اطبع هذه الصفحة


خطبة عيد الفطر المبارك لعام 1426هـ

مشعل بن عبد العزيز الفلاحي


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، من يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلاالله وحده لاشريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، أما بعد
قال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا تقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ))
قال تعالى : (( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ))
قال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ))
أما بعد : فهاهو العيد يعود مرة أخرى ، هاهو يطل على الأمة من جديد ، هاهو يكسو المسلم اليوم فرحة عظيمة يجدها بين جوانحه ، ويعبر عنها في هذا اليوم المجيد ، فأهلاً بالعيد بكل ما يحمل في طياته من فرحة أهلاً بالعيد ، وكل عام وأنتم بخير .
أيها المسلمون : في العيد معاني نستلمها في صباحه المشرق ، فنعيد بها مراسم حياتنا ونحن نفرح به ، ونشعر بوهج الفرحة يخالج قلوبنا ، وإليكم أهم هذه المعاني :
أولاً : العيد والتكبير : البارحة دوّى التكبير في بيوت المسلمين ، وفي طرقاتهم ، وراح المسلمون كلهم يأتمرون بأمر الله تعالى ، ويحيون سنة عظيمة في تاريخ الإسلام حين يلهجون بالتكبير في كل فجاج من أرضهم ، وبات صدى الصوت البارحة ، وهذا اليوم معلماً من معالم الإسلام ، وصورة حية من صور الاقتداء . الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد . والمتأمل في هذه الكلمة يدرك بعضاً من أسرارها : فالله أكبر من كل شيء يعارض منهجه ، ويخالف شريعته . الله أكبر من كل مخلوق يعارض به الناس ربوبيته . الله أكبر كلمة دوّت في بيوتنا ، وعلى أرضنا ، وقبل ذلك دوّت بكل ما فيها من قوة في قلوبنا عقيدة صلبة ، وتوحيداً خالصاً ، وتوجّهاً صادقاً .

أيها المسلمون : لا إسلام بلا عقيدة ، ولا عبادة بلا توحيد ، إن الشرك مع التوحيد ضدان لا يجتمعان إلا كما تجتمع الماء والنار . أي عيد يشهده مسلم اليوم لطّخ إيمانه بلوثات الشرك ، ودنّس قلبه بسيئة الكفر ؟ لقد وصف الله تعالى أقواماً يقدمون يوم القيامة مستبشرين بأعمالهم ، فرحين بجهودهم ، يرجون الفوز عند ربهم فإذا بتلك الأعمال كالرماد الذي يذره الإنسان في يوم ريح عاصف ، قال الله تعالى :
( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً ) . ولا يصدق هذا في أعظم صورة له إلا في حق المشرك بالله تعالى ، المدنّس لجناب الأولوهية ، المنتقص من حق الربوبية .
أن الشرك بالله تعالى سيئة قبيحة ، تقف عن صاحبها رحمة الله تعالى ولو كان من أعظم الناس قربة إلى الله تعالى ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصطفاه وخليله ، ورسوله ، وأعظم أنبيائه قال الله له محذّراً من الوقوع في الشرك : ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) فإذا كان رسول الله وخليله ومصطفاه متوعّد بحبوط العمل حين الشرك فكيف بمن عداه ؟ لقد قال الله تعالى محذّراً من هذه السيئة ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) وعند البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال صلى الله عليه وسلم : من مات يدعو من دون الله نداً دخل النار . وصدق ابن مسعود رضي الله عنه حين قال : لئن أحلف بالله كاذباً أحب إلىّ من أحلف بغيره صادقاً .

أيها المسلمون : صور الشرك كثيرة ، دنّس بها أناس إيمانهم يشعرون أو لا يشعرون ، ومن هذه الصور : دعاء غير الله تعالى من المخلوقين سواء كانوا أحياءً أو أمواتاً ، ومن ذلك ما يفعله بعض الناس مع أهل القبور بحجة أنهم أولياء أو سادة . ويفعلون لهم ما يفعلون لله تعالى من القربة كالتقرب إليهم بالذبح عند قبورهم أو التمسّح بهذه القبور ، وسؤالهم معافاتهم من البلاء ، ففاعل هذا والعياذ بالله مشرك شرك أكبر ، فإن اعتقد أن لهم شيء من أحكام الربوبية فهو كافر كفراً أكبر ، خالد مخلّد في النار ، قال أهل العلم رحمهم الله تعالى : حتى لو فعل ذلك مع قبر النبي صلى الله عليه وسلم كأن يتمسّح به ، ويبتهل إليه ، ويدعوه من دون الله تعالى فإن فاعل ذلك كافر معتد على حق الربوبية . ومن صور الشرك الحلف بغير الله تعالى ، كالحلف بالأنبياء أو الكعبة أو الأمانة كل ذلك خلاف التوحيد ، وانتقاص من حق الربوبية ، ومن صور ذلك التعلق بالأشخاص كأن يرى أن لهم حظاً من الربوبية كشفاء المرضى ، أو البرء من العاهات ، أو حصول العافية منهم نظير ولايتهم كما يدعي ذلك من يدعيه في الأولياء . ومن صور ذلك الذهاب إلى السحرة والكهنة وسؤوالهم على وجه التصديق بأخبارهم ، أو كمن يذهب بمريضه لساحر أو كاهن راجياً الشفاء من ذلك . كل هذه الصور وأمثالها تخالف هذه الكلمة التي تدوي على ألسنتا : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ، ولله الحمد . فا أيها الإنسان المسلم في يوم عيدك المبارك أنظر ما أذا أبقيت لله تعالى من عبادتك ؟ ماذا صرفت لله تعالى من عملك وإخلاصك ؟ يا أيها المعايد الكريم تأمّل توحيدك ، وانظر بعين البصيرة إلى إيمانك ، ولايغرنّك حال أقوام ضعفاء لا يملكون الخلاص لأنفسهم شيئاً بين يدي الله تعالى . الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ، ولله الحمد .

ثانياً : العيد والانتماء : العيد تعبير صادق عن انتماء الأمة لدينها ، وهو في المقابل دليل على شمول هذه الشريعة ورعايتها للعواطف ، وإعطائها فرصة للتعبير عن أفراحها ورغباتها ، لقد قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ووجد أهلها آنذاك يحتفلون بعيدين يلعبون فيهما في الجاهلية فقد أبدلكم الله خير منهما يوم الفطر ويوم النحر . وقال صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا أهل الإسلام . إن الإسلام جاء متوافقاً مع الفطرة الإنسانية فجعل له أوقات يفسح له فيها بإفراغ عواطفها ، وتعبّر فيها عن مشاعرها ، ولذا لا تجد المسلم يتعلّق بأعياد الكفار أو الأعياد المبتدعة في تاريخ الأمة ، فليس في تاريخ الأمة عيداً للأم ، ولا عيداً لوطن ، ولا عيداً لمناسبات غير هذه المناسبات . ومن حقك أيها المسلم اليوم أن تعبّر عن فرحتك بما شئت شريطة ألا تتعارض هذه الرغبات بشرع الله تعالى قتدنّس العيد أو تكتب به صورة من الفرح عقيمة في حقيقتها ، وفي معناها ، وفي تاريخها .

