اطبع هذه الصفحة


هل سنحتفل بنهاية الكيان الصهيوني؟

زياد آل سليمان


هاهو ذا الكِيانُ الصِّهيَوني يحتَفِل بمناسبة مرور 60 عامًا على إنشائه، لكنَّ الاحتِفال هذا العام كان مميزًا بكل ما تَعنيه الكلمة مِن معنى، فما كاد يُنهِي الرئيس الأمريكي (جورج بوش) خطابه التوراتي في الكنيست الصِّهيَوني حتى توارَدَت الأنباء عن أكثر مِن 75 جريحًا صِهيَونيًّا، ولكنَّ هذه المرة ليس في (سديروت) بل في عَسقلان.

لم يكن ذلك الصاروخ هو الميزة الَّتي أعنيها، بل ما أعنيه هو ذلك الشعور الذي ساد كل المجتمع الصِّهيَوني، وأصبح سِمَة لكل الكتابات والتقارير والدراسات والأغاني واستطلاعات الرأي، شعورٌ مصطنع بالسعادة حاولَ الصَّهايِنَة أن يعيشوه ولو لِلَحظات، أما الشعور الحقيقي فقد كان الإحباط والتشاؤم، والخشيَة من المستقبل، والتَّساؤل عن إمكانيَّة البقاء.

لم يعُد الحديث عن زَوال "إسرائيل" حديثَ المتفائلين مِن المسلمين أو حديث معبِّري الرؤى، بل أصبَح رصد المثقفين والمتخصصين من الصَّهايِنَة أنفسِهم..

مدير سابق لمكتب رئيس الوزراء الأسبق (إسحاق رابين) يذكر شعبَه قائلاً: "يقولون إن الشعوب لا تختفي، لكن هذه أقوال سخِيفة، عودوا للتوراة واقرؤوا أسْمَاء شعوب لم تعُد سوى أربعة أو خمسة حروف على سَطرٍ".

الرئيس الصِّهيَوني (شيمون بريز) عندما سأله أحد الصّحفِيِّين قبل أيَّام: هل ستبقى إسرائيل 60 عامًا أخرى؟ فرَد عليه: "اسألنِي: هل ستبقى 10 سنوات قادِمَة"؟!!

أما (عكيفا إلدار) المتخصص في شؤون المجتمع الإسرائيليِّ فَقَدْ قال: "لقد ورثت عن والدي دولة معجِزة، وأترك لأولادي علامة استِفهَام"..

تلك علامة الاستفهام يدركها المسلمون جيدًا، ويرونَها رأيَ العين، وهم يسمعون أحاديث الصادق المصدوق الَّتي أخبرنا فيها عن تلك الأرض وبقاء أهل الإيمان فيها، وانتصارهم على اليهود.

لغةُ الأرقام إذ تَتحَدَّثُ:

وها هي لغة الأرقام تتحدَّث عن تراجع الانتماء للدولة إذ أعرب ٢٢ % فقط من الصَّهايِنَة عن إصرارهم على البقاء، بينما أعرب البقيَّةُ عن استعدادهم لمغادرة الدولة العبريَّة؛ إذا ما وجدوا فرصًا أفضل للعيش، وعمليًّا فقد بدأ الصَّهايِنَة بشراء الشُّقَق بشمال قبْرُص تَحسُّبًا لأيِّ طارئ، بل تُشِير الإحصائيَّات الرَّسميَّة أن ما يقارب مليوني مواطن يحمِلون جوازَي سَفَرٍ.

لم يعُد الحديث اليوم مقتصرًا على تدنِّي نسبة الهجرة إلى الكِيان الَّتي بلغَت أدنى مستوياتِها منذ 20 عامًا، بل أصبح الحديث اليوم عن الهجرة العكسيَّة، فأصبح عدد المغادرين أعلى من عدد القادمين بنسبَة عاليَة جدًّا؛ إذ غادر الكِيانَ قرابَةُ مليون صِهيَونِي مِن إجماليِّ 6 ملايين، وليست المشكلة في هذا فحسب، بل إنَّ المغادرين أيضًا هم مِن ذَوي الكفاءة، أما القادمون فهم من يهود (الفلاشا) أو غيرهم من اليهود المجنَّسِين الذين يشكِّلون طبقة تزيد من أزمة الهويَّة اليهودية للدولة، بل أبعد من هذا ما أظهرته استطلاعات للرأي أخيرًا أن 75 % من سكان "إسرائيل" سيكُونون سعداء لو عاش أبناؤهم خارج "إسرائيل"!

