اطبع هذه الصفحة


ومضة أمل تنير ليل المظلومين

د / عمرو الشيخ


* إنه هو :
الأصوات الحبيبة فيه ...
البسمات المرسومة على الشفاه المنبعثة من الأرواح...
مظاهر الإخاء التي تراها في كل مكان...
‏إلقاء السلام على كل شخص تصادفه واحتضانك لـه...
توسيع دائرة الإخاء بحيث تشمل الجميع...
الضيافة وكرمها في كل ‏مكان، وكأنها ولائم أعراس...
ومظاهر الاحتفال في كل ناحية...
يجري كل هذا أمام أعيننا ليهمس في آذاننا باسم الإخاء العالمي ‏أشياء وأشياء.
وتتصاعد مشاعرنا وانفعالاتنا بالتكبيرات والتهليلات...
ويتطهر عالمنا الداخلي بالاستغفار...
ونلقي بفرح ونشوة جميع همومنا ‏وأحزاننا جانبًا..
إنه العيد .

تهفو نفوسنا إليه
وتعتبره ضرورة ماسة،
ونحاول أن نشعر بهذه الأيام المباركة بكل عمق وبكل هباتها وهداياها وألطافها... ‏
و عندما نؤدي عباداتنا وطاعاتنا ‏بإحساس وشعور...
وعندما تحيطنا التكبيرات والتهليلات من كل صوب،
يأتي بطعمه الفريد، ومذاقه الخاص، وجوِّه المتميز، ‏وينسكب إلى أفئدتنا موجة إثر موجة؛ لتغرق أرواحنا بجو الآخرة...
عند ذلك نشعر بأن القيود التي تربطنا مع هذه الدنيا الفانية ‏ترتخي وتنحل قيدًا إثر قيد، ونحسب أنفسنا وكأننا في عالم آخر جديد...
نحسب هذا ونرى أن كل دقيقة مستثارة بالبهجة فيه ‏تنـزل كغيث من رحمة الله على قلوبنا الظامئة إليه منذ سنوات؛ ليغسل جوانب أرواحنا التي يبست ويرطبها، ويصبح سورًا ‏يحافظ على زهور الأمل المتفتحة في أعماق صدورنا، وينفخ فيها الحياة
إنه العيد .

* من حقك أن تفرح ولكن تذكر :

للعيد معنى إنساني وفلسفة للفرح تنطلق من مناسبة حيوية مهمة تشعر الجماعة أو الأمة بوحدتها وقوتها المادية أو الروحية، فأنت لا تجد أمة من الأمم إلا ولها أعيادها. فالاحتفال بالأعياد من الأمور الغريزية لدى الجماعات، بغض النظر عن المآسي التي تمر بها
وتطورت الأعياد مع ظهور الأديان السماوية وارتقت بها إلى معان أكثر روحانية مع احتفاظها بمظاهر الفرح.
فافرح -يا اخى -بالعيد واصدح بالأناشيد، ولا تكثر من البكاء كي لا يفرح الأعداء، شارك الفلسطينيين والعراقيين أعيادهم، شاركهم حب الحياة والمرح كي تساندهم، افتح النوافذ في الجهات الأربع، افتح نافذة أوسع كي ترى الحياة.
* ولكن إن كان من حق العيد أن نبهج به ونفرح وكان من حقنا أن نتبادل به التهاني، ونطرح الهموم، ونتهادى البشائر، فإن حقوق إخواننا المشردين المعذبين شرقا وغربا تتقاضى أن نحزن لمحنتهم ونغتم، ونعنى بقضاياهم ونهتم00
فالمجتمع السعيد الواعي هو ذلك الذي تسمو أخلاقه في العيد إلى أرفع ذروة، ويمتد شعوره الإنساني إلى أبعد مدى، وذلك حين يبدو في العيد متماسكا متعاونا متراحما، حتى ليخفق فيه كل قلب بالحب، والبر، والرحمة، ويذكر فيه أبناؤه مصائب إخوانهم في الأقطار حين تنزل بهم الكوارث والنكبات.
كهذا يذكرنا الدكتور محمد بن إبراهيم الحمد
ولا يراد من ذلك تذارف الدموع، ولبس ثياب الحداد في العيد، ولا يراد منه أيضا أن يعتكف الإنسان كما يعتكف المرزوء بفقد حبيب أو قريب، ولا أن يمتنع عن الطعام كما يفعل الصائم.
وإنما يراد من ذلك أن تظهر أعيادنا بمظهر الأمة الواعية التي تلزم الاعتدال في سرائها وضرائها؟ فلا يحول احتفاؤها بالعيد دون الشعور بمصائبها التي يرزح تحتها فريق من أبنائها.
ويراد من ذلك أن نقتصد في مرحنا وإنفاقنا؛ لنوفر من ذلك ما تحتاج إليه أمتنا في صراعها المرير الدامي.
ويراد من ذلك -أيضا- أن نشعر بالإخاء قويا في أيام العيد؟ فيبدو علينا في أحاديثنا عن نكبات إخواننا وجهادهم ما يقوي العزائم، ويشحذ الهمم، ويبسط الأيدي بالبذل، ويطلق الألسنة بالدعاء؟ فهذا هو الحزن المجدي الذي يترجم إلى عمل واقعي.

