اطبع هذه الصفحة


هل أطلقها شارون باسم الله رب الشيخ أحمد ياسين

د. محمد بن عبدالله الخضيري


الحمد لله و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين ،،،
لقد فجع العالم الإسلامي غرة صفر بيد الغدر و الإجرام تطعن شيخ المجاهدين ـ في بلد الأقصى و أرض الاسرى التي بارك الله حولهاـ الشيخ أحمد اسماعيل ياسين بعد ما صلى الفجر جماعة في المسجد رحمه الله وتقبله في الشهداء .

جل المصاب و زادت الآلام *** و عدت على شيخ الهدى الأقزام
و تكالبت وحش الظلام على الذي *** في ظله تتزاحم الأقدام
إن يقتلوك فليس ذلك بدعة *** في دينهم بل إنه الأحلام

و بقدر ما آلمنا هذه النبأ و أحزن قلب كل مسلم في كل مكان إلا أننا نعتقد يقينا أن قتل هذا الشيخ المقعد و استهدافه من قبل شارون بهذه الطريقة القذرة الغادرة التي شاهدها العالم وشهدوا على جريمة العصر من مجرم العصر؛يمنح الأمة قوة و حياة و نصراً لها وثبات .
و إن كان شارون يظن أنه سيحقق له أمناً ولقومه و سيكسب الصفقة فقد خذل في ظنه و تاه في أوهامه؛ بل هذه الفعلة ستؤجج ناراً من تحدت أقدامهم و تزلزل أرضاً تحت عروشهم .
أما الشيخ فإننا نحسبه شهيدا عند الله قد عاش حميداً و مات عزيزاً و أما القتلة الجبناء فهم الخاسرون في الدنيا و الآخرة (قل إن الخاسرين الذين خسروا انفسهم و أهليهم يوم القيامة ألاء ذلك هو الخسران المبين ) و يصدق في الشيخ ـرحمه الله ـ مقولة الصحابي الجليل حين طعن (فزت و رب الكعبة) إي و ربي ما أعظمه من فوز! إن من يظن أن للنصر معنى واحد أو طريقا واحداً في الميدان العسكري فحسب فقد غلط حجابه و كثف طبعه و حيل بينه و بين معاني النصر العظيمة التي من أجلاها وأظهرها انتصار الإيمان و ثبات القلوب و ظهور الحق و ارتفاع الذكر .
و إن كان الملك الذي حاول قتل الغلام المؤمن لم يستطع ذلك إلا حين قال له الغلام : اجمع الناس في صعيد واحد ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل (بسم الله رب الغلام) فلما قتله قائلاً باسم الله رب هذا الغلام و مات الغلام قال الناس جميعاً(آمنا برب الغلام،آمنا برب الغلام ،آمنا برب الغلام) ثلاثاً!!!! فهل يعي شارون و عصابته أن الشيخ حين لم يستخفي أو يختبي أو يتدرع بجنود و حصون بل كان عرضة لسلاح يهود بكرة و عشياً ، أن قتلهم إياه على طريقة (باسم الله رب الغلام) و هل يدرك من كان أحرص الناس على حياة أن السحر قد انقلب على الساحر و أن الدم الذي شاهده العالم أجمع يسيل من جسد الشيخ الطاهر و أجساد من معه - تقبلهم الله جميعا في الشهداء- سيروي شجرة الإيمان في النفوس فتقوى غصونها و تخضر أوراقها و تينع ثمارها. والقادة المجاهدون والعلماء الربانيون تظل كلماتهم محدودة الأثر فإذا استشهدوا لأجلها و روّوها بدمائهم اهتزت و انتفضت و عاشت بين الأحياء بل سرت روحاً في أموات الأحياء0 و لئن كان الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون فتلك الحياة التامة الكاملة للشهداء يسري من شعاعها و فيوضها إلى عالم الوجود جذوة تتواقد منها الهمم و الأرواح و العزائم .

