اطبع هذه الصفحة


المقعدون
(في وداع أحمد ياسين)

شعر : عبد الله بن درويش الغامدي
الجبيل الصناعية


نبضُ قلبٍ ذَوَى وفِكرٌ مُشَرَّدْ *** وحديثٌ عنِ ابْنِ ياسين أحمدْ
يا مُرَبِّي الأجيالِ يا قِمَّةَ الطُّهْرِ *** فُؤادي اكْتَوَى وجِفْني مُسَهَّدْ
قِيلَ لِي عَنْك عاجزٌ وضَعيفٌ *** قِيلَ شَيخٌ مٌحَطَّمٌ قِيلَ مُقْعَدْ
قلتُ كَلا لَمْ يعرفوكَ ولكِنْ *** نَظَروا لِلأُمورِ نَظْرةَ أَرْمَدْ
لَمْ تَكُنْ مُقْعَداً ولكنْ هُمَاماً *** مُلْهِماً للجهادِ والكونُ يَشْهَدْ
لَمْ يكنْ ذلك الكَلِيلُ لِسَاناً *** بَلْ هو الصارمُ الحسامُ المُهَنَّدْ
لَمْ يكنْ صوتُك المُهَدَّجُ عِياًّ *** بَلْ سُطوراً من المَلاحِمِ تُنْشَدْ
لَمْ تكنْ تلك أَجْفانُ كَلّ ٍ *** بَلْ سِهَامٌ من اللّظَى تَتَوقَّدْ
تِلك كانت تَجَارِباً وشُمُوخاً *** لَمْ تكنْ لِحْيَةً وشَعْراً مُجَعَّدْ
لَمْ تكنْ مُقْعَداً ولكنْ جَوَاداً *** يَتَهادَى أَمَامَ مِلْيارِ مُقْعدْ
إِنَّما المُقْعَدونَ نَحْنُ الأُسَارَى *** في قُيودٍ منَ المَعاصي نُصَفَّدْ
إِنَّما المُقْعَدُ الذي رَضِيَ الذُلَّ *** وخَافَ العِدَا وللأرضِ أَخْلَدْ
رَاضِياً بالقُعودِ في الخَالِفينَ *** جَبَاناً في رَيبِهِ يَتَرَدَّدْ
إِنَّما المُقْعَدُ الذي سَادَ قَوماً *** فَغَدا لِلْهَوانِ والذُلِّ مَعْهَدْ
بِإِزاءِ العَدوِّ عَبْدٌ ذَليلٌ *** وعَلى قَومِهِ فَتىً يَتَوعَّدْ
أَضْمَرَ الغَدْرَ والعَمَالةَ سِرّاً *** وأَمَامَ الجُموعِ أَرْغَى وأَزْبَدْ
إِنَّمَا المُقْعَدُ الذي مَاتَ قَلْباً *** مَاتَ فيهِ ضَمِيرُهُ وتَبَلَّدْ
مُقْعَدُ الحِسِّ للهزيمةِ يَصْحُو *** وعَلى الذُلِّ والمَهَانَةِ يَرْقُدْ
إِنَّما الُمقْعَدُ الذي ضَيَّعَ الدِّينَ *** وفي مَسْلَكِ الغِوَايَةِ يَجْهَدْ
فَهُمُ المُقْعَدونَ إِذْ أَنت مَاضٍ *** وهُم الهَابِطونَ إِذْ أَنْتَ مُصْعِدْ
لَمْ تَمُتْ بَلْ خَرَجْتَ للعَالَمِ الرَّحْبِ *** فَلَيتِي بِمِثْلِ مَوتِكَ أُسْعَدْ
هذه الدارُ عَشْتَ فيها حَمِيداً *** وأُرَاكَ الغَدَاةَ أَعْلى وأَحْمَدْ
أَنْتَ حَقَّقْتَ ما أَرَدتَ بِفَخْرٍ *** ثُمَّ أَفْضَيتَ للنّعيمِ المُؤَبّدْ
أَنتَ أَشْعَلْتَ في الظّلامِ سِرَاجاً *** لِلْمُحِبِّينَ مِنْ دِمَائِك يُوقَدْ
أنتَ أَثْخَنْتَ في سَمَاسِرَةِ السِّلْمِ *** إذْ مَاتَ حُلْمُهم وتَبَدَّدْ
أنتَ أَحْيَيتَ بالمَمَاتِ شُعُوراً *** هَامِداً بَارداً وحِسّاً مُجَمّدْ
أنتَ عَلَّمْتَ كُلَّ غِرٍّ جَبَانٍ *** كَيفَ يَسْمو مَن اقْتَدى بِمُحَمّدْ
لَسْتُ أَبْكِيكَ أنتَ مَا زِلْتَ حَيّاً *** باقْتِدَارٍ في قَلبِ كُلِّ مُوَحِّدْ
لَسْتُ أبْكيكَ أنتَ أَعلَى وأَغْنَى *** عَنْ بُكَائي وأنتَ أَسْمَى وأَمْجَدْ
أنا أبْكي لأمّةٍ يُقَيّدُها الذَّنْبُ *** وفي سَاحَةِ الطّواغِيتِ تَسْجُدْ
أنا أبْكي مُصِيبَتي في شَبَابٍ *** غَارِقٍ في الخَنَا وجِيلٍ مُهَوّدْ
رَاحَ يَرْعَى الخَنَازِيرَ عِنْدَ النَّصَارَى *** أَو غَدَا لليَهُودِ زَرَّاعَ غَرْقَدْ
أَنَا أَبْكي وأَشْتَكي أُمَّهاتٍ *** لِمْ يَعُدْ لِلآمَالِ فِيهِنّ مَعْقِدْ
أَنَا أَبْكي مُصِيبَتِي في شُيُوخٍ *** عَجَزَتْ أَنْ تَحُلَّ أَمْراً وتَعْقِدْ
إِنّما أَشْتكي وأبكي وجُوهاً *** هَجَرَتْ مَسْجِداً وخَرَّتْ لِمَعْبَدْ
أَنَا أَبْكي وأَشْتكي مِنْ زَعِيمٍ *** حُكْمُه في الأنَامِ حُكْمٌ مُؤَبّدْ
هَمُّه في الحَيَاةِ تَعْطِيلُ دِينٍ *** ولِوَأْدِ الجهاد يَسْعَى ويَحْفِدْ
كَيفَ يَمْحُو مِنَ شَرْعِنَا (قاتِلُوهُمْ) *** كَيف يَمْحُو (اقْعُدوا لهم كُلَّ مَرْصَدْ)
أَيها الشيخُ إنَّ مَوتَكَ فَخْرٌ *** وحَيَاةٌ وحُلْمُ قَومٍ تَجَدَّدْ
نَمْ قَرِيرَ الجُفًُونِ في نَاظِرَينَا *** قَدْ فَرَشْنَا جُفُونَنَا لَكَ مَرْقَدْ
 

أحمد ياسين
  • مقالات ورسائل
  • حوارات ولقاءات
  • رثاء الشيخ
  • الصفحة الرئيسية
  • فلسطين والحل