اطبع هذه الصفحة


ماذا في الإجازة ؟

سلمان بن فهد العودة

 
يستقبل الناس - خاصة الشباب منهم والطلاب- الإجازة الصيفية بعد ما ودعوا أيام الامتحانات بما فيها من سهر وتعب ودراسة وعناء واجتهاد، ولذلك فإن الإجازة هي للشباب ذكوراً وإناثاً أكثر من غيرهم، فإن الفلاح -مثلاً- طوال عمره في عملٍ وجهدٍ وكذلك التاجر والموظف وغيره.
ينبغي أن نعد الشباب لأن يكونوا على مستوى جيد في استغلال الإجازات واستثمارها بالشكل الذي يفيد، بحيث نربي أولادنا وبناتنا على تحمل المسؤولية، فإن قضية الإجازة مثلها في ذلك مثل بقية العام يتوقف استثمارها على عقلية الشاب وعلى تربيته وعلى مستواه، فمثلاً إذا وجد شاب على مستوى جيد من الفهم والعلم والإدراك والشعور بالمسؤولية؛ فإنه يستثمر أيام العام الدراسي على خير وجه ويستثمر الإجازة ويستثمر شهر رمضان ويستثمر مناسبة الحج وغيرها من المناسبات بالصورة المناسبة لمستواه، وتربيته وفهمه وعقله، ولذلك تجده مشغولاً فيما يفيد، ويحرص على أن يختلس من وقته ولو شيئاً يسيراً يستفيد منه.
وعلى العكس من ذلك الشاب الضائع الذي لم يترب التربية الحسنة، ربما لو كان وقته فارغاً من طلوع الشمس إلى غروبها؛ فإنه لا يستثمر هذا الوقت بالطريقة المناسبة، إذ ليس لديه أهداف معينة يسعى إلى تحقيقها، فالمصيبة كل المصيبة أيها الإخوة في أن شبابنا أحيانا يفقدون الهدف الذي يسعون من أجله. وحين تسأل الشاب عن الهدف الذي يسعى من أجله ؛ تجد أهداف بعض الشباب لا تتجاوز موضع قدمه.
أما أن يخطط الشاب لأهداف -ولو قريبة- يسعى إلى تحقيقها والوصول إليها؛ فهذا غائب لدى كثير من الشباب، وحين يوجد الشاب الذي يحمل الأهداف الصحيحة، ويفكر التفكير الصحيح ولو كان يتقلب على فراش المرض؛ فإنه يستفيد من وقته، وقد زرت شاباً تعرض لحوادث وأصبح مقعداً في جسده. فوجدته يستثمر كل دقيقة من وقته في حفظ كتاب الله، وفي قراءته وفي دراسة العلم وفي مجالسة الصالحين، حتى إنه لا يستقبل الضيوف والزوار إلا في أوقات معلومة مع أنه أحوج ما يكون إلى أن يرفه عن نفسه ويسليها باستقبال هؤلاء وتبادل الحديث معهم، لكنه رأى أن في ذلك مضيعة لوقته، فأصبح وهو على سرير المرض -مقعداً لا يتحرك ولا يمشي- يستثمر وقته بصورة صحيحة وجيدة!.
وزرت آخرين وهم في السجون ممن منّ الله عليهم بالهداية في داخل السجون لا يتحركون إلا داخل أربعة جدران وجدتهم يستثمرون أوقاتهم بصورة صحيحة وجيدة، وفي مقابل ذلك أرى وترون كثيراً من الناس أعطوا المال والصحة والسلامة والحرية والوقت، ومع ذلك يضيعون أوقاتهم دون حساب. لماذا؟ لأنهم لم يوفقوا للتربية السليمة، ولم يحملوا أهدافاً صحيحة يعملون من أجلها فلما غابت عنهم الأهداف أصبحت أوقاتهم تضيع سدى.