ثالثاً : العيد والمسلمون : هذا هو مشهد العيد أيها المسلمون ، وأنا أراكم اليوم فرحين مستبشرين ، ها أنتم أيها المسلمون بين أهلكم وإخوانكم ، هاأنتم لا تجدون أقرب تعبيراً عن هذه الفرحة من هذا الاجتماع واللقاء ، وحين رأيت منظركم ، وتآلفكم ، واجتماعكم رنا طرفي هناك إلى بلاد المسلمين أردت أن تكتمل الصورة في عيني ، فإذا صورة مبعثرة تترامي أمام عينيّ يبعثها أحد التقارير من أرض فلسطين يقول في ثناياه : تحتجز إسرائيل ( 3000) طفل فلسطيني كوسيلة ضغط على أسرهم ، تتحدث طفلة فلسطينية من تلك الجموع واسمها نور كايد تقول : اعتقال أخي ترك عندنا فراغاً فهذه أمي لا تستطيع الإفطار بسبب اعتقال أخي وأنا تراجعت علاماتي الدراسية من كثرة تفكيري في أخي . وفي مخيم العين غرب مدينة نابلس ومع الأسير يوسف فؤاد سبعة عشر عاماً وقد كُتب على باب أسرته : ( سنظل صامدين ) تقول أمه : من عامين لم تكتحل عيني برؤيته ، لقد جهدت في زيارته حتى رحلت عن مدينتي ، وغيرت اسمي وأردت زيارته لكن دون جدوى . ومن أرض فلسطين إلى أرض الرافدين هناك أسر ممزقة ، وأطفال ضياع ، ومرضى من آثار الحروب والدمار . وفي باكستان بيوت مهدمة ، وأسر مشتتة ، وأحوال وأحوال ، وفي أرض الإسلام في المشرق أو المغرب أحوال مماثلة يصدق في يوم عيدها قول القائل

أقبلت ياعيد والأحزان أحزان وفي ضمير القوافي ثار بركان
أقبلت ياعيد ، والرمضاء تلفحني *** وقد شكت من غبار الدرب أجفان
أقبلت ياعيد والظلماء كاشفة *** عن رأسها وفؤاد البدر حيران
أقبلت ياعيد ، أجري اللحن في شفتي *** رطباً فيغبطني أهل وإخوان
أزف تهنئتي للناس أشعرهم *** أني سعيد وأن القلب جذلان
وأرسل البسمة الخضراء تذكرة *** إلى نفوسهم تزهو وتزدان
قالوا وقد وجهوا نحوي حديثهم *** هذا الذي وجهه للبشر عنوان
هذا الذي تصدر الآهات عن دمه *** شعراً رصيناً له وزن وألحان
لا لن أعاتبهم ، هم ينظرون إلى *** وجهي ، وفي خاطري للحزن كتمان
والله لو قرأوا في النفس ما كتبت *** يد الجراح ، وما صاغته أشجان
ولو رأوا كيف بات الحزن متكئاً *** على ذراعي وفي عينيه نُكران

لأغمضوا أعيناً مبهورة وبكوا حالي ، وقد نالني بؤس وحرمان
هكذا يقول لسان حالهم في كل يوم ، لكن العيد أوضح المأساة في صورتها المعتمة . وأبان عن حسرات تخالج قلوب هذه الفئات حتى في يوم العيد الذي تشهده الأمة وهي في غاية فرحها وسرورها . ولكم من يتيم يترقرق الدمع في عينيه ألا يجد من يواسيه فقد أبيه ؟ أو أرملة آذاها وكوى قلبها صراخ صبية صغار يبحثون عن كساء جديد يعبرون به عن فرحتهم ، أو مريض أقعده الزمن أن يجلب لأهلة وأبنائه كسوة العيد ، فخرج كل هؤلاء في يوم العيد بثياب خَلِقة ، وألبسةً أبلاها الدهر ، وهتّك أستارها طول الزمن ، لم يجدوا غيرها يشاركون بها الناس في يوم فرحتهم . إنني من على منبر العيد أقدم قُبلة على جبين من يعمل لهؤلاء ، فيسعى على كفالة يتيم ، أو يتبنّى أسرة فقيرة ، أو حتى يجلب لها الطعام والكساء ، أو يجهد في ليله لهم بالدعاء . ولن نجد لكل هؤلاء إلا الدعاء خير تعبير نعبّر به عن سمو هذه النفوس وشدة رحمتها . وتطلّعها إلى خير باريها . ألا فلتهنأ بالرحمة وقد قال الغزالي وهو يعلّق على حديث : إن امرأة بغياً رأت كلباً في يوم حار يطيف ببئر ، قد أدلع لسانه من العطش ، فنزعت له موقها ، فغفر لها به ! قال : لئن كانت الرحمة بكلب تغفر ذنوب البغايا ، فإن الرحمة بالبشر تصنع العجائب !.

