اطبع هذه الصفحة


المقاومة .. إذ تحدد المعالم

زياد آل سليمان


لقد كفانا نائب وزير الدفاع الصهيوني التعبير عما جرى في غزة فسماه بالمحرقة، فقد بلغ عدد شهداء العدوان الأخير أكثر من 116، بينهم 39 طفلاً و15 امرأة، أما عدد المصابين والجرحى في هذا العدوان الصهيوني الجديد فبلغ 350 مواطناً، بينهم 92 طفلاً و42 سيدة.
جرت العملية في منطقة جبل الكاشف بجباليا، وتمت العملية وسط صمت مذهل يبدو أن على الشعوب العربية اعتياده، فهو جزء من معالم المرحلة القادمة.

انحياز الشعوب للمقاومة

المرحلة القادمة حددت المقاومة معالمها فانحازت الشعوب العربية والإسلامية بشكل تام إليها واختارت نهجها وأصبحت جزءاً منها، بل لم تعد الشعوب تعول الكثير على تلك الإدانات أو الاستنكار سواءً العادي منها أم شديد اللهجة، بل أصبحت الشعوب المستضعفة تدرك من خلال إدانة البيت الأسود وغيره من البيوت التابعة له مدى وحجم الخسائر التي أوقعتها المقاومة في الكيان الصهيوني، وبقدر قوة الإدانة تكون فرحة الشعوب التي ترى ما يجري لإخواننا في غزة من مجازر وجرائم يومية، فلم يتبق لها سوى الفرح برؤية تلك الصواريخ وهي تتساقط على رؤوس اليهود القابعين في المغتصبات أو المدن المحتلة، قال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ*وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.

وسائل الإعلام العبرية الناطقة بالعربية

ومن معالم المرحلة القادمة فشل كل الجهود المبذولة من قبل بعض وسائل الإعلام العربية التي تحاول بكل ما أوتيت من وسيلة أو حيلة تشويه صورة المقاومة وإلصاق التهم بها، والإرجاف ونقل الشائعات والأكاذيب، فكل تلك الجهود تذهب أدراج الرياح، ولا يبقى لها أي أثر، فعملية واحدة من عمليات المقاومة كفيلة من خلال دماء أبطالها أو بطلها أن تغسل تلك الأكاذيب وتكشف زيفها وتفضح المتآمرين.

عندما يفقد بعض الساسة صوابهم

واستطاعت المقاومة أن تكشف الكثير من الحقائق والفضائح السياسية التي سيكتبها التاريخ في صفحاته السوداء، فالمقاومة بأفعالها وإنجازاتها جعلت بعض الساسة يفقد القدرة على التفكير ويكشف القناع عن حقيقته، ولو تأملنا بعض المواقف أو التصريحات الصادرة في الآونة الأخيرة لظهر لنا ذلك الأمر، من ذلك وصف الصواريخ بالعبثية وتارة بالمواسير وتارة بالألعاب النارية وتارة بالتنك، وحين يمنع إقامة بيت للعزاء للشهداء، وحين يعطى الغطاء لتبرير جريمة المحتل، حينها يغدو صمت أولئك الساسة هو ما تتمناه الشعوب.

دماء غزة في العواصم العربية

ومن المعالم التي رسختها المقاومة أن خسائر الانهزام والاستسلام أعظم من خسائر المقاومة والتصدي والتحدي. أما التضحيات ودماء الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء والقادة والشهداء فلن تذهب سدى، وعلى الاحتلال أن يدرك أن الشعوب العربية وهي تشاهد تلك المجازر في غزة والضفة الغربية وغيرها من المناطق المحتلة لا تنظر إليها على أنها مجازر في كوكب آخر، بل كأن تلك الدماء تسيل في عواصمنا ومدننا العربية، نحن أمة واحدة، قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}، ليست مشكلة الاحتلال مع حماس ولا مع المقاومة ولا مع الفلسطينيين، بل على الاحتلال أن ينتظر معركته القادمة مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم القائل: "‏لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون ‏‏اليهود ‏‏فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا ‏‏الغرقد ‏‏فإنه من شجر ‏اليهود" أخرجه مسلم.

تصحيح المسار

إن المقاومة صححت مسار القضية وأعادت لها مكانتها عملياً، إن الخطأ الاستراتيجي في التعامل مع القضية الفلسطينية هو تجاهل حق المسلمين في فلسطين والمسجد الأقصى المبارك، فضلا عن تجاهل حق الفلسطينيين وحصر الحق للوفد المفاوض الذي يبيع ما لا يملك ويتنازل عن حقوق الأمة كلها.إن المقاومة حاولت كما حاول عبد الله بن حَرَام ـ والد جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما تذكير المنافقين بواجبهم في يوم أحد في ذلك الظرف الدقيق، إذ تبعهم وهو يوبخهم ويحضهم على الرجوع، ويقول‏:‏ تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا، قالوا‏:‏ لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع، فرجع عنهم عبد الله بن حرام قائلاً‏:‏ أبعدكم الله أعداء الله، فسيغني الله عنكم نبيه‏.فنزل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ‏}‏. إن الخاسر اليوم ليس من يقف صامتاً بل من لم يدعم المقاومة ويقف معها، أما من يحارب المقاومة فأبعده الله.

