تعتبر مدينة القدس المباركة جزءاً من عقيدة المسلمين ، فمسجدها الأقصى
المبارك محور معجزة الإسراء والمعراج ؛ إليه انتهى الإسراء ومنه بدأ
المعراج إلى السماوات العُلا ؛ وفيه صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
إماماً بالأنبياء والرسل جميعاً . قال تعالى "
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ
آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " الإسراء1 فتحها
الفاروق عمر دون أن تراق فيها قطرة دم ، ووقَّع مع بطريرقها صفرونيوس وثيقة
الأمن والسلام " العهدة العمرية " التي نسير على هداها حتى الآن . وروى
الصحابة والتابعون والمجاهدون الأخيار ثراها بدمائهم الزكية ، وحررها
الناصر صلاح الدين من الصليبيين . إن قدسية هذه المدينة ومكانة المسجد
الأقصى المبارك العقائدية لدى المسلمين جميعاً جعلتها مطمعاً للغزاة ، لكن
الاحتلال الإسرائيلي لها ولأرض فلسطين كان أبشع صور غزوها على مر التاريخ ،
فقد دنس المقدسات وانتهك الحرمات وحاك ضدها مؤامرات لا تخفى على أحد .
فقد أعلنت الجماعات اليهودية اليمينية المتطرفة مؤخراً أنها تنوي اقتحام
المسجد الأقصى المبارك في العاشر من الشهر الحالي ، وسبق أن كشف وزير الأمن
الداخلي الإسرائيلي النقاب عن تخطيط هذه الجماعات لقصف المسجد الأقصى
المبارك بطائرة محملة بالمتفجرات ؛ أو لارتكاب مجزرة جديدة ضد المصلين فيه
، كما سبق أن كشف الشاباك والشين بيت جهاز الأمن العام الإسرائيلي قبل فترة
أن تلك المخططات جدّيّة بنسبة 70%.
إن هذه المخططات لم تكن الأولى ضد المسجد الأقصى ولن تكون الأخيرة ، فمنذ
زمن بعيد بيّت اليهود النوايا للنيل من القدس ومقدساتها وبالأخص المسجد
الأقصى المبارك ، وتعددت محاولاتهم في ذلك وتواصلت ، فقد أصدرت سلطات
الاحتلال القوانين والأنظمة لضمها إلى الكيان الصهيوني رغم أنها مدينة
محتلة لا يجوز ضمها ؛ مخالفة بذلك القانون الدولي والمعاهدات والاتفاقيات
الدولية خاصة اتفاقية جنيف الرابعة . واتخذت الإجراءات لطمس معالمها
الحضارية العربية والإسلامية بهدم بيوتها ومصادرة أراضيها ، ففي 11/6/67
هدمت حارة المغاربة بكل مبانيها ومساجدها الأثرية لتوسيع ساحة البراق التي
يصلون فيها ، وهدمت أيضاً حارة الشرف بكاملها في 18/4/68 والمكونة من 1034
منزلاً و425 متجراً و6 مساجد وعدد من المدارس ، وأقامت مكانها حياً لليهود
. وواصلت محاولاتها لإحداث خلل ديمغرافي فيها لصالح اليهود ؛ وأخيراً ببناء
جدار الفصل العنصري لعزلها عن المدن والتجمعات السكانية الفلسطينية ومنع
المصلين من الوصول إلى مسجدها .
ومع أن العالم قد أجمع بقرارات دولية على عدم شرعية أو قانونية ما تقوم به
حكومة إسرائيل ؛ إلا أنها ماضية في تهويد المدينة المقدسة ومواصلة الحفريات
تحت أساسات المسجد الأقصى بهدف تعريضه للانهيار تلقائياً ؛ رغم أن علماء
الآثار اليهود قد اعترفوا بعدم العثور على أي أثر لهيكلهم المزعوم ؛ إلا
أنهم أكدوا أن استمرار الحفريات يستهدف بنيان المسجد الأقصى المبارك وهدمه
لإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه .
وأذكر بعض اعتداءات الجماعات الدينية المتطرفة وبدعم من سلطات الاحتلال على
سبيل المثال لا الحصر ؛ لكشف ما يدبرون ضد المسجد الأقصى لعله يستبين لكل
صاحب ضمير حي أن المسجد الأقصى في خطر ؛ مما يوجب على الأمة بكاملها القيام
بمسؤولياتها في الدفاع عنه .
ففي 16/7/48 قصفت القوات الإسرائيلية المسجد
الأقصى وساحاته بخمس وخمسين قنبلة ، وفي 6/6/67
قصفته بمدافع الهاون . أما الجريمة الكبرى فكانت في21/8/1969
حيث أقدم السائح اليهودي المجرم مايكل دينيس على إحراق منبر صلاح
الدين وجزء كبير من المسجد الأقصى ، بسبب إعاقة سلطات الاحتلال لعمليات
الإطفاء والتباطؤ في تقديم أية تسهيلات لإخمادها .
