اطبع هذه الصفحة


الحصار:من الشعب إلى غزة (بين سنن الله والتثبيت)

علي حسين الوهابي


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أما بعد:
سبحان الله كم له من الحكم في تصريف الأمور والحوادث,وكم له من ايه في السموات والأرض أكثر الناس عنها غافلين ,سن سننا في الكون وقدر أمورا وجعلها عظة وعبرة لأولي النهى والألباب. ولكن أين من يتدبر ويعلم؟
سبحان الله ! جعل للشيطان حزبا وفريقا ولكن!(آلا إن حزب الشيطان هم الخاسرين) يدبر لهم ويمكر لهم ولكن!(يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) يغريهم ويريهم ظواهر الأمور ومحاسنها فقط ولكن!(يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) يكيد بالمؤمنين ويغري أعداءهم بهم ويجلب لهم الخطط والمكايد ولكن!(إن كيد الشيطان كان ضعيفا).
ومن سنن الله أيضا الابتلاء والتمحيص تنقية الصف من المنافقين ومن ينخر في جسده وليزيد إيمان المؤمن
قال تعالى(ماكان الله ليذر المؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ....).

ومن سنن الله في ابتلاء الجماعة المسلمة أنها تعرف وزنها وقوتها الحقيقية فبإنكشاف حال المنافقين المندسين في صفوفها وانكشاف حال القادمين إليها للغنيمة والجاه أو التجسس أو غير ذلك سيكون وزن قوة الجماعة المسلمة قدر وزن الذين ظهر صدقهم وإخلاصهم وثباتهم.(1)
بعد هذه المقدمة البسيطة أرجع فأقول إن الله يكرر الحوادث لأخذ العبرة والدرس ولتسلية النفس ووعدها بنصر الله وغير ذلك الكثير.
تسلسلت حوادث تاريخية عظيمة بعضها سطرها القرآن والأخرى سطرتها السيرة وبعضها حيٌ لا تزال أعيننا تشاهده!!!!!!!!!
لعلنا نذكرها حسب ترتيبها التاريخي وندرسها ونتأملها وكيف جعل الله هذه الحوادث وكيف تكررت في عصرنا.
أولها حصار النبي –صلى الله عليه وسلم-والجماعة المؤمنة الأولى في شعب مكة,قال في الرحيق المختوم:اجتمعوا في خيف بني كنانة من وادي المحصب فتحالفوا,على بني هاشم وبني عبد المطلب أن لا: يناكحوهم ,ولا يبايعوهم,ولا يجالسوهم,ولا يخالطوهم,ولا يدخلوا بيوتهم,ولا يكلموهم,حتى يسلموا إليهم رسول الله-صلى الله عليه وسلم-للقتل.......وتم هذا الميثاق,وعلقت الصحيفة في جوف الكعبة,فانحاز بنو هاشم وبنو عبد المطلب مؤمنهم وكافرهم –إلا أبا لهب- وحبسوا في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة.اهـ

الله اكبر!! يعيد التاريخ نفسه فهذه قريش قاطعت المسلمين في شهر الله المحرم ونحن الآن نعيش معاناة إخواننا في غزة ونحن في شهر الله المحرم .هذه قريش تريد رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه إسرائيل تهدد باغتيال هنية,هذه قريش منعت عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الميرة والمادة فلم يكن المشركون يتركون طعاما يدخل مكة ولا بيعا إلا بادروه فاشتروه,حتى التجأ المسلمون إلى أكل الأوراق والجلود وحتى كان يسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم وصبيانهم يتضاغون من الجوع(2),وهذه اليوم إسرائيل تقطع جميع الامدادت من المواد الغذائية والوقود والكهرباء حتى رأينا غزة كيف أصبحت مظلمة ومات العديد من الأطفال والشباب والشيوخ على الأسرة البيضاء.

