اطبع هذه الصفحة


فلسطينيو العراق والخطر القادم

أيمن الشعبان


بكل المقاييس ما تعرض له اللاجئون الفلسطينيون في العراق طيلة السبع سنوات الماضية ولم تنته آثاره لحد الآن ينذر بخطر قادم، فهنالك إرهاصات ومؤشرات ودلالات واضحة لكل من ينظر للقضية من عدة زوايا لاسيما وعجلة الأحداث تدور والرقعة تزداد وتكبر شيئا فشيئا، والمشهد اليومي ذاته بمعزل عن أصل ونقطة تمركز الوجود الفلسطيني مع تحسن عام ونسبي في النواحي الاقتصادية والأمنية وغيرها في العراق .

قد يقول قائل: وهل هنالك مرحلة أخطر وأصعب من تلك التي مرت علينا لاسيما في الأعوام (2006، 2007 ) من قتل واختطاف وتعذيب وتشريد وتهجير وتهديد وتضييق شديد، لم يسبق أن تعرضنا له منذ عام 1948 ؟!! والجواب: نعم.

كثير من المجتمعات والأقليات يتعرضون لانتهاكات وحروب إبادة وقتل جماعي على خلفيات طائفية أو قومية أو عرقية وغيرها، إلا أن ارتباطها بأرضها وما تبقى من ممتلكاتها يحتم عليها محاولة نسيان الماضي الأليم، وبداية مسيرة حياة جديدة مع بقاء حسرة الاضطهاد والظلم في القلب، لأنه لا يحس بمرارة التهجير وكثرة التنقل والغربة وما فيها من ذل إلا من ذاق حرقتها وما تحمله في طياتها من مهانة وتكالب.

والنبي عليه الصلاة والسلام كان يحذر أمته بالمخاطر المحدقة بما أوتي من وحي، وقد قال عليه الصلاة والسلام( ما من عام إلا و الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم ) صحيح الجامع، وهذا في الغالب والعموم فإن ما نراه من واقع مؤلم ومحزن ومؤسف لأمتنا نجد هذه الحقيقة، وقد حذر عليه الصلاة والسلام من خطر يأجوج ومأجوج لما يحصل بهم من فساد وشر كبير ، ويأجوج ومأجوج من بني آدم إلا أنهم يختلفون بالفطرة والخلقة والطبيعة، حيث أخرج الإمام البخاري في صحيحه من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا يقول : ( لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شر ما اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا ) . وحلق بإصبعه وبالتي تليها ، فقالت زينب : فقلت : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : ( نعم ، إذا كثر الخبث ) .

يا ترى ما هي المخاطر التي تنتظرنا والتي هي أشد فتكا من القتل والتعذيب والتضييق والانتهاكات التي تعرضنا لها؟! يمكن تلخيص ما يمكن اعتباره خطرا حقيقيا؛ بضعف الأواصر الاجتماعية وتفسخ الروابط الأسرية وتكسر الوشائج العائلية، بعد التهجير والتشرذم والشتات والتبعثر والتفرق والتجزئة والانشطارات التي حصلت في عوائلنا!!

فلا تكاد تجد عائلة ملتئم شملها في بلد واحد، فأحد أفراد الأسرة في الصحراء ينتظر دولة أجنبية تعطيف عليه وتعيد توطينهم، وثاني في قبرص وثالث في السويد ورابع في سوريا وقريبهم الآخر، أحدهم في البرازيل والآخر في النرويج وثالث في هولندا ورابع في تشيلي، ولو انتقلنا لعائلة أخرى لازال بعض أفرادها في العراق، إلا أنهم يعانون فراق الأهل والأقارب والأحبة الذين وصلوا كندا واستراليا وآيسلندا وأميركا وإيطاليا ونماذج كثيرة دواليك لا يمكن استحضارها بهذه العجال.

الآن معظم العوائل التي تهجرت من العراق منشغلون بالتفكير لمستقل جديد ومرحلة لاحقة، بحثا عن لون آخر ووضع متغير لتلك البيئة والتقاليد البعيدة عما كنا عليه في العراق، فذاك يعاني من رفض قبول لجوئه وعائلته تنتظر في العراق أو سوريا منذ سنوات، وآخر يعاني من صعوبة في التأقلم بالمجتمع الجديد، وثالث ينتظر توصيف قانوني جديد كي يبدأ من الصفر، وهكذا تمضي الأيام وتزداد العقبات وتضيق الخيارات وتنحصر الوجهات.