رابعاً : العيد والرحيل : هاهو العيد أيها المسلمون أقبل كما يقبل كل عام ، أقبل وهو يلبس ثوب الفرح ، أقبل يخالج القلوب ، ويشام الروح ، ويعيش في وهج المشاعر ، أقبل بعد أن خلّف شهر رمضان في طيات الزمن ، وكتب عليه الرحيل . أقبل بكل ما فيه ، وهناك بعيداً عنه ، في الجانب الآخر ، صورة تمثّل رمضان في إدباره ، ورحيله . وكأن لسان المعايدين اليوم يستلهم هذا الوداع فيقول :

ترحّل الشهر والهفاه وانصرفا واختص بالفوز في الجنات من خُدما
وأصبح الغافل المسكين منكسراً مثلي فياويحه ياعُظم ما حرما
من فاته الزرع في وقت البذار فما تراه يحصد إلا الهم والندما

ولكل هؤلاء جميعاً أياً كانت حسرتهم على فوات شهر رمضان لا يسعنا أن نقول لهم في يوم العيد رحل رمضان ولم يبق لنا من رحيله إلا هتاف علي رضى الله عنه وهو يقول : ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ، ومن هذا المحروم فنعزيه . رحل رمضان ولم يبق لنا من رحيله إلا قول ابن مسعود رضي الله عنه : أيها المقبول هنيئاً لك ، أيها المردود جبر الله مصيبتك . لقد رحل رمضان وكأنه لم يكن ، رحل هذا العام وترك من يشهد العيد وهويلبس الجديد ، غير أنا لاندري أيعود ونحن شهود أم يعود وقد طمس آثارنا الزمن ، ووارى أجسادنا التراب ، واندثرت أخبارنا في كثرة الراحلين . ولكأني بالشاعر يخاطبني ويخاطب كل موادع نادم مثلي فيقول :

دع البكاء على الأطلال والدار واذكر لمن بان من خل ومن جار
واذر الدموع نحيباً وابك من أسف على فراق ليال ذات أنوار
على ليال لشهر الصوم ما جُعلت إلا لتمحيص آثام وأوزار

ولم أجد أصدق تعبيراً لحالي وحال أمثالي من أن نقول :

يالائمي في البكاء زدني به كلفا واسمع غريب أحاديث وأخبار
ما كان أحسننا والشمل مجتمع منا المصلي ومنا القانت القاري

إن هذا الرحيل صورة من صور الوداع المر في حياة الإنسان ، والعاقل الفطن يجهّز للرحيل المنتظر لحياته من على وجه هذه الأرض ، ولئن شهدنا اليوم وداع رمضان فإن الأيام حبالى بتوديع ذواتنا أو توديع أحبابنا في الرحلة الحتمية لبني الإنسان أياً كان فالله الله أن نبرهن بالعمل على صدق النية والاستعداد للنقلة فإن الغد المنتظر أقرب إلى أحدنا من شراك نعلة . ولا يغرنكم التسويف ، فإنما آجالنا قد كُتبت ، ورحيلنا ربما قد حان .