كيف يفكر الناس في قضاء الإجازة ؟
لا شك أن تفكير البعض ينصرف إلى أمور معينة، أمور تتناسب مع الوضع الذي ذكرته قبل قليل، فتجد الكثيرين يخططون لقضاء إجازاتهم في بؤر الفساد و الرذيلة في بلاد قريبة يستطيعون أن يصلوا إليها على سياراتهم وخلال مدة وجيزة، أو في بلاد بعيدة لم يكونوا بالغيها إلا بالطائرات وهناك يقع كثير من الشباب في الفساد الأخلاقي وفي بؤر الرذيلة من الانحلال والذهاب إلى الداعرات والعاهرات والفاجرات، حيث الهربس والإيدز والأمراض الجديدة التي لم تسمعوا بها بعد، حيث الخمور والمخدرات التي تفتك بهم ويقعون ضحايا لها، حتى إنه حدثني أحد الشباب أن هناك عصابات في تلك البلاد يضعون في أجهزة التكييف مادة معينة إذا استنشقها الشباب أصبح مدمناً ولو لم يكن في نيته أن يتعاطى المخدرات؛ فإنه مع كثرة استنشاق الهواء الذي وضعت فيه هذه المواد يصبح مدمناً يبحث عن المخدرات في كل مكان.
وقد حدثني أحد الشباب الذين يعيشون هناك عن ضحايا كثيرة وأمور محزنة جداً حدثوني عن شيخ قد جاوز عمره الستين سنة، وقد سافر من هذه البلاد إلى هناك ليتعاطى الخمور ويقع في أحضان المومسات - عافاني الله وإياكم- فشرب في اليوم الأول ست زجاجات من الخمر، وشرب في اليوم التالي أكثر من ذلك، وشرب في اليوم الثالث اثنتي عشرة زجاجة؛ فشعر بثقل وذهب ليتقيأ (أكرمكم الله ) في دورة المياه فسقط ومات هناك وبعد طول الوقت وجدوه ميتاً ورأسه في دورة المياه - عافانا الله و إياكم من ذلك- نهاية بئيسة، والويل كل الويل للذين يتسببون في إيقاع كبار السن في ذلك، فضلا عن الشباب!.
إذا كانت الدعاية ووسائل الهدم والتخريب وأساليب الإثارة والجاذبية قد أثرت حتى في كبار السن، فما بالكم بالشاب الذي يشتعل جسمه قوة وحيوية وشبابا!. يذهبون بحجة السياحة ويقعون في مثل هذه الأشياء، ومع ذلك كله أعيد ما ذكرته لكم قبل قليل أن هناك من أجهزة المخابرات العالمية التي تخطط لاقتناص كثير من الشباب، وتجندهم ليكونوا مخبرين وعملاء لها خاصة في ظل الحاجة المادية؛ لأن كثيراً من الشباب يعانون من الحالة المادية ومن قلة ذات اليد، وربما جلس الشاب بلا وظيفة فترة طويلة، وربما لا يستطيع أن يستمر في تلك الأسفار التي أدمنها و اعتاد عليها وحينئذ ما أسهل أن يصطاد هذا الشاب ويجند ليكون وسيلة ويكون معول هدم لدينة وبلده وأسرته ولنفسه ولأمته!.
ولذلك فإن المسؤولية علينا أيها الإخوة جميعاً: أفراداً، ومؤسسات، وأجهزة، وحكومات.. علينا أن نقف ضد هذا العبث الذي يدمر شبابنا, أما إني لا أقول أن كل من يسافر لهذا الغرض؛ بل هناك من يسافر لأغراض أخرى صحيحة، وهم كثير، ولكننى أتحدث الآن عن عينة أو نموذج من الشباب وكيف يفكرون في قضاء الإجازة.
