اطبع هذه الصفحة


هل بدأ مشهد التمكين في فلسطين؟

زياد آل سليمان


الاقتتال الذي وقع في قطاع غزة حاولت وسائل الإعلام أن تظهره بأنه صراع بين حركة حماس وحركة فتح، ولم تستطع وسائل الإعلام أن تظهر حقيقة الأمر وأن القتال بين حماس وبين اليهود الذين يساندهم تيار تغطى باسم حركة فتح واستطاع أن يستولي على قيادتها السياسية ويحرفها عن مسيرتها ويسرق اسمها وجهاد أبنائها ومجاهديها، هذا التيار سُمي بعد الأحداث الأخيرة بجيش (لحد)، ويعتمد أساساً على بعض قادة الأجهزة الأمنية الذين يتقاضون الأموال والعطايا ويخشون من ضياع الرتب والمناصب أو فتح ملفات الفساد الذي مارسوه طوال الحقبة الماضية والبدء بمحاسبتهم، ولم تستطع تلك الوسائل المنصفة أن تنقل لنا مشهد إطلاق عناصر من الأمن الوقائي الرصاص على شاب ومنع الإسعاف من أخذه وتركه ينزف وذنبه أن أعفى لحيته، كما لم تستطع وسائل الإعلام أن تنقل مشاهد الاعتداء على النساء المحجبات، أو مشاهد إحراق مباني الجامعة الإسلامية ومكتبتها بالأسلحة الأمريكية، ولا إجراء مقابلات مع الجرحى من الملتحين، أو حرق بعض المساجد، ولم تنقل لنا صور الجرحى من حرس الرئاسة والأمن الوقائي الذين يعالجون في مستشفى "برزيلاي" الصهيوني في مدينة عسقلان كما ظهر في القناة الثانية للتلفزيون الصهيوني، وعندما تمت محاصرة الصحفيين من قبل حرس الرئاسة وتنفيذية فتح وجاءت كتائب القسام لفك الحصار عنهم قال المراسلون: بأنهم محاصرون في وسط اشتباك بين حماس وفتح! خشية أن يصيبهم ما أصاب عدداً من الصحفيين على يد حرس الرئاسة والأمن الوقائي... وهكذا تقلب الأمور، وتخفى الحقائق!

ها هي الأخطار تحدق بحكومة الوحدة الوطنية من كل جانب، وها هو الشعب الفلسطيني لا يزال يمارس ضده العقاب الجماعي الدولي لاختياره حركة المقاومة الإسلامية حماس لقيادته بعد سنين عجاف كان يمثل الشعب ويتكلم باسمه من لا يمثله حقيقة، ويشارك في الحصار دول الجوار ويضاف لكل هؤلاء آخرين من دونهم ولكننا اليوم نعلمهم وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الأباتشي.

ليس من التجني القول بأن تياراً في حركة فتح حددت له الأهداف والخطوات من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني وهو يقوم بتنفيذها بتعاون وتنسيق ظاهر من بعض الدول العربية، بل ويتقاضى في مقابل ذلك المساعدات المتنوعة والمعلنة، لم تكتفي الولايات الأمريكية والكيان الصهيوني بإعلانه عن دعم هذا التيار وحرس الرئاسة بل قام بدك مواقع القوة التنفيذية في تزامن ظاهر ومريب مع اعتداءات حرس الرئاسة والأمن الوقائي على مواقع أخرى للقوة التنفيذية ولكتائب القسام، ورعاية لحق الجوار فقد قامت بعض دول الجوار بتدريب 450 عنصراً حتى الآن من جهاز جديد سموه تنفيذية فتح ليقابل المجاهدين من أبناء الشعب الفلسطيني في القوة التنفيذية، وسمحت قوات الاحتلال بعبورهم فور اندلاع الأحداث، وهي التي تمنع النساء والأطفال من الدخول من معبر رفح الحدودي إلا بعد ساعات أو أيام من الانتظار والمعاناة والإذلال.

وهكذا كلما هدأت الأمور عاد العملاء والخونة إلى إشعال الفتنة من جديد، أمام كل هذه العقبات والصعوبات السياسية والعسكرية والاقتصادية وغيرها والتي وضعت في طريق الحكومة الفلسطينية وحركة حماس، فإن الشعوب المسلمة في كل مكان تقف حائرة، بل قد لا يرى البعض أي حل أو مخرج يلوح في الأفق، لذلك فإن علينا جميعاً أن نعود بالذاكرة إلى الوراء وتحديداً إلى سنة 1991م عندما عقد مؤتمر السلام في مدريد وقامت المفاوضات بين المنظمة والكيان الصهيوني بحضور الدول العربية ومباركتها، ليكون المؤتمر الأول الذي يشارك فيه العرب مع الكيان الصهيوني، برعاية أمريكية وأوربية، وانطلق الإعلام للترويج للسلام، وها هي حركة حماس تصدر بيانها لتوضح فيه موقفها من المؤتمر ورفضها له لما يترتب عليه من نتائج خطيرة على مسيرة القضية الفلسطينية، ولا أنسى ذلك البيان الذي تصدرته آية كريمة وهي قوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} (القصص: الآيات 5-6).

وبعد ما يزيد عن عشر سنين من حكم للسلطة التي جيء بها أساساً لإيقاف تطور الانتفاضة الأولى، ولتكون سيفاً مسلطاً على رقاب المجاهدين من أبناء حماس والجهاد، بعد كل تلك السنين العجاف، مروراً بأعنف مراحلها وهي سنة 1996م وما كان فيها من ملاحقة واعتقال وتعذيب بل وقتل للمجاهدين والتنسيق الأمني مع العدو الصهيوني والذي لم يتوقف إلا بعد أشهر من اندلاع انتفاضة الأقصى، وبعد فوز حماس في الانتخابات الأخيرة 2006م، فإن علينا أن نطرح هذه التساؤلات: من جاء بالسلطة أساساً للقضاء على حماس هل كان يتوقع أن يؤل أمرها لتصير لحماس؟ هل تحقق وعد الله بأن يمُن على المستضعفين بجعلهم أئمة وجعلهم الوارثين؟ وهل مكن لهم في الأرض؟ وهل رأى فرعون وجنوده منهم ما كانوا يحذرونه؟ ومن هو الطرف الأضعف اليوم؟ ... لن يدرك حجم التغير إلا من عاش في تلك المدة ثم أدرك هذه الأيام، وإن كانت حلقات التمكين لم تكتمل بعد، ولكن علينا أن نتذكر تلك المرحلة، كما ذكر الله عز وجل صحابة رسوله صلى الله عليه وسلم بنعمته عليهم وصدق وعده لهم بقوله سبحانه: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (لأنفال:26)، علينا أن نتذكر لكي لا نقعد عن مقارعة الظلم في كل صوره وأشكاله، علينا أن نتذكر أيام الضعف والخوف، قبل أن ينعم الله علينا بالقوة السياسية والعسكرية وغداً الاقتصادية بإذن الله، علينا أن نتذكر انتصارنا في غزة وغداً في الضفة والقدس بإذن الله، علينا أن نتذكر لنشكر المنعم عز وجل، وإن كان الصحابة رضي الله عنهم عاشوا مشهد الاستضعاف ومشهد التمكين، فإننا اليوم نرى بأن الستار قد بدأ يسدل على مشهد الاستضعاف.

وها هي أمريكا والكيان الصهيوني وأعوانهم في الداخل وفي الجوار يعجزون عن إسقاط حكومة حماس فكان اللجوء إلى هؤلاء المرتزقة لكون الجيش الصهيوني عاجز عن المواجهة الحقيقة ويخشى من المزيد من الهزائم وسقوط هيبته لاسيما بعد حربه الأخيرة على لبنان، وهو بحاجة ماسة لتشويه صورة المجاهدين في فلسطين الذين بدأت الشعوب تلتف حولهم وحول خيارهم الجهادي، وينبغي أن نشير هنا بأن حركة حماس استطاعت أن تفضح هذا التيار وأن تكشف مؤامراته، كما وجهت نداءاتها إلى الشباب الأحرار في جهاز الأمن الوقائي؛ لأن يعي جيداً المؤامرة التي خطط لها قادتهم، وأنها تنظر إلى هؤلاء الشباب على أنهم شركاء للحركة في هذا الوطن وشركاء في المصير، كما دعت حماس كل الأحرار في فلسطين، وكل الإخوة الأحرار في حركة فتح؛ إلى تدارك ذلك ومنع رؤوس الفتنة من تنفيذ مخططاتهم قبل فوات الأوان.

وقد بلغ الضعف بهذا التيار إلى حد جعل من بعض المحللين السياسيين الصهاينة يصرح بأنهم اعتمدوا على تيار ضعيف ليس له قبول في الشارع أو قاعدة جماهيرية، حتى أن بعض القادة العسكريين الإسرائيليين يعارضون إمداد فتح بأسلحة كثيرة خشية أن تقع هذه الأسلحة في يد حماس كما حصل للشاحنات التي دخلت من معبر رفح، بل إن المجاهدين من حماس حاصروا هؤلاء المرتزقة في الأحداث الأخيرة في المربع الأمني الذي يسيطرون عليه في تل الهوى، وسيطروا على أبراج سكنية تتبعهم بعد أن طردوا عناصر تيار الخيانة منها، وأما الخطوط الحمراء التي تحدث عنها دحلان سابقاً فقد سقطت فبيوت ومقرات قادة هذا التيار هوجمت وتمت السيطرة عليها، وبدأت تدرك جميع الفصائل الفلسطينية بأن النيل من حماس ما هو إلا مقدمة للمس بكل من يرفع راية المقاومة والجهاد، ووجهت قيادات سياسية وعسكرية في فتح الاتهامات لدحلان بتحريك هذا التيار للقضاء على المقاومة، وأعلنت كتائب الأقصى بأن فتح اختُطفت من غلمان دحلان وأن تصريحات نزال تبرر للاحتلال القتل، وناشدت كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح أبناء الحركة بأن يرفضوا الانخراط في "مؤامرة تصفية المقاومة وشركاء الدم والسلاح"، قائلة: "لا للعملاء وأدعياء الانتماء لفتح في صفوفنا، ولنعلنها مجلجلة فلتعود فتح إلى أحضان أبناءها الحقيقيين والشرعيين"، وقالت: "في الوقت الذي نرى فيه قوات البغي الصهيونية تفتك بإخواننا ورفاق سلاحنا وشركائنا في خندق المقاومة في غزة الصامدة، لا يتورع شرذمة ممن ربطوا أسمائهم، زوراً وبهتاناً، بحركة فتح العظيمة عن مد يد العون لعصابات الاحتلال في حربهم المعلنة على قوى المقاومة، بل ولا يخجل الدّعي (جمال نزّال) من نفسه، ويجاهر على رؤوس الأشهاد باتهام المقاومة بأنها هي من تستدرج عصابات الاحتلال إلى غزة، وكأن المجرم (رئيس الوزراء الصهيوني (أولمرت) الذي يعاني من سكرات الموت جراء تقرير (فينوغراد) بحاجة إلى مبررات لقتل أبناء شعبنا".
وقد استطاعت حركة حماس وبذكاء وحنكة سياسية بأن توجه الأنظار والأفعال إلى العدو الصهيوني مصدر الفتنة، كما استطاعت أن تخرج الكيان الصهيوني وقيادته عن طوره وتفكيره ودهاءه ومكره ليشارك مباشرة مع بعض الخونة من عناصر الأمن الوقائي وحرس الرئاسة في ضرب مواقع التنفيذية والقسام ليسقط ما تبقى من أوراق تستر بها هؤلاء الخونة.
القضية الفلسطينية اليوم تمر بمرحلة جديدة والكيان الصهيوني تعصف به الأزمات من كل جانب وفقد الثقة في أولئك العملاء الذين كان قد عول عليهم الكثير، ونقلت صحيفة (هآرتس) الصهيونية عن جهات أمنية عليا تأكيدها بأن فتح هزمت وستخسر دورها الأمني قريبا، وبأن مسئولين كبار في أجهزة أمن السلطة أخرجوا عائلاتهم من القطاع.

بالرغم من كل الصعوبات والتعقيدات فإننا نرمق النصر من بعيد، وقد هبت رياحه ولاحت بوادره ومقدماته، ولن تعود الأمور إلى الوراء - بإذن الله – وما تلك الممارسات والجرائم التي يقوم بها بعض المنتسبين إلى الأجهزة الأمنية إلا علامة على حالة العجز التي وصل إليها أولئك الخونة، والحال ذاته لدى الكيان الصهيوني، وما النصر إلا صبر ساعة، ولن تقبل الجماهير المسلمة في فلسطين بأن يحكمها أو يمثلها من يتنازل عن حقوقها ولو كان سيوفر لها الرواتب، وأخيراً فإن علينا جميعاً أن نشارك في صناعة مشهد التمكين كل بحسبه، والخاسر هو من تتاح له فرصة المشاركة في صناعة مشهد التمكين ويتوانى عن ذلك، وتلك المؤامرات ومهما كانت نتائجها فإننا نعلم بأن أرضنا المقدسة الطاهرة فلسطين ستبقى محفوظة محروسة برعاية الله وملائكته وجنده المجاهدين الأخيار، فقد أخرج الترمذي وأحمد وصححه الطبراني والحاكم ووافقه الذهبي من حديث زيد بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا طوبى للشام! ياطوبى للشام! يا طوبي للشام!، قالوا: يا رسول الله وبم ذاك؟ قال: تلك ملائكة الله باسطوا أجنحتها على الشام". قال العز بن عبد السلام - رحمه الله -: [أشار رسول الله إلى أن الله - سبحانه وتعالى - وكل بها الملائكة، يحرسونها، ويحفظونها]. وأما أولئك المتآمرين فلن يموتوا إلا هماً أو غيظاً أو حُزناًً، فعن خُرَيْمَ بْنَ فَاتِكٍ الْأَسَدِيَّ قال: " أَهْلُ الشَّامِ سَوْطُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ يَنْتَقِمُ بِهِمْ مِمَّنْ يَشَاءُ كَيْفَ يَشَاءُ وَحَرَامٌ عَلَى مُنَافِقِيهِمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى مُؤْمِنِيهِمْ وَلَنْ يَمُوتُوا إِلَّا هَمًّا أَوْ غَيْظًا أَوْ حُزْنًا"، انفرد به أحمد وإسناده صحيح موقوف.

 

فلسطين والحل
  • مقالات ورسائل
  • حوارات ولقاءات
  • رثاء الشيخ
  • الصفحة الرئيسية
  • فلسطين والحل