خامساً : العيد والإخاء : جاء العيد أيها المسلمون ليرسم على الشفاه معاني الحب ، ويكتب في حياة المسلمين حياة من الإخاء الصادق . جاء اليوم ليزيد . ويقول صلى الله عليه وسلم : لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام . والسؤال الذي يطرح نفسه في ساحة العيد بالذات : القلوب المتنافرة أما آن لها أن تتصافح ؟ هل لازالت مصرة على معاندتها للفطر السوية ؟ هل لا زال الكبر يوقد ضرامها ؟ ويشعل فتيل حقدها .؟ ألا يمكن أن ينجح العيد في أن يعيد البسمة لشفاة قد طال شقاقها ؟ إن هذه القلوب يُخشى عليها إن لم تُفلح الأعياد في ليّها للحق فإن لفح جهنم قد يكون هو الحل الأخير القادر على كسر مكابرتها ، ولي عناقها . إلى متى هؤلاء يصمّون آذانهم عن قول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم : هجر المسلم كسنة كسفك دمه وقوله صلى الله عليه وسلم : تُعرض الأعمال على الله كل اثنين وخميس إلا المتخاصمين فيقول الله انظروا هذين حتى يصطلحا . وإن لم يُفلح العيد في تحليل صلابة هذه القلوب فوعيد الله تعالى غير بعيد حين قال في كتابه الكريم : (( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أراحامكم * أولائك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم )) وقوم أصابتهم لعنة الله تعالى في أنفسهم ، وعاشت معهم في حياتهم أنّا يجدون طعم الراحة والاستقرار ؟ فهذا العيد ، وهذه أيامه ، والفرصة سانحة ، فلا تفوّتها لا حرمك الله من الصفاء والوفاء .

سادساً : العيد والعبادة : لقد رسم شهر رمضان لكثير من النفوس أثر الإقبال على العبادة والذي أوصلها إلا صفاء في الروح ، ولذة في المناجاة ، وصدقاً في التوجه ، وأودع في نفوس الكثيرين درساً عظيماً مفادها : أن الإنسان مهما أظلته المعصية ، وأركسته في حمئها ، وأحاطت بنفسه عن التحليق في روحانية العبادة إلا أنه قادر بإذن الله تعالى على تجاوز هذا المنعطف في حياته متى ما وصلته الكلمة الهادفة ، والنصيحة الواعية ، وهو يتطلّع اليوم إلى توجيه يرشد ه ، إلى طرق أخرى لهذا السمو ولذاك الرقي الذي وجده في رمضان وهو يتساءل هل يمكن أن يجد هذه المعاني بعد رمضان ؟ وهل يمكن أن يصل إلى تلك النوعية من اللذة التي وجد أثرها في ليالي رمضان وأيامه ؟ فنقول له ولأمثاله المتطلعين نعم يمكن أن تستمر هذه المعاني ، وتصل بالفرد إلى أعلى ما يتخيله من آمال وطموحات على مستوى الحياة بأسرها . إن الصيام الذي خلق في النفس روحانية عجيبة لازال اليوم موجوداً والفرد مدعواً لامتثاله في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر . وحينما يتخطى شهر ه الذي يشهد فيه العيد ، يبدأ في تحقيق وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، أو في صيام الاثنين والخميس التي قال فيها صلى الله عليه وسلم لما سئل عن سر صيامها فقال : إن الأعمال تُعرض فيها وأحب أن يعرض عملي فيها وأنا صائم . والصلاة التي وجد فيها سر المناجاة بينه وبين خالقه لازالت لم يغلق بابها بعد ، فهذا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يقول : ينزل الله تعالى في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا فيقول : هل من داع فأجيبه ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ......... الحديث . فمن يحول بينك وبين هذه اللذة ، وتلك المناجاة ؟ وحينما يتأمل الإنسان في معنى العبادة الذي جاء لتحقيقها يجد المعنى الذي قرره شيخ الإسلام حينما قال : العبادة : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهر والباطنة أوسع باب يلج منه إلى تحقيق هذه المعاني فيجد أمام ناظريه الأذى في الطريق فيبادر إلى إزالته فيلقى على ذلك الأجر في قول رسوله صلى الله عليه وسلم : وتميط الأذى عن الطريق صدقة . وحينما يرى ذلك الرجل يجهد في الركوب على دابته ومن ثم لايستطيع لكبره وضعف جهده فيبادر إلى مساعدته ، يلقى جزاء هذه المساعدة في توجيه رسوله الكريم حين قال صلى الله عليه وسلم : وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو تحمل له متاعه صدقة . وحينما يجد أخاه في الطريق فيبتسم للقياه تعبيراً منه على صدق الموده يجد العوض قريباً والأجر حاضراً : وتبسّمك في وجه أخيك صدقة . وحين يرى منكراً فيسعى لتغيره وإزالته يجد الثناء عظيماً من ربه ومولاه في قوله : ولتكن منكم أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون . وعندما يسعى بجهده في إقامة معروف ، وإشاعة فضيلة لا يجد جزاء أوفى من قول رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم : من سن في الإسلام سُنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة . بل يصل المعنى الذي قرره شيخ الإسلام حتى إلى أن مداعبة الرجل لأهله على سبيل المزاح أمر يؤجر عليه المسلم ويحصّل به خيراً كثيراً عند ربه تبارك وتعالى حين قال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم : حتى اللقمة يرفعها إلى فيّّّ زوجته له بها أجر . إلى غير ذلك من أنواع العبادات التي حث الشرع عليها وأرشد لها . والمتطلع إلى الأجر الذي أوصله وجده على فراق رمضان إلى حد البكاء يمكن أن يعيش في ظل الإيمان والبحث عن الخير والمحافظة على المعروف إلى أرقى معاني العبودية بينه وبين ربه تبارك وتعالى .