* أيها المسلم المستبشر بالعيد:
لا شك أن تستعد أو قد استعددت للعيد أبا كنت، أو أمًّا، أو شابا، أو فتاة، ولا ريب أنك قد أخذت أهبتك لكل ما يستلزمه العيد من لباس، وطعام ونحوه00 فأضف إلى ذلك استعدادا تنال به شكورا، وتزداد به صحيفتك نورا، استعدادا هو أكرم عند الله، وأجدر في نظر الأخوة والمروءة.
ألا وهو استعدادك للتفريج عن كربة من حولك من البؤساء، والمعدمين، من جيران، أو أقربين أو نحوهم00 فتش عن هؤلاء، وسل عن حاجاتهم، وبادر في إدخال السرور إلى قلوبهم. وإن لم يسعدك المال فلا أقل من أن يسعدك المقال بالكلمة الطيبة، والابتسامة الحانية، والخفقة الطاهرة.
* وتذكر في صبيحة العيد، وأنت تقبل على والديك، وتأنس بزوجك، وإخوانك وأولادك، وأحبابك، وأقربائك، فيجتمع الشمل على الطعام اللذيذ، والشراب الطيب، تذكر يتامى لا يجدون في تلك الصبيحة حنان الأب، وأيامى قد فقدن ابتسامة الزوج، وآباء وأمهات حرموا أولادهم، وجموعا كاثرة من إخوانك شردهم الطغيان، ومزقهم كل ممزق؟ فإذا هم بالعيد يشرقون بالدمع، ويكتوون بالنار، ويفقدون طعم الراحة والاستقرار.
* وتذكر في العيد وأنت تأوي إلى ظلك الظليل، ومنزلك الواسع، وفراشك الوثير تذكر إخوانا لك يفترشون الغبراء، ويلتحفون الخضراء، ويتضورون في العراء.
* واستحضر أنك حين تأسو جراحهم. وتسعى لسد حاجتهم أنك إنما تسد حاجتك، وتأسو جراحك (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)، (وما تنفقوا من خير فلأنفسكم)، و(من عمل صالحا فلنفسه) و"من نقس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفسن الله عنه كربة من كرب يوم القيامة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"، و"من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم"، و"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.