حتَّى السكان الحاليُّون يَشعُرُون بعنصريَّة اليهود حاضرةً فيما بينهم في كلِّ شأن من شؤونهم، علاوة على حالة العداء المستمرة بين الأحزاب الدينيَّة الشرقيَّة والغربيَّة والوسطيَّة، فضلاً عن العَلمَانيين والمتديِّنين، كما يُعانِي اليهود مسألة الاندماج، فمليون صِهيَوني من اليهود (السُّوفيت) ما زالوا يَرفضون التخلي عن لغتِهم وعاداتِهم وتقاليدهم الروسيَّة، بل بعضهم لا يزال متمسِّكًا بمسيحيَّته ويزور الكنائس الأرثوذكسية في الكِيان الصِّهيَوني.

أمَّا إن أردت الحديث عن الأمان فمَع كون الدولة العبرية هي الرابعة في ترتيب الدول المصدِّرة للسلاح في العالم - بحسَب ما أعلن وزير حربِها - إلاَّ أن ٩٦ % من الصَّهايِنَة لا يشعرون بالأمَان في "إسرائيل".

أمَّا معدلات الإنجاب بين اليهود، فهي تقل بين اليهود الأرثوذكس والسفرديم والأشكيناز عن ١.٢ %، بينما تبلغ ٣ – ٤ % بين عرب ٤٨، مما حدا بِرَئيس الوزراء السابق من التحذير بما أسْمَاه القنبلَة الديموجرافيَّة.

اقتصاد معلق بحبل:

أمَّا الحالة الاقتصاديَّة فيكفي الإشارة إلى مقال اقتصادي لـ(نحميا شترسلر) في صحيفة هآرتس، فبعد أن عدَّد الإنجازات الاقتصاديَّة ممثلة بنمو اقتصاديٍّ يبلغ 5 % للعام الخامس على التوالي، ودخلٍ فرديٍّ يصل إلى 25 ألف دولار للفرد، تَساءَل: "أيَدُلُّ كل هذا على أنَّنا بلغنا استقلالاً اقتصاديًّا، وأن كل مشكلاتنا الاقتصاديَّة والاجتماعية قد حُلَّت"؟!

ويُجيب فورًا: "كلا؛ فلا يزال الحديث عن دولة غير مستقرَّة جدًّا، تتعرَّض لتهديدات أمنيَّة ولمشكلات اقتصاديَّة واجتماعيَّة، دولة تتعلق بالعالم جدًّا، ولا سيَّما بالولايات المتحدة، لهذا لا نزال بعيدين جدًّا عن الاستقلال الاقتصاديِّ"، ويرى (شترسلر) أنه يكفي أن يقول رئيس أميركي: "أنا أراجع العلاقات مع إسرائيل، لينقلب الوضع رأسًا على عقب".

وقد أخبرنا الله عز وجل عنهم بقوله: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [آل عمران: 112].

المألوفات كانت من المحرمات:

عندما تتحوَّل المحرمات إلى مألوفات تُدرِك أن تغيُّرًا كبيرًا طرأ على المجتمع، ومِن ذلك ظاهرةُ التَّهرُّب مِن الخدمة في الجيش، بل حتى عِصيان الأوامرِ، وهو ما جرى في اجتياح قطاع غزة الأخير - بحسب بعض التقارير الَّتي تسرَّبَت - والحال نفسه في حربِ تموز..

قال معلِّق الشؤون العسكرية في صحيفَة "معاريف" (عميت كوهن): إن ثقافة "التضحية" الغزاوية الَّتي تختلف عن تلك اللبنانية، على اعتبار أن "الاستعداد لامتصاص عدد كبير من الإصابات، فقط من أجل سفك دَمِ إسرائيلي، هو خاصية تميز غزة"، وأضاف: "حقيقة أنَّ حماس تنجح في أن تمسك العصا من طرفَيها؛ فإلى جانب النشاط العسكري المتواصل، المتحرر من كل قيد، الذي يقوم به الجناح العسكري للحركة، تنجَح حماس في الحفاظ على قدرتها السلطوية وكذلك تعزيز صورتها باعتبارها صاحب البيت الوحيد، حيث إنه - حتى في أيام القتال - تواصل قيادة الحركة التصرف بصورة شبه روتينيَّة".

