اطبع هذه الصفحة


غزة من ظلام الحصار إلى نار العدوان

عبد الرحمن جمال المراكبي


بأحرف الألم أكتب كلماتي ، وأي شيء أكتب ، اكتب عن كارثة إنسانية طالعتنا بها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ، إنها أكثر المجازر دموية منذ واحد وأربعين عاما من الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ، فبعد أن كانت غزة تحت الظلام جراء الحصار ، اشتعلت سماؤها بنيران مدافع اليهود الغاصبين وأخذت الطائرات والصواريخ الإسرائيلية تدك المنازل وتقتل النساء والأطفال والشيوخ ، حتى المساجد لم تسلم من هذا العدوان الغاشم في رسالة واضحة بأن الاحتلال سيمعن في القتل والتدمير، ولن يكون أهل غزة في مأمن من المجازر حتى ولو لاذوا بالمساجد.
كل هذا الفساد والإفساد ليس بغريب على اليهود ، قال تعالى :  وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً [سورة الإسراء : 4 ] ، وقال تعالى :  وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا [سورة المائدة : 64]
ها هي إسرائيل التي تنادي بحقوق الإنسان وبالديمقراطية المزعومة تضرب بممارساتها كل القيم الإنسانية عرض الحائط ، فلم تعر المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان أدنى اهتمام ، مخالفة بذلك الاتفاقيات والعهود والمواثيق الخاصة بحقوق الإنسان وحماية السكان المدنيين وممتلكاتهم .

- فازوا ورب الكعبة :

لما طعن حرام بن ملحان وهو خال أنس ابن مالك يوم بئر معونة أخذ بيده من دمه ، فنضحه على وجهه ورأسه وصاح في وجه قاتله وقال : " فزت ورب الكعبة ، فزت ورب الكعبة " .
غادر الدنيا وشهواتها، غادر الزوجة والأولاد، فأي فوز هذا الذي قد فاز فيه؟ إنه الفوز بالشهادة ، إنه الفوز برضوان الله عز وجل وبالنعيم المقيم في الآخرة .
وقد جعل الله عز وجل للمجاهدين مائة درجة من درجات الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من آمن بالله ورسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقًا على اللَّه أن يدخله الجنة، جاهد في سبيل اللَّه أم مات في أرضه التي ولد فيها. قالوا: أفلا نبشر الناس يا رسول اللَّه ؟ قال: إن في الجنة مائة درجة أعدها اللَّه للمجاهدين في سبيله ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم اللَّه فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن منه تفجر أنهار الجنة ». [ رواه البخاري ]. وفي صحيح مسلم « إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى قناديل مُعَلَّقة تحت العرش، فاطَّلع عليهم ربك اطِّلاعَة، قال: ماذا تبغون؟ فقالوا: يا ربنا، وأيّ شيء نبغي، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك؟ ثم عاد إليهم بمثل هذا، فلما رأوا أنهم لا يُتْرَكُون من أن يسألوا، قالوا: نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا، فنقاتل في سبيلك، حتى نقتل فيك مرة أخرى؛ لما يرون من ثواب الشهادة - فيقول الرب جلّ جلاله : إني كتبتُ أنَّهم إليها لا يرجعون ».
وقد اختار الله سبحانه وتعالى إخواننا في غزة لينالوا هذا الفضل العظيم ، شرف الشهادة في سبيل الله فطوبى لهم ، قال تعالى :  وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِه وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ  [ آل عمران 169-170]
لما انتهت غزوة أحد نادى أبو سفيان بأعلى صوته : إن الحرب سجال يوم بيوم بدر، اعل هبل - أي أظهر دينك - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب : « قم فأجبه ». فقال: الله أعلى وأجل، لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.

- المعركة الفاصلة :

هذه ليست النهاية فهناك معركة فاصلة بين المسلمين واليهود ، يُظْهِر الله عز وجل فيها عباده المؤمنين، وينصرهم على اليهود بعدما ذاقوا منهم الأذى والنكال .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ تُقَاتِلُونَ الْيَهُودَ حَتَّى يَخْتَبِىَ أَحَدُهُمْ وَرَاءَ الْحَجَرِ فَيَقُولُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِىٌّ وَرَائِى فَاقْتُلْهُ ». [ رواه الشيخان ]
يُنطق المولى سبحانه وتعالى الحجرَ والشجرَ حتى يكشفوا مخابيء اليهود وأماكن اختفائهم ، عندئذ سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، فهذا وعد اللَّه ، ووعد رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإن اللَّه لا يخلف الميعاد ، ونصر اللَّه قادم لا ريب فيه ، قال تعالى :  إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51]
لذلك أقول لإخواننا في غزة : إن الله سبحانه وتعالى يمتحنكم ليعلم المجاهدين والصابرين ، ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم  [محمد:31] ، فاستعينوا بالله واصبروا على هذا البلاء ، وإن غداً لناظره لقريب ، قال تعالى :  اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين  [ سورة الأعراف: 128 ] .
فالنصر آت لا محالة ، وحال الشدة لن يدوم ، وإن مع العسر يسرًا ، وإن بعد الليل فجراً .

غداً بِكُم سَيُسعَدُ الوُجُودُ *** ويُكبَتُ المستعبِدُ العنيدُ

- نصرة غزة وتحقيق الأخوة :
على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يخرجوا من النفق المظلم الذي يسيرون فيه ، وأن يسارعوا بدعم الشعب الفلسطيني بكل ما أوتوا من قوة ومن مال، فهم إخواننا  إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ  [الحجرات: 10] .
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا » ، ويقول صلى الله عليه وسلم : « المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يُسلمه ». ويقول صلى الله عليه وسلم : « مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر». فيجب علينا أن نقف وراء إخواننا في فلسطين، وأن ندعمهم بكل قوة بالدعاء وبالمال ، اقتطع - أخي القارئ الكريم - ولو جنيهاً من قوتك وقوت أولادك تبرأ به أمام الله عز وجل .
ما أحوجنا الآن إلى توحيد صفوفنا وتوحيد كلمتنا في وجه أعدائنا ، إلى أن نعتصم بحبل الله ، عملاً بقول الله تعالى :  وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ  [ آل عمران : 103- 105 ] . وبقوله تعالى :  وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ  [ الروم : 31، 32 ] .

- الدعاء من أسباب كشف البلاء :

قال تعالى :  ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين  [ غافر :60 ]
ومع كثرة الدعاء والإلحاح فيه يكون الفيض والعطاء من الله عز وجل ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله عز وجل يحب الملحين في الدعاء »
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ليس شيء أكرم على الله من الدعاء »
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب فيقول :« لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش الكريم ، لا إله إلا الله رب السماوات ورب العرش العظيم »
فلنجتهد في الدعاء خصوصاً في أوقات الإجابة، في سجودنا وقنوتنا عسى الله عز وجل أن يفرج بدعواتنا عن إخواننا المستضعفين .

أتهزء بالدعاء وتزدريــــه *** وما تدري بما صنع الدعـــاء
سهــام الليل لا تخطــي ولكن *** لهــا أمــد وللأمـــد انقضـــاء

اللهم انصر إخواننا المستضعفين في غزة على اليهود الملاعين ، اللهم سدد رميهم ، وألف بين قلوبهم يا رب العالمين .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


وكتبه / عبد الرحمن جمال المراكبي
المشرف العام على مواقع أنصار السنة
Ar_gamal@hotmail.com

 

فلسطين والحل
  • مقالات ورسائل
  • حوارات ولقاءات
  • رثاء الشيخ
  • الصفحة الرئيسية
  • فلسطين والحل