اطبع هذه الصفحة


إثمد العينين في جواز التهنئة بالعيدين

وليد بن عبده الوصابي

 
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ


التهنئة:
خلاف التعزية، تقول: هنأه بالأمر والولاية تهنئة وتهنيئاً، وهنأه هنْأ، إذا قال له: ليهنك وليهنئك.
والتهاني -من حيث الأصل- من باب العادات، والتي الأصل فيها الإباحة، حتى يأتي دليل يخصّه، فينقل حكمها من الإباحة إلى حكم آخر.
قال الشيخ العلامة عبد الرحمن ابن سعدي -رحمه الله- في (منظومة القواعد):

والأصلُ في عاداتنا الإباحةْ *** حتى يجيءَ صارفُ الإباحةْ
وليس مشروعاً من الأمور *** غير الذي في شرعنا مذكور

قال -رحمه الله- معلقاً على ذلك:
"وهذان الأصلان العظيمان ذكرهما شيخ الإسلام -رحمه الله- في كتبه.
وذكر: أن الأصل الذي بنى عليه الإمام أحمد مذهبه: أن العادات الأصل فيها الإباحة، فلا يحرم منها إلاّ ما ورد تحريمه ... فالعادات هي ما اعتاد الناس من المآكل والمشارب، وأصناف الملابس، والذهاب والمجيء، وسائر التصرفات المعتادة، فلا يحرم منها إلاّ ما حرّمه الله ورسوله، إما نصّاً صريحاً، أو يدخل في عموم، أو قياسٍ صحيح، وإلاّ فسائر العادات حلال، والدليل على حلها قوله تعالى : "هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً" فهذا يدل على أنه خلق لنا ما في الأرض جميعه؛ لننتفع به على أيّ وجهٍ من وجوه الانتفاع"
(المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ عبد الرحمن السعدي: ١/ ١٤٣).
وينظر: (الموافقات: ٢/ ١١٢- ٢٤٦) ففيه مزيد علم في المسألة.
فإذا تقرر أن: التهاني من باب العادات، فإنه لا ينكر منها إلاّ ما أنكره الشارع، ولذا: مرّر الإسلام جملة من العادات التي كانت عند العرب، بل رغّب في بعضها، كصلة الأرحام ونحوها، وحرّم بعضها، كالسجود للتحية وغيرها.
والتهنئة بالعيدين هو من باب التهنئة بالفرح بهذا اليوم المبارك، ولإتمام الصيام والقيام، وفعل ذلك ليس حدثاً أو بِدعاً، بل قد فعله الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ولم يعلم لهم مخالف، فكان كالإجماع.
فعن محمد بن زياد قال: كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا رجعوا من العيد، يقول بعضهم لبعض: (تقبل الله منا ومنكم).
قال أحمد: إسناد حديث أبي أمامة جيد.
وكذلك ذكره ابن حجر -رحمه الله- واحتج على مشروعية ذلك بهذه الرواية التي رواها البيهقي.
قال البيهقي: باب ما روي في قول الناس بعضهم لبعض في يوم العيد: تقبل الله منا ومنك.
وحسنه الألباني في (تمام المنة: ١/ ٣٥٤)
وأخرج أبو أحمد الفرضي في (مشيخته) والمحاملي في كتاب (صلاة العيدين) عن جبير بن نفير قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: (تقبل الله منا ومنك)
قال ابن حجر: وهو أثر حسن.
وأخرج الأصبهاني في (الترغيب والترهيب) عن صفوان بن عمرو السكسكي قال: سمعت عبد الله بن بُسر، وعبد الرحمن بن عائذ، وجبير بن نفير، وخالد بن معدان، يقال لهم في أيام الأعياد: (تقبل الله منا ومنكم) ويقولون ذلك لغيرهم.
وأخرج الطبراني في (الدعاء) قال شعبة: لقيني يونس بن عبيد في يوم عيد، فقال: (تقبل الله منا ومنك). وهذا سند مسلسل بالحفاظ المكثرين، والمعمري تُكُلِّم فيه بكلام لا يضره هنا.
ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، شيء في التهنئة بالعيدين.
وقد ورد في ذلك حديث ضعيف عند البيهقي في (السنن الكبرى): عن خالد بن معدان قال: لقيت واثلة وهو ابن الأسقع يوم عيد فقلت: تقبل الله منا ومنك، فقال: نعم تقبل الله منا ومنك، لقيت رسول الله عليه الصلاة والسلام في يوم عيد، فقال: (تقبل الله منا ومنك).
ولكنه ضعيف جداً.
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى مشروعيّة التّهنئة بالعيدين من حيث الجملة، ولا بأس به لكونه صح من فعل السلف وعليه فلا ينكر على من فعله، ولا يشنع عليه، بل هو مأجور لتهنئته؛ ولإدخاله السرور على قلوب المهنَئين، ولأن المباح يدور مع الأحكام الشرعية إذا احتفت به قرائن.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية:
هَلْ التَّهْنِئَةُ فِي الْعِيدِ وَمَا يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ: "عِيدُك مُبَارَكٌ" وَمَا أَشْبَهَهُ، هَلْ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ أَمْ لا؟ وَإِذَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ فَمَا الَّذِي يُقَالُ؟
فأجاب: "أَمَّا التَّهْنِئَةُ يَوْمَ الْعِيد،ِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إذَا لَقِيَهُ بَعْدَ صَلاةِ الْعِيدِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ، وَأَحَالَهُ اللَّهُ عَلَيْك، وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ فَهَذَا قَدْ رُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ، وَرَخَّصَ فِيهِ الأَئِمَّةُ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: أَنَا لا أَبْتَدِئُ أَحَداً، فَإِنْ ابْتَدَأَنِي أَحَدٌ أَجَبْته، وَذَلِكَ لأَنَّ جَوَابَ التَّحِيَّةِ وَاجِبٌ، وَأَمَّا الابْتِدَاءُ بِالتَّهْنِئَةِ فَلَيْسَ سُنَّةً مَأْمُورًا بِهَا، وَلا هُوَ أَيْضًا ممَا نُهِيَ عَنْهُ، فَمَنْ فَعَلَهُ فَلَهُ قُدْوَةٌ، وَمَنْ تَرَكَهُ فَلَهُ قُدْوَةٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَم"
(الفتاوى الكبرى: ٢/ ٢٢٨)
وسئـل الشيخ ابن عثيمين: ما حكـم التهنئة بالعيد؟ وهل لها صيغة معينة؟
فأجاب: (التهنئة بالعيد جائزة، وليس لها تهنئة مخصوصة، بل ما اعتاده الناس فهو جائز ما لم يكن إثماً)
وقال أيضاً: (التهنئة بالعيد قد وقعت من بعض الصحابة رضي الله عنهم، وعلى فرض أنها لم تقع فإنها الآن من الأمور العادية التي اعتادها الناس، يهنىء بعضهم بعضاً ببلوغ العيد، واستكمال الصوم والقيام)
(مجموع فتاوى ابن عثيمين: ١٦/ ٢٠٨).

وإليك مذاهب الفقهاء في حكم التهنئة في العيدين:

المذهب الحنفي:
قال الطحطاوي: "والتهنئة بقوله: تقبل الله منا ومنكم، لا تنكر بل مستحبة؛ لورود الأثر بها ... والمتعامل به في البلاد الشامية والمصرية، قول الرجل لصاحبه: عيد مبارك عليك ونحوه، ويمكن أن يلحق هذا اللفظ بذلك في الجواز الحسن واستحبابه لما بينهما من التلازم".
(حاشيته على المراقي: ٢/ ٥٢٧)

المذهب المالكي:
سئل مالك -رحمه الله-: أيكره للرجل أن يقول لأخيه إذا انصرف من العيد: تقبل الله منا ومنك، وغفر الله لنا ولك. ويرد عليه أخوه مثل ذلك؟
قال: لا يكره.
(المنتقى: ١/ ٣٢٢).
وأخرج ابن حبان في (الثقات) عن علي بن ثابت قال: سألت مالكاً عن قول الناس في العيد: تقبل الله منا منك؟
فقال: ما زال الأمر عندنا كذلك.
وقال علي بن ثابت: سألت مالك بن أنس منذ خمس وثلاثين سنة، وقال: لم يزل يعرف هذا بالمدينة.

المذهب الشافعي:
قال الشربيني: "قال القمولي لم أر لأحد من أصحابنا كلاماً في التهنئة بالعيد والأعوام والأشهر كما يفعله الناس، لكن نقل الحافظ المنذري عن الحافظ المقدسي: أنه أجاب عن ذلك بأن الناس لم يزالوا مختلفين فيه والذي أراه أنه مباح لا سنة فيه ولا بدعة" . ا
(مغني المحتاج: ١/ ٣١٤)
وفي (حاشية الجمل: ٣/ ٧٠): "ويجوز أن تطلب التهنئة في أيام التشريق، وما بعد الفطر؛ لعدم المانع؛ ولأن المقصود منها التودد وإظهار السرور ... ويدخل وقت التهنئة بدخول الفجر لا بليلة العيد".

المذهب الحنبلي:
جاء في (سؤالات أبي داود) قال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن قوم، قيل لهم يوم العيد: تقبل الله منا ومنكم؟
قال: أرجو أن لايكون به بأس.
وللحافظ ابن حجر العسقلاني، جزء في التهنئة في الأعياد وغيرها.
مطبوع ضمن لقاء العشر الأواخر.
هذا ما تمّ نقله من كلام أهل العلم، وهو واضح بجلاء؛ أن التهنئة بالعيدين من المشروع الذي سكت عنه الشارع، ولم ينه عنه، وأن الصحابة والسلف فعلوه، ولم ينهوا عنه؛ لما فيه من الدعاء، وتأليف القلوب، والفأل الحسن؛ ولأن التهاني من باب العادات لا العبادات -كما نص على ذلك جمع من أهل العلم-.

فأقول للجميع: تقبل الله منا ومنكم، وأحاله علينا وعليكم، وكل عام وأنتم بخير، وفي أمن وأمان، وسلامة وسلام.. وسلام الله عليكم.


محبكم: وليد بن عبده الوصابي.
١٤٣٩/٩/٢٨

 

وقفات مع العيد
  • فلاشات العيد
  • عيد الفطر
  • عيد الأضحى
  • أفكار دعوية
  • أحكام العيد
  • مـقــالات
  • قصائد
  • أعياد الكفار
  • الصفحة الرئيسية