وأخيراً أيها المسلمون : العيد صورة من الفرحة تبدو واضحة حين يداعب الرجل أهله وأبناءه في يوم العيد ، وحين يشاركهم لهوهم ، وسعادتهم في مثل هذه الأيام ، ويبدو العيد أكثر فرحة حين تمتد اللقاءت بين الجيران ، والأصدقاء ، حين يخرج المرء من بيته قاصداً أهله ، وصحبه ، وإخوانه ، لا لشيء إلا لمدّ فرحة العيد في قلوب الآخرين . وتبدو أكثر أثراً وأوضح صورة حين يتجاوز أحدنا خلافاته مع الآخرين فينطلق إليهم إلى بيوتهم ، فيقبلهم داعياً لهم بهذه القدوة إلى نوعاً من الإبداع في صورة العيد في نفوسهم . نحتاج إلى عيد خالياً من دنس المعصية ، بعيداً عن جرح النفوس الفرحة بالعيد على وجه العبادة . العيد صورة من صورة العبادة لله تعالى ، والفرحة التي نعيشها فيه إنما تنطلق من سياج العبودية العظيم . والفرح حقيقية هو الفرح في ظل هذا السياج العظيم . واحذر أخي المسلم أن تبدد الفرحة اليوم بمقارفة منكر ، أو دنس ريبة ، وحلّق بقلبك في سمو هذه الشريعة تجد فناءها أوسع فناء . هنيئاً بالعيد يا أهل العيد ، وأدام الله عليكم أيام الفرح ، وسقاكم سلسبيل الحب والإخاء . ولا أراكم في يوم عيدكم مكروهاً . ألا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه ، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين . الله أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، اللهم اجمع شمل المسلمين ، ولم شعثهم ، وألف بين قلوبهم ، اللهم وفق ولي أمر المسلمين إلى ما تحبه وترضاه ، اللهم أيده بالحق وانصره به ، اللهم ارزقه بطانة صالحة تحضه على الخير وتأمره به . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


مشعل بن عبد العزيز الفلاحي
mashal001@hotmail.com
 

وقفات مع العيد
  • فلاشات العيد
  • عيد الفطر
  • عيد الأضحى
  • أفكار دعوية
  • أحكام العيد
  • مـقــالات
  • قصائد
  • أعياد الكفار
  • الصفحة الرئيسية