اطبع هذه الصفحة


4 شهور متتابعة، كيف أقضيها؟
خطبة الجمعة 13 شعبان 1437هـ

سعيد بن زارب القحطاني

 
بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله الملكِ القدوسِ السلام، العزيزِ الجبارِ ذي الجلالِ والإكرام، والصلاةُ والسلام، على نبيِّنا وقدوتِنا سيدِ الأنام، خيرِ من صلى وصام، وطاف بالبيت الحرام، وعلى آله وأصحابه الكرام، ومن تبعهم بإحسان ما تعاقبت الليالي وتتابعت الأيام.. وبعد عباد الله:
فاتقوا الله القائل:" يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا
تَعْمَلُونَ*وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ"..
أوصيكم ونفسي بالطاعات قبل حلول الأجل، وانقطاع الأمل، والندم على التفريط في العمل. فالحياة قصيرة، بل أقصر مما نتصور..

شمر عسى أن ينفع التشمير ** وانظر بفكرك ما إليه تصير
طولت آمالاً تكنفها الهوى ** ونسيت أن العمر منك قصير

ولا يشفي غليل فقد الأعمار وانصرامها.. سوى الإكثار من الطاعات فيما خلى من أيامها..
فتهدأ المشاعر الحية فلا ينغصها لوم الفوت.. وتصفو النفس السليمة فلا يعكرها كدر الشيخوخة وخشية الموت.. ويطمئن العامل فؤاده ويريح ضميره.. عند بلوغ محطة الرحيل الأخيرة..
فيا حسرة المفرط على نفسه التي هانت عليه.. ويا حسرة الفارغ على أيام ضاعت من بين يديه.. ويا حسرة الغافل على فرص ضاعت بين ثنايا العمر لن ترجع إليه..
إخوتي في الله أبارك لكم ما وصل إليه البنون والبنات، والإخوة والأخوات.. في هذه الأيام من نجاحات وإنجازات جعلها الله حجة لهم لا عليهم
وكم هو جميل أن يرتاح المؤمن بعد كد.. وأن يتنفس بعد شد.. ولكن الأجمل أن يعرف كيف يرتاح من عنائه، ومتى ينفس من تعبه جاعلاً من الراحة والترويح زاداً وعوناً له لراحته الكبرى في الجنة.
وها نحن اليوم مع مطلع إجازة صيفية طويلة نسأل الله خيرها.. تمتد لأربعة أشهر.. تتخللها مواسم الطاعات الكبرى من شهر الصيام وزمن الحج وأيام عيد الفطر وعيد الأضحى والعشر الأواخر من رمضان وليلة القدر والست من شوال والعشر الأول من ذي الحجة ويوم عرفة وغيرها بلغنا الله وإياكم مواسم الخيرات ووفقنا لاغتنام أفضل الأوقات.. والموفق من جعل مواسم الإجازات.. مواطن للإنجازات..فوضع لنفسه ولأهله خطة عملية نافعة.. لا مثالية فتُحل، ولا هزيلة فتُمل.. ينتفع فيها بأيام الإجازة ولياليها فيتحرى الأيام الفاضلة بالصيام والقيام والدعاء والصدقة والصلة وأداء العمرة أو الحج.. ويعزم على إفادة نفسه وأهله من خلال أمور منها: تعليم الأهل والأولاد القرآن الكريم من خلال المشاركة في الدورات المكثفة المنتشرة في كل مكان. ومنها: تربية الأولاد على أداء الصلوات الخمس مع جماعة في المسجد.. ومنها: وضع مسابقة خاصة بالأسرة في حفظ آية أو تعلم حديث أو قراءة كتاب نافع. ومنها: الالتحاق بمركز صيفي أو مخيم دعوي يزيد الإيمان ويطور الثقافة ويكسب المهارة ويملأ الوقت بالمفيد النافع.. ومنها: شد الرحال إلى بيت الله الحرام، أو المسجد النبوي لقضاء الأوقات في الطاعات فالصلاة الواحدة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة فيما سواه، والصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة فيما سوى المسجد الحرام والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينها والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.. ومنها: الالتحاق بالدروس العلمية النافعة المنتشرة في المساجد والتي يجتمع فيها المشايخ الثقات في زمن يسير وبإنجاز كبير.. ومنها: السفر لزيارة الوالدين والأقارب وصلة الأرحام، التي أمر الله بها وأثاب عليها وجعل فيها بركة الرزق وطول العمر.. ومنها: السفر للنزهة والترويح المباح في داخل بلاد الحرمين وبين أظهر المسلمين في أمن وأمان وطاعة وإيمان..