اطبع هذه الصفحة


العودة والطريري يدعوان الخطباء لتوحيد خطبة الجمعة عن غزة

الإسلام اليوم/ الرياض


وجه الشيخان الجليلان سلمان بن فهد العودة (المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم)، والشيخ عبد الوهاب الطريري نائب المشرف العام للمؤسسة، نداءين إلى جميع خطباء المسلمين في شتى أنحاء العالم لتوحيد خطبة الجمعة المقبلة للحديث عن العدوان الصهيوني على قطاع غزة.

وحذر الشيخان الجليلان الخطباء من الوقوع في مغبة التناول غير الرشيد الذي لا يداوي الجرح، وذلك بالإغراق في التحليل السياسي الذي لا يتناسب مع حرمة المنبر وقدسيته.

وطالب الشيخان الخطباء بأن ينوهوا إلى أن القصف الصهيوني يستبق الإدارة الأمريكية الجديدة، وتقدم فيه الأحزاب الإسرائيلية برنامجها الانتخابي للمواطن الصهيوني، والذي يقاس نجاحه بحجم الدمار الهائل الذي يلحقه بالشعب الفلسطيني ومؤسساته.

وأشارا إلى أن القصة بوضوح هي قصة كيان ظالم يبطش ويعربد ويقتل ويهدم ويستبيح، وشعب يواجه النار والحصار والتجويع والاستهانة بالحياة وضرورياتها من غذاء وكساء ودواء وأمن، وأنه يجب أن نصمد لهذا التوصيف، وأن نحترم هذا الشعب العظيم ولا نسمح لجعل قضيته ورقة في صراع بين دول ومشاريع إقليمية ودولية.

وأكد الشيخان أن إظهار التجاوب والتفاعل الصادق من المسلمين لهو من خير ما يدفع عن نفوسنا تبعات الإحباط واليأس والاكتئاب.

 



فإلى نص الخطابين....

أولا: بيان فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة


نداء إلى الخطباء والمتحدثين

قد يرى الكثير من خطباء المساجد أهمية تخصيص خطبة الجمعة هذا الأسبوع لمعالجة المصاب الأليم والحدث الجلل في غزة، وهذا تواصل محمود، وتعاطف مشكور، وتجاوب مع تطلعات الملايين الذين يؤمون المساجد، وفي عيونهم دمعة، وفي حلوقهم غصة، والتناول الرشيد من شأنه أن يداوي الجراح، ويزيد التفاؤل، ويرفع اليأس والإحباط عن النفوس، ويوجّه إلى العمل الإيجابي، بدلاً من التلاوم وإلقاء التبعات على الآخرين، أو الإغراق في التحليل السياسي الذي لا يتناسب مع حرمة المنبر وقدسيته .. وهذه وجهات نظر تنادى إليها بعض الدعاة والمتحدثين وأحبوا أن يُشركوا إخوانهم الخطباء والمتحدثين عبر وسائل الإعلام الإطلاع عليها وترشيدها والإضافة إليها ..

1- القصف الأعمى يستبق الإدارة الأمريكية الجديدة، وتقدم فيه الأحزاب الإسرائيلية برنامجها الانتخابي للمواطن الصهيوني، والذي يقاس نجاحه بحجم الدمار الهائل الذي يلحقه بالشعب الفلسطيني ومؤسساته.

2- الألم الذي يعتصر القلوب هو تعبير عن الحياة وعن الانتماء والإحساس بالشعور الأخوي « الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ » (كمثل الجسد الواحد) {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (10) سورة الحجرات، هو استجابة عفوية لمعاناة في جزء في هذا الجسد الكبير، وفقدان الألم يعني قطع الأعصاب الناقلة للمعاناة.

3- يجب أن يترجم الألم إلى أمل، إلى عمل، كلمة طيبة هادئة لا تجري مجرى تصفية حسابات مع طرف أو آخر، ولا تؤسس أو تدعم خلافاً قائماً، ولا تعتمد مبدأ الشتيمة واللعن، ولا تنطلق من منطلق الإحباط واليأس، بل هي صرخة الإيمان في وجه الطغيان.

المؤمنـون على عناية ربهـم يتوكلـون لا خوف يرهبهم ولا هم في الحوادث يحزنون

لو مر واحدهم على فرعون يجتز الرؤوس لأراك في الإفصاح هارون وفي الإقدام موسى

4- التغطية والمتابعة الإعلامية ضرورية، وهي جزء من الحل، فلولا كمرات الإعلام وتقارير المراسلين لذهبت معاناة أهل غزة أدراج الرياح، ولكن الإعلام نبه الضمير الحي وصنع الإحراج، والصهاينة وإن استخفوا من الضمير الإنساني إلا أن حجم الكارثة يضيق الخناق عليهم، ويفضح ممارساتهم العنصرية، والبغي مصرعه وخيم، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} (227) سورة الشعراء.

5- إن من الاستخفاف بالقضية أن تجر أطراف عديدة إلى دائرة الصراع والاستهداف، وأن يرتبك الناس بين خصومات لا نهاية لها، وأن تجد من يحاول توظيف المأساة الإنسانية لصالح طرف في معادلة سياسية ضد آخر.

القصة بوضوح هي قصة كيان ظالم يبطش ويعربد ويقتل ويهدم ويستبيح، وشعب يواجه النار والحصار والتجويع والاستهانة بالحياة وضرورياتها من غذاء وكساء ودواء وأمن.

ويجب أن نصمد لهذا التوصيف، وأن نحترم هذا الشعب العظيم ولا نسمح لجعل قضيته ورقة في صراع بين دول ومشاريع إقليمية ودولية.

6- إن الإيمان بالقدر يعني الإيمان بالحكمة الربانية وراء ما يجري {وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} (آل عمران: من الآية141،140)

إن الشهادة اصطفاء والبلاء رفعة وعز وأجر لمن صبر وصابر والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، « أَرْوَاحُهُمْ فِى جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ , لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ ؛ تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ, ثُمَّ تَأْوِى إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ, فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطِّلاَعَةً, فَقَالَ هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئاً ؟

قَالُوا أَىَّ شَىْءٍ نَشْتَهِى, وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا , فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ, فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا قَالُوا يَا رَبِّ! نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِى أَجْسَادِنَا, حَتَّى نُقْتَلَ فِى سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى » ! رواه مسلم

فلما رأى أنه ليس لهم حاجة تركوا!

سبحان من يختار للمقامات العليا من عباده من امتحن قلوبهم للتقوى وعلم من صدق سرائرهم ما لم يعلم الناس، حتى ولو كانوا من الأخفياء المجهولين.

ويرحل قتلانا وفـي الحلق غصـة يريدون عمراً ثانياً كي يقاتلوا
سنهدى كما أهدوا ونشوى كما شووا فمخزوننا من هذه النار هائل

ولو علمنا سر الله في خلقه وتقديره ما اخترنا إلا ما اختار لنا، (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(البقرة: من الآية216) {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} سورة التغابن (11). فليكن إيماننا بحكمة الخالق جل وعلا أعظم من إيماننا برأينا وتقديرنا للأمور!

7- ومن الحكمة مدافعة القدر بالقدر كما قال عمر رضي الله عنه (نفر من قدر الله إلى قدر الله).

فمن مدافعة القدر، أن نستفرغ وسعنا كله في مساندة المصابين ورفدهم ودعمهم بكل ممكن مقدور.

الدعوة الصادقة بظهر الغيب، تفتح لها أبواب السماء ويقول الجبار تعالى: « وَعِزَّتِى لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ » حتى لو كانت من كافر أو فاجر مظلوم، فكيف بدعوة المسلم الموحِّد.

والقنوت في الصلوات، وتوجيه الدعاء على الظالمين أن يحصيهم عدداً ويقتلهم بدداً ولا يبقى منهم أحداً، وأن يرد كيدهم في نحورهم وأن يهزمهم، الاستغاثة بأسمائه الحسنى واسمه العظيم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب، ولا بد أن في مليار مسلم ونيف من لو أقسم على الله لأبره، ولا يحسن أن تتشتت الناس وتتفرق قلوبهم في تطويل الدعاء والانتقال به إلى موضوعات لا تخص النازلة، فلندع أن يجعل الله المحنة برداً وسلاماً على أهل غزة كما جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم.

الكلمة الطيبة في قناة أو إذاعة أو مقالة أو جريدة أو موقع أو مجلس أو عند مسؤول أو سواه أو على منابر المساجد .

توظيف وسائل الاتصال من مواقع إلكترونية وقوائم بريدية ومنتديات ومحطات ..

التبرع بالدم للمصابين.

التبرع بالمال والمواد العينية حيث المراكز المفتوحة المخصصة لذلك.

