الحمد لله ، له الحمد في الأولى والآخرة، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه
الباطنة والظاهرة، وأسأله بمنه وكرمه أن يجنبنا كبائر الإثم وصغائره، وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، دلت على ألوهيته وربوبيته الآيات
الباهرة، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله، هدى به القلوب الحائرة، وجمع به
الأقوام المتناحرة صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه مصابيح الهدى والتابعين
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد : -
فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله
عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، واحذروا مقارفة الذنوب، واخشوا ربكم علام
الغيوب، وأقبلوا على مولاكم بصدق القلوب، فيالحسرة من لم تثبت له في الصادقين
قدم، ويالخسارة من لم يصح له في التائبين ندم، متى يرجو المقصر اللحاق
بالسعداء؟ وكيف يطمع المصر على الذنب بالفوز غدا؟
أيها المسلمون/
حدّث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
عن أنباء ومستقبل هذه الأمة في آمالها وآلامها، وأخبر عن مغيبات تحدث لها في
القادم من أيامها، حذرها من مواطن السقوط والزلل، ونبأها بمواطن البلاء
وحوادث الزمن، أخبر بما حدث وما يحدث إلى قيام الساعة، حدّث بأحاديث الفتن
والملاحم، منذرات ومحذرات ومبشرات وانتصارات، أخبر بذلك عليه الصلاة والسلام
لا ليكون سبيلا للعجز والاتكال، أو طريقا إلى التخاذل والاستسلام، أو ركونا
إلى الانطواء والانزواء، إنما أوضح ذلك لأمته ليضعها أمام مستقبل سوف تعيشه،
وملاحم سوف تقع بين يديها، ليكون هذا الإنباء والإخبار باعثا على التنبيه
والإيقاظ والحذر والاتعاظ واتقاء تيار الفتن احتياطا لكل طارئ وتدبيرا لكل
مفاجئ وتبصيرا للأمة بأهمية هذه الأحداث من أجل أن تتهيأ لها وتحشد طاقاتها
وتستجمع قدراتها فتتخذ لها ما يناسبها.
أيها المسلمون/
ولعل من المناسب في هذا المقام
والملائم لأحداث هذه الأيام الحديث عن بعض نبوءاته صلى الله عليه وسلم عن
الأرض المقدسة وفلسطين وبلاد الشام، ومستقبل أحوالها في الحديث النبوي
والبيان المحمدي، إخبار من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، حديث يثيره
ما يعشعش في بعض نفوس الأمة ويعيش في واقعهم من مآس ومصائب ونكبات وهزائم وذل
ومساومات وبأس وإحباطات واستبعاد للنصر ورضى بالذلة وقعود عن التطلع نحو
العزة.
أيها المسلمون/
فلسطين يملكها المسلمون أجمعون ليست
لجيل دون جيل، هي ملك لكل أجيال الأمة إلى قيام الساعة، وإن تخاذل متخاذل
فسيخرج الله من أصلاب المتهاونين المتخاذلين من يقوم بما قام به نور الدين
وصلاح الدين بطريق نور الدين وصلاح الدين، دولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى
قيام الساعة، فلسطين جزء عزيز غال من ديار الإسلام، جزء من ديار الشام أرض
مقدسة وديار مباركة باركها لله وبارك فيها، دلت على ذلك الآيات وتكاثرت في
ذلك النصوص. يقول الله عز وجل في إبراهيم ولوط عليهما السلام (ونجيناه ولوطا
إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين)، ويقول في سليمان عليه السلام
(ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء
عالمين).
ديار النبيين ومأوى الصالحين، أرض المحشر والمنشر، دار القبلة الأولى، منتهى
المسرى، ومنطلق المعراج، ديار الثغور الجليلة والمرابطات الفاضلة، مهاجر
إبراهيم، وديار أيوب، ومحراب داود، وعجائب سليمان، مهد عيسى، ومسرى محمد
ومعراجه عليهم جميعا صلوات الله وسلامه.
يقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في ذكر بعض خصائصها وفضائلها (فيها
الطور الذي كلم الله عليه موسى والذي أقسم به في سورة الطور وسورة التين،
وفيها المسجد الأقصى ومبعث الأنبياء وهجرة إبراهيم وإليها مسرى نبينا
ومعراجه، وبها ملكه وعمود دينه وكتابه، والطائفة المنصورة من أمته، وإليها
المحشر والمعاد، كما أن مكة المبتدأ فمكة أم القرى والشام إليها يحشر الناس
فمكة مبدأ وإيليا معاد، مبعثه ومخرج دينه من مكة وكمال دينه وظهور تمامه حتى
يمكّن للمهدي في الشام، فمكة هي الأول والشام هي الآخر، في الخلق وال/ر في
الكلمات الكونية والدينية ومن ذلك أن بها الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة)
انتهى كلام بن تيمية رحمه الله.
أيها المسلمون/
وتأملوا هذا الترابط العجيب : أقسم
الله تعالى بالطور ثم أقسم بالبيت المعمور (والطور ، وكتاب مسطور، في رق
منشور، والبيت المعمور) وتأملوا الترابط الآخر حين أقسم سبحانه بطور سينين ثم
أقسم بهذا البلد الأمين ( والتين ، وطور سينين، وهذا البلد الأمين).
بلاد الشام على أرضها يحسم خطر اليهود كما يحسم خطر الدجال ويأجوج ومأجوج،
وتأوي إليها طائفة المؤمنين ويستقر ملك المهدي عليه السلام يملأ الأرض عدلا
كما ملئت جورا، وينزل عيسى بن مريم ليحكم بالعدل، وعلى أرضها تفيض الخيرات
وتعم البركات، على هذه الأرض صدّت جموع التتار من الشرق، واندحرت رايات
الصليبية من الغرب، وعليها تندر بإذن الله أعلام اليهود وتنكس رايات العدوان.
أيها المسلمون/
أحداث جسام وأحوال في تاريخ الأمة
عظام صحت بها الأخبار وأنبأ بها نبي الرحمة والملحمة محمد صلى الله عليه
وسلم، وتأتي فلسطين السليبة في قلب هذه الديار ويأتي بيت المقدس في قلب
القلوب فإذا أحب المسلمون أرض الشام وفلسطين وشدّت إليها قلوبهم وتعلقت بها
نفوسهم فإنما يحبون ويتعلقون أرضا تهوى إليها النفوس ديار النبيين وميراث
المرسلين، لا غرو أن ترتبط بالعقيدة ولا جرم أن تتمسك الأمة بها وبكل شبر
منها، فلا يستكثر عليها جهاد ولا تصغر دونها تضحية وليس عظيما أن يتساقط
الشهداء على ثراها المبارك الطهور المقدس، ثم كذلك لا غرابة أن يهاجمنا
أعداءنا في الصميم وتتكالب علينا قوى الشر.
عن عبد الله بن حوالة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم : (ستجنّدون
أجنادا، جندا بالشام، وجندا بالعراق، وجندا باليمن، قال عبد الله: فقلت: خر
لي يا رسول الله –أي اختر لي- فقال: عليكم بالشام فمن أبى فليلحق بيمنه
وليسْق من غُدره فإن الله عز وجل قد تكفل لي بالشام وأهله) قال ربيعة: فسمعت
أبا إدريس يحدّث بهذا الحديث فيقول : من تكفل الله به فلا ضيعة عليه، وفي لفظ
آخر : (سيصير الأمر إلى أن تكون جنود مجندة جند بالشام وجند باليمن وجند
بالعراق عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده فإن
أبيتم فعليكم بيمنكم واسقوا من غدركم فإن الله قد توكل لي بالشام وأهله)
أخرجه أحمد في مسنده وأبو داود في سننه والحاكم وغيره.
قال الهينمي رجاله ثقات وقال مرة أخرى رجاله رجال الصحيح غير صالح بن رستم
وهو ثقة.
وفي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: (سيكون هجرة بعد هجرة فخيار الأرض ألزمَهم مهاجَر إبراهيم) أخرجه
الطبراني في الكبير والحديث صحيح لغيره، وبعض طرقه صحيح من طريق أبي أمامة
عند الطبراني أيضا.