إن في استشهاد الشيخ و من معه رحمهم الله جميعا عبر و دلالات ، وآيات بينات (و عسى أن تكرهوا شيئاً و يجعل الله فيه خيراً كثيراً )
1/ منها تحقق خبر القرآن الكريم في وصف يهود من أنهم لا يقاتلون المؤمنين مواجهة و إنما(في قرى محصنة أو من وراء جدار ) و هذه الجريمة البشعة كانت من وراء جدار الفضاء حين أطلقوا الصواريخ من طائراتهم التي تحصنوا بها .
و تحقق أيضاً وصفهم بالاعتداء و السعي فساداً في الأرض قال تعالى (ذلك بما عصوا و كان يعتدون) و قوله تعالى (و يسعون في الأرض فساداً) و كلها جاءت بصيغة الفعل المضارع الدال على الاستمرار والتكرار وهكذا فسادهم و اعتداءا تهم عبر التاريخ دائمة مستمرة0 بل أوضح القرآن استمرار إيقادهم لنيران الحروب ( كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ) و حيث كانت هذه الحروب ضد أهل الإيمان تولى الله الدفاع و المدافعة عنهم (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) فيطفئ الله نيران حربهم على المؤمنين و يتحقق خبر القرآن ووعد الله الحق (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون ) فكم من الأموال جمعها وأنفقها يهود على ترسانة الأسلحة المتطورة فهل حققت لهم أمنا أو أمّنت لهم حصناً أو مكنتهم من الغلبة بل كانت عليهم حسرة و غلبوا في ميدان العقائد و حلبة الصراع الفكري والأمني .

2/ أن الشهادة في سبيل الله كانت أمنية الشيخ رحمه الله التي يتمناها دائماً و كان يقول (هذه التهديدات لا تهمنا و لا تخيفنا لأننا طلاب شهادة لا دنيا تافهة ) و هي أمنية كل مسلم صادق يتأسى بالنبي صلى الله عليه و سلم و قد تمناها بقوله ( و الذي نفس محمد بيده لو وددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أعزو فأقتل ثم أغزو فأقتل ) رواه مسلم .

3/ النفسية الدموية التي يتمتع بها اليهود فما عرفت البشرية سفاكاً للدماء و جلاداً للشعوب مثل اليهود0 والقرآن سجل عليهم جريمة قتل الأنبياء في أكثر من آية (و يقتلون النبيين بغير حق) و قد ذكرت بعض الروايات في التفسير أنهم قتلوا في يوم واحد سبعين نبياً … و التاريخ يحفظ محاولة يهود قتل النبي صلى الله عليه و سلم في مؤامرة بني النضير حينما أرادوا إلقاء صخرة على النبي صلى الله عليه و سلم فجاءه الوحي من السماء ثم أجلاهم النبي صلى الله عليه و سلم من المدينة وما فعلته تلك اليهودية التي استضافت النبي عليه الصلاة و السلام فوضعت له السم في ذراع الشاة وغير ذلك مما لا يحصى عداً و لا يحصر ذكرا

4/ معرفة الجاني حقيقة يؤكد قضية الصراع و بشاعة الجناية و إذا كانت أنامل الجناية يهودية فإن قرار التصفية قد وافق عليه البيت الأبيض فهو الآمر و الممول و قد كان بالأمس ضميراً مستتراً فصار في جميع الأحداث اليوم ضميراً بارزاً و بالذات في الإبادة اليومية التي يتعرض لها إخواننا في فلسطين0 وما كان ليهود و هم الجبناء أن يتجرءوا و يدمروا لو لا المد و الدعم غير المحدود من الصليبين الأمريكيين و هم حبل اليهود الذي بدونه ( ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله و حبل من الناس) و تصريحات القادة الأمريكيين الأخيرة وامتناعهم عن إدانة الجريمة في مجلس الأمن تؤكد ذلك تماما فأي إرهاب تتهم به الآخرين و هي تمارسه بجميع أجهزتها و كافة أسلحتها و مؤسساتها و تستهدف هذا الشيخ القوي بإرادته، الضعيف المشلول ببدنه0 و قد خالفت كل ما يسمى بالمواثيق و القوانين و الأعراف الدولية حتى أخلاقيات الحرب التي لا يجهز فيها على جريح و لا يقتل فيها شيخ أو امرأة أو طفل فأي الفريقين أحق بوصف الإرهاب إن كانوا يعقلون .