المشاركة بوسائل الاحتجاج في كل بلد بحسبه، وممارسة الضغوط على أصحاب القرار ليتحركوا بشكل صحيح تفاعلاً وتجاوباً ونصرةً لإخوانهم.

8- إن إظهار التجاوب والتفاعل الصادق من المسلمين لهو من خير ما يدفع عن نفوسنا تبعات الإحباط واليأس والاكتئاب، وكلما شاهدنا صورة إيجابية لفعل نافع تحسنت نفوسنا، وتوازنت مشاعرنا، بدلاً من أن لا نرى إلا مشاهد الجثث والأشلاء والقتل والدمار.

9- وطمعنا ألا يطول انتظارنا للقصاص الإلهي العادل من الفاعلين والمتواطئين والمباركين، فإن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (102) سورة هود، وإن غداً لناظره قريب، (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) (صّ:88)، والعبد يعجل، والله لا يعجل.

10- إن العدوان الإسرائيلي ليس وليد اليوم، وما فتئت إسرائيل تمارس غطرستها على الشعب الأعزل منذ وجدت، وليست بحاجة إلى استفزاز، إنها تعربد وفق ما يحلو لها، ولا يعجزها أن تصنع المسوغات لجرائمها دون مبالاة بأحد.

وإذا كانت اليوم تتحدث عن حماس فقد تحدثت قبل عن فتح وعن المقاومة وعن الفدائيين.

والقضية مسؤولية كل فلسطيني، وكل عربي، وكل مسلم، بل وكل صاحب ضمير من البشر.

فليستح أولئك الذين يكتبون أو يتحدثون بلغة غريبة يبدو معها أن إسرائيل لم تكن لتفعل ما فعلت لولا الاستفزاز، إن هذا المنطق ذاته هو منطق الإسرائيليين أنفسهم، والشعب الفلسطيني شعب واحد، ويجب أن يظل هكذا وأن يتدبر شؤونه بنفسه {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} (103) سورة آل عمران، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ)(يوسف: من الآية21)
 

د. سلمان بن فهد العودة
 



ثانيًا: بيان فضيلة الشيخ عبد الوهاب الطريري

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى الخطباء عن غزة ؛ وجهات نظر:

لن يكون حديث حاضراً في خطب الخطباء والمتحدثين كالحديث عن غزة، وإن من مسؤوليات الخطيب والمتحدث الاهتمام بتوازن الانفعال، فتخدير المشاعر وإطفاء الحماس جريمة ينبغي ألا نشارك فيها، وإهدار هذا الانفعال بحيث يتحول إلى تأثر مؤقت يهدأ بمرور الزمن ونسيان الألم خطيئة أخرى.

ولكن الواجب استثمار الانفعال ليتحول إلى تفاعل ، وإرشاد الناس إلى الإيجابية التي تنتشلهم من مشاعر اليأس وكرب والإحباط، وفتح آفاق الأمل والعمل على بصيرة وذلك من خلال إشراقات ، وتحذيرات ، واقتراحات:

إشراقات


اللفت إلى معان إيجابية تشرق من خلال هذه المأساة، حتى لا يكون الحديث حديث يجتر الألم بطريقة تملأ النفوس باليأس والتوتر ومنها:


أولاً:
أن ما قام به المعتدون اليهود في هذا لعام 2008 هو ذاته ما قاموا به عند تأسيس دولة إسرائيل عام 1947-1948 م ، فهم يقومون بذات المذابح لأنهم يعيشون ذات المواجهة، إن الرفض الذي ووجه به اليهود من الشعب الفلسطيني قبل ستين سنة هو ذاته الرفض الذي يعيشه اليهود اليوم.

إن المؤسسين الأوائل لإسرائيل : بن غوريون وحايم ويزمان وليفي أشكول وغيرهم لم يكن يخطر ببالهم أنه بعد ستين سنة سيجدون أنفسهم في المربع الأول من المواجهة مع هذا الشعب الصامد الصابر، وأنهم سيستمرون بعد ستين سنة على نفس الأسلوب الذي بدؤوا به.

لقد كانت أحلامهم أنه بمرور الوقت سيتم تهجين الفلسطينين ليكونوا دواجن في الحظائر اليهودية، وإذا بهم بعد ستين سنة يعيشون ذات المواجهة ويتعاملون معها بذات الأسلوب، وإذا بأهلنا في فلسطين هم هم، كما كانوا، ما خانوا ولا مانوا، ولا ضعفوا ولا استكانوا، ليقول يهود كما قال آباءهم من قبل (إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ) إن هذا يملأ قلوبنا ثقة وعزماً بل نشوة وزهواً بهذا الشعب الذي توارث أجياله ذات الصلابة وذات القوة بصبر لا يلين وإن عقباهم لعقبى البشرى للصابرين.