الخيارات المفتوحة للمقاومة

عندما استطاعت المقاومة الصمود أمام الحصار التاريخي، وعندما ضربت الاحتلال في ديمونا وقتلت علماء يعملون في البرنامج النووي، وعندما عادت وانتصرت لدماء أطفال غزة بقتل الحاخامات المتطرفين في القدس، بل إن صمودها أمام محاولات الاحتلال المتكررة لاجتياح غزة، وفتح آفاق جديدة لأماكن سقوط صواريخها بضربها عسقلان والمجدل وسلفر وتوعدها بأن تذهب بها إلى ما وراء ذلك، كل ذلك يؤسس لمرحلة جديدة ويؤكد أن خيارات المقاومة واسعة، وأن لديها القدرة على الضرب حيثما شاءت وقتما شاءت بإذن الله، بينما خيارات الاحتلال محدودة ويزداد فشله وبؤسه مع كل مشهد من مشاهد دماء الأبرياء عندما تعجز قواته عن مواجهة المقاومة.المقاومة هي التي تصنع التاريخ، وتعيد العزة والكرامة المسلوبة للأمة، إن خلية مجاهدة تعمل في جنح الليل يبارك الله عز وجل في جهدها وجهادها فتصنع من البطولات ما ينسف جهوداً ومؤامرات وخطط كبرى تشارك فيها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها فتنهار وتذهب أدراج الرياح، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}

الهدنة مع المقاومة

ومن المعالم التي رسختها المقاومة على الجانب الآخر ما بات يدركه الشارع الصهيوني اليوم من ضرورة التفاوض مع المقاومة الفلسطينية بعد أن أصابه اليأس من أعوانه ومندوبيه، بل هو أقرب من أي وقت مضى لتقبل فكرة نهاية الكيان. يدل على هذا أسلوب الحياة اليومية لليهود في فلسطين المحتلة، والأغاني والنكت والأمثال الشعبية وبعض مقالات الصحف الصهيونية وبعض الشعراء الذين يتحدثون الآن وبكل وضوح عن نهاية الكيان.
لربما فهم الاحتلال رسالة المقاومة من عملية القدس وضرب عسقلان وما وراءها فأعلن توقفه عن العدوان على قطاع غزة مؤقتاً بعد أن فرضت المقاومة توازن الردع، وأن دماء غزة سيدفع ثمنها الصهاينة في كل المدن بما فيها القدس المحتلة. ويأتي توقف العدوان هذه المرة بدعوة أمريكية بمنزلة إعلان للفشل الذريع لكل الخطط التي تم اعتمادها لاستئصال حركة "حماس" واقتلاعها من المشهد السياسي الفلسطيني والعربي، ومحاولة لإنقاذ الكيان الصهيوني وانتشاله من الفشل الذي مني به في غزة لئلا يصدر تقرير فينوغراد جديد.

الهدنة المجانية لا مكان لها
من المعالم التي رسختها انتهاء كل آمال التسوية السلمية مع الصهاينة، تلك المرحلة التي كان يطلب من الضحية حماية جلاده والقبول بسيادة منقوصة لا بل وهمية، فالواقع يؤكد صحة نهج المقاومة فمنذ مؤتمر (أنابولس) تضاعفت الاعتداءات الصهيونية لتصل إلى 300%. كما أكدت المقاومة أن لا هدنة بالمجان، فأولئك الذين يفاوضون ويتبادلون القبلات قبل أن تجفّ دماء الأطفال والنساء والشيوخ والشباب من أبناء شعبنا الفلسطيني، بل مع الإعلان عن بناء 750 وحدة استيطانية جديدة شمال القدس المحتلة. أولئك في حقيقة الأمر لا يملكون شيئاً على الأرض ولا يمثلون سوى أنفسهم، ولا جدوى من التفاوض معهم.
لن ترضى المقاومة بالهدنة دون الإفراج عن الأسرى، ولن ترضى بالهدنة دون فك الحصار، ولن ترضى بالهدنة في غزة دون الضفة الغربية، ولن ترضى بالهدنة مع استمرار الحفريات تحت المسجد الأقصى المبارك، ولن تنشغل بالتفاصيل عن القضايا الكبرى، ومن ثم فإن المقاومة تؤسس لمرحلة قادمة تلك المرحلة ستكون بداية للتحرير الكامل للأرض المباركة ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً}.
 

فلسطين والحل
  • مقالات ورسائل
  • حوارات ولقاءات
  • رثاء الشيخ
  • الصفحة الرئيسية
  • فلسطين والحل