دعما للسياحة الداخلية والاقتصاد الوطني وحفاظا على الديانة مما يخدشها من مناظر السكر والعهر وقلة الديانة في السفر لغيرها.. ومنها: الخروج من هذه الإجازة بإنجاز مهمة أو بحث أو مشروع أو خبرة عملية ونحوها مما لم تقدر عليه في أيام العمل الرسمي. ومنها: التعاون مع الجهات الخيرية والدعوية كمراكز الحي ولجانها ومكاتب الدعوة لدعمها بالمال والمشاركة في الخير أو للعمل فيها ولو لأيام يسيرة .. ومنها: إعطاء فرصة تناسب ميول الأبناء كاكتساب حرفة معينة أو مزاولة عمل تجاري يسير ولو من دون حاجة للمال ولكن لشغل الفراغ القاتل.. ومنها: منح الأبناء إضافة مهمة في حياتهم كتعلم لغة مفيدة أو دورة في مهارات الكمبيوتر أو دورة في فن الطبخ وترتيب المنزل ونحوها. ومنها: تحديد أوقات للزيارات العائلية للأماكن المفيدة كزيارة المستشفيات والسلام على إخواننا المرضى الذين حرموا لذة الإجازة وتقديم الهدايا لهم.. وزيارة الدور الاجتماعية كدار العجزة والأيتام ليعرف الأبناء قيمة الوالدين في حياتهم.. وكزيارة المكتبات العامة ومكتبات الأطفال لتثقيفهم وترغيبهم في القراءة النافعة.. وزيارة بعض المنشآت الحكومية والخاصة التي لها جناح خاص بالزوار لربط ما تعلموه ودرسوه نظريا بالجانب التطبيقي.. ومنها: التسوق مع الأسرة وقضاء حوائجها مع وجود الأب والإخوة وجميع أفراد العائلة لإعادة جو الألفة والمحبة المفقود .. ومنها: تحديد أوقات للجلوس مع جميع أفراد الأسرة للاستماع إلى بعض وتناول الطعام والشراب في بعد تام عن أجهزة التواصل الاجتماعي.. ومنها: الحزم في قضاء أوقات الترفيه مع الأجهزة الإلكترونية والتلفاز ومتابعة ما يعرض فيها، والتحكم في مدة مشاهد..
وإني لأوصي الجميع بكتابة ما يناسب من هذه الأفكار وغيرها وتوزيعها على أيام الإجازة بحسب ما يناسب الأسرة وإضافة المهم مما لم يذكر ليكون أسعد الناس عند انتهاء الإجازة وأكثرهم نفعا وفائدة وترويحا على النفس وحفظا للأمانة التي ائتمنه الله عليها وعلى الرعية التي استرعاه الله إياها..
عباد الله: قارنوا ما ذكر هنا مع من يرى الإجازة إجازة عن جميع الأعمال، والعطلة تعطيلا لكل الأشغال.. يقضي الإجازة في سهر يمتد إلى ما بعد الفجر ، ونوم ينحر النهار إلى العصر.. تفوته الصلاة مع الجماعة، ويزهد في مزيد من الطاعة.. لا يختم كتاب الله، ولا يعرف شيئا من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس في أمر من أمور الدنيا ينفعه ويعود عليه وعلى أسرته بالنفع.. منقطعا مع جواله، متابعا لشاشته، قطع حبال الوصل مع أرحامه وجيرانه، هاجرا لمجتمعه، عازفا عن المشاركات الاجتماعية، كارها لقضاء الحوائج، عازفا عن بناء الروابط، غير نشيط في ترميم ما فسد من علاقات.. وربما بدد ماله الذي جمع في سفر محرم، تجاوز فيه الحدود الشرعية والأخلاق المرعية، ورقق ديانته وديانة أهله، فأفسدهم وعاد بإثمهم.
إن الموفق من عباد الله من وفقه الله لاستغلال أوقاته في الطاعة، وجعل من أوقات راحته لحظات نافعة، وفرصاً نحو الخير دافعة. وسينتهي الصيف قريبا كما بدأ، وسيخرج سريعا كم دخل.. ويقف كل واحد منا على أطلاله لينظر إلى أعماله، فيتحسر ويندم على ما قدم.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: عباد الله: هل تعلمون أنه يوجد في بلادنا حرسها الله ثمانية ملايين ونصف من الشباب الطموح القوي الذي عليه بعد الله تعقد الآمال.. في بناء الأجيال! وهذه الفئة من أحوج الناس إلى استغلال قوتهم في الخير، وتهذيب طاقاتهم فيما أباح الله. وحفظ عقولهم وعواطفهم من الأفكار الهدامة.. وانتشالهم من وحل رفقاء السوء.. فإن لم تجد هذه القوى وتلك الطاقات عنايةً من الآباء والمربين وتوجيهاً من الناصحين.. فإنها ستكون عامل هدم، ومعول فساد في المجتمع، وعندئذٍ لا تؤويهم إلا الطرق الملتوية التي تعلمهم كل بذيء من القول وقبيح من الفعل. ويزداد الأمر علة، والطين بلة إذا اجتمعت تلك القوى والطاقات مع الغرائز والمثيرات.. المنتشرة عبر الشاشات والجوالات.. وفي الأسواق والمتنزهات.

