اطبع هذه الصفحة


" يَا بُنَيَّ.. إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ "
*خطبة عيد الأضحى المبارك لعام 1430 هـ

محمد شعبان أبو قرن


الله أكبر (تسع مرات). الله أكبر ما لاحت أمارات الفلاح على من قصد بيته الحرام، الله أكبر ما سار في البر والبحر تحرسهم عناية الملك العلام، الله أكبر على ما فارقوا أموالهم وعيالهم لينالوا الرضوان الأكبر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر ما كبروا ولبوا ولبسوا لباس الإحرام، الله أكبر ما جدوا في المسير حتى يشهدوا الكعبة البهية، الله أكبر ما طافوا وسعوا وشربوا من ماء زمزم شربة هنية، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر ما هامت بهم مطايا الأشواق إلى عرفات، الله أكبر ما ابتهلوا إلى الله وغفر لهم جميع السيئات، الله أكبر ما وقفوا بالمشعر الحرام شاكرين الله على ما هداهم لمعالم السعادات، الله أكبر ما وصلوا إلى منى ورموا الجمرات، ونحروا هداياهم وحلق كل منهم أو قصر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، سبحان من أغدق عليهم سحائب الرحمة والغفران، سبحان من متعهم بزيارة الحبيب سيد ولد عدنان، سبحان من أسعدهم بالسلام على المختار وصاحبيه (أبي بكر وعمر) وأجزل لهم الإحسان، الله أكبر الله أكبر الله أكبر..
الحمد لله الذي عطر الألسنة بذكره، وشغل القلوب بحبه، لا إله إلا الله, الكبير المتعال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل الأعياد مواسم الإحسان والرضوان، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، المبعوث بصفوة الأديان، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه الأمجاد الأطهار..أما بعد/
أيها المسلمون هذا يوم عيد مبارك، يوم تهليل وتكبير وتحميد، هذا يوم إظهار الشعائر، هذا يوم فيه توصل الأرحام، ويتبدل الخصام إخاء بين المسلمين، هذا يوم خصه الله بشعائره، وشرفه بمآثره، يوم.. ابتلى الله فيه خليله عليه السلام، وفدى من الذبح ولده إسماعيل عليه السلام، وذلك أنه لما رأى في منامه قائلاً يقول له: إن الله يأمرك بذبح ولدك (ورؤيا الأنبياء حق كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك)، فلما أصبح عليه السلام تروى من الصباح إلى الرواح (أي تمهل في تنفيذ الأمر حتى يتأكد أمن الله هو, أم من الشيطان)، فسمي يوم التروية (8 ذي الحجة)، فلما أمسى رأى مثل ذلك، فلما أصبح عرف أن ذلك من الله، فسمي يوم عرفة (9 ذي الحجة)، ثم رأى مثل ذلك في الليلة الثالثة، فهم بنحر ولده، فسمي يوم النحر (وهو يومنا هذا)، فأخذ ولده وعبراته تجري على خديه، وأخذ حبلا لشد يديه، وفلذة كبده ينظر إليه، ولم يعلم حقيقة ما هو صائر إليه، فسأله إسماعيل عليه السلام: إلى أين السبيل يا أبتاه؟، فقال له والده بقلب حزين: (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)، ذكر الإمام القرطبي في تفسيره حول هذه الآية، قال كعب: أنه لما رأى إبراهيم ذبح ولده في منامه قال الشيطان: والله لئن لم أفتن عند هذا آل إبراهيم لا أفتن منهم أحدًا أبدًا، فتمثل الشيطان في صورة رجل، ثم أتى إلى أم الغلام هاجر رضي الله عنها وقال: أتدرين أين يذهب إبراهيم بابنك، قالت: لا، قال: إنه يذهب به ليذبحه، قالت: كلا، هو أرأف به من ذلك، فقال عليه لعنة الله: إنه يزعم أن ربه أمره بذلك، قالت: فإن كان ربه قد أمره بذلك، فقد أحسن أن يطيع ربه، ثم أتى الغلام بعد أن يئس من أمه فقال: أتدري أين يذهب بك أبوك؟، قال: لا، قال: إنه يذهب بك ليذبحك، فقال: لِم؟، قال: يزعم أن ربه أمره بذلك، فقال الغلام الحليم: فليفعل ما أمره الله به سمعًا وطاعةً لأمر الله، ثم جاء إبراهيم فقال له: أين تريد، والله إني لأظن أن الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك بذبح ابنك، فعرفه إبراهيم فقال له: إليك عني يا عدو الله، فوالله لأمضين إلى أمر ربي، فلم يصب المعلون منه شيئًا..
قيل إنه لما أراد أن يذبح ولده قال له الابن: يا أبتي اشدد رباطي، حتى لا اضطرب فينقص أجري، واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليه شيء من دمي فتراه أمي فتحزن حزنًا طويلاً، واستحد شفرتك، وأسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون عليّ، فإن الموت شديد (أجل والله.. إن الموت لشديد)، وإذا أتيت أمي فاقرأها السلام مني، وإذا أردت أن ترد قميصي على أمي، فافعل فإنه عسى أن يكون أسلى لها عني، فقال إبراهيم عليه السلام لابنه: نِعم العون أنت يابني على أمر الله، فعند ذلك، أوثق إبراهيم كتاف ولده, وجلس على صدره, ووضع السكين على نحره، قائلاً: باسم الله.. الله أكبر، فاهتزت السكين في يده، واضطربت, وكلت، وكلما مر بها على نحره لاَن حديدها، حتى تعبت يده وكلت، ثم إنه حدها مرتين أو ثلاث على الحجر، كل ذلك لا يستطيع أن يقطع شيئًا، فقال له الابن عند ذلك: يا أبتي، كبني على وجهي لجبيني، فإنك إذا نظرت إلى وجهي رحمتني وأدركت رحمة تحول بينك وبين أمر الله، وهذا معنى قوله تعالى: (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ)، أي: صرعه على وجهه ليذبحه من قفاه ولا يشاهد وجهه، فحز في قفاه فلم تعمل السكين شيئًا، كل ذلك والذبيح صابر لأمر الله، والخليل يبتهل إلى مولاه، فعند ذلك ضجت الملائكة وقالت، إلهنا وسيدنا ارحم الشيخ الكبير، وافد بمنك وكرمك هذا الصبي الصغير، فلما رأى الله جل وعلا صبرهما واستسلامهما فيما ابتلاهما، كشف عنهما ضرهما، وناداهما أرحم الراحمين، (يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)، فأمر سبحانه جبريل عليه السلام أن يهبط بكبش من الجنة، فذبح الخليل عليه السلام الفداء، وحمد الله رب العالمين..
الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. قال المفسرون: والحكمة في هذه القصة أن إبراهيم عليه السلام اتخذه الله خليلاً، فلما سأل ربه الولد، ووهبه له، تعلقت شعبة من قلبه بمحبة ولده (كيف لا، وهو فلذة كبده، وقد وهبه الله له على كبر، وعلى طول صبر السنين)، فأمر بذبح المحبوب لتظهر صفاء الخلة، فامتثل لأمر ربه، وقدم محبة الله تعالى على محبة ولده، هذا هو حال إبراهيم عليه السلام مع ابنه، فمن منا يجرؤ أن يفعل ذلك هذه الأيام، فتأمل أخي الحبيب رحمك الله..!!
وقوله تعالى: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ)، جمهور المفسرين على أن هذا الغلام هو إسماعيل عليه السلام، قيل: أن الله جمع لإبراهيم عليه السلام في إسماعيل ثلاث بشارات:
أما الأولى: فأنه غلام.
والثانية: أنه يبلغ أوان الحلم.
والبشارة الثالثة: أنه يكون حليمًا؛ لأن الصغير في العادة لا يوصف بذلك.
وأي حلم يُعادل حلمه عليه السلام، حين عرض عليه أبوه الذبح، فقال: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم..