لذلك فإن الصَّهايِنَة يدركون جيدًا الفرقَ بيننا وبينهم، وهم يرون كيف يزف الفلسطينيون الشهيد زفًّا، ويحتفلون به وهو متشحِّط في دمه ويرفعون أشلاءَه معاهدين الله على المضيِّ على ذات الطريق، أما اليهود فَبِمُجرَّد انطلاق صفارات الإنذار فإنَّها كفيلة بإخلاء شوارعهم وامتلاء ملاجئهم..

لا أحد اليوم يضحِّي من أجل "إسرائيل"، لقد تلاشت المبادئ الصِّهيَونية، ويكفي النظر إلى الفساد السياسي السائد بين كل من له ضِلع في الحكومة لنلحظ ذلك، فكيف حال الأفراد؟!

توصَف القيادة الحالية في الكِيان بأنها فاشلة، لا تمتلك القوة والصرامة، رئيس الوزراء الحالي (إيهود أولمرت) غارق - كغيره من الساسة الصَّهايِنَة - بقضايا الفساد والرِّشا، حتى غدا المواطن يتساءل عن الحلم الصِّهيَوني: هل هو حقيقة أم كذبة استَثمَرها الساسة لتحقيق مكاسِبَ ماديَّةٍ؟!

تلك الأزمات زادت من عدم الانتماء للكِيان، وفي رد الصَّهايِنَة على سؤال ضمن استطلاع للرأي: عما إذا كان شعورهم بالعيش في "إسرائيل" جيدًا قال 30 %: إنهم يشعرون بالخجل من كونهم "إسرائيليِّين".

المقاومة إذ تعبَث بالكِيان:

الصَّهايِنَة يعرفون جيدًا ويدركون مدى قدرة وقوة صواريخ المقاومة وتأثيرها عليهم ويكتوون بنارها - وإن كان يحلو لبعض بنِي جلدتنا أن يسخر منها ويقلِّل من شأنِها - فقد ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عبر موقعِها الإلكتروني أن الحكومة "الإسرائيلية" قرَّرت وضع أجهزة إنذار مبكر "تسيفع أدوم" في سبع مدن جديدة بالنَّقب الغربي بعد ازدياد تهديد الصواريخ الَّتي تطلقها المقاومة الفلسطينية من قطاع غزَّة.

وقد نجحت المقاومة خلال الأشهر الماضيَة قدرتها على تطوير مدى صواريخها، واعترف الصَّهايِنَة بأن هذه الصَّواريخ أصابت أكثر من مرة بلدة (كريات جات) الَّتي تبعد 30 كيلومترًا عن غزة، كما أصابت إلى جانب (سديروت) و(المجدل)، بلدات (كفار عزة) و(نتيفوت) و(عزاتا) و(مفتاحيم) و(أوفوكيم) و(ياد مردخاي) و(نتيف هعتسراة)، وكلها مصنفة ضمن قرى النَّقب الغربي.

يومًا بعد يوم تتطوَّر وسائل المقاومة وصواريخها لتصبح أكثر دقَّة وأشدَّ إيلامًا للعدو بحسب ما أعلنه قائد في وحدة المدفعية بكتائب الشهيد عز الدين القسَّام الجناح العسكري لحركة حماس.

وهاهو ذا رئيس بلدية سديروت (إيلي مويال) يُعلِن أن حوالي 15 % من سكان المدينة غادروها خلال العام الأخير.

ويؤكد المحللون العسكريون الصَّهايِنَة أنَّه لا يوجد حلٌّ لمواجهة تلك الصواريخ إلا بالتوصل إلى اتفاق مع حماس، بل صرح أحد القادة الصَّهايِنَة قائلاً: "نحن غيْرُ قادرين على رصد صواريخ القسَّام بسبب صناعتها البدائيَّة، ونحنُ على استعداد لأن نُعْطِيَهم صواريخ (إسكود) المتطورة ونأخذ صورايخ القسَّام".