أخي الشاب: يتفطر الفؤاد وأنت في عمر الزهور أن نراك تعيش عيشة الّلامبالاة.. تدمع العين أن نشاهدك تألف حياة اللامسؤولية. تذكر أن ثوب الشباب وما فيه من صحة وفراغ ستخلعه منك الأيام والليالي لتمنحه غيرك فاستفد من هذه النعمة قبل زوالها قال صلى الله عليه وسلم" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس, الصحة والفراغ ". ويقول أحد الحكماء من كبار السن: بحثت في الشباب أنا والصحة على المال.. وها أنا في الكبر أبحث أنا والمال عن الصحة.. فالله الله فيما آتاك الله من نعمة.. ولا تنس أن الجِدَّ عصمةٌ من أمراض الفراغ فقديماً قالت العرب: " لئن كان العملُ مجهدة.. فإن الفراغَ مفسدة ". والوقتُ أنفسُ ما عُنِيتَ بحفظِه •• وأراهُ أسهلَ ما عَلَيْكَ يضيع.. واستمع إلى كلام قيم لابن القيم –رحمه الله-: حين قال في وصية لبعض الشيوخ " احذروا مخالطة من تضيع مخالطته الوقت وتفسد القلب، فإنه متى ضاع الوقت وفسد القلب انفرطت على العبد أموره كلها، وكان ممن قال الله تعالى فيه: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً}اللهم اهد شباب المسلمين وبناتهم اللهم ردهم إليك ردا جميلا ..

 

استغلال الإجازة
  • الأنشطة الصيفية
  • مشـروعات للإجازة
  • رسائل
  • الأسرة والإجازة
  • الفتاة والإجازة
  • السفر وآدابه
  • منوعات
  • أحكام العمرة
  • الصفحة الرئيسية