أيها المسلمون/
ويرتبط بأحاديث الشام وأحاديث الفتن
من المبشرات والموقظات حديث الطائفة المنصورة طائفة أهل الحق لا يضرهم من
خذلهم ولا من خالفهم، فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى
يأتي أمر الله وهم كذلك). عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : (لن يبرح هذا الدين قائما تقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم
الساعة). وفي حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من
خالفهم حتى تأتيهم الساعة). يقول الإمام النووي رحمه الله معلقا على هذه
الأحاديث وأمثالها: (وفي هذا معجزة ظاهرة فإن هذا الوصف ما زال بحمد الله
تعالى من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن ولا يزال حتى يأتي أمر الله
المذكور في الحديث. إنها الطائفة المنصورة، طائفة ذات مسؤوليات جسام، طائفة
مجاهدة مستمسكة بالحق قائمة بأمر الله متبعة لما يحبه الله، حذرت من مساخطه،
تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، سلاحها الصبر على ما يصيبها بل إنها ينالها
من الشدة والضيق واللأوى ما لا ينال غيرها بل تتعرض للخذلان والمخالفة، ففي
المسند عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم
إلا ما أصابهم من لأوى حتى يأتي أمر الله وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله أين
هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس). بل إنهم قلة في وسط الغثاء والزبد
من الأعداء والخصوم والمخالفين والمخذّلين، جاء في حديث مرة البهزي رضي الله
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق
ظاهرين، ظاهرين على من ناوأهم وهم كالإناء بين الأكلة حتى يأتي أمر الله وهم
كذلك) أخرجه الطبراني في الكبير وهو صحيح بشواهده.
أهل الحق يناوؤهم كثير ويعاديهم أكثر من اليهود ومن شايعهم وأهل الشهوات
والأهواء والزيغ وأبناء الدنيا، يجسّد ذلك قول الله عز وجل: [ولا يزالون
يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا] وقوله تعالى:[ولن ترضى عنك
اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم]، وفي قوله تعالى [ولا يزالون
يقاتلونكم..] تنبيه عظيم وبيان صريح في استمرار الكفار ودأبهم في محاولات صد
أهل الإسلام عن دينهم بالمخططات والمشاريع والمكائد والمواجهة مما يستدعي أهل
الإيمان الذين يصدقون بالقرآن ويصدقون بالإسلام ويصدقون بأخبار محمد صلى الله
عليه وسلم أن يقاتلوا التخطيط بتخطيط مثله، ويكونوا على يقظة من ألوان
المشاريع التي تطرح.
ومن اليقينيات القرآنية قول الله عز وجل: [لن يضروكم إلا أذى] وقوله سبحانه:
[ لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن
الذين أشركوا أذى كثيرا، وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور].
إن الأعداء لن ينجحوا في إيقاع الضرر المحدق ولكن يصيب المسلمين أذى ظاهرا لا
ينفذ إلى الأعماق (لن يضروكم إلا أذى) ألم في الأجسام والأبدان والأطراف
والحواس، أما ثقة المسلمين بربهم وغيرتهم على دينهم وحبهم لربهم وكتابه ونبيه
والتصديق بوعد الله فلن تتزعزع عند أهل الإيمان.
نعم أيها المسلمون أهل الإيمان يكثرون ويقظون بإيمانهم وثقتهم بربهم وصدق
إيمانهم وابتغاء وجه ربهم أما غيرهم فيغتروا بالميزان المادي والكثرة
العددية، يقول خالد بن الوليد رضي الله عن (أرى والله إن كنا إنما نقاتل
بالكثرة والقوة هم أكثر منا وأقوى علينا وما لنا بهم إذا طاقة، وإن كنا
نقاتلهم بالله ولله فما جماعتهم ولو كانوا أنفار تغني عنهم شيئا)، ويقول رضي
الله عنه (إنما يكثر الناس بالصبر ويقلون بالخذلان) ، ولقد قال الحق سبحانه
وتعالى [كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين]. وقال
سبحانه [ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين]. بل عاتب سبحانه
أهل الإيمان لما استندوا إلى كثرتهم وأعجبوا بقوتهم فقال سبحانه [ ويوم حنين
إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم
مدبرين]. ولقد قال بعض السلف (لا تغتر بطريق الباطل وإن كثر فيه الهالكون ولا
تستوحش من طريق الحق ولو قل فيه السالكون).
