اطبع هذه الصفحة


معالم مضيئة في الحج

عبدالرحمن اليحيا التركي

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحج عبادة عظيمة جعل الله فيها من الاسرار والحكم والفضائل مالا يخطر للعبد على بال فكل فضيلة فيه خير من الدنيا وما فيها فقد جمع الله لنا فيه فضيلة الزمان عشر ذي الحجة وفضيلة المكان الحرم فله اكثر من ثلاثة عشر خصيصة وفضيلة العبادة ( ليشهدوا منافع لهم) منافع دينية ودنيوية فمنها الصلاة في الحرم والطواف والدعاء فالحج سبب لمغفرة الذنوب ففي البخاري (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه ) كم اقترفت من ذنوب وكم وقعت في معاصي وكم نظرت من حرام وسمعت وقد يكون الواحد بلغ من العمر تسعين عاما فقد ورد عند احمد وابن ابي حاتم عن عمرو بن عبسبة قال جاء شيخ كبير يدعم على عصا له فقال يارسول الله رجل عمل الذنوب كلها فلم يدع حاجة ولا داجة وله غدرات وفجرات فهل يغفرها الله لي فقال اسلمت فقال اما انا فاني اشهد الا اله الا الله وحده لاشريك له وان محمدا رسول الله فقال نعم افعل الخيرات واترك المنكرات يجعلها الله لك خيرات فقال وغدراتي وفجرات فقال وغدراتك وفجراتك فولى الرجل وهو يهلل ويكبر )

والحج سبب لنفي الفقر ( تابعوا بين الحج والعمرة فانهما ينفيان الفقر والذنوب ) والحج سبب للعتق من النار ففي الحديث ( ما من يوم اكثر من ان يعتق الله فيه عبيدا من النار من يوم عرفة ) رواه احمد وهوسبب لدخول الجنة ففي البخاري ( الحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة )فاذا تصورنا هذه الفضائل فما هي الدروس المستفادة من الحج
اولا ان من مقاصد الحج تعظيم شعائر الله ( ذلك من يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب ) والشعائر هي الاوامر والنواهي وايضا الاماكن كمشعر عرفات ومنى ومزدلفة فهذه الاماكن يطلق عليها المشاعر المقدسة
ولا تكتمل عبودية عبد حتى يعظم شعائر الله وشعائرة اوامره ونواهيه ليعلم الله من يمتثل ومن لايمتثل فهذا نبي الله ادم امره الله ان يسكن الجنة ولا ياكل من شجرة واحده فقط ( فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة )(فوسوس لهما الشيطان ) ( وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين ) فامتحنه الله بالنهي فعصى ادم ربه فغوى كما في صدر سورة الاعراف فامتحنه الله ليعلم الله هل يمتثل ام لا
وامتحن الله نبينا بالتوجه الى بيت المقدس ( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه 9 ) ثم نزل ( قد نعلم تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاه فول وجهك شطر المسجد الحرام ) ثم بين الله ذلك ليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه رجل يقول الى متى انا اذهب اصلي قلنا له هذا امتحان لعبوديتك لان اول من يجنى ثمرة الذهاب الى المسجد هو المصلي فالله لاينتفع بطاعة الطائع ولا يتضرربمعصية العاصي ( لن تبلغوا نفعي فتنفعوني ولن تبلغوا ضري فتضروني ) ولذلك ترى من الحجاج من يرمى الجمار وهو يضحك وقد يشرب الدخان خصوصا اذا رمى بالليل وخفت الزحام والاخر يرمي وهو يبكي ومنهم من يسعى وهى يستشعر عظمة الله ومنهم من يسعى كانه في مضمار سباق القضية في استشعار عظمة الله عند الاتيان بهذه الاوامر والنواهي فهي امتحان للعباد ليرى الله من يمتثل ومن لا يمتثل
فعندنا آمر وعندنا أمر فاذا عظمنا ألآمر عظمنا الامر واذا استخفينا بالآمر لم نعظم الامر ومرد الامر كله ليعلم الله من يخافه بالغيب فقد ورد في سورة الحج ايتين ( ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له ) ( ذلك ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب ولذلك اخبرنا الله ) لن ينال الله لحوما ولا دماءها ولكن يناله التقوى منكم ) أي الاخلاص ووقف عمر في الحج عند الحجرالاسود فقال ( والله اني لأعلم انك حجر لاتنفع ولاتضر ولولا اني رايت الرسول يقبلك ما قبلتك ) يعنى نحن رهن الاشارة عند الامر لكن اين هذا ممن يقبل حجارة البيت ويتعلق بالاستار ويظنها تنفعه ويعتقد بركتها مع انها لاتنفع ولا تضر قالنافع هو الله والضار هو الله وقد امرنا الله فقال ( فاستقم كما امرت ) نعم حرمة البيت عظيمة لكن نعظمها كما امرنا الله نبينا محمد قال لنا ( خذوا عني مناسككم ) فلانزيد ولا ننقص في المناسك فنتقيد بالسنن بقدر الاستطاعة والحرص على الزمان والمكان والافضل منها في المشاعر )

2- ومن الدروس في قوله ( الا تشرك بي شيئا وطهر بيتي ) الطهارة في الشرع تاتي على معنيين طهارة معنوية وهي طهارة القلب من الشرك ومن البدع ومن النفاق ومن الغل والبغضاء والحسد لعباد الله المؤمنين فهي اهم من طهارة البدن الحسية بل لايمكن ان تقوم طهارة البدن مع وجود الشرك ( انما المشركون نجس ) فتطهير الحرم والمشاعر المقدسة من الشرك والمعاصي ومن المتبرجات اعظم من التطهير الحسي بمواد النظافة ونوحها فهذا المتوضيء حينما ينتهي من الوضوء يقول اشهد الااله الا الله وحده لاشريك له وان محمدال عبده ورسوله ) حتى يجمع بين الطهارتين لكن اذا تطهر بالبدن ولم يتطهر القلب من الشرك والمعاصي فلا فائدة من الطهارة الحسية فاهم شيء في الحج الطهارة من الشرك فلا تصرف حق الله لغير الله فلا تعلق قلبك باحد غير الