اطبع هذه الصفحة


حماس.. الحركة الإسلامية التي لن تموت!
الثلاثاء 09 محرم 1430 الموافق 06 يناير 2009

ترجمة/ علاء البشبيشي


(طيلة 12 عامًا، تحملت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الاعتقال، والاغتيال، والترحيل، والمقاطعة، والحصار، ورغم ذلك كانت قوتها (وشعبيتها) تزداد يومًا بعد يوم).

حقيقةٌ تحدث عنها الكاتب الأمريكي، باتريك مارتن، في صدر مقال نشرته صحيفة "ذا جلوب أند ميل" البريطانية تحت عنوان (الحركة الإسلامية التي لن تموت).

ولأن المقال يأتي في توقيت غاية في الأهمية، بعدما بدأ كثيرون يشككون في قدرة المقاومة على الصمود؛ كان لا بد من نقله للقارئ العربي؛ لتتضح الصورة أكثر (وربما لترتفع المعنويات أكثر) في هذه الأوقات الحاسمة.

ورغم أن الكاتب كان مُصَمِّمًا خلال مقاله على وصف حماس بـ "الحركة الدموية"، والأعمال الاستشهادية التي تقوم بها بـ "الانتحارية"، إلا أنه التزم جانب الحياد فيما يتعلق بقدرة الحركة على الصمود في مواجهة التحديات، وامتزاج شرايينها مع شرايين فلسطين؛ ما يعني أنها لن تنقلع من هذه الأرض مهما فعل اليهود. وهذه ترجمة المقال:

في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تُمْطِر قطاع غزة بالصواريخ، كانت مجموعة من الأطباء الجرّاحين المصريين يشقون طريقَهُم عبر الحدود إلى ميدان المعركة في القطاع. أتى هؤلاء عن طريق الأنفاق التي كانت تُستخدَم في تمرير بعض المؤن إلى غزة من مصر، بالرغم من أن إسرائيل كانت قد بدأتْ في قصفها للشريط الحدودي بالفعل.

يقول أبو عبد الله، وهو طبيب مصري رفض إعطاء اسمه الكامل: "أتينا؛ لِنُسَاعِدَ إخواننا في غزة".

هؤلاء الأطباء العشرة الذين ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين، قالوا: إن تحركهم لم يكن بدافعٍ من انتمائهم السياسي، "لكنّ مِهَنِيَّتَنا هي التي دفعتنا للقيام بذلك؛ لمساعدة أناس هم عضوٌ في هذا الجسد العربي الكبير".

وأضاف أبو عبد الله: "منذ أتينا إلى هنا لم نتوقف عن العمل؛ فالعمليات الجراحية لا تتوقف".

هذا الالتزام الذي يُبديه أمثال هؤلاء تجاه حماس، هو فقط أحد الأسباب التي تجعل هذه الحركة التي تُقصَف الآن قادرةً على الاستمرار في القتال.

وبانتهاء الأسبوع الأول من الحرب، كانت الطائرات الإسرائيلية قد نفذت500 غارة على قطاع غزة، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 400 فلسطيني، وإصابة قرابة 2000 آخرين، كما دُمِّرت كُلُّ المباني الرسمية التابعة لحركة حماس. ولكن كما اعترفت القيادة الإسرائيلية ذاتها، فإن هذه الحركة، التي وُلِدَتْ من رَحِم مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، لا يمكن القضاء عليها، ولو باجتياحٍ بَرِّيٍّ شامل.

حركة حماس- اختصار للأحرف الأول من (حركة المقاومة الإسلامية)- تَأَسَّسَتْ في أواخر عام 1987 في بداية الانتفاضة الفلسطينية الحديثة، وخرجت من رحم جماعة الإخوان المسلمين. وخلال الـ 21 عامًا الماضية، تحمَّلت حماس الاعتقال، والاغتيال، والترحيل، والمقاطعة، والحصار، ورغم ذلك كانت قوتها (وشعبيتها) تزدادُ يومًا بعد يوم.

بدأت الحركة مقاومَتَها بإلقاء الحجارة، ثم تَطَوَّرَ الأمر ليشمل العمليات الاستشهادية والاختطاف، ليصل الآن إلى إطلاق الصواريخ. كما فازت بأول انتخابات تعددية في تاريخ فلسطين عام 2006.

وبعد حَسْمِها العسكري في قطاع غزة، ازدهرت الحركة، وخاصةً في مدينة الخليل في الضفة الغربية، والتي تقع إلى الجنوب من القدس بـ 35 كم.