أيها المسلمون/
إن خصومنا وأعداءنا متعلقون بدينهم
يتستّرون بشعار العلمانية، أما بعض بني قومنا فعلمانيون يحملون أسماء
إسلامية، يا قومنا إن المعركة معركة دين، وخصومنا يرتكزون إلى مبادئ عندهم
دينية ومعتقدات توراتية، فهم يعتقدون أنهم شعب الله المختار، ويعلنون
انتسابهم إلى إسرائيل، سمّوا بذلك أنفسهم وسمّوا بها دولتهم، أما الأرض
فيزعمون أنهم موعودون بها في كتبهم المقدسة فهي عندهم أرض الميعاد. يقول زعيم
من زعمائهم (إن عودتنا إلى فلسطين يجب أن تسبقها عودة إلى اليهودية) ويقول
آخر: (إن كل يهودي يجب أن يهاجر إلى إسرائيل وإن كل يهودي أقام خارج إسرائيل
منذ إنشائها يعتبر مخالف لتعاليم التوراة وإن هذا اليهودي يكفر كل يوم
بالتوراة).
يا أمة محمد وفي مقابل استمساكهم بباطلهم فقد جدّوا في عزل الإسلام عن ساحة
المعركة وأعلنوا أنه لا يقف في طريقهم إلا الإسلام وراياته. يقول قائل منهم:
إنه لا يمكن أن يتحقق السلام في المنطقة ما دام الإسلام شاهرا سيفه ولن نطمئن
على مستقبلنا حتى يغمد الإسلام سيفه إلى الأبد. ويقول آخر: نحن لا نخشى خطرا
في المنطقة سوى الإسلام. لقد بث العدو شعارات ملأت الساحة العربية مدركا أنها
هواء ليس من ورائها غلا مصالح ضيقة ومكاسب شخصية ونعرات حزبية يسهل ترويضها.
إن الخصوم لا يقر لهم قرار حين يرتفع نداء الله أكبر والعزة لله ولرسوله
وللمؤمنين.
وبعد أيها المسلمون/
فإن سر القوة كامن في ضمير الأمة
وكيانها، كامن في قوة إيمانها وصحة معتقدها، وإن غشاه صدأ أو علاه غبار فما
أسرع ما ينجلي الصدى وينفض الغبار إذا وجدت الأمة من يخاطبها باسم الله
ويقودها بالإيمان بالله فيستنفر كوامنها وطاقاتها ويستعيد الدين موقفه ويسترد
الإيمان جذوته، فإذا الشتات يتجمع والركب يتحرك والريح تتغير، والأمة قد جربت
غزوات فابتلعتها وهجمات فصدتها ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يا أيها اللذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم
ويثبت أقدامكم واللذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم).
نفعنا الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي محمد صلى الله عليه وسلم.
أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائل المسلمين من كل
ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب الأرباب وسبب الأسباب يجتبي
إليه من يشاء ويأوي إليه من أناب، أحمده سبحانه وأشكره، يفيض بالنعم ويجزل
بالثواب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنجي قائلها يوم
الحساب، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله اجتباه واصطفاه، أرسله
بالحنيفية السمحة وأنزل عليه أشرف كتاب صلى الله عليه وسلم وبارك وعلى آله
خير آل وعلى صحبه أكرم أصحاب والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المناب.
أما بعد فيا أيها المسلمون/
الأمة تعيش مرحلة حاسمة من تاريخها
وتقابل صراعا شرسا مع أعدائها مما يستدعي تعبئة القوة وحشد الطاقات ورص
الصفوف وتنظيم الجهود والرجوع إلى سبيل الجادة في إيمان بالله وثقة فيما عنده
ونظر إلى المستقبل بقلب واع وعين بصيرة بمواجهة هذا التحدي الكبير والمخطط
العجيب.
