كلما جرى اغتيال لأحد الكوادر الفلسطينية تتعالى أصوات مذيعي بعض الفضائيات
العربية ، ملقية اللوم على الفلسطينيين ، بدعوى أنهم لا يتخذون أسباب الحيطة
والحذر حفاظاً على أمنهم وسلامتهم .. وتتجه أصابع الاتهام إلى المجتمع
الفلسطيني ملمحة ومصرحة بوجود كم كبير من العملاء والخونة فيه يتسببون في هذه
التصفيات .. وهؤلاء الإعلاميون بعملهم ذلك يجرّمون الضحية المقتول ، ويبرّئون
المجرم القاتل ، إضافة إلى أنهم يصرفون الأنظار عن مسئولية السلطة الفلسطينية
والأنظمة العربية ودورهما الواجب في نصرة وحماية الفلسطينيين .
والحق أن التركيز على موضوعي العملاء
وعدم الحيطة بحاجة إلى أكثر من وقفة :
من جهة فإن هذه الكوادر المستهدفة ،
في كثير منها ، سياسية إعلامية يقتضي دورها الظهور والانكشاف ، وليس الاختباء
والاختفاء .. إذ كيف يختبئ من مهمته رفع الراية واعتلاء المنابر وإمامة الناس
وتقدم الصفوف ؟! .. إن الإمام لا يكون إماماً حتى يكون مكانه ( أمام ) الناس
لا خلفهم .. والقائد الحقيقي هو الذي يكون في الموقع الأمامي المتقدم الأقرب
إلى الخطر ليتجرأ مَن وراءه على التحدي والتضحية ... أما القادة الأقزام
الأدعياء فإنهم يخوضون البحر بغيرهم ، ولا يصعدون إلا على جماجم شعوبهم ..
نعم قد يُطلب من الكوادر عدد من الاحتياطات الأمنية ، ولكنها لن تكون كافية
في مواجهة الصواريخ والطائرات خاصة وأن الفلسطينيين عموماً مكشوفون للنيران
الإسرائيلية ، عدا عن أنهم لا يستطيعون التنقل براً ولا بحراً ولا جواً ، إلا
بتصريح إسرائيلي .
إن الصهاينة باستهدافهم عدداً من الكوادر يريدون تخويف البقية حتى يتنحوا
جانباً ويتركوا دورهم الريادي وتتوقف أو تتراجع من بعدهم المقاومة الشعبية .
أما بخصوص المبالغة في موضوع العمالة ، فيبدو أن هناك من يريد تعميق مشاعر
عدم الثقة في المجتمع الفلسطيني كيلا يفكروا في التعاون معاً على المقاومة
والنضال ، ولترسيخ مشاعر اليأس والإحباط عبر إيهامنا وإقناعنا بأننا لا
نستطيع ، ولا نستحق النصر ما دام ينخر فينا داء العمالة والخيانة ... وكذلك
يبدو أن هناك مَن يريد إضعاف التعاطف والتأييد والدعم الشعبي العربي
للفلسطينيين من خلال تشويه صورتهم وإظهارهم كمجتمع متعفن عميل يقتل قادته
ورواده ، وهو السبب فيما بحل به .
ويبدو لي ، من جانب آخر ، أن العزف على سيمفونية العمالة ، يراد منه جعل
العملاء ( كبش فداء )
والتضحية بهم ، صرفاً للأنظار عن الأكثر خطراً وحفاظاً عليهم ، وإلهاءً للناس
عن رؤية الأسباب الحقيقية وراء ما يجري من قرارات سياسية غير موفقة ، ومواقف
جبانة ذليلة .. لا يشكل خطر العملاء بالنسبة إليها نقطة في بحر ...!! خصوصاً
إذا تذكرنا بأنه منذ شرم الشيخ أواسط التسعينات ، فإن عدداً من الأطراف
العربية والفلسطينية في المنطقة تتعاون أمنياً مع العدو الصهيوني ، وتقدم له
خدمات جليلة ..بحيث يصبح هؤلاء الكبار أولى بالإدانة ... والعقوبة .
إنني شخصياً لا أتصور أن يقف مسئول أمني فلسطيني ، مثلاً ، ويدلي بتصريح عن
اعترافات عميل أو اكتشاف شبكة عملاء للاحتلال ، إذ ما الفرق بين دور العميل
ودور العقيد الذي ينسق ليل نهار مع الاحتلال ؟ وأي الدورين هو الأخطر والأولى
بالإدانة ؟؟
غني عن البيان أن مرض العمالة مما لا يخلو منه شعب على اختلاف الزمان والمكان
، وقد رجع ابن أبي بثلث جيش الرسول عليه السلام في أحد ، وكان للصهاينة ذات
يوم ، (جيش ) من العملاء في لبنان عدا العملاء المستورين ، وكان لهم دور قذر
وخطير في حرب المقاومة وحماية الاحتلال ...ولكن هل منع وجود العملاء نصر الله
للمجاهدين و الشعب اللبناني البطل عندما صبروا وصابروا وجاهدوا وتوكلوا على
الله تعالى ... إن هدي المصطفى عليه السلام يؤكد لنا أنه لن يضيرنا ولن يطيل
في عمر الصهاينة ، دعم الأمريكان وتخاذل العربان وتآمر الخونة وتعاون العملاء
وخذلان الأشقاء ، رفعت الأقلام وجفت الصحف ... والله غالب على أمره .