أليس من العجب أن تتكرر مثل هذه الحادثة؟ لا ,لأنه إذا عرف السبب بطل العجب, إننا عندما نؤمن ونوقن بأن هناك قواسم مشتركة بين كفار قريش آنذاك واليهود الآن وأكبرها أنهم كفروا بالله وأشركوا به وأيضا لا ننسى أن العقل المخطط لهم هو الشيطان (وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون) وعندما نعلم أيضا أن القواسم المشتركة بين الرسول –صلى الله عليه-وصحابته وبين أهلنا في غزة من إيمانهم بالله (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد)ومعاداة الكفار ومجاهدتهم نوقن حق اليقين أن هناك سنة إلهية ثابتة ومطردة وهي:سنة الله في التدافع بين الحق والباطل.وقد قضت سنة الله في هذا التدافع أن الغلبة للحق وأهله وأن الاندحار والمحق للباطل وأهله,قال تعالى:(ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته),ويجب أن نعلم أيضا أن سنة الله تعالى في نصر المؤمنين لا تختلف قال تعالى:(ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وان جندنا لهم الغالبون) .(3)

ولنا أن نتسآل أيضا كيف ثبت أولئك وكيف صبروا على هذه المحنة الشديدة والبلاء المبين وكيف يثبت إخواننا في غزة -إن شاء الله- نوقن أيضا أن هناك عوامل مشتركة بينهم ومن أهمها :

1- الإيمان بالله الذي خالطت بشاشته قلوبهم فلا يبالون ما ينال أجسادهم من ايذا مادام هذا الإيذاء سببا في رحمة الله وفضله,وقد سأل هرقل أبا سفيان بن حرب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن دخل فيه ؟قال: لا, فقال: كذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب)
2- وجود القيادة المؤمنة الواعية المتصفة بالفضائل ,ولا شك في أن من أهم أسباب الصبر والنصر وجود مثل هذه القيادة.
3- الشعور بالمسؤولية:قال المباركفوري: فكان الصحابة يشعرون شعورا تاما ما على كواهل البشر من المسؤولية الفخمة الضخمة,وأن هذه المسؤولية لا يمكن عنها الحياد والانحراف بحال,فالعواقب التي تترتب على الفرار عن تحملها أشد وخامة وأكبر ضررا عما هم فيه من الاضطهاد ,وان الخسارة التي تلحقهم وتلحق البشرية جمعاء بعد الفرار لا يقاس بحال على المتاعب التي كانوا يواجهونها نتيجة هذا التحمل.
4- تبشير القران والنبي –صلى الله عليه وسلم-لهم برحمة الله ورضوانه وعذاب الكافرين(يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر)وتبشير المؤمنين بالنصر والتمكين في الدنيا وهلاك الكافرين والمكذبين.
لا شك أن هذه العوامل الأربعة كانت –ولا تزال-من أقوى العوامل على الصبر والثبات.(4)

