الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين،
نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فأكتب هذه الكلمات تبرئة للذمة، فقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم
ليبيّننّه، ولئن لم يبين العلماء وطلاب العلم عند نزول الملمة، فمن الذي ينصح
الأمة؟ ومن الذي يوجه العامة؟ ومن الذي يواسي الشعوب المكلومة؟ أينطق
بقضاياها كل رويبضة؟ أيقودها لحتفها كل منافق؟ أيواسيها كل عدوٍ مُمَازق؟ لا
والله (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للناس ولا تكتمونه
فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون).
إن ما يعيشه إخوتنا في بيت المقدس وما حوله من أراضٍ بارك الله فيها أمر
تتفطّر له القلوبُ والأكباد
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر *** فليس لعينٍ لم يفض ماؤها عذر
إخواننا هناك مابين قتيلٍ وأسير، ونساؤهم مابين أرملةٍ وثكلى، وأبناؤهم مابين
يتيم ٍومفجوع بوالدة، وفي كل بيت بكاء أو دماء أو أشلاء، يسومهم أخابث الناس
وأراذل القوم سوء العذاب:
ولـــــو أني بلـــيـت بهاشـمي *** خـــــؤولته بنو عبد المدان
صـــبرت على عـداوته ولكن *** تعالي وانظري بمن ابتلاني
بمَنْ ضربتْ عليهم الذلة والمسكنة إلاّ بحبل من الله وحبل من الناس، وباءوا
بغضب من الله.
فسبحان من جعل الأيام دولاً، بالأمس الغابر يسوم فراعنةُ العصر الأول اليهودَ
سوء العذاب، واليوم يسوم اليهودُ إخواننا كل خطة خسف، فرحماك ربي رحماك.
وبالرغم من عظم المصاب إلاّ أن في ذلك إشارة لبشارة (وتلك الأيام نداولها بين
الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لايحب الظالمين ~
وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ~ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا
يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين)، لا والله فالابتلاء سنة قائمة
لعباد الله المؤمنين(أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ~
ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين)، في
عصر النبوة وفي أرض المدينة (هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً
شديداً)حتى قال بعض المنافقين: كيف يعدنا كنوز كسرى وقيصر ولا يستطيع أحدنا
أن يقضي حاجته؟ (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله
ورسوله إلاّ غروراً)ويقول منافقوا اليوم ما قاله الأولون: كيف ينطق الحجر
والشجر، كونوا واقعيين، لابد من التطبيع فلا قبل لكم بيهود وحِلفها أمريكا
(كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم
يوقنون).
- إخوة الإسلام: إن من فوائد هذه الأزمة معرفة حال الأمة وما يمكن أن يعول
عليه لحل قضيتها، كما أنها عرّتْ من تستّر بالشعارات والعبارات رغم فصول
التمثيل والتدليس التي يمارسها الإعلام.
- يا أهل أرض الإسراء، لقد غدا قول ربنا: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى
حتى تتبع ملتهم)آية عيانية مرئية، فلم يرضَ اليهودُ عن قوميةٍ عربية، ولا
اشتراكية بعثية أو شيوعية، فاحسموا خياركم الذي من أجله تقاتلون، ولتنحّوا
الرايات العُمِّية والعلمانية فلطالما خذلتكم "ومن قاتل تحت راية عميةّ يغضب
لعصبية أو يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية فقتل، فقِتْلَةٌ جاهلية" [صحيح
مسلم]، وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل غضباً ويقاتل حمية ويقاتل
للمغنم ويقاتل للذكر ويقاتل ليرى مكانه ويقاتل شجاعة ويقاتل رياء، فأي ذلك في
سبيل الله، قال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" [صحيح
البخاري]. وقد بدا أن من أهل العلمنة عملاء ما فتئوا يسلمون المجاهدين من
أبنائكم لعدوكم، وأن دعاة القومية والاشتراكية حَدُّ دعواهم الفرجة والتنديد
أما وظيفتهم فحماية اليهود وحراسة الحدود، وأمثال هؤلاء (لو خرجوا فيكم ما
زادوكم إلاّ خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سمّاعون لهم والله
عليم بالظالمين)وإن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم.
- إخوة الدين والعقيدة اعلموا أن الكفر ملة واحدة، وصدق الله (إن يثقفوكم
يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون)،
فهاهو ذا الغرب النصراني ينظر ويتفرج، وربما استنكرت ألوف تضيع في خضم
الملايين من المتفرجين، وقد علمنا أن تلك الدول تنـزل على رغبات شعوبها، فلا
تصيبنكم الكلمات والبيانات بالتخدير، فما أُريدَ بها إلاّ التخذيلُ أو ليلهث
الناس خلف سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، ومما يدل على ذلك أن أقل القليل ألا
وهو التلويح بسلاح المقاطعة الاقتصادي خيار بعيد عند الغربيين، وهل عزَّ
اليهودُ إلاّ بحبل من هؤلاء وأعوانهم؟
- يا أهل فلسطين لا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، واعلموا
أنّ "مَنْ قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون
دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد"، وإنما النصر مع الصبر (يا أيها
الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم لعلكم تفلحون)وإن
يمسسكم قرحٌ فإن عمليات المجاهدين الفدائية أصابت القومَ بقروح، وإن تكونوا
تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون، وإن ما يقذفه
جهادُكم من رعب في قلوب اليهود يدل على أنكم ماضون في الطريق الصحيح الذي
أشار إليه الصادق المصدوق بقوله: "تقاتلون" أو "تقاتلكم يهود فتسلطون عليهم".
والشر إن تلقه بالخير ضقت به *** ذرعاً وإن تلقه بالشر ينــــحسم
فامضوا على درب الجهاد فإن الله ناصركم، والله يكلؤكم، وما أصابكم:
فذلك في ذات الإلــــه وإن يشأ *** يباركْ على أوصالِ شلوٍ ممزع
- يا أهل الأرض المقدسة التي كتب الله لكم كما قال: (ولقد كتبنا في الزبور من
بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)ثقوا في موعود الله لكم "تقاتلكم
اليهود، فتسلطون عليهم ثم يقول الحجر: يا مسلم، هذا يهودي ورائي فاقتله"[صحيح
البخاري]، ولا تستبطئوا النصر فقد كان من كان قبلكم يجاء بالمنشار فيوضع على
رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد من دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن
دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف، وأن
الري الأعظم في شرب كؤوس الحتوف، (وكأين من نبي قاتل معه ربّيون كثير فما
وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ~
وما كان قولهم إلاّ أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت
أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ~ فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب
الآخرة والله يحب المحسنين)(قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم
عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين)(فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا
أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما مناً بعد وإما فداءً حتى تضع الحرب أوزارها ذلك
ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله
فلن يضل أعمالهم ~ سيهديهم ويصلح بالهم ~ ويدخلهم الجنة عرّفها لهم)
* أيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، يا من حيل بينكم وبين ما تشتهون،
لئِنْ سُدَّ بابٌ لنصرةِ إخوانكم فقد شُرِّعت أبواب، فقد بدا المخلصون وانكشف
العملاء والبطّالون، فاعملوا على دعم الطيبين من أبناء ذلك البلد في كافة
المجالات المادية والتقنية العسكرية، فهم أعرف الناس بها، وأهل مكة أدرى
بشعابها، ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلّة.
* إخوةَ الإسلام لن تعدم الأمّةُ أمَةٌ من إماء الله الصالحات و عبد من عبيد
الله الطيبين تجاب دعوتهم لأمّة مستضعفة مظلومة، فاجتهدوا في الدعاء
لإخوانكم، وضجّوا به في الصلوات، وأيقنوا بأن نصر الله آت.
* أيها المسلمون اعلموا أنه لا عهد لمن ينقض العهد في كل يوم مرات، (الذين
عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون فإما تثقفنهم في الحرب
فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون ~ وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على
سواء إن الله لا يحب الخائنين)وفي صنع اليهود هذا ردٌّ على كل من قدّم مبادرة
استسلام وجواب بليغ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، كما أن التطبيع
مع اليهود إقرارٌ لهم على احتلالهم الأرض والمقدسات، ووضعٌ للجهاد، وبونٌ
واسع وفرقٌ شاسع بين صلحٍ يضع الحربَ إلى أجل أو غاية، وبين التنازل عن أرض
الإسلام، وأي أرض! إرضاءً للغرب، وفراراً من أرض المعركة، وخذلاناً
للمجاهدين.
* معاشرَ المسلمين هيئوا أنفسكم بالعلم والعمل، وأعدوا ما استطعتم من قوة،
فإن دعى داعي الجهاد كنتم رجاله، وإن دُهمتم كنتم أجبرَ الناس عند مصيبة
وأحلمهم عند فتنة، واعلموا أن من واجبكم أن توحدوا صفوفكم على كلمة سواء
ليرتفع وصف الغثاء، (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع
الصابرين).
وختاماً: أذكّر قادة الدول الإسلامية بأنّ نصرةَ إخواننا في فلسطين واجب شرعي
(وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر) واعلموا أن أطماع اليهود بعيدة، يجب
ألا يغفلَ عنها عاقلٌ يرقب ما يفعلونه بإخواننا:
أتهويـمَةٌ في ظـــلِّ أمـنٍ وغبطة *** وعيـشٍ كنـــــوار الخميلةِ ناعمِ!
و إخوانكم بالشـــام يُضْحِي مَقِيلهم *** ظهور المَذَاكِي أو بطون
القَشَاعِمِ
وكيـــــف تنامُ العينُ ملئَ جُفُـونها *** على هفــــواتٍ أيقظت كلَّ نائمِ؟
وتلك حُروبٌ من يَغب عن غِمَارِها *** ليســــــــلم يقرعُ بَعدها سِنَّ
نـادمِ
سُلِلْنَ بأيـــــدي المشركين قواضـباً ***ستـغمدُ منهم في الكُلى
والجَمَاجِمِ
أسأل الله أن يصلح حال المسلمين وأن ينصر إخواننا المجاهدين، وأن يعلي راية
الدين، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين(ولاتهنوا ولا تحزنوا وأنتم
الأعلون إن كنتم مؤمنين).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،