اطبع هذه الصفحة


القسام من جديد...الأبعاد والدلالات

زياد آل سليمان


كنت قد عزمت على أن يكون عنوان المقال: عودة القسام الأبعاد والدلالات إلا أنني أدركت أن العنوان الحالي أدق، وذلك لعدة أمور منها: أن القسام لم يكن غائباً خلال الفترة الماضية والتي سُميت بمرحلة التهدئة، بل كان حاضراً من خلال دعم الفصائل الأخرى بطريق مباشر أو غير مباشر، وكان حاضراً من خلال تخريج دفعات من المقاتلين وتدريبهم، وكان حاضراً من خلال زيادة حجم التصنيع والتطوير، وكان حاضراً في المواجهة والتصدي لليد العميلة التي كانت طوعاً لليهود ولأهدافهم متسترة بغطاء حركي أو غيره، ومستمدة قوتها من دعم الإدارة الأمريكية الحريصة على نشر الديمقراطية.
إذاً ... القسام من جديد، في الواقع أن انتهاء التهدئة الهشة كان متوقعاً، ولكن حركة المقاومة الإسلامية حماس كانت بحاجة لهذه التهدئة والتي استمرت قرابة الخمسة أشهر لأمور منها: التفرغ لإصلاح الجبهة الداخلية وإعدادها للمرحلة القادمة، وإعطاء الفرصة للحكومة لتحقيق المزيد من الإنجازات والتخفيف من حجم الضغوط عليها، وذلك من خلال القتال في ميدان المقاومة السياسية والذي لا يقل أهمية عن ميدان المقاومة العسكرية.
لطالما كانت التهدئة مرتبطة بإعطاء الفرصة للتفاوض حول الإفراج عن الأسرى، ولمعرفة الحركة أن التفاوض وحده لا يكفى كان لا بد من ورقة ضغط فكانت عملية الوهم المتبدد.

الصواريخ والقذائف التي انهمرت على المواقع العسكرية الصهيونية وعلى المغتصبات كانت تحمل معها العديد من الدلالات منها: من حيث التوقيت فقد جاءت بعد تصعيد صهيوني باغتيالات في غزة وفي الضفة الغربية بشكل أوسع، ومن حيث التهديدات للمسجد الأقصى، وفي ذكرى النكبة والتي تعني لليهود ذكرى التأسيس، ولذلك فقد صرحت كتائب القسام بأن هذه الصورايخ هي هدية القسام بهذه المناسبة.
الكيان الذي يحتفل بمرور 59 عاماً على تأسيسه، كان بحاجة لرسالة بهذا الحجم، لتعلم يهود أن لا مكان لهم ولا استقرار، وأن هذا الاحتفال فارغ من المضمون، ولا حقيقة له على أرض الواقع، إذ أن الكيان مهدد طوال تلك السنين ولم ولن يحظى بأي استقرار.
أيضاً جاءت هذه الصواريخ رداً عملياً على بعض التصريحات العربية والتي أسقطت حق العودة وتحدثت عن حق التعويض للاجئين، متناسية للجراح، وحالها كمن يبيع ما لا يملك، بل يبيع أرضاً إسلامية لا يملك أحد كائناً من كان حق التفريط أو التنازل عنها.
كما أن هذه الصواريخ جاءت لدفع عجلة إتمام صفقة الإفراج عن الأسرى، بالتهديد بأسر المزيد، وأن على الكيان الصهيوني ألا يعتمد على وعود أذنابه بإيجاد مكان الجندي والإفراج عنه من خلال عملية عسكرية، فمن أسر الجندي جلعاد قادر – بإذن الله- على أسر المزيد، أما أصحاب الوعود الكاذبة فحالهم كأولئك القوم الذين أخبرنا الله عنهم، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَ لا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَ إِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ اُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَ لَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَ لَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُون }.

وإلى المشككين في جدوى هذه الصواريخ فإني أجد نفسي مضطراً لتذكيرهم بما قاله الشيخ أحمد ياسين رحمه الله للصحفيين عندما سأله أحدهم عن جدوى إطلاق هذه الصواريخ، فتبسم وقال: " ما دامت لا تؤثر خلوهم مبسوطين عليها، ولماذا في كل مفاوضات يطالبون بإيقافها، ويبعثون برسائل لنا لنوقفها في كل وقت" .
وقد أمر الله عز وجل بالإعداد ما استطعنا قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ } وصاروخ متحرك خير من ألف صاروخ ساكن.

وهذه الأمة منصورة بالرعب قال تعالى: {لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ }، ولغة الأرقام تتحدث، فقد كشفت تقارير صهيونية صادرة عن دائرة الإحصاء المركزية الشهر الحالي عن تصاعد تدريجي في أعداد اليهود الذين يهاجرون من الكيان الصهيوني مقابل هبوط تدريجي في عدد من يسمون بالمهاجرين الجدد، وبحسب معطيات الدائرة المركزية الصهيونية للإحصاء فإن المعلومات تشير إلى أن عدد اليهود الذين يتركون الكيان الصهيوني في كل عام يصل إلى ما يقارب عشرين ألفا بينهم نسبة كبيرة من المهاجرين الجدد.

حصيلة القصف كانت بـ ( 30 ) صاروخاً و ( 61 ) قذيفة هاون في جميع المغتصبات الصهيونية، وأعلنت القسام قصفها لموقع "كرم أبو سالم "وهو الموقع الذي أسر منه الجندي الصهيوني جلعاد شليط لتذكير العدو الصهيوني بأن "جلعاد شليط " لا زال لديهم وأنهم مستعدين لخطف آخرين. كما أعلنت القسام: بأن لديها وسائل جديدة ومفاجآت للتصدي لأي عدوان صهيوني، وأنها قادرة على إطلاق مائة صاروخ خلال الساعة الواحدة.

ومع أن الصواريخ التي أطلقت في قطاع غزة هي ليست الصواريخ ذات المدى الأبعد والقدرة التفجيرية الأكبر لدى كتائب القسام، ولكنها حملت دلالة على أن لدى القسام أوراقاً قوية يمكن استخدامها، ولكن في الوقت المناسب، بينما تضيق الخيارات أمام الكيان الصهيوني، فإنها مفتوحة أمام المقاومة الفلسطينية، وقد جاء تلويح رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية باتخاذ قرار وطني خلال شهر أو شهرين، متزامناً مع إعلان «كتائب عزالدين القسام» عن انتهاء التهدئة، والعودة إلى العمل العسكري كوسيلة للضغط على المجتمع الدولي من أجل رفع الحصار المالي عن الحكومة التي تقودها حماس.

وأخيراً فإن هذه الصواريخ حملت معها رسالة لجميع الشعوب الإسلامية للاستعداد للمواجهة القادمة التي سيخوضها الشعب الفلسطيني وهو بحاجة لكل أوجه الدعم من تلك الشعوب، والتي ترقب ما يجري على أرض الإسراء والمعراج متمنية أن تأتي اللحظة التي يمكنها أن تساهم وبشكل مباشر في المعركة الفاصلة مع اليهود، وحتى ذلك الحين فإن الفرصة متاحة للمساهمة والمشاركة بشكل غير مباشر، والصراع قائم بين الحق والباطل، والمعركة طويلة بحاجة لكل جهد، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }.
 

فلسطين والحل
  • مقالات ورسائل
  • حوارات ولقاءات
  • رثاء الشيخ
  • الصفحة الرئيسية
  • فلسطين والحل