اطبع هذه الصفحة


لعدوهم قاهرون .. فماذا نحن فاعلون؟

زياد آل سليمان


"إسرائيل" هي الدولة الرابعة في ترتيب الدول المصدرة للسلاح في العالم، هكذا أعلن وزير الحرب الصهيوني قبل أيام. هذه المعلومة ليست مفاجئة لكون الكيان الصهيوني جاء بقوة السلاح في قلب العالم الإسلامي وهو منذ نشأته يعتمد على القوة العسكرية وظل الأمن هو الهاجس اليومي للصهاينة وطغى على كل اهتماماتهم، فارتفعت الميزانية العسكرية لتصل إلى30% من إجمالي الموازنة التي تدفع الولايات المتحدة الأمريكية جزءاً كبيراً منها على شكل مساعدات عسكرية لضمان تفوقه في تلك المنطقة، بالإضافة إلى تبادل الخبرات والأبحاث المتعلقة بإنتاج الأسلحة.

قوة الكيان العسكرية تمنحه قوة سياسية إضافية مع احتكاره للسلاح النووي في المنطقة، وكذلك من ناحية تكنولوجية فإن صناعاته تسهم في تطور الاقتصاد إذ يصدر 75% من إنتاج الصناعات العسكرية بقيمة 3 مليارات دولار سنوياً، أي ما نسبته سدس الصادرات التجارية الصهيونية.

صنعت كل تلك الميزانيات والجهود والدعم بالإضافة للآلة الإعلامية من الجيش الصهيوني أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، ومع ذلك كله فإن الجيش أصبح مصدر إحراج ومعرة للكيان الصهيوني، وما تقرير لجنة فينوغراد الحكومية بعد الحرب الأخيرة على لبنان والذي تسبب في استقالة رئيس هيئة أركانه دان حالوتس و عدد من جنرالاته إلا مؤشر على حالة الضعف التي وصل إليها الجيش، بينما الحقائق تتجاوز رئيس الأركان، فقد ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن نحو 20% من أفراد الاحتياط في الجيش غير جاهزين للمشاركة في أي حرب بسبب عدم إتقانهم استخدام أنظمة الأسلحة ولمستواهم التدريبي السيئ للغاية_ وهذا المعلن وما أُخفي أعظم - وقوات الاحتياط تشكل حوالي الثلثين من إجمالي تعداد الجيش الصهيوني.

كما أن المقاومة الفلسطينية استطاعت أن توجد حالة من التمرّد على قدسية الجيش وولاء الشعب الصهيوني له، فنمت ظاهرة التهرب من الخدمة العسكرية، حتى أصبح ما يتمناه وزير الدفاع إيهود باراك هو "العودة إلى الأيام التي كان فيها التهرب من الجيش بمثابة وصمة قابيل (وصمة عار) على جبين المتهربين"، ناهيك عن ظاهرة الاتجار بالسلاح وبيعه للخصم، وأما الحديث عن البطولة فلا مكان له في مجتمع يحرص على الحياة أياً كانت تلك الحياة، كما أخبرنا الحكيم الخبير: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا}.

لم يعد الشارع الصهيوني يثق بقدرة جيشه على حمايته بل ولا المنظومة الأمنية، ذلك الجيش الذي يحارب من خلال طائرات أو دبابات كما وصفهم لنا الله عز وجل: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ}.
يدرك الصهاينة أن وجودهم في قلب العالم الإسلامي مرتبط بتفوقهم العسكري ودوام حالة الردع والإرهاب، وكلما قُهر الجيش الصهيوني في الميدان بفعل المقاومة وضرباتها، أفرغ غضبه من خلال مجزرة أو جريمة ليستعيد بها شيئاً من كرامته المسلوبة. ووحشية الصهاينة اليوم تظهر بجلاء مدى حالة العجز والضعف الذي وصل الكيان الصهيوني ليس على الصعيد العسكري فحسب بل على كل الأصعدة، إلا أن فشله وعجزه العسكري هو الأخطر لكونه أساساً من أسس بقائه.
يظن الصهاينة أنههم بتلك المجازر والحصار ستتوقف المقاومة ويرضخ الشعب المسلم، ولكن الذي يجري على أرض الواقع هو ما يلخصه قول الجنرال شلومو غازيت الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية الصهيونية في مقال نشرته صحيفة "معاريف": إن الجمهور الفلسطيني لن ينقض على حركات المقاومة، ولن يثور ضد حكومة حماس، بل سيهب للانتقام من "إسرائيل"، خلافًا للهدف المنشود من العقوبات الاقتصادية الجماعية على الفلسطينيين. واعتبر غازيت أن اتخاذ قرار فرض العقوبات يمثل قصورًا في أداء القيادة "الإسرائيلية"، ويدلل على عجزها عن رؤية الصورة كاملة. أما الجنرال غال هيرش فقد صرح بأن:" أي حرب جديدة تخوضها "إسرائيل" قد تكون الأخيرة".