5/ آن للأمة جمعاء أن تدرك أن صراعها مع يهود و أوليائهم الصليبين دائم و مستمر و عداؤهم لنا لا يخففه وعود سلام أو تنازلات أو مسارعة فيهم و كسب ولائهم و مودتهم خشية الدوائر .

6/ أن هذا الحدث يجدد قضية فلسطين و الأقصى التي طالما نسيها أو تناسها كثيرون لسبب أو أكثر فقد آن الأوان لبعث هذه القضية و تكوين مساحة لها ثابتة في الاهتمام و التخطيط و استشراف المستقبل و تكوين لجان داعمة ومؤسسات تطوعية و إحياء روح المناصرة لإخواننا هناك استجابة لأمر الحق ( و إن استنصروكم في الدين فعليكم النصر)

7/ أن المطالبة بدم الشيخ رحمه الله ليس خاصاً بأهله و ورثته بل هو حق و واجب في عنق كل قائد و حاكم وعالم ومستطيع قادر و إن المطالبة به جزء من تحقيق ذمة الله التي كان في حماها كل من صلى الفجر في جماعة ( من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشئ…..الخ )
فدعوة صادقة لكافة المؤسسات الإسلامية و المنظمات الحقوقية و العدلية و مؤسسات المحاماة و جمعيات حقوق المعاقين بل وروابط العلماء و الدعاة الذين استهدفوا و أهينوا بشخصية الشيخ رحمه الله أن يتنادى الجميع لطلب المقاضاة و المحاكمة الجنائية بشكل جاد و مستمر؛ وعدونا لا يعرف إلا القوة لغة و الشدة معاملة (وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين)

8/ دعم المقاومة الجهادية في فلسطين واجب ماضي و حاضر و مستقبل و فرضية قضاء الفوائت الواجبة لا يبطلها تراكهما ومضي زمنها وإن الدول الإسلامية مطالبة بشكل أكبر لتعي دورها في حماية المسلمين و المستضعفين و الوقوف من المعتدي موقفاً حاسماً حازماً لا يعرف لغة الاستجداء و التنازل أو الشجب علانية و الاعتذار سراً .
تعدوا الذئاب على من لا كلاب له *** و تتقي صولة المستأسد الضاري

9/ إن في هذه الحادثة و المصاب الجلل تربية للأمة و بالذات شبابها على الشجاعة و البذل والتضحية يقول الذهبي رحمه الله عن أصحاب الهمم العالية ( يوم من أيام أحدهم خير من عمر آحاد من الناس)
و كم سيتربى على هذا الموقف أقوام وأجيال على مدى الأيام يقول الرافعي رحمة الله عليه (رؤية الكبار شجعانا هي وحدها التي تخرج الصغار شجعانا و لا طريقة غير هذه في تربية شجاعة الأمة)
أجل بتضحيات العظماء تروى شجرة الشجاعة و بموت أمثاله تحيا الأمة ..
إن يمت ياسين يأتي ألف ياسين يجاهد *** و يذيقوا الكفرضيماً فلنكن ذاك المجاهد

10/ كم في منظر الشيخ رحمه الله و هو مقعد مشلول يسعى و يكافح و يؤازر و يدافع و يحرض المؤمنين حتى ضحى بنفسه و قدمها رخيصة في سبيل الله كم في ذلك من معاني يتربى عليها أصحاء الأبدان مقعدوا الهمم . ماذا نقول لأنفسنا و للجيل اللاهي الراكض وراء سراب الفن و الترف؟ واخجلتاه لقد اكتشفنا اليوم حقيقة من هو المقعد!!! و شيخ مقعدأيقظ في الأمة الهمة فمتى يتحرك صحيح البدن واهي العزيمة و الإرادة .

11/ يجب استثمار هذا الحدث على أوسع نطاق على المستوى الفردي و الشعبي فأمة يهين العدو قادتها،ويستهدف شعوبها، ويستحل دماءها، ويسلب خيراتها، ويستعمر ديارها حقاً عليها أن تعود إلى أصالتها و منبع عزتها و تحسن تربية ذاتها وأفرادها على منهج شرعي أصيل مستمد من الكتاب و السنة بعيداً عن العواطف الوقتية التي ربما تجود في هذا الحدث بالكثير من التجاوب لكنها سريعاً ما يخبوأ وارها و ينطفي شرارها0وفريضة المرحلة الراهنة هي التوبة العامة والخاصة أن تتوب الأمة من الشعارات الجوفاء والمناهج الشوهاء وتذعن لأمر الله وحكمه وتتحاكم إليه وتعرف أخطاءها ونقائصها وتستكين لربها وتتضرع إليه وتخشى عذابه وبأسه (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم ومايتضرعون ) و أهل المقدس أعانهم الله و ثبتهم لهم شرف الرسالة و صدق القضية الأمر الذي يتوجب عليهم الصبر و التقوى (و إن تصبروا و تتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً ) و(استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين)

12/ كم سيحرك هذا الحدث من مشاعر ساكنة و تبصر من خلالة عيون مرمدة و قلوب غافلة ليس في العالم الإسلامي وحده بل في العالم أجمع ليتبين بشكل أكثر مدى التحالف الطغياني الصيهومريكي و مدى التخاذل و الانبطاح العربي و لعلنا لم ننسى قضية الطفل محمد الدرة و مكاسب المقاومة الفلسطينية بل و الإسلامية في كل مكان من ورائها و ها نحن نستلمح هذه الثمرة حين رأينا الاتحاد الأوربي يصوت بإدانة هذه الجريمة0 وما تفرزه هذه التصريحات من تحولات وتغيرات في قناعة عامة الشعوب الأوربيةأيا كان حجمها مع أن الاتحاد هو نفسه بالأمس يصوت على اعتبار حركة حماس حركة إرهابية و مهما تكن الدوافع و الملابسات لكلا الموقفين إلا أنه يجب اهتبال هذه الفرص واستثمارها لإزالة ما تبقى من غشاوة على الأبصار بسبب الانحراف الفكري و العقدي الذي يكون صاداً عن العدل الذي أمر الله به و صدق الله ( و صدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين)

13/ أن هذه الجريمة بقدر ما آلمت النفوس و طعنت القلوب إلا أننا ما ننتظره بعدها من توحد الجهود و تراص صفوف المجاهدين في فلسطين و تمحيصهم و إكرامهم بقوافل الشهداء الذي يحيون بدمائهم رمماً و أرواحاً هامدة0 فيا إخوتاه في أرض الإسراء الأمةكلها معكم بما تستطيع فـ (لا تهنوا و لا تحزنوا و أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله و تلك الأيام نداولها بين الناس و ليعلم الله الذين آمنوا و يتخذ منكم شهداء و الله لا يحب الظالمين و ليمحص الله الذين آمنوا و يمحق الكافرين ) وقد قيل : كم يوحد البلاء و المصيبة ما تفرق في الرخاء و النعمة .
نسأل الله أن يهي لأمة الإسلام قائداً راشدأ و أن يمنحها نصراً مؤزرا
إنه ولي ذلك و القادر عليه ،، و صلى الله و سلم على نبينا محمد

المصدر : منتدى بريدة
 

أحمد ياسين
  • مقالات ورسائل
  • حوارات ولقاءات
  • رثاء الشيخ
  • الصفحة الرئيسية
  • فلسطين والحل