في يوم الثلاثاء الماضي كانت مجموعة من الفلسطينيين يجلسون في وقت الظهيرة داخل مسجد الحرس (الذي تَخَرَّج منه شهداء كتائب القسام)، وكانوا يتحَدَّثُون عن الملاحم البطولية للحركة ومستقبلها.

وللمفارقة.. منذ خمس سنوات، قام إمام هذا المسجد، رائد عبد الحميد عبد الرزاق مسك، بعمليةٍ استشهادية فجَّر خلالها نفسه في حافلة يهودية داخل مدينة القدس، ما أسفر عن مقتل 23 إسرائيليًّا كانوا في طريق عودتهم من زيارة لحائط البراق في المدينة القديمة، فيما اعتُبِرَتْ واحدةً من أكبر الهجمات التي نُفِّذَتْ خلال انتفاضة عام 2000- 2005.

وكانت هناك أنباء عن أن الشيخ مسك- والدٌ لطفلين- كان صديقًا حميمًا لرئيس حركة الجهاد الإسلامي، الذي اغتالته القوات الإسرائيلية قبل العملية بأيام.

كان من بين الجالسين في المسجد، عارف الدويك، 51 عامًا - وهو ابن عم د.عزيز الدويك، رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني المعتقل لدى إسرائيل- الذي قال مُعَلِّقًا على ما يَحْدُثُ في القطاع المنكوب: "أهل غزة إيمانهم بالله قَوِيٌّ، ولا يمكن محو إيمانهم لا بالدبابات ولا بالطائرات"، مضيفًا: "حماس ستبقى على قيد الحياة، رغم هذه الحرب".

وبينما هؤلاء يتحدثون، تواترت أنباء عن اغتيال الدكتور نزار ريان، القيادي البارز في حركة حماس، في قصفٍ لمنزله في غزة. فتساءلتُ: "هل يمكن للحركة أن تتخطى اغتيال قادتها، وتبقى على قيد الحياة؟".

وهنا رَدَّ عدنان القواسمة، 29 عامًا - وهو ابن أخت القائد الراحل لكتائب عز الدين القسام في مدينة الخليل، عبد الله القواسمة، الذي اغتالته إسرائيل منذ سنوات - قائلًا: "لا يهم مَنِ استُشهِد، فسيبقى آخرون ليخلفونه في موقعه، كما كان هناك من خَلَفَ النبيَّ محمدًا (صلى الله عليه وسلم) بعد موته".

وهنا تدخل محمد أسعد، بروفيسور علم السياسة بجامعة القدس المفتوحة؛ حيث كان يجلس على استراحةٍ بجوار المسجد، وقال: "ما يُمَيِّز هذه الحركة عن غيرها أنها لم تَغِبْ عنها القيادة عبر الأجيال. قارِنْهَا مثلًا بحركة فتح، وانظر ماذا حدث بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات، عمَّت الفوضى، وتولى زمامَ الأمور قيادةٌ في غاية الضعف".

أما الأسباب الأخرى التي ترجع إليها القوة الكبيرة لحركة حماس، فأَوْضَحَها الكاتبان الإسرائيليان شاؤل ميشال وأبراهام سيلا، مُؤَلِّفا كتاب (حماس الفلسطينية)، حين قالا: حماس تتعدى كونَها مجرد حركة مقاومة، كما يتضح من تسميتها، بل هي حركة اجتماعية، ركَّزَتْ كل نشاطها ودفعت جُلَّ مصادرها في الأساس من أجل توفير الخدمات للمجتمع، وخاصةً استجابتها الفورية في أوقات الشدة والمعاناة؛ لذلك فإن قاعدتها العريضة تتشكل من عامة الفلسطينيين".

في الواقع، تعتبر الحركة أحد تشكيلات جماعة الإخوان المسلمين التي تكاثرتْ في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، استجابةً لمطالب المواطنين الذين لا يجدون مَنْ يُمَثِّلُهُم في الدول التي لا تتمتع بديمقراطية كبيرة.

وفي مصر؛ حيث نشأت الجماعة منذ 80 عامًا خلتْ، يعتبر الإخوان المسلمون المعارضَ الأساسِيَّ لنظام الرئيس مبارك. ورغم الحظر المفروض عليها في البلاد، تسيطر على العديد من النقابات العمالية والمهنية. كما أصبحت الحركة الإسلامية جزءًا من الحكومة في كُلٍّ من لبنان والأردن.

