اطبع هذه الصفحة


أفراح شوال

بقلم محمد مسعد ياقوت **

 
بسم الله الرحمن الرحيم

أفراح شوال


في شهر شوال، يكثر النكاح، فتعلو الفرحة، وتسود البهجة، وترى أهل التدين حراصًا على إنفاذ أمر العقد أو الدخول بأهلهم في هذا الشهر البيهح؛ لما يعلمونه من استحباب ذلك؛  فعن عائشة - رضي الله عنها - : قالت : «تزوجني رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في شوال. ودخل بي في شوال ، فأيُّ نسائه كان أحظى عنده منِّي ؟ قال عرورة: وكانت عائشة تَسْتَحِبُّ أن تُدْخِل نساءها في شوال[1]
***
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الروم21
 
سعيدًا فرحًا؛ أُرسل هذه الكلمات لكل قلبين ارتباطا في هذا الشهر على ميثاق الله الغليظ .
وأقول : نبارك للعروسين، ونحيّيّ الأسرتين، ونُهدي إليهما طائفةً من الأزاهير الفَرحةِ، والأفانين العبقة، قد قُطفتْ من بساتين الإيمان، أغصانُها السكن، ونواويرها المودةُ، وأعوادُها الرحمة. وردةً وردةً، رياحينَ وياسمينَ :
أما الزهرة الأولى للعروسين : فهي أن نبارك لهما، وندعوا لهما كما كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعو :  "بارك الله لك و بارك عليك و جمع بينكما في خير "[2].
ونسأله سبحانه : أن يجعله زواجًا مباركًا، وأن يحفظهما من كل سوء، وأن يرزقَهما الذرايةَ الصالحة، وأن يصب لهما الخير صبًا، وألا يجعل عيشهم كدًا، وأن يطرد الشيطان من بينهم، ويحفظهم من شر حاسد إذا حسد، ومن شر كل عين.
 
أما الزهرة الثانية :
فهي شكرٌ للعروسين، وتحيةٌ للعائلين،  ذلك إنْ شرعا في إجراء العقد أو الزواج وفق سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ . فكان من أمرهم أن أقاموا حفل الزواج البهيج إسلاميًا؛ طاهرًا من المنكرات، نظيفًا من كل سوء، لا تبرج فيه ولا اختلاط، لا خمر فيه ولا محرمات . وما أعظمَ الأسرةَ التي أُسست من أول يوم على الطاعة والسُّنة . وهذا أحرى أن تخرجَ ذريتهما محبةٌ للطاعة والسنة.
أما الزواج الذي يبتدأ على المعاصي، والفرق الغنائية، والآلات الموسيقية، في أفراح الاختلاط والمجون، والإسراف والجنون، فهي زيجات ممقوتة، لا بركة فيها.
إذ كيف يكون بيتًا طاهرًا وقد انطلق من الحرام، وأتى الواحدُ منهم بعروسه، فزينها في أبهى حُلة، وكشفها للقاصي والداني، والصالح والطالح، يراها الجميعُ، ولسانُ لحال العريس : أنا دَيُّوثٌ وهذه امرأتي انظروا إليها !
 
فجزاكم الله خيرًا أيها العروسان أن طهرتم مسامعنا عن الحرام، ودعتمونا أن نشارككم الفرحة في طاعة الله، ونساهمكم الحَبرة في رضوان الله ( هذا إذا دعوتمونا !) [ ابتسامة !] .
 
أما الزهرةُ الثالثة
فهي إلى العريس خاصة؛ نقول له : أبشر فقد استكملت نصف دينِك، يقول لك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " إِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ نِصْفَ الدِّينِ ، فَلْيَتَّقِ الله فِيما بقي "[3].
[ وهذا هو اللفظ الصحيح لهذا الحديث؛ أما لفظ:" من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي "[4] فهو لفظ ضعيف . ]
فأبشر بذلك التمام؛ واذكر وصيةَ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لك أو لمن عقد :" فَلْيَتَّقِ الله فِيما بقي ".
 
أما الزهرةُ الرابعة إليكما :
فهي ذات نوْارَتين : آية وحديث، أما الآية فقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً }الفرقان54
فسبحان الله الذي خلق من الماء المهين رجالاً ونساءً، ثم جعل من هذا الماءِ جماعات وشعوبًا وقبائل، وجعل بينهم أنسابًا ومصاهرةً، وكان ربك قديرًا، أن خلق من الماء حياةً فيها الروح والمشاعر والأحاسيس .
ألا فلتعلمي يا نفسُ أنكِ من ماء، فلماذا الكبرياء !
ليت شعري ! أنتِ أيتها النفس الإنسانية كيف كنتي حتى تتعالين وتظنين أنك فوق الناس، كلكم لآدم وآدم من تراب!
 