ثانياً: إننا شهدنا تفاعل المسلمين وانفعالهم في جميع أقطار العالم الإسلامي، لقد رأينا أخواتنا في المظاهرات التي سارت في أقصى المغرب ومصر وباكستان وهن يبكين كأنما هن ثكالى بأبنائهن، ورأينا إخواننا وهم يتحدثون بحزن وغضب وكأنما الجراح بغزة على قلوبهم، إن هذا التفاعل يدل على سريان الحياة في الجسد الواحد، وعلى تداعي هذا الجسد لآلام غزة بالحمى والسهر، وعلى ترابط هذا البنيان المرصوص.

ثالثاً: إن هذه الأحداث على ألمها قد أعادت تصوير القضية الفلسطينية كما هي بعد أن تعرض مفهوم القضية ومفهوم الصراع لأنواع من التحريف ورأى الناس جميعاً ما قام به اليهود فإذا به امتداد لجرائهم التي قامت عليها دولتهم أول ما قامت، فمجزرة غزة امتداد لمجزرة دير ياسين والمجازر معها، وما قامت به حكومة إسرائيل هو امتداد لمجازر عصابات شتيرن والهاجانا والأرغون.

وقادة إسرائيل اليوم ليسوا إلا أبناء أولئك المجرمين وهذه تسيبي ليفني كان أبوها وأمها أعضاء في عصابة الأرغون التي كان يقودها مناحيم بيغن والتي قامت بالمذابح وأعمال التخريب .

إن هذا كله يبين أن ما تفعله إسرائيل الآن في غزة ليس فلتة أو غلطة وإنما هو حلقة في سلسلة، وإن ذلك يزيل الغشاوة عن عيون الذين يتصورون أن إسرائيل ستكف يوماً عن جرائمها، وأن إسرائيل بعد عام أو عامين لن تكون هي إسرائيل الآن.

رابعاً: أن هذه الأحداث عندما تقع فإنها تدفع بقضية فلسطين إلى الواجهة في اهتمامات المسلمين وتذكرنا بأن فلسطين كانت ولا زالت جرح الجبين، وأن المسلمين إذا كان هناك ما زاحم اهتمامهم بهذه القضية فإن هذه الأحداث تدفع بالقضية إلى الواجهة من همومهم واهتماماتهم، وتعيد الحيوية لهذه القضية .

خامساً: إن مشاهد المظاهرات أمام بنوك التبرع بالدم تبين لنا أن هذه القضية تسري في دماء الأمة، وأن دم إخواننا في فلسطين هو دمنا، وإن دمائنا سوف تسري في شرايين أهلنا.

تحذيرات


أولاً: إن هذا الحدث ينبغي أن يكون سبب تجاوز أهلنا في فلسطين لاختلافاتهم وأن يتوجه الجهد كله إلى العدو الإستراتيجي الأول وهو هذا الكيان اليهودي الصهيوني .

وإن علينا أن لا نطرب اليهود المعتدين بإسماعهم عبارات التلاوم والوقيعة بعضنا ببعض في هذا الظرف الشديد الوطأة، إن حصول الاختلافات وتباين وجهات النظر أمر متوقع ولكن هذا الظرف الاستثنائي ينبغي أن يسمو بنا فوق هذه الاختلافات، عملاً بقول الله عز وجل (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).

إن هذه الآية تدلنا على أن عدم التنازع ليس أمنية ولا دعوى ولكنها مجاهدة مريرة تحتاج إلى صبر جميل.

وعلينا أن ننظر إلى حال اليهود الذين وصفهم الله بقوله (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) ومع ذلك نراهم الآن قد تجاوزوا هذه العاهة في هذا الظرف فأوقفوا حملاتهم الانتخابية ووحدوا كلمتهم ونقل رئيس الوزراء مكتبه إلى وزارة الدفاع مما يدل على أن القضية عندهم قد توحدت في هذا البغي والعدوان.

أفلسنا أولى أن نكون أهل التوحد في هذه الظرف العصيب .