لقد كان سلاح الطيران هو السلاح الأقوى والمؤثر لدى الصَّهايِنَة، إلاَّ أنَّ الجنرال (اليعيزر شكيدي) الذي أنْهى قبل أسابيع مَهامَّ منصبه قائدًا لسلاح الجو، قال: إن طائرات سلاح الجو الَّتي تقوم بطلعات جويَّة فوق قطاع غزة تتعرض لمخاطر كبيرة؛ نظرًا للصواريخ الموجودة بحَوزَة من أسماها "العناصر الإرهابية الفلسطينية".

الحقيقة أن المقاومة لن تتوقف وهذا ما صرح به (بن جوريون) مبكرًا عندما قال: "نحن الآن لا نجابه مجموعة من الإرهابيين، وإنَّما نُجابه ثورة قومية، لقد صهرنا أرضهم، ولن يسكتوا على ذلك، وإذا قضينا على جيل فسيظهر آخر".

وكيف تتوقَّف المقاومة في بيت المقدس وأكنافه وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تزال طائفة من أمَّتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، ولا ما أصابهم من البلاء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك))، قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: ((في بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس))؛ أخرجه الإمام أحمد.

دولة غير واضحة المعالم:

يرى وزير الخارجية الصِّهيَوني الأسبق (شلومو بن عامي) أن "الدولة تتأرجح بين دولة تل أبيب ودولة القدس، بين العولمة والتاريخ اليهودي، بين الانفتاح على الآخر والخوف من الأغيار"، ويرى (بن عامي)، وهو أستاذ للتاريخ، في مقال افتتاحي نشرته (يديعوت أحرونوت) أن "إسرائيل دولة في مفترق طرق مصيري، وأن خياراتها ستحسم مستقبلها، فالدولة وُلِدَت بالحرب، ومنذئذ تعيش فوق الحرب، وهي إن لم تفلح في اكتساب شرعيَّة ممن يعتبرون أنفسهم ضحاياها فلن تقدر على الاستمرار".

والشرعيَّة الَّتي يأخذها الكِيان من أيِّ فريق مفاوض يدرك تمامًا أنَّها لا تكفيه ولا تَحميه، وأن المؤثر على الأرض هي المقاومة الفلسطينية الَّتي انحاز لها الشعب الفلسطيني، بل الشعوب الإسلاميَّة في كل مكان، عجز الكِيان حتى الآن أن يحدد ماهيَّة الدولة اليهودية، بل إن الحاخامات اليهود يؤكدون أن الإعلان عن الدولة اليهودية هو علامة انهيارها وفقًا لمعتقداتهم.

ماذا عن الهجوم على غزة؟

الحصار المفروض حاليًّا على قطاع غزة جاء بنتائج عكسية، فقد قالت صحيفة (جيروزاليم بوست) الصِّهيَونية: إن سفيري الاتحاد الأوروبي لدى كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية قالا: "إن الجهود الدولية لمحاولة إضعاف حركة حماس قد فشلت ويجب إعادة تقييمها"، وقال (راميرو سبريان)، سفير الاتحاد الأوروبي لدى "إسرائيل": "إن الحصار الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزة العام الماضي لإضعاف حركة حماس - ينتج عنه أثر عكسي".

أما فيما يتعلق بالقيام بعملية عسكريَّة واسعة على قطاع غزة فقد بعثت مجموعة كبيرة من كبار رجال الأمن السابقين والسياسيين والكتَّاب برسالة إلى رئيس وزراء الاحتلال (أولمرت) ووزير حربه (باراك)، يطالبونهما بإجراء محادثات عاجلة مع حماس للوصول إلى وَقْفِ إطلاق النار وتهدئة في قطاع غزة، ووَقْف أيِّ عمليات عسكرية مخطَّط لها.

وأكدت الرسالة الَّتي نقلها التلفزيون الصِّهيَوني: أن أيَّ عملية عسكرية في قطاع غزة ستنتهي بوقفٍ لإطلاق النار وتدخل أطراف عديدة؛ لذلك من المفضل أن يتم الوصول إلى اتفاق فوري مع حماس دون دفع ثمن من القتلى والجرحى من الجانبين.

