اطبع هذه الصفحة


عامل الوقت في التصعيد الصهيوني على قطاع غزة

مجدي داود


منذ أن انتهت الحرب الصهيونية الشعواء على قطاع غزة فى يناير 2009 والجميع يترقب العدوان الصهيونى الجديد على القطاع, تتسرب الأخبار والتحليلات عن قرب تلك حملة الصهيونية ويرافقها أخبار عن تدريبات صهيونية مكثفة وتصريحات من بعض المجرمين الصهاينة هنا وهناك تؤكد فيه أن هذا العدوان وهذا التصعيد قادم لا محالة وفى الأجل القريب ولكن متى هو؟! لم يكن أحد يعلم ذلك.

الكيان الصهيونى يخطط لكل كبيرة وصغيرة, ويعمل على اختيار الوقت المناسب والمكان المناسب والأشخاص المناسبين أيضا للقيام بأية مهمة, خاصة إذا كانت مهمة عسكرية غاية فى الصعوبة كمهمة تصفية المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الحسم العسكري الذي قامت به حركة حماس فى يونيو 2007م والقضاء على حركة حماس ونفوذها وقوتها العسكرية المتصاعدة يوما بعد يوم.

إن اختيار هذا الوقت لبدء التصعيد والهجوم الصهيونى على قطاع غزة هو اختيار دقيق من قبل الحكومة الصهيونية, فهي تحاول استغلال الظروف الراهنة في البلاد العربية في إنهاء مهمتها سريعا كما يتوهمون, ودون أن تلحق بهم خسائر سياسية كبيرة كتلك التي لحقت بهم إبان الحرب الصهيونية السابقة على القطاع التي أدت إلى تدهور العلاقات مع بعض الدول التى كانت تربطها بالكيان الصهيوني مصالح وتحالفات استيراتيجية مهمة خاصة بعض الدول الغربية, ودون أن تخسر نهائيا كما تتوهم أيضا دولا كانت صديقة ولكنها اليوم تسير فى طريق آخر مثل مصر.

الكيان الصهيونى يحاول استغلال الوضع الراهن الى تعيشه مصر فى إنهاء مهمتها, فمصر بعد الثورة ليست كمصر قبلها, ولن تكون مواقف مصر اليوم كموقفها بالأمس القريب حينما ارتكب الكيان الصهيوني جرائمه بحق الفلسطينيين العزل من السلاح, العدو يدرك أن أمام الحكومة المصرية الكثير من الملفات الداخلية الساخنة التى لا تنتظر التأخير وأن هناك عملا دؤوبا تقوم به الحكومة المصرية من أجل تثبيت نتائج الثورة وإكمال تنفيذ أهدافها وذلك تحت ضغط شعبي غير مسبوق في التاريخ المصرى بكامله, كما أن هناك قضايا خارجية ساخنة تخص مستقبل مصر المائي وهو ما يتعلق بالسدود التي تحاول أثيوبيا بنائها لتقليل حصة مصر من مياه نهر النيل وكذلك الدولة المنفصلة حديثا عن السودان والتي من المنتظر أن تعمل على إثارة عدد من القلاقل وأولها مطالبتها بحصة من مياه نهر النيل, وكذلك انشغال الخارجية المصرية بتأمين المواطنين المصريين المغتربين في الدول التى تشهد احتجاجات مسلحة كليبيا وغيرها, بالإضافة إلى عدم وجود حكومة منتخبة وقيام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد وكذلك هناك حديث عن محاولات انقلاب ومسؤولية تأمين الحدود المصرية والوقوف في وجه الثورة المضادة كل هذا يجعل مصر اليوم غير قادرة على اتخاذ موقف قوى تجاه العدوان الصهيونى رغم ما صرح به وزير الخارجية وتحذيره للكيان الصهيونى من القيام بعدوان صهيونى على القطاع.