إنها النتائج العكسية للمخططات والمؤامرات مما جعل بعض المحللين الصهاينة أن يعبروا عن حالة اليأس تلك بالقول: "بأن الكيان الصهيوني اغتال عرفات لإنجاح مشروع الرئيس عباس، فخرج هذا المشروع بحكومة حماس, وحاولت الحكومة الصهيونية القضاء على حكومة حماس, فخرجت دولة حماس في غزة!!".
أما المقاومة في فلسطين فلم تتوقف يوماً ما، إلا أنها تمر بمراحل متعددة، وهي اليوم – ولله الحمد - قد بلغت أوج قوتها على الرغم من الضعف الظاهر في الضفة الغربية، وسياسة ضبط النفس في قطاع غزة، مع تحييد أي طرف خارجي عن الدخول في هذا الصراع حالياً.

الجيش الصهيوني يقف اليوم مقهوراً عاجزاً أمام فتية آمنوا بربهم لم يبالوا بوحشية الاحتلال وما أعده من عتاد، عملوا بالأسباب صنعوا برغم إمكاناتهم المحدودة قوة قادرة على المقاومة والمقارعة بل على قهر الاحتلال، هذه فلسطين أحداث متتابعة وصراع شرس مع أشد الناس عداوة، يبدو المشهد هناك قاتماً لدى البعض، لاسيما عندما تتعمد بعض وسائل الإعلام قراءة الأحداث من خلال: {إن تكونوا تألمون} ولا تتجاوزها بإكمال الآية ونقل باقي الصورة {فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ}، وهكذا تتكون لدينا تلك الصورة المجتزئة.

بالرغم من تلك القوة العسكرية وشدة عداوة اليهود للذين آمنوا وحصارهم الظالم وعدوانهم الغاشم وحربهم المفتوحة ضد الشعب الفلسطيني، فإن المسلمين في فلسطين يقهرون هذا الكيان ويذلونه ويدمرون أحلامه ومخططاته، وكلما ظن القوم أن مؤامرتهم قد نجحت وبدأت تؤتي ثمارها الخبيثة سرعان ما لاح في الأفق ما يدمرها ويجعلها {هَبَاءً مَنْثُوراً}، إنه خبر الصادق المصدوق قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، قيل أين هم يا رسول الله؟ قال: ببيت المقدس وفي أكناف بيت المقدس" رواه أحمد في مسنده. وفي رواية الترمذي: "لا يضرهم من يخذلهم" وفي رواية أخرى عند أحمد في مسنده: "وأرجو أن تكونوا هم يا أهل الشام"، فلا بد من اللأواء: الشدة والعناء والابتلاء.
إنها ضربات المقاومة القاهرة، فهم لعدوهم قاهرون .. ألم يقهرهم الشيخ أحمد الياسين رحمه الله على الرغم من الشلل الذي أصاب جميع أطرافه، عبرة وعظة لمن تتحرك أجسادهم بينما ترتجف قلوبهم من هذا الكيان.
لعدوهم قاهرون .. حتى بالحجر أقضوا مضاجع المحتل ثم بالسكين، حتى أرغمت علمياتهم الاستشهادية الصهاينة على الهجرة العكسية وكبدتهم الخسائر الاقتصادية .