بل أقرَّ المراسل العسكري لصحيفة "معاريف" العبرية بوصول "إسرائيل" إلى نقطة انسداد الأفق في التعامل مع مقاومة غزة وصواريخها، وقال (عمير ربابورت) في تقرير له: "إن مقاومة غزة أوصلت إسرائيل إلى واقع نادر في العالم"، وأضاف: "عندما ستهاجم إسرائيل غزة، ستُشهر الصواريخ نحو العمق الإسرائيلي ومن الممكن أن تدخل داخل دائرة الهجمات تجمُّعاتٌ جديدة مثل (أسدود) و(كريات جاد) و(أفوكيم)، فضلاً عن إلحاق المقاومة أكبر قدر من الخسائر في قوات الجيش خصوصًا من خلال صواريخ الكتف والعبوات الناسفَة".

وبالرغم من أن الدعوة والتحريض ضد المقاومة الفلسطينية من قبل الرئيس الأمريكي جورج بوش، في كلمته أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في منتجع شرم الشيخ في أكبر دولة عربية، فسرت بأنها ضوء أخضر لبدء اجتياح غزة، وقد جاءت بعد كلمته أمام الكنيست الَّتي أغدق فيها الثناء على "إسرائيل" في الذكرى الستِّين لاغتصابها أرضَ فلسطين، ووصفه لها بأنها "وطن الشعب المختَار"، وتفاؤله بأنَّه سيحتَفِل بذكرى الـ 120، إلاَّ أن إكثاره من الحديث عن دعم ومساندة دولة الاحتلال والحديث عن بقائها، يعكس حقيقة التخوُّف من مصير هذه الدولة وزوالها، ويعكس مدى الإرباك الحادث لدى القيادة السياسية عند الاحتلال وعند الإدارة الأمريكيَّة، في ظِلِّ ما نراه من انحطاط معنويَّاتِهم.

ولا تزال القيادة الصِّهيَونية متخبطة ومرتبكة: أتقوم بعملية واسعة في غزة أم لا؟ وحالهم كما وصفهم سيدهم كعب بن أسد لما اشتدَّ حصار النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام على بني قريظة، فعرض عليهم كعب هذا ثلاثَ خصال‏:‏ إما أن يسلموا ويدخلوا مع محمد - صلى الله عليه وسلم - في دينه، فيأمنوا على دمائهم وأموالهم وأبنائهم ونسائهم، وقد قال لهم‏:‏ والله، لقد تبيَّن لكم أنه لنبي مرسل، وأنه الذي تجدونه في كتابكم، وإمَّا أن يقتلوا ذراريهم ونساءهم بأيديهم، ويَخرجوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسيوف مُصْلِتِين، يناجزونه حتى يظفروا بهم، أو يُقتَلوا عن آخرهم، وإما أن يهجموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، ويكبسوهم يوم السبت؛ لأنهم قد أمنوا أن يقاتلوهم فيه، فأبوا أن يُجيبوه إلى واحدة من هذه الخصال الثلاث، وحينئذ قال سيدهم كعب بن أسد - في انزعاج وغضب‏:‏ ما بات رجل منكم منذ ولدته أمُّه ليلة واحدة من الدَّهر حازمًا‏.‏

أما المقاومة وعلى رأسها حركة حماس فسوف تبقى بإذن الله وعونه شوكةً في "حَلْقِ" الإدارة الأمريكيَّة وأدواتها المحليَّة والإقليميَّة، ولقد قيل: لا تتحدَّ إنسانًا ليس لديه ما يخسره، ويبدو أن تلك الحالة هي الَّتي وصل لها المستضعفون في غزة، ويكفيهم أن يدركوا أنَّ عدوهم يألم كما يألمون والفرق بينهما ما يرجو كل فريق، قال تعالى: {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 104].

أمَّا نحن فعلينا أن نتأمل قوله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].

 

فلسطين والحل
  • مقالات ورسائل
  • حوارات ولقاءات
  • رثاء الشيخ
  • الصفحة الرئيسية
  • فلسطين والحل