فئة أخرى من الشباب قد لا تفكر بهذا الأسلوب وبهذه الطريقة، لكنها تُعنى بجانب آخر من جوانب الحياة، وكثير من الشباب قد أصبحت الرياضة هي همه الأول والأخير، فهم من خلال الإجازة يفكرون في لعب منظم في الجري , السباحة , كرة القدم , سلة.... إلى غيرها، ويتابعون مثل هذه الدورات ومثل هذه المناسبات و البرامج والجداول التي تقام، ويعدّون أنها أكمل ما يقضون فيه أوقاتهم، والحق أن على رعاية الشباب أن تُعنى بتربية أخلاق الشباب على معالي الأمور، فكثير من الناس لا يعرف هذا، فإذا قيل رعاية الشباب انصرف الذهن إلى ملعب ونادٍ وكرة ومدرجات وهلم جرا، وياليت هذه الجموع الغفيرة التي تجري و تلهث خلف الكرة يا ليتها تلعب فعلاً.
لربما قال قائل: يربون أجسامهم، ويقوون أجسادهم؛ و إن كانت الأمة ليست بحاجة إلى عجول آدمية، فمهما بلغت قوة الإنسان لن يكون أقوى من الفيل، ومهما بلغ جماله لن يكون أجمل من الطاووس، لكن أجسام البغال وأحلام العصافير هذا لا يصلح ولا نريده، نريد أجساماً قوية و نريد معها عقولاً قوية، نريد إيمانا قوياً نريد ثقافة واسعة نريد مستوى عالياً، هذا كله نريده ويا حبذا، أما أن يكون همّ الشباب منصرفاً كله إلى تربية جسمه هذا لا يصلح.
لكن حتى تربية الجسم لا تتحقق؛ فإن 99% من الشباب الذين يركضون خلف الكرة إنما هم مشجعون فقط، قد تلفت أقدامهم من الجلوس في المدرجات، و تدمرت أعينهم من النظر إلى لاعبي كرة القدم سواء في الملعب أو عبر الشاشات، أما هم فلا يلعبون؛ بل مشاهدون يؤيدون هذا ويعارضون ذاك، ويصرخون بأصواتهم لهذا أو ذاك، ويفرحون لدخول هدف على فريق أو يحزنون لذلك، أما أن يلعبوا ويقووا أجسادهم مع أنه ليس هدفاً بذاته؛ فغير موجود، ولذلك ندري و ندرك أن هذه الجهود الطائلة جهود بمعنى الكلمة لا يستفيد منها و يستثمرها إلا أعداد محدودة، يعدون على أصابع اليد الواحدة في كل بلد ممن يلعبون فعلاً ، أما بقية الجماهير فهم مشاهدون فحسب.
إذاً مجرد العناية بجانب واحد في الرياضة لا تصلح، وأنا أقول عن نفسى لست ضد الكرة في حد ذاتها إذا التزم الإنسان فيها بالأخلاق الإسلامية من التستر والبعد عن السب والشتم واللعن والحقد والحسد والبغضاء والتنافر والتطاحن، وكانت في حدود المعقول، فلم يضيع وقته كله في لعب الكرة و مشاهدتها، لست ضد الكرة إذا كانت في هذه الحدود و في هذا الإطار هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإني أقول الحقيقة و حتى يكون كلامي مفهوماً بصورته الصحيحة أنه يوجد في الأندية -بحمد الله- في كل بلد نخبة من النوعية الطيبة الذين اتجهوا إلى الله تعالى و استقاموا على الطريقة، و صلحوا وعملوا على إصلاح الأندية و جلب المشايخ و العلماء إليها، و تحريك الأنشطة الإسلامية فيها، هذا كله صحيح و موجود و هذه جهود مشكورة لكن يبقى الواقع الذي ذكرته وهو الغالب.

 

استغلال الإجازة
  • الأنشطة الصيفية
  • مشـروعات للإجازة
  • رسائل
  • الأسرة والإجازة
  • الفتاة والإجازة
  • السفر وآدابه
  • منوعات
  • أحكام العمرة
  • الصفحة الرئيسية