اطبع هذه الصفحة


وقفة على ميناء "إيلات"

زياد آل سليمان


أرض مباركة تعبق برائحة الدماء الزكية التي سالت وتسيل على ثراها، وها هي تتحدث لتكشف عن المزيد من التضحيات التي قدمها أبناء الأمة للذود عنها، فقد أعلنت مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية عثورها على مقبرة جماعية للمئات من المسلمين قتلوا شنقاً أو رمياً بالرصاص. كما عثر في جيوبهم على مصاحف وأسلحة بيضاء، جاء الاكتشاف بعدما كان الصهاينة يقومون بعمليات حفر لتوسيع مقبرة يدفن فيها اليهود ويحاولون طمس معالم تلك المقبرة الجماعية، وذلك في مدينة "أم الرشراش" التي يسميها الصهاينة اليوم بـ"إيلات" وهو اسم قديم لها، وللمدينة تاريخ عريق وهي تقع على خليج العقبة – الفرع الشرقي للبحر الأحمر – حيث تقع مدينة حقل السعودية ويجاورها مدينة العقبة الأردنية ثم أم الرشراش ثم طابا المصرية، هنالك حيث تلتقي المدن الأربع، هذا الموقع الاستراتيجي للمدينة أكسبها مكانتها الخاصة فصارت تعرف بـ(مدينة الحجاج) ويمكن مشاهدة القلاع التي أنشأها صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، إذ كانت تحت سيطرة الصليبيين قبل أن يفتحها، ثم عاد التتار للسيطرة عليها ففتحها الظاهر بيبرس رحمه الله.

وعاد الصهاينة واحتلوها سنة 1949م غدراً، وذلك بعد ساعات من توقيع اتفاق الهدنة بين مصر والصهاينة وانسحاب الحامية الأردنية التي كانت تحت إمرة قائد إنجليزي، لتدخل العصابات الصهيونية تحت قيادة العقيد "إسحاق رابين"، الذي أصبح رئيسا لوزراء الكيان الصهيوني، وتقوم بقتل جميع أفراد وضباط الشرطة المصرية في المدينة، وعددهم 350 شهيداً، وأطلق على العملية اسم "عوفيدا"، بالرغم من أن عصابات "رابين"، دخلت المدينة دون أي مواجهة من قوة الشرطة المصرية لالتزامها بأوامر القيادة بوقف إطلاق النار، وبذلك أصبح للصهاينة منفذ هام على البحر الأحمر، تشكل صادرات وواردات الكيان التي تأتي من خلاله أكثر من 40% .

وفي الوقت الذي كان ينبغي على الحكومة المصرية إثارة هذه القضية في المحافل الدولية وتفعيلها إعلامياً وشعبياً، بل المطالبة بفتح تحقيق دولي حول هذه المجزرة، وأن تطالب أُسر الضحايا بمحاكمة عادلة لكل من شارك في تلك الجريمة إلا أن شيئاً من ذلك لم يقع!! بل على العكس سرعان ما تناقلت وسائل الإعلام خبر الدعوى القضائية التي أقامتها عشر عائلات من سكان مغتصبة "سديروت" الصهيونية، رفعت تلك الدعوى إلى المحكمة المركزية في بئر السبع لمطالبة الحكومة المصرية بتعويض قدره 260 مليون شيكل أي ما يوازي 68 مليون دولار كتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم وبذويهم، جراء إطلاق صواريخ فلسطينية عليهم من قطاع غزة. وأفادت صحيفة "يديعوت أحرنوت": أن رافعي الدعوى اتهموا في عريضة دعواهم السلطات المصرية بالسماح بتهريب المتفجرات والأسلحة لقطاع غزة التي تستخدمها حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في صناعة الصواريخ التي تطلقها على مغتصبة "سديروت" المتاخمة لقطاع غزة.
وسبق تلك الدعوى تصريحات استفزازية لكل من وزير الحرب الإسرائيلي "إيهود باراك", ووزيرة الخارجية الإسرائيلية "تسيبني ليفني", ضد مصر وحكومتها, حول ملف الحدود.