وفى ذات الوقت تشهد فيه بعض الدول العربية الأخرى مظاهرات وثورات لم تكتمل بعد كليبيا واليمن وأخيرا سوريا, فوسائل الإعلام كلها مهتمة اليوم بمتابعة ما يجرى ويدور فى هذه الدول من تظاهرات وما ترتكبه الأنظمة الحاكمة من جرائم بحق المتظاهرين والمدنيين, وبخاصة الحرب فى ليبيا وما يفعله المجرم معمر القذافى وقواته المرتزقة, وما يرتكبه من جرائم يندى لها جبين الإنسانية خجلا, وتآمر قوات الناتو على الشعب الليبى بعد تخليهم عن دعم الثوار جويا, ورفضهم تسليح هؤلاء الثوار بما يحتاجون من سلاح لمواجهة مرتزقة معمر القذافى وأولاده.

كما أن العدو الصهيونى يترقب الأحداث في سوريا ويريد أن يقضي على المقاومة قبل أن ينجح السوريون فى إسقاط النظام السورى الذى يعمل كحارس لأمن الكيان الصهيونى, ولم يفعل أى شئ من أجل استعادة الجولان المحتلة منذ حوالى أربعة وأربعين عاما


فالعدو الصهيونى يسعى اليوم إلى انتهاز هذه الفرصة السانحة ليفعل ما يشاء وما يحلو له ويرتكب من الجرائم أفظعها فى ظل توجه الأنظار والأذهان إلى مناطق الصراع الأخرى التى سيتم على أساسها تغيير الكثير من خطط الدول الغربية التى كانت تراهن على بقاء أنظمة الحكم الديكتاتورية المستبدة وما كان يتبع ذلك من حماية لمصالح تلك الدول والتى كانت تتعارض مع مصالح الشعوب العربية المقهورة.


يظن العدو الصهيونى أنه سيقضى على المقاومة فى قطاع غزة دون أن يكون هناك اهتمام اعلامى بهذا العمل العدوانى ودون أن يكون هناك فضح لجرائمه بحق الشعب الفلسطينى, ودون أن يدفع ثمنا باهظا للعدوان الغاشم وللجرائم التى يرتكبها ودون أن تشكل لجنة أممية للتحقيق فى جرائمه, خاصة بعد تراجع القاضى اليهودى جولدستون عن تقريره وادعائه أنه تعجل فى هذا التقرير.

فاختيار الوقت المناسب فى الحروب هو أحد أسباب كسب المعركة والقائد الذكى هو الذى يختار الوقت المناسب الذى يعظم من فرص كسب جيشه للمعركة, كاختيار وقت غفلة العدو أو انشغاله بأمور أخرى, أو وقت انشغال أصدقاء هذا العدو وحلفائه بمشاكلهم الخاصة فيصير العدو وحيدا ولا يأتيه العون, أو انشغال الرأى العالمى بأمور وصراعات أخرى أكثر أهمية وتأثيرا فى مجرى الأحداث والتاريخ وهذا ضرورى فى هذا العصر الراهن, ولنا فى التاريخ دوما عبر وعظات, ولا ننسى أن الحرب الصهيونية الأخيرة على قطاع غزة فو نهاية عام 2008 وبداية عام 2009, كان الكيان الصهيونى قد اختار الوقت بعناية حيث نهاية فترة المجرم جورج بوش وبداية عصر باراك أوباما فكان الصهاينة يريدون أن ينجزوا مهمتهم قبل تسلم أوباما منصبه ومهامه وفى نفس الوقت يستكشفوا موقفه من مثل هذه الجرائم التى يرتكبونها.


لهذا من المتوقع أن يستمر العدوان الصهيونى على قطاع غزة فى الفترة المقبلة وسيكون الهجوم الشامل الذى يتحدث عنه الصهاينة حينما تزداد الأوضاع في الدول العربية اشتعالا.


كاتب مصري إسلامي.

"حقوق النشر محفوظة لموقع "قاوم"، ويسمح بالنسخ بشرط ذكر المصدر"



 

فلسطين والحل
  • مقالات ورسائل
  • حوارات ولقاءات
  • رثاء الشيخ
  • الصفحة الرئيسية
  • فلسطين والحل