صح فلا بأس و إن أخطأ خسر و اشتد عليه البأس )

و الله لو كانت المقارنة هكذا مجردة لأمكن للعاقل أن يجزم باختيار الإيمان ، فكيف و الإلحاد عورة فكرية ؟! فكيف و الإيمان نور و برهان ؟!! فكيف و الإيمان خير كله و الإلحاد لا خير فيه ؟!!

و لكن هذا التاجر اختار الإلحاد .

 

و لا تعقيب!!!

 

 

المثال الرابع :الملحد يكتب مقالًا عن الإسلام!!

 

أكثر ما يمكن اعتباره مرآة حقيقية عن أوهام الملحدة - في رأيي - هو مقالاتهم عن الإسلام.

 

فتجده يعيش في عالم من نسج خياله .. و يرمي لك بشباك علك تنخدع فتدخل معه عالمه ..

-فتجده يقول "و مما قرأت في ذلك " فتظن أنه قرأ الكثير الكثير و هو يقتطع لك أقل القليل لأن عقلك المسكين لا يتحمل و هو يرأف بمثلك فطعام الكبار سم الصغار ، و هو مناور لا أكثر و قد يكون أقل!!

-و تجده يقول "و لن أطيل في الرد على ذلك " و كأنه يستطيع أن يطيل و لكنه لن يطيل !!

-و تجده يقول "و لهذا موضع آخر نناقشه فيه " و كأن الملحد سيستر شيئًا عن الإسلام يطعن فيه و يؤخره إلي موضعه !! و كأنه كثير السِّجالات له في كل موضع خواطر و مناظرات!!

-تجده يقول " و قد صحح بعض العلماء هذا الحديث "و كأنه عرف هؤلاء العلماء و وصل إلي هذه الجملة بالاستقراء الكلي لأقوال العلماء !! و هو ناقل دعي لو علم اسمَ عالمٍ منهم لذكر اسمه و لكنه متشبعٌ بما لم يعط !!

-و تجده يقول "و قد كنت مثلك قبل ترك الإسلام عالمًا بالفقه و أحب التفسير ..... " و أدني طويلب علم يعلم أن من رأي في نفسه عالمًا و هو بعد لم يتحصرم فقد نادي على نفسه بالجهل !!فضلًا عن استنباط كونه لم يكن عالمًا بمجرد القراءة في مقالاتهم و التي تجعلك تتساءل " ألو كانت الجمادات تكتب أكانت تتمكن من الإتيان بأحمق من ذلك ؟!!! "

 

فتنبه أخي حين تقرأ مقال ملحد ، فهو يذكر كلماتٍ كهذه - عن قصد سوء - موهمًا لك مراهنًا على غفلتك ، و لكن العهد بك الفطنة و أنك لا تنطلي عليك الألاعيب لسان حالك "لست بالخب و ليس الخبُّ يخدعني " !

أخي!!

 

فلتكن كما قالوا:

الألمعي الذي يظن بك الظن ... كأن قد رأى وقد سمعا

 

أخي..

 

أخي!! فيم شردت !! ..

 

أجاب بصوت مهموم :نعم .. نعم ..

 

قلت: أرضيت بهذه الأمثلة ...؟

هناك الكثير و لكني أخشي عليك الملل ، فتراني أقتضب الحديث في وجل ..

أفأنتقل إلي الحيلة التالية أم أزيد الأمثلة ؟!!

 

قال: رضيت بالأمثلة ..فهات التالية !

 

قلت: التالية أؤخرها لمرة تالية إن شاء الله..و لكن قبل الفراق حق علي إذ افتتحت الكلام بقوله تعالي

(وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ)

 

أن أبين العاقبة بقوله تعالي :

(وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ* حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ* وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ*وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّن الْخَاسِرِينَ)

 

كذبوا على ذواتهم في الدنيا و لكن أبعاضهم شهدت عليهم في الآخرة..

 

سبحانك اللهم و بحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك.


المصدر : رؤى فكرية
 

مذاهب فكرية

  • كتب حول العلمانية
  • مقالات حول العلمانية
  • الليبرالية
  • الحداثة
  • منوعات
  • رجال تحت المجهر
  • الصفحة الرئيسية