من الضروري عدم تجاوز تلك المجازر والجرائم الصهيونية وألا يطويها النسيان لتضاف مع سابقاتها من المذابح التي ارتكبت ضد الأسرى المصريين وغيرهم في حربي 1956 و1967 واعترفت بها القيادات العسكرية الصهيونية نفسها.
الصهاينة الذين يحاصرون قطاع غزة، ويهددون حياة مليون ونصف مليون مسلم بالموت المباشر أو غير المباشر، وفي ذات الوقت يفاوضون على رفات جنودهم القتلى في الستينيات والسبعينيات، بل في الحرب العالمية الثانية، ويقيمون نصباً اسمه (باد فاشيم) في القدس للتذكير بضحايا ما يسمى بالمحرقة اليهودية المزعومة، حتى أصبح مزاراً لكل زائر يزور الكيان، كان آخرهم الرئيس الأمريكي جورج بوش الذي ارتدى القلنسوة اليهودية السوداء مثل أولمرت وبيريز، وبدا حزينا..ً دامع العينين.. مطرق الرأس..، وفي احتفال أقيم داخل "قاعة الذكرى" أضاء بوش شمعة ..ووضع إكليلاً من الزهور عند أسماء ضحايا المعسكرات النازية المحفورة على أرضية من الرخام، وقال بوش: "آمل أن يأتي الناس من شتى أنحاء العالم إلى هذا المكان"، وأضاف "سيكون ذلك تذكرة بأن الشر موجود وبأننا مدعوون لمقاومته حين نجده"!!

لكننا نجد الشر هذا يومياً في فلسطين وفي العراق وأفغانستان والصومال ولبنان وحيث حلت القوات الأمريكية والصهيونية. إن علينا أن نقيم المعارض وننشر صور الضحايا الذين سقطوا، وصدقاً ستكون معارضنا أكبر حجماً!

نَمشي فَتُدمينا الجِراحُ على دُروبِكِ يا مَنازِلْ *** وَنخوضُ في بَحْرِ الدِّما واللَّيلُ يَعتقِلُ المَشاعِلْ
لَمْ يَبْقَ مِنْ وَطني سِوى أشلاءَ في أَيدي القَبائِلْ *** وَحُطامُ أَشْرِعَةٍ على ميناءِ هاتيكَ السَّواحِلْ

وقبل أن أنهي هذا المقال، فقد طالعت خبر عثور السلطات المصرية على رفات نحو 30 جنديًا مصريًا يعتقد أنهم قتلوا في حرب عام 1967م في مقبرة جماعية في شمال سيناء، وذلك بالقرب من الحدود مع فلسطين المحتلة وتحديداً بجوار مدينة الشيخ زويد.

الصهاينة لم يكتفوا بإقامة المعارض لقتلاهم وتضخيم حجم خسائرهم واستغلال ذلك، بل هم ماضون بسياسات القتل والبطش في الأبرياء وتجاهل الحقوق العربية والاعتداء على المقدسات وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك، أما نحن فحتى المعارض كجزء من المعركة الإعلامية مع العدو لم نستطع إقامتها.
ويبدو أن أبطال المقاومة الإسلامية في فلسطين هم من سيرسم صور المعارض ويترك وسائل الإعلام تلتقط ما تشاء، لتكون معارضنا معارض النصر لا البكاء، أما من مضوا من الشهداء فرحمهم الله وأسكنهم فسيح الجنان، ودماؤهم الزكية تستحثنا للمضي قدماً في طريق الجهاد في سيبل الله، وتذكرنا بألا نثق بعهود ووعود اليهود، وأولئك الأبطال ليسوا بحاجة للمزيد من الصور ليعرفوا عدوهم لأنهم قرؤوا وفقهوا قول ربهم عز وجل: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا...}(سورة المائدة: من الآية:82).
 





 

فلسطين والحل
  • مقالات ورسائل
  • حوارات ولقاءات
  • رثاء الشيخ
  • الصفحة الرئيسية
  • فلسطين والحل