وإذا كنا نتواصل مع بعضنا البعض عبر الانترنت أو الاتصالات فهذه سوف تضعف شيئا فشيئا لأنه ليس الخبر كالمعاينة ولا من تجتمع به وتلتقيه كالذي تحاكيه عبر تلك الوسائل وبينكم من المسافات تصل إلى آلاف الأميال، فكيف ستنعكس كل تلك المآسي والآهات على مستقبلنا الغامض؟! سؤال يطرح نفسه ونجد الجواب معتبرين من تاريخنا وما حصل لنا عبر تلك العقود وما ترتب على أي أقلية أو مجتمع تشتت بهذه الطريقة الآثمة والظالمة.

إن الأجيال القادمة سوف تذوب بتلك المجتمعات الجديدة التي في أغلبها تفقد روح الحياة الاجتماعية، حتى أنك تجد من يكون بارا بوالديه هناك من يتصل عليهم بالسنة مرة واحدة، وهذا واقع مرير صعب للغاية وفيه من المخاطر ما الله به عليم، ناهيك عن التطبع ولو بشيء من عاداتهم، وأخرطها ضعف التواصل الأسري والتفكك الحاصل في مجتمعاتهم.

إن أقلية لا تتجاوز ( 25000 فلسطيني ) تفرقوا لأكثر من 33 دولة كفيلة الأيام القادمة أن تفرز العديد من الآثار السيئة والنتائج السلبية، في الغالب أجبروا عليها مكرهين لأن ما تعرضوا له فوق الطاقة والتحمل، لكن هل نعي مخاطر المرحلة القادمة على الأقل اجتماعيا؟!! أم أننا سوف نستسلم للواقع الجديد وننخرط بسياقات ثقيلة ليست في الحسبان؟! ناهيك عن قضية أساسية يراد طمسها بل قد تكون مستهدفة بالدرجة الأولى وإبعادنا عن أرضنا فلسطين وقرانا ومقدساتنا المدنسة من قبل اليهود الغاضبين.

أخيرا لابد من التذكير بأنه يجب علينا أن لا ننسلخ عن ديننا أو تقاليدنا وأخلاقنا وتواصلنا الاجتماعي، مهما تباعدت المسافات وتفرقت الأسر والجماعات وضعفت الصلات، فقد حثنا النبي عليه الصلاة والسلام وأجزل الله لنا صلة الأرحام إذ يقول صلى الله عليه وآله وسلم في الرحم(الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعه الله ) رواه مسلم، ويقول كذلك عليه الصلاة والسلام(الرحم حجنة متمسكة بالعرش ، تكلم بلسان ذلق : اللهم صل من وصلني ، واقطع من قطعني ، فيقول الله تبارك وتعالى : أنا الرحمن الرحيم ، إني شققت للرحم من اسمي ، فمن وصلها وصلته ، ومن بتكها بتكته )صحيح الترغيب والترهيب.

ونذكر ونوصي أيضا جميع أهلنا وإخواننا وأحبتنا وعموم المسلمين لا سيما الذين يعانون التهجير والشتات بأن كل ذلك أمر الله عز وجل ( ليقضي الله أمرا كان مفعولا ) ويختبرنا ويبتلينا، فنقول ضيق الرزق ولا ضياع الدين والمبادئ، والصبر على البلاء خير من الجزع في الفتنة، والثبات في المواقف خير من المداهنة والتنازل.

ويجب أن نعلم بأننا لسنا أول من تعرض لكل تلك الابتلاءات والمحن إذ يكفينا أن نتعظ بحديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي أخرجه البخاري عن خباب بن الأرت قال( شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة ، قلنا له : ألا تستنصر لنا ، ألا تدعو الله لنا ؟ قال : ( كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض ، فيجعل فيه ، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين ، وما يصده ذلك عن دينه ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب ، وما يصده ذلك عن دينه ، والله ليتمن هذا الأمر ، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ، لا يخاف إلا الله ، أو الذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون ) .

نسأل الله أن يجمع شملنا ويوحد صفنا ويؤلف قلوبنا، ويعيذنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.
 

أيمن الشعبان
باحث متخصص بشأن الفلسطينيين في العراق
2/1/2010

 

فلسطين والحل
  • مقالات ورسائل
  • حوارات ولقاءات
  • رثاء الشيخ
  • الصفحة الرئيسية
  • فلسطين والحل