(الخطبة الثانية)
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد/
فاتقوا الله عباد الله، وكبروا الله على ما هداكم، وتقربوا إليه بذبائحكم، وعظموا شعائر دينكم، واجعلوها من أطيب ذخائركم، واجعلوا التقوى شعارًا لضمائركم وأعمالكم، فإن الله جل وعلا لا يقبل من العمل إلا من كان لوجهه خالصًا، قال الله تعالى: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ).
ثم إن الأفضل للمضحي أن يتصدق بالثلث ويدخر لأهل بيته الثلث، ويهدي لأقربائه الثلث، وأن يذبح بيده إن كان يعرف الذبح، وإلا شهدها، ويأمر غيره أن يذبح عنه، وكُره ذبح الكتابي والمجوسي، ولا يجوز بيع شيء منها؛ لأنها أخرجها لله تعالى، وكُره بيع جلدها وبيع صوفها (إلا أن يتصدق به أو ينتفع به)، وكُره أيضًا أن يعطى الجزار أجرة منها، ولا يجوز إهداء كافرٍ منها كتابيًا كان أو مجوسيًا، وعليكم بالتكبير عقب الصلوات المكتوبات إلى عصر آخر أيام التشريق، وتوددوا إلى بعضكم بالهدايا والكلمات الرقيقة، التي تؤلف القلوب، فالابتسامة كلمة طيبة لكن بدون حروف، واسعوا في إصلاح ذات البين، وليصفح كل منكم عمن أساء إليه، قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فيلتقيان، فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"، وفي رواية: "فإن ماتا على خصامهما لم يدخلوا الجنة أبدًا"، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب الأنصاري: "ألا أدلك على صدقة يحبها الله ورسوله؟! تصلح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقرب بينهم إذا تباعدوا"، واحذروا أحبتي في الله الظلم، فإن الظلم والله ظلمات يوم القيامة، كما أخبرنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، واذكروا الله كما هداكم، وإن كنتم من قبله لمن الضالين، وليهنئ المسلم أخوه المسلم بقوله، تقبل الله منا ومنكم، كما هو مأثور عن صحابتنا الأخيار، رضوان الله تبارك وتعالى عليهم أجمعين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا ربنا سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها, اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأقوال والأفعال لا يهدي لأحسنها إلا أنت , واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت, اللهم أعزنا بالإسلام وأعز الإسلام بنا, اللهم من أرادنا وبلادنا والمسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميره ياقوي ياعزيز, اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين والمسلمين في كل مكان, اللهم إنهم في حاجة عاجلة إلى رحماتك فأنزل عليهم رحماتك يارحمن يارحيم, اللهم حرر الأقصى من أيدي يهود, وارزقنا فيه صلاة قبل الممات, ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان, ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وتقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


أخوكم في الله/
محمد شعبان أبو قرن.
10 من ذي الحجة 1430 هـ
m.aboqarn100@hotmail.com
 

*ألقيت هذه الخطبة صبيحة العاشر من ذي الحجة 1430 هجرية, بمسجد الرماية بمنطقة الهرم في مصر.
** صفحة التلاوات والتعريف من موقع طريق الإسلام.

 

وقفات مع العيد
  • فلاشات العيد
  • عيد الفطر
  • عيد الأضحى
  • أفكار دعوية
  • أحكام العيد
  • مـقــالات
  • قصائد
  • أعياد الكفار
  • الصفحة الرئيسية