ثانياً: ينبغي أن لا يكون همنا محصوراً بكيف نعبر عن انفعالنا، وإنما علينا التفكير بما هو الأجدى من أفعالنا، وذلك بتوجيه الانفعالات إلى الوجهة الرشيدة، ينبغي أن لا نجعل اليهود يستمتعون بمشاهد الدم المسلم ينتثر في أماكن لم يصل إليها قصفهم وأن لا يعيشوا سعادة النظر إلى الدم المسلم يسفك نتيجة الاشتباكات بين الجماهير ورجال الأمن في عواصم الدول الإسلامية، إن رجل الأمن ليس هدفاً في هذه المعركة.

والمظاهرات ينبغي أن تكون رسالة حضارية إلى العالم وليست انفعالاً غوغائياً .

اقتراحات


على الخطباء والمتحدثين أن يتولوا هندسة الانفعالات فإن هذا الفعل العدواني فد تجاوز حدود المعقول وهو يدفع إلى رد انفعالي يتجاوز حدود المعقول ما لم يقم العلماء والدعاة والخطباء بمسؤوليتهم في توجيه هذا الانفعال.

ينبغي أن يوجه الناس إلى ما يستوعب انفعالهم ويحي تفاعلهم بما يتناسب وضخامة الحدث كالتبرع بالدم والتبرع الإغاثي بالمال، إلا أن علينا مع ذلك أن نوجه الناس إلى أن يكون هذا التبرع مشروعاً طويلاً وان تكون المساعدات مساعدات تتصف بالديمومة.

1- علينا أن نعلم أن كل من يعيش داخل فلسطين هو مرابط من المرابطين، التلميذ في مدرسته، والأم في بيتها والمزارع في حقله كل هؤلاء الذين تنغرس جذورهم في هذه الأرض هم الأزمة الحقيقة لليهود داخل فلسطين، ومجرد بقاءهم وصبرهم ومصابرتهم جهاد ورباط ينبغي أن يعانوا عليه، وذلك بتيسير وسائل العيش الكريمة والحياة المستقرة.

ولذا فإن من المهم أن يتوازى مع إغاثة هذه النكبة مشاريع إغاثية لها طابع الاستمرار ككفالة الأطفال ولا أقول الأيتام فكل طفل في فلسطين بحاجة إلى كفالة، وكفالة الطلاب حتى يكملوا تعليمهم وكفالة الأسر حتى ترعى أبناءها.

2- مناشدة الحكومات بدعم له طابع الاستمرار، وإذا كان على الأفراد واجب كفالة الأفراد فإن على الأجهزة الحكومية في الدول الإسلامية كفالة المرافق العامة في فلسطين ولو أن الجامعات العربية تكفلت برعاية الجامعات داخل فلسطين، والبلديات تكفلت بدعم منتظم للبلديات ، ووزارات الصحة تكفلت بالمستشفيات إذا لتحسنت الأوضاع هناك كثيراً، وتأهل أهلنا في فلسطين لمصابرة طويلة، ولأحسوا أن أيدي إخوانهم المسلمين حكومات وشعوباً في أيديهم.

3- علينا عدم تعليق آمال الناس بالحلول العاجلة حتى لا تفاجأ الأمة بأنها عاجزة ثم يسيطر اليأس عليها، وإنما علينا التركيز على الحلول ذات النفس الطويل، ومحاولة علاج الأمة من الانفعالات المناسباتية القصيرة المدى، إنه علينا أن نذكر الناس أن فلسطين تعيش معاناة منذ ستين سنة وربما تستمر ستين سنة أخرى، ولذا لا بد أن يكون هناك عمل حاضر في كل وقت، ولقد أصبح لدينا خبرة في هذه الانفعالات ومداها ولذا فإن استثمارها خير من تركها حتى ينسيها الزمن.

4- تعاون الجماهير مع الحكام، وذلك بان تمكن الحكومات الجماهير من أداء واجبها وتحمل مسؤوليتها تجاه أهلهم في غزة بتيسير وصول المساعدات، وهذا الموقف يرفع الحرج عن الحكام أمام شعوبهم وأمام الرأي العام العالمي.

5- أن يتعاون العلماء والإعلاميون بتحقيق وئام اجتماعي وفكري في الأمة بحيث تجتمع الأمة على كلمة سواء تجاه قضاياها الكبرى بعيداً عن التخالف والتباعد والتدابر، وكونوا عباد الله إخوانا (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
 

عبد الوهاب بن ناصر الطريري
حرر في 3/1/1430 هـ

 

فلسطين والحل
  • مقالات ورسائل
  • حوارات ولقاءات
  • رثاء الشيخ
  • الصفحة الرئيسية
  • فلسطين والحل