وفى العيد اعتذر إلى هؤلاء :-
إلى كل المعذبين المشردين من أمتي ..
إلى كل البؤساء والمحرومين ..
إلى كل الفقراء والمساكين ..
إلى كل المبعدين واللاجئين ..
إلى كل المسجونين ظُلْمًا وكل المُغيَّبين ..
إلى كل اليتامى المقهورين ..
إلى كل الأيامى والمستعبدين ..
إلى أطفال الشوارع حيثما كانوا وكل التائهين ..
إلى من سكنوا المستشفيات لسنين طويلة فأصبحوا في سجل المنسيِّين ..
إلى كل الآباء والأمهات في دور العجزة وكل اليائسين ..
إلى كل الغرباء في بلاد الأعاجم بلا أهل، وكل من أضحى قهرًا من المهاجرين ..
إليكم جميعًا أقول عيدكم مبارك .. عذرًا كدت أقول ..وسعيد!
عذرًا لما قدمناه لكم و ما لم نقدمه .. عذرًا لسكوتنا وتخاذلنا .. عذرًا لموائدنا الزاخرة .. عذرًا لملابسنا الفاخرة .. عذرًا لضحكاتنا السافرة .. عذرًا للهدايا تملأ أيدينا .. عذرًا للدفء لملاقاة كل أهلينا .. عذرًا لا أملك إلا الاعتذار كهذا تردد د. سامية حوسينات -
فما بيدي من حيلة .. سوى التضرع إلى من بيده الأمر والوسيلة الرحمن الرحيم .. الواحد القهار، أن يفك قيد المأسورين، ويرفع القهر عن المظلومين، ويكتب الفرج القريب للمبعدين وكل المشردين …وأن يبث الرحمة في قلوب عباده المؤمنين فنصل أرحامنا، وننبذ أحقادنا، ونبرَّ أبناءنا، ونضم إلينا أيتامنا المؤمنين إخوانًا لنا في الله متحابين ….اللهم آمين.

* ومضة أمل :-
إننا بحاجة إلى أن نجعل من هذا العيد فرصة لدفق الأمل في قلوبٍ أحبطها اليأس، وأحاط بها القنوط، وتبدّت مظاهر اليأس في صور شتى.
فيا أمة الإسلام، أبشروا وأمِّلوا ما يسركم، فعُمر الإسلام أطول من أعمارنا، وآفاق الإسلام أوسع من أوطاننا، وليست المصائب ضربة لازب، لا تحول ولا تزول، فقد حصر المسلمون في الخندق، وبعد سُنيّاتٍ فتحوا مكة، وسقطت بغداد، ثم بعد نحو قرنين فُتِحت القسطنطينية، والله -عز وجل- لا يعجل لعجلتنا، ولا تتحوّل سننه لأهوائنا، فسنن الله لا تحابي أحداً، ولنتذكر في هذا العيد ما أبقى الله لنا من خير، وما تطول به علينا من فضل، قطعت رجْل عروة بن الزبير ومات ولده فقال: "اللهم إنك أخذت عضواً وأبقيت أعضاءً، وأخذت ابناً وأبقيت أبناءً فلك الحمد، ونحن نقول: لئن حلت بنا محن فقد أبقى الله لنا منحاً، ولئن أصابتنا نقم فقد أبقى الله لنا نعماً"، "وإن تعدوا نعم الله لا تحصوها"، ونحن أحوج ما نكون إلى أمل يدفع إلى عمل، وفأل ينتج إنجازاً، أما المهموم المحزون فهو غارق في آلامه، متعثر في أحزانه، مدفون في هموم يومه، لا يرجو خيراً ولا يأتي بخير، والله غالب على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون.

وما أجمل أن نختم ونحن نرجو الهلال أن يطلع لا أن يغيب
مع الشاعر المبدع د/ عبد الرحمن العشماوى فى قصيدته غب يا هلال

اطلعْ علينا حين يبتسم الزمنْ
وتموت نيران الفتنْ
اطلع علينا
حين يُورق بابتسامتنا المساءْ
ويذوب في طرقاتنا ثلج الشتاءْ
اطلعْ علينا بالشذا
بالعز بالنصر المبينْ
اطلعْ علينا بالتئام الشمل
بين المسلمينْ
هذا هو العيدُ السعيدْ
حتى ترى رايات أمتنا ترفرفُ في شَمَمْ
فهناك عيدٌ
أي عيدْ
وهناك يبتسم الشقيُّ مع السعيدْ
 

رأى هذه الومضة
د / عمرو الشيخ
المدير التنفيذى لمؤسسة نور للتنمية البشرية
 

وقفات مع العيد
  • فلاشات العيد
  • عيد الفطر
  • عيد الأضحى
  • أفكار دعوية
  • أحكام العيد
  • مـقــالات
  • قصائد
  • أعياد الكفار
  • الصفحة الرئيسية