أما تركيا، فهاهم الإسلاميون المعتدلون يشكلون الحكومة، ويمسكون بدفة الحكم. ولا يوجد غير سوريا التي أخرجت الإخوان المسلمين من البلاد، بالمعنى الحرفي للكلمة. ففي العام 1982 بدءوا يتَحَدّون نظام الرئيس الراحل الأسد، لذلك تم إصدار الأوامر للقوات السورية باجتياح مَعْقِلِهْم في مدينة حما، ما أسفر عن مقتل مابين 10 آلاف – 20 ألفًا، بعدما تم تسوية المدينة بالأرض بواسطة الجرافات.

هذه الوحشية التي مورست ضد إخوان سوريا في مدينة حما، استعارها توماس فريدمان، الكاتب في صحيفة نيويورك تايمز؛ ليصف ما يحدث في غزة الآن، حين قال: "إنه اللعب وَفْقَ قواعد مدينة حما".

لكن مارك هيلر، من معهد دراسات الأمن القومي، بجامعة تل أبيب، يرى أن إسرائيل ليس بإمكانها اللعب وَفْقًا لهذه القواعد. وذلك لصعوبةِ التعامُلِ مع لاعب غير نظاميّ كما في حالة حماس. ولهذا السبب اعترف قادة إسرائيل أنهم لن يستطيعوا محو الحركة من الوجود، حتى إذا ما أرادوا ذلك. واكتفى أحد المقربين من رئيس الوزراء إيهود أولمرت بالقول: "نريدهم فقط أن يُغيِّروا سياستهم".

ولكن هل بإمكانهم تغييرها؟

البروفيسور محمد أسعد، الذي ذكرناه آنفًا، يقول: نعم. فحماس، التي هي امتداد لحركة الإخوان المسلمين، أحد الأسباب التي جعلتها تتحمل طيلة الفترة السابقة هو أنها واقعية، وتستطيع التمييز بين المصالح والمفاسد، لذلك فإنها ستتكيف مع أي وَضْعٍ ستجد نفسَها فيه".

فعلى سبيل المثال، اتضح للحركة أن حملة العمليات الاستشهادية التي تبنتها في الفترة بين 2005 و 2006 لم تحشد الدعم الدولي لصالح القضية، لذلك قاموا باستبدال هذا الأسلوب، واستخدموا تكتيكات أخرى، كان من بينها عمليات إطلاق الصواريخ.

جَدِيرٌ بالذكر أن حماس قد تعود إلى هذا التكتيك القديم (العمليات الاستشهادية)، بعدما نفذت إسرائيل هجومها الغاشم على قطاع غزة يوم السبت قبل الماضي.

ورغم كل شيء، يرى البروفيسور أسعد أن حماس لن تعترف بإسرائيل؛ ذلك أنّ اعترافها بها معناه القبول بالجرائم الإسرائيلية والاحتلال. فيما ختم السيد القواسمة بقوله: "منذ سقوط الخلافة الإسلامية عام 1924، استمتع الغرب بحياتهم في غياب التأثير الإسلامي. ولم يفكر الغرب ثانيةً في التقرب من المسلمين، إلا بعد ما شعروا بالتهديد، الآن فقط بدأوا يتعلمون كيفية العيش معنا في سلام مرة ثانية".

انتهى المقال، ولكن يبدوا أنّ هناك سببًا آخر، نسي الكاتب الأمريكي أن يذكره، يجعل حماس عصِيَّةً على الهزيمة، هذا السبب يتلخص في جملة قالها أحد مقاتلي كتائب الشهيد عز الدين القسام، فجر اليوم في عين الحرب: (لم أشعر بحقيقة معنى آية الأنفال ( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) كما شعرتُ بها و أنا في خندقي أنتظر بشغفٍ ملاقاةَ وحدات النخبة في جيشهم (الإسرائيلي) الجبان والمهزوم، وإني أقسم بالذي رفع السماء بلا عمد، لو علموا كيف تُحلِّق أرواحنا لقتالهم لغاصتْ أقدامهم ارتعادًا وخَوْفًا من بَأْسِنا). إنه سلاح ربما لم يسمع عنه الكاتب الأمريكي يومًا، يُسمَّى عندنا نحن بني الإسلام بـ (سلاح الإيمان).


المصدر : الإسلام اليوم

 

فلسطين والحل
  • مقالات ورسائل
  • حوارات ولقاءات
  • رثاء الشيخ
  • الصفحة الرئيسية
  • فلسطين والحل