قهروا عدوهم فاضطر إلى "الهجرة المعاكسة" فقد كشفت دراسة رسمية إسرائيلية أن 700 ألف إسرائيلي يعيشون بالخارج يرفضون العودة للدولة العبرية، بينهم نسبة كبيرة يمرون بعملية تحول عن اليهودية، كما أوضحت الدراسة التي أجرتها وزارة الهجرة والاستيعاب "الإسرائيلية" المعنية بشئون المهاجرين أن ربع الشباب الإسرائيلي الذين يعيشون في أوروبا يتزوجون من غير اليهوديات، في حين أن 60% منهم لم ينضموا للجاليات اليهودية هناك ولا يعملون في إطارها، وقد أظهرت دراسة أجريت قبل عامين أن 70% من الإسرائيليين يقرون بأنهم سيكونون سعداء لو استطاع أبناؤهم الحصول على جنسية أجنبية. وتفيد معطيات وزارة الهجرة أن أكثر من 100 ألف مهاجر روسي غادروا البلاد منذ عام 1990 وعادوا لروسيا أو أوكرانيا، وتفيد التقديرات أن في روسيا يعيش اليوم حوالي 70 ألفا ممن يحملون جواز السفر الإسرائيلي. أما الجالية اليهودية في أمريكا فقد بدأت في فقدان الاهتمام بدولة "إسرائيل" بحسب ما أظهره استطلاع أجري مؤخراً.
لعدوهم قاهرون .. بأنفاق الجحيم التي عجلت بفرارهم من غزة، لعدوهم قاهرون بصواريخهم المحلية التي تتجاوز اليوم كل الجداران والحواجز وصارت بديلا مناسباً عن العمليات الاستشهادية وشكلت قوة ردع، عجز الكيان المصنع للسلاح والمصدر للتقنية أن يقف في وجهها، لكونها لا تخضع للمقاييس الصناعية الحربية التي يمكن التنبوء بسرعتها واتجاهها ومداها، فالضعف يغدو بفضل الله سر القوة والقهر لليهود، قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}، وها هو وزير الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال أفي ديختر يحذر من اتساع دائرة المناطق المستهدفة بالصواريخ الفلسطينية لتشمل حوالي ربع مليون صهيوني، «سيكونون هدفا لحرب استنزاف». مشيراً إلى أن عسقلان و مناطق أخرى ستدخل قريبا إلى دائرة المناطق التي ستطالها الصواريخ الفلسطينية حيث تشير المعلومات الأخيرة إلى أن القسام يمتلك صواريخ تصل لأهداف حساسة في مدينة عسقلان متجاوزة أطرافها، وها هو رئيس بلدية سيدروت ايلي مويال يعلن عن استقالته بسبب عجز الجيش الصهيوني عن حماية الصهاينة.

لعدوهم قاهرون.. بثباتهم وصمودهم أمام الحصار التاريخي الذي يجري اليوم فلم ولن تهنأ يهود بالأمان يوماً ما في فلسطين، حياتهم رعب وقلق واستنفار في كل حين منذ أسس هذا الكيان، تحقيقا لوعد الله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}.
حتى لعبة السياسة والانتخابات والديمقراطية والتي طالما أتقنها القوم، فقد هزموا فيها بعد فوز حركة حماس بالانتخابات، ومع كل المحاولات لإسقاط الحكومة يقلب المجاهدون المؤامرة على اليهود ومن خلفهم من المتآمرين، يحاول الاحتلال استفزاز المقاومة وجرها إلى حيث يريد إلا أنها دائما ما تتعامل بالنفس الطويل والصبر وعدم استعجال النتائج أو حرق الأوراق.
قهروا عدوهم حتى غدت المستوطنات والمستوطنون عبئاً مالياً وأمنياً وسياسياً على الصهاينة، إلى درجة وصفت فيها المستوطنات بالسرطان الذي يأكل جسد المجتمع الصهيوني، وأما أرقام النازحين عن المستوطنات فالكشف عنها من المحرمات.

لعدوهم قاهرون، ويبرر الجيش الصهيوني تأخره عن اجتياح قطاع غزة تارة بخشيته على مصير الجندي المأسور جلعاد شاليط، أو بتعاظم القدرة الصاروخية والعسكرية تارة أخرى، ولعل من آخر تلك القدرة ما نقلته الإذاعة العبرية عن مصادر أمنية أنها تلقت معلومات حول قيام حركة حماس بإنشاء وحدات عسكرية متكاملة ترتدي زي الجيش الصهيوني، بل وأشارت إلى تخوف الأجهزة الأمنية من إدخال وحدات لحماس ترتدي زي الجيش والوحدات الخاصة التابعة له عبر الأنفاق إلى داخل الكيان لتنفيذ عمليات.

سيبقى أهلنا على ثرى فلسطين المباركة لعدوهم قاهرون .. فما نحن فاعلون؟.. وإني لا أخشى عليهم ولا على مسرى رسولنا الكريم، إنما أخشى على أنفسنا أن نخذلهم فيصيبنا ما حذرنا منه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بقوله: "مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ. وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَه" أخرجه أبو داود، والإمام أحمد في مسنده.

http://www.islammessage.com/articles.aspx?cid=1&acid=15&aid=823


 

فلسطين والحل
  • مقالات ورسائل
  • حوارات ولقاءات
  • رثاء الشيخ
  • الصفحة الرئيسية
  • فلسطين والحل