أما مخططات نسف المسجد الأقصى فهي كثيرة أعيد التذكير ببعضها ؛
ففي 21/5/1980 ألقي القبض على مجموعة كانت
تنوي نسف المسجد الأقصى واكتشف بحوزتها كميات كبيرة من المتفجرات لتنفيذ
الجريمة . وفي 8/4/1982 اكتشف حراس المسجد
الأقصى طرداً مشبوهاً يحتوي على متفجرات موقوتة . وفي يوم الجمعة
2/3/1983 اكتشف حراس المسجد الأقصى طرداً
مشبوهاً يحتوي على 3 كيلوغرام من المتفجرات . وفي
25/7/1982 خطط أحد قادة حركة كاخ لنسف المسجد الأقصى . وحاولت
مجموعة من اليهود في 26/1/1984 الدخول إلى
المسجد الأقصى حاملين 3 قنابل يدوية و6 حقائب من المتفجرات في محاولة لنسف
المسجد ، وعثر في 27/1/1984 على 18 قنبلة
يدوية و 10 كيلوغرام من المتفجرات قرب السور الشرقي للمسجد ، وعلى 3 قنابل
مخبأة في قطعة قماش عند باب الأسباط في30/1/1984
. ومن المحاولات المسلحة لاقتحام المسجد الأقصى محاولة مجموعة مسلحة
اقتحام المسجد الأقصى في 2/3/1982 ، وفي
17/10/ 1986 أقلع طيار من سلاح الجو
الإسرائيلي بطائرته المزودة بالصواريخ مستهدفاً المسجد الأقصى ، لكن أوقفته
طائرات من سلاح الجو .
وارتكبت فيه كثير من المجازر ؛ ففي 11/4/1982
اقتحم الجندي الإسرائيلي من أصل أمريكي هاري جولدمان مسجد قبة الصخرة وأطلق
النار بشكل عشوائي فاستشهد اثنان من المواطنين وجرح ستون ، وبعد اعتقال
لفترة قصيرة أفرجت عنه السلطات الإسرائيلية ، وفي
8/10/1990 ارتكبت القوات الإسرائيلية مجزرة فظيعة في المسجد الأقصى
حيث استشهد فيها 23 وجرح 85 أثناء تصديهم لمحاولة وضع حجر الأساس للهيكل
المزعوم . وفي 24/9/1996 أمر رئيس حكومة
إسرائيل آنذاك بنيامين نتانياهو بحفر نفق تحت المسجد الأقصى ؛ فهب أهل
فلسطين في انتفاضة استشهد فيها العشرات منهم وجرح المئات ، فاضطره ذلك إلى
إغلاق النفق المذكور . وفي تحد لمشاعر المسلمين قام المجرم شارون بتدنيس
المسجد الأقصى في 28/9/2000 ؛ فثار أهل
فلسطين في انتفاضة شاملة ما زالت مشتعلة حتى اليوم سقط فيها آلاف الشهداء
وعشرات الآلاف من الجرحى الذين نذروا أرواحهم دفاعاً عن المسجد الأقصى .
ولا تزال الاعتداءات متواصلة ففي 15/2/2004
انهار الطريق التاريخي المؤدي إلى باب المغاربة بسبب الحفريات الإسرائيلية
تحت هذا الطريق ، وفي27/2/2004 اقتحمت قوات
الجيش الإسرائيلي ساحات المسجد الأقصى بعد صلاة الجمعة مما أدى إلى إصابة
65 من المصلين بجراح . وفي 4/7/2004 انبعث من
مسجد البراق دخان في ساحات المسجد الأقصى المبارك ناتج عن حريق متعمد في
الأنفاق التي تم حفرها تحته ، وهذا مؤشر خطير على إمكانية استغلال الأنفاق
لإدخال المتفجرات بهدف نسف المسجد الأقصى أو ارتكاب أي مذبحة أخرى ضد
المصلين فيه .
إننا نحمّل حكومة إسرائيل المسؤولية الكاملة عن أي مساس بالمسجد الأقصى
المبارك ، فهي تعرف هذه الجماعات وأعضاءها وتستطيع اعتقالهم ومنعهم من
القيام بجريمتهم التي إذا ما وقعت فستضع المنطقة بأسرها على فوهة بركان ،
لأن المسلمين لا يمكن أن يقفوا مكتوفي الأيدي إذا أصاب مسجدهم الأقصى
المبارك أي مكروه . ونناشد المجتمع الدولي ومنظماته العالمية والإقليمية
منع كارثة قد تحل بالمنطقة ، أسوة بالقضايا الأخرى التي تسترعي اهتمامها
وتصدر فيها قرارات ملزمة . ونوجه نداء إلى القيادات والحكومات والشعوب
العربية والإسلامية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ولجنة القدس بالتحرك على وجه
السرعة لحماية المسجد الأقصى المبارك ، رمز عقيدتهم وعزتهم وكرامتهم من
الأخطار التي تداهمه قبل فوات الأوان قال تعالى " وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ
فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ " الأنفال 72 . أما أبناء شعبنا
الفلسطيني في القدس وفي كافة المواقع فندعوهم أن يشدوا الرحال إلى المسجد
الأقصى المبارك للصلاة فيه ، ولإفشال كل المخططات الصهيونية المتربصة به
وللدفاع عنه وافتدائه بالمهج والأرواح ، قال تعالى " وَاللَّهُ غَالِبٌ
عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ " يوسف 21.