اطبع هذه الصفحة


المسافة ما بين التفاوضين

زياد آل سليمان


يوما بعد يوم تثبت المقاومة الفلسطينية أنها وحدها القادرة على إعادة الحقوق وعلى فرض وقائع جديدة على الأرض ، وأن طريق التفاوض مع الاحتلال من منطلق الضعف لن يؤدي إلا إلى المزيد من ضياع الحقوق وترسيخ للمعاناة وتعميق للجراح .
لقد قال وزير خارجية العدو ليبرمان خلال لقاءٍ صحفيٍّ بنيويورك في 22/9/2009 بعد انتهاء اللقاء الثلاثي بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونتنياهو وعباس: "نحن نتوقع من السلطة الفلسطينية أن تسحب الطلب الذي قدَّمته ضد "إسرائيل" إلى المحكمة الدولية في لاهاي بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد سكان قطاع غزة"، لافتًا إلى أنه أبلغ الوفد الفلسطيني بهذا المطلب خلال اللقاء الثلاثي، وأضاف: "قلت لأعضاء الوفد الذي يمثل السلطة الفلسطينية إنها هي من مارست ضغوطًا على "إسرائيل" للذهاب حتى النهاية في الحرب على غزة في إطار عملية "الرصاص المصبوب".
في المقابل لم يكن هنالك أي نفي من قبل السلطة لتلك التصريحات ، بل الذي جرى لاحقاً هو تأكيد لتلك التصريحات من خلال قرار سلطة رام الله سحْبَ تبنِّي تقرير لجنة "غولدستون"، الذي يؤكد ارتكاب الاحتلال الصهيوني جرائمَ بحقِّ الإنسانية ، بالرغم من مساندة 33 دولة من أصل 47 هي أعضاء المجلس للتصديق عليه، وكان من المتوقع أن يصادق المجلس على التقرير بتأييد تلك الأغلبية ما سيمهد لاتخاذ خطوات أكثر صرامة ضد الكيان الصهيوني.
هذه صورة من صور أفعال وممارسات من رضي بالاحتلال الصهيوني شريكاً حقيقياً ، وبالتفاوض طريقاً وحيداً – مع التحفظ على وصف ما يجري بأنه تفاوض.
في ذات الوقت كانت الفرحة تغمر قلوب الفلسطينيين بل قلوب الأمة في كل مكان للإفراج عن عدد من الأسيرات بل وعن أصغر أسير في العالم، هذا الإفراج جاء نتيجة عملية للمقاومة ، لقد فاوضت بندقية المقاومة قبل أن تتفاوض على الطاولات مع الوسيط الألماني وغيره .
السلطة تقف في وجه حقوق شعبها وتجهض الجهود العربية بل الدولية لمحاكمة قادة الاحتلال على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بغزة ، أترك للقارئ الحرية في وصف هذا الفعل .
موقف آخر يزيدنا عجباً من موقف السلطة وهو مطالبة منظمة العفو الدولية (أمنستي) الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بإحالة تقرير القاضي ريتشارد غولدستون إلى مجلس الأمن فورا ، بل أعربت العفو الدولية عن أسفها لقرار التأجيل على التصويت. وكان تحالف من 50 منظمة غير حكومية لها صفة مراقب بمجلس حقوق الإنسان قد قرر تبني تقرير غولدستون، رغم قرار المجلس تأجيل التصويت عليه للدورة المقبلة. بل قابل أغلب الحاضرين في الجلسة القرار بالدهشة. وتزامن ذلك مع إدانة 14 منظمة حقوقية فلسطينية مستقلة قرار السلطة إرجاء التصويت على التقرير، معتبرة ذلك بأنه تغليب للسياسة على حقوق الإنسان وإهانة للضحايا وتنازل عن حقوقهم.
لا أريد أن أنقل المزيد من الوقائع التي تعكر على القارئ فرحته بإنجاز المقاومة والذي هو مقدمة – بإذن الله – لصفقة كبرى يفرج من خلالها عن بقية الأسيرات وعن الأسرى من ذوي المحكوميات العالية ، لقد وصفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية صفقة "شريط شاليط" بـ"المحرجة"، مشيرة إلى أنها "أجبرت دولة بأكملها بالركوع على ركبتيها"، على حد تعبيرها ، منتقدة في ذات الوقت عجز أجهزة الأمن "الإسرائيلية" عن الوصول إلى الجندي على مدى ثلاث سنوات وثلاثة أشهر، وقالت: "محظور علينا أن ننسى أن هذا الشريط يعظم فقط حقيقة أن المخابرات وباقي محافل الأمن لم يتمكنوا من جلب معلومة تسمح بإنقاذ جلعاد من الأسر. ثلاث سنوات، وهو يبعد 10 كم عن بيته، ولا أحد لديه فكرة عن وضعه، إلى أن تصنع حماس الجميل للمبعوث الألماني وتطلق شريطا بثمن مبالغ فيه. لماذا عندما ندير مفاوضات على تلقي جندي واحد مقابل مئات السجناء ينبغي لنا أن ندفع الفائدة مسبقا كي نتلقى إشارة حياة؟ هذا منطق مريض. اعتدنا على أن نكون خرقا مهترئة".
ربما كان توافق الحدثين " صفقة الحرائر" و "صفقة إنقاذ مجرمي الحرب" في نفس المدة الزمانية كفيل لبيان المسافة بين المفاوضين والصفقتين ، وأيهما الخاسر وأيهما الرابح؟ .. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (سورة التوبة:111) .


 

فلسطين والحل
  • مقالات ورسائل
  • حوارات ولقاءات
  • رثاء الشيخ
  • الصفحة الرئيسية
  • فلسطين والحل