وقبل أن نختم هذه القصة لا بد أن نشير إلى حقيقتين مهمتين الآ وهي:قد يتأخر نصر المؤمنين لنصر أكبر,ويدل على ذلك أن نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين لم يحصل على قريش إلا في السنة الثامنة للهجرة أي قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بسنتين,وقد دخل بسبب هذا النصر في دين الله أفواجا ونزلت سورة النصر:(إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا),والأخرى انه قد يسبق نصر المؤمنين أذى من العدو وغلبة له كما هو حاصل الآن وهذا لا يتعارض مع سنة الله في نصر المؤمنين ,لأن الأمور بخواتيمها وعاقبتها.والعاقبة دائما للمؤمنين.ولله الحكمة فيما يصيب المؤمنين من أذى فبل بلوغهم النصر الحاسم على الباطل قال تعالى:(إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين امنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين امنوا ويمحق الكافرين).(5)
وننتقل الآن إلى الحادثة الأخرى وما فيها من الدروس والفوائد المثبتة على طريق النبي-صلى الله علي و وسلم- وصحبه .وهي قصة النبي –صلى الله عليه وسلم-مع المنافقين في المدينة .
قال تعالى:(هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السموات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون,يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون)
سبحان الله! إنها فعلا تصور واقع الحصار في غزة فعلا فهؤلاء اليهود و المنافقون أيضا في خارج غزة تنطق أفعالهم بل إنهم صرحوا بأقوالهم بما عبرت عنه هذه الآية الكريمة . لا كننا عندما نعلم بما ختمت به هذه الايه فانه لا يفت في عضدنا منافق ولا كافر لان وعد الله حق ولا كن أكثر الناس لا يعلمون.
لعلى أترككم تعيشون في ظلال هذه الآية التي يقول في تفسيرها سيد قطب رحمه الله:وهي قولة يتجلى فيها خبث الطبع ,ولؤم النحيزة . وهي خطة التجويع التي يبدو أن خصوم الحق والإيمان يتواصون بها على اختلاف الزمان والمكان ,في حرب العقيدة ومناهضة الأديان . ذلك أنهم لخسة مشاعرهم يحسبون لقمة العيش هي كل شئ في الحياة كما هي في حسهم فيحاربون بها المؤمنين .
إنها خطة قريش وهي تقاطع بني هاشم في الشعب لينفضوا عن نصرة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-ويسلموه للمشركين
وهي خطة المنافقين كما تحكيها الآية لينفض أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم-تحت وطأ الضيق الجوع!
وهي خطة الشيوعيين في حرمان المتدينين في بلادهم من بطاقات التموين,ليموتوا جوعا أو يكفروا بالله, ويتركوا الصلاة!
وهي خطة غيرهم ممن يحاربون الدعوة إلى الله وحركة البعث الإسلامي في بلاد الإسلام,بالحصار والتجويع ومحاولة سد أسباب العمل والارتزاق...!
وهكذا يتوافى على هذه الوسيلة الخسيسة كل خصوم الإيمان,من قديم الزمان ,إلى هذا الزمان.........ناسين الحقيقة البسيطة التي يذكرهم القران بها فبل ختام الآية:(ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون) ومن خزائن الله في السموات والأرض يرتزق هؤلاء الذين يحاولون أن يتحكموا في أرزاق المؤمنين فليسوا هم الذين يخلقون رزق أنفسهم.فما أغباهم واقل فقههم وهم يحاولون قطع الرزق عن الآخرين!
وهكذا يثبت الله المؤمنين ويقوي قلوبهم على مواجهة هذه الخطة اللئيمة والوسيلة الخسيسة,التي يلجأ أعداء الله إليها في حربهم .ويطمئنهم إلى أن خزائن الله في السماوات والأرض هي خزائن الأرزاق للجميع,والذي يعطي أعداءه لا ينسى أولياءه. فقد شاءت رحمة الله الأ يأخذ حتى أعداءه من عباده بالتجويع وقطع الأرزاق. وقد علم أنهم لا يرزقون أنفسهم كثيرا ولا قليلا لو قطع عنهم الرزق! وهو أكرم أن يكل عباده –ولو كانوا أعداءه-إلى ما يعجزون عنه ألبته. فالتجويع خطة لا يفكر فيها إلا أخس الأخساء الأم الؤماء!!

ثم يقول رحمه لله:......ويضم الله –سبحانه-رسوله والمؤمنين إلى جانبه ,ويضفي عليهم من عزته ,وهو تكريم هائل لا يكرمه إلا الله!! وأي تكريم بعد أن يوقف الله –سبحانه- رسوله والمؤمنين معه إلى جواره .ويقول:ها نحن أولاء!هذا لواء الأعزاء.وهذا هو الصف العزيز!
وصدق الله.فجعل العزة صنو الإيمان في القلب المؤمن .العزة المستمدة من عزته تعالى.العزة التي لا تهون ولاتهن ,ولا تنحني ولا تلين . ولا تزايل القلب المؤمن في أحرج اللحظات إلا أن يتضعضع فيه الإيمان,فإذا استقر الإيمان ورسخ فالعزة معه مستقرة راسخة...(ولكن المنافقين لا يعلمون) وكيف يعلمون وهم لا يتذوقون هذه العزة ولا يتصلون بمصدرها الأصيل؟ اهـ.
انه لحري بأهل غزة أن يتدبروا هذه الآيات والأحداث ويجعلوها نبراسا لهم ويعملون بها حق العمل لينالوا الوعد الحق.


________________________________________
5,3.1-السنن الإلهية لعبد الكريم زيدان
2-الرحيق المختوم لصفي الرحمن المباركفوري
4-وقفات تربوية من السيرة النبوية لأحمد فريد

 

فلسطين والحل
  • مقالات ورسائل
  • حوارات ولقاءات
  • رثاء الشيخ
  • الصفحة الرئيسية
  • فلسطين والحل