وأما الحديث، فقولُ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
" إذا أتاكم من ترضون خلقه و دينه فزوجوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض"[5].
نعم، فالمقياس الذي يتفاضل به العرسان هو مقياسُ الدينِ والخلق، لا مقياسُ المال أو العقار أو المنصب أو النسب .
والحقُ أن صاحب الدين والخلق عملةٌ نادرة في زمن يُقاس فيه الناسُ بالجنيه والدولار، فإذا ما جاءك صاحبُ التدين والتخلق فذاك نعمةٌ من الله، وإن رددته فذلك فساد عريض، وذنبٌ عظيم، ما دام الرجلُ يملك البائة.
تالله إن صاحبَ الدين خيرٌ وأنفعُ من صاحب المال الذي لا يصلي ولا يعرف هرًا من بر في أمر دينه!
ويُمين الله إن الواقعَ يثبت لك أن زوج ابنتك الفقيرَ الخلوق هو صاحب البر والصلة والأصل الطيب والمنبت الكريم، وأما الآخر فهو الذي أخذها لحمًا وتركها عظمًا !
تلك الزهرةُ الثالثة في آية وحديث .
 
والزهرة الخامسة التي نطيرها في الهواء؛ نقذف بها على رأس العريس، طيبةً نديةً، وصية الله بالنساء، ووصية رسول الله بالنساء، قال الله تعالى : {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }النساء19 وهي جملةٌ قرآنية وجيزة عظيمة، أُلفتْ فيها الكتب والشروح؛ ُوقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " استوصوا بالنساء خيرًا "[6]
وقال : "أكْمَلُ المُؤمِنِينَ إيمَاناً أحْسَنُهُمْ خُلُقاً ، وخِيَارُكُمْ خياركم لِنِسَائِهِمْ "[7]
 
والزهرةٌ السادسة هي حكمةٌ نقول فيها : غلاء المهور فسادٌ، وقلة بركة . أرحْ نفسك أيها المسلم، اظفر بصاحبة الدين حينئذ لا فقر ولا غلاء.
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : «تُنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها. فاظْفَر بذات الدين تَرِبَتْ يداك»[8].
هي خير لذة، وأطيب متاع، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ"[9].
***
ونهيب بالمسلمين جميعًا أن يتعاونوا لتيسير الزواج، فإن تيسير الزواج معناه نشر الفضيلة وتقييد الرذيلة، وإن التكلف والمغالاة والتضييق على الشباب؛ كُلها أمورٌ تفتح أبواب الحرام والخراب، وما انتشر الزواج السري إلا بعدما شُدد على الزواج الحلال.
***
ألا فلتعلمي يا نفسُ أن الفضيلةَ من الدين، وأن من ذهبت فضيلتُه ذهبت مروءتُه، وضاع سؤدُده، وبار ورعه .
اعلمي يا نفسُ أن العفةَ، علو في الهمة، سموٌ للفكرة، وقوةٌ للنفس، وزادٌ عند البأس .
مرةً أخرى ندعوة للعروسين بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير .
 
توصية عملية :

ـ ابعث بهذه المادة لعروسين.
المصدر: رسالة الإسلام

------------------------------
** عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والمشرف على موقع نبي الرحمة.

[1] مسلم : 2551
[2] الحاكم : 2745 ، وغيره،  قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 4729 في صحيح الجامع
[3] الطبراني في " المعجم الأوسط " ( 1 / 162 / 1 )، وهو في "السلسلة الصحيحة" : 625
[4] قال الشيخ الألباني : ( ضعيف ) انظر حديث رقم : 5599 في ضعيف الجامع
[5] على خلاف حول صحته ـ أخرجه الترمذي ( ا / 201 ) و ابن ماجة ( 1 / 606 - 607 ) و الحاكم ( 2 / 164 ، وهو في السلسلة الصحيحة : 1022
[6] مسلم : 2671
[7] أخرجه الترمذي ( 1 / 217 - 218 ) و أحمد ( 2 / 250 ، 472 ) . في "السلسلة الصحيحة": 284
[8] أخرجه البخاري، ومسلم
[9] مسلم : 2668

 

البيت السعيد

  • قبل الزواج
  • البيت السعيد
  • لكل مشكلة حل
  • أفكار دعوية
  • أفراح بلا منكرات
  • منوعات
  • تربية الأبناء
  • دعوة الأسرة
  • الصفحة الرئيسية