إن الأعداء قطعوا شوطا كبيرا في تنفيذ ما خططوا وتحقيق ما رسموا وهم ماضون
لإحكام السيطرة. ومع الأسف يوجد ضعاف في الأمة مهزوزوا الثقة جعلوا من أنفسهم
-من حيث يدرون أو لا يدرون- أداة مساعدة لتنفيذ هذه المخططات وبلوغ هذه
الغايات من بعض الإعلاميين والسياسيين والمنظرين والمحللين والكاتبين
والمتحدثين، ولكن أمام هذا الظلام الحالك يضيء نبراس الطائفة المنصورة الثلة
المجاهدة التي لا يضرها من خذلها ولا من خالفها تعي خطورة الموقف وعظم
المسؤولية، كواكب مضيئة في ليل دامس، وأمل بإذن الله مرتجى، طائفة منصورة
تواجه الكيد ومكره والحقد والكره، لا تهولها التضحيات الجسام ولا تستكثر
الثمن الباهظ، طريقها قسوة ووعورة وشدة ومشقة، يكيد لها الأعداء والعملاء،
معتصمة بحبل الله، متوكلة على الله، واثقة بنصر الله، متطلعة للاستشهاد في
سبيل الله، فما هي إلا إحدى الحسنيين، يجندون لخدمة الإسلام والدفاع عن دين
الله، ثابتون في وسط المبددين، صابرون في وسط المذعورين، شجعان في وسط
الجبناء، ذوي بصيرة في وسط المخدوعين، مهتدون في وسط الحائرين، مستيقنون في
وسط الشاكين، مجاهدون في وسط القاعدين والخالفين، يواجهون أعداءهم بهذه النية
ويقاومون خصومهم بهذه الهمة ويقفون شامخين بهذه العزة، فيالسعادة من التحق
بمواكب الإيمان وقوافل الجهاد وتخلى عن الأوهام والسراب ولم تخدعه قضايا
الفكر اليهودي التي تدرج في سوق القافات ومن تردد أو خاف أو أحجم أو أشفق فإن
القافلة سائرة بدونه والمهمة مؤداة بغيره فلينم أو ليقعد فإن عليه ليلا طويلا
( يا أيها اللذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفرا في سبيل الله اثاقلتم إلى
الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا
قليل، إلا تنفروا يعذبكم الله عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا
والله على كل شيء قدير).
أيها المسلمون/
إن المطلوب النظر في ثوابت التاريخ
وحقائق الغيب والرجوع إلى كتاب الله وصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليستنطق الوحيين ويهتدوا بما لم يضلوا به إن امسكوا والسير على منهاجهما في
طريق الجهاد الطويل القائد إلى النصر بإذن الله لترتفع راية الدين ويستعاد
الحق وتحرر الأرض.
ألا فاتقوا الله رحمكم الله ثم صلى وسلموا على نبي الرحمة والملحمة نبيكم
محمد صلى الله عليه وسلم فقد أمركم بذلك ربكم في محكم تنزيله فقال (إن الله
وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى أزواجه أمهات المؤمنين…
اللهم انصر إخواننا في فلسطين، اللهم أمدهم بقوة من عندك وجند من جندك، اللهم
ارحم ضعفهم واجبر كسرهم وقو عزائمهم ووحد صفوفهم واجمع على الحق كلمتهم وسدد
سهامهم وآراءهم، اللهم إنهم حفاة فاحملهم وجياع فأطعمهم وعراة فاكسهم وضعاف
فقوهم، اللهم واجعل الدائرة على أعدائهم اليهود الغاصبين المفسدين ومن
شايعهم، الله فرق جمعهم وشتت شملهم واجعل بأسهم بينهم شديد وخالف يبن قلوبهم
وأنزل بهم بأسك الذي لا يدر عن القوم المجرمين. اللهم انصر المجاهدين في
سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين وفي كشمير وفي الشيشان يا قوي يا
عزيز….