ذكروا أن رجلا أراد الحج ، وكان عنده فرس على وشك أن تضع ... ولم يجد بداً من
أ ن يتركها أمانة عند أحد معارفه موصياً إياه خيرا ً بالفرس وما في بطنها ..
الذي يتوقع أن يخرج الى النور قبل عودة الحجاج إلى ديارهم
ولما رجع الحاج ..واستراح من سفره .. وهدأت حركة الزوار والمهنئين .. انطلق
إلى صاحبه الذي رحب به .. ثم أحضر له الفرس وبرفقتها عجل صغير !! وتعجب الحاج
سائلاً إياه لماذا أحضر له عجلاً ؟! فأجاب : هذا ما ولدته فرسك . فقال
مستهجناً : وهل تلد الخيل عجولاً ؟!
فأكد له صاحبه أن هذا ما حصل .. وأنه لو أراد خيانته ، لا سمح الله ،لقال له
بأن المولود قد مات ولأخفى عنه هذا العجل .
وبعد أخذ ورد ، وجدال وصراخ ، جاء من ينصحهما بالذهاب إلى أحد قضاة الأعراب
في البادية .. وهناك أدلى كل منهما بحجته وقص قصته .
فتوجه القاضي بكلامه إلى صاحب الفرس قائلاً ، باللهجة البدوية ، ( يا ولدي
إذا كان الحيل يوازي الحيل .. الخيل تجيب الخيل ،وإذا الحيل ما يوازي الحيل
.. الفرس تجيب عجيل ) .
باختصار ، يقول له القاضي أنه إذا كانت لديك القوة والحيل / الحول ، الكافيان
لمواجهة هذا الجشع الأفاك ، فسوف تأخذ حقك وتسترد مهرك .. وأما إذا كنت
ضعيفاً لا حول لك ولا قوة ، فليس أمامك إلا قبول العجل الذي يعرضه عليك ..
إلا إذا قررت العمل على امتلاك القوة.
من الواضح أن كلام هذا القاضي هو قانون لا بد أن يحفظه القادة والسياسيون ..
بل وعموم الناس .
إن مشكلتنا مع
الصهاينة والغرب ، ليست مشكلة " الشرعية الدولية " ولا قرارات الأمم المتحدة
.. ولا من هو الأحق بالقدس وفلسطين .. ولن تجدي نفعاً كل الحقائق والوثائق
التاريخية ..ولا الحجج الدامغة ولا البلاغة وفنون الكلام.. إذ إن أعداءنا حين
اغتصبوا فلسطين لم يكن منطلقهم ومعتمدهم الحجج والبراهين .. بل إنهم فعلوا ما
فعلوا واغتصبوا ما اغتصبوا بمنطق القوة لا بقوة المنطق .. ومن عجب أن
قياداتنا حين دخلوا في مدريد والدهاليز اللاحقة عقب الهزيمة المرة في حرب
الخليج الثانية ، فعلوا ذلك وهم أضعف ما يكونون أمام الأمريكان والصهاينة ،
وكان طبيعياً أن يكون الحصاد الشوك والعلقم ..إذ إن أحداً لن يحقق بالمفاوضات
إلا ما يمكن أن يحققه بقوته إذا خاض الحرب ، حيث إن ميزان القوى هو الذي يحدد
الرابح من الخاسر ، ليس فقط في الحروب وإنما في المفاوضات أيضاً.
ومن عجب أيضاً ، أن قياداتنا موهوبة في تضييع بل ومحاربة عناصر القوة في
أمتنا ، وهي تظن أنها كلما فعلت ذلك تفضل الأعداء عليهم وردوا لهم الحقوق ،
ومنهم الذين يعتقدون بأنهم يستطيعون الحصول على مزيد من المكاسب السياسية
والانتصارات ، كلما قدموا القرابين والدماء من شعوبهم إرضاء للغاصبين .. مع
أن طريق النصر ، في الواقع ، مرتبطة بما يجري من دماء في الأعداء .
الحكاية الشعبية السابقة ، تذكرنا بما درج على قوله عدد من القادة الصهاينة
منذ بدايات انتفاضة الأقصى الجارية ،على لسان رئيس الوزراء السابق باراك ومن
بعده ، بأن الرئيس الفلسطيني لم يعد " شريكا" مناسباً في عملية السلام ؟!
والسؤال الذي يطرح نفسه هل كان الصهاينة في الواقع يبحثون عن " شركاء لعملية
السلام" .. وهل دخل القادة الفلسطينيون السلام بوصفهم شركاء على قدم المساواة
مع الطرف الآخر ..؟
أم أن الصهاينة قد أرادوا خدماً أو عبيداً وشعارهم : لا تشتر العبد إلا
والعصا معه ؟.
لقد أراد الصهاينة من القيادة الفلسطينية ، فيما يبدو ، أن تحمل عنهم عبء
إدارة شئون الفلسطينيين ، وشيئاً من العبء الأمني ،عبر التنسيق الأمني للقضاء
على المقاومة، فلما أخفقت السلطة في أداء الدور كان العقاب الإسرائيلي شديداً
وساحقاً ، لدرجة مدهشة ، لا يمكن أن تجري بين الشركاء .. بل هي أشبه ما تكون
بالشرط الجزائي أو العقوبة التي توقع على المخالف أو المجرم .
لقد كانت أعمال المقاومة وبالذات العمليات الاستشهادية تسقط حكومات وتأتي
بأخرى لأنها لم تحقق الأمن للمجتمع الصهيوني ،فلما جاءت السلطة وجد فيها
القادة الصهاينة مشجباً يعلقون عليه إخفاقاتهم .. وجعلوا منها كبش فداء يضحون
به أمام "شعبهم " ، فضلاً عن أنهم وجدوا في السلطة ما يتذرعون به أمام
العالم.. إذا ما قصفوا ودمروا واجتاحوا واقترفوا الجرائم والمجازر ،بحجة أنهم
يدافعون عن أمنهم ضد "جيش ودولة" ... وليسوا يعتدون على على شعب أعزل تحت
الاحتلال !!
وبعد ، فهل أدرك القادة العرب والفلسطينيون خطأ ما وقعوا وأوقعونا فيه عندما
خاضوا غمار السلام وهم ضعفاء .. ثم وهم يرسخون فينا عوامل الضعف ، ويعملون
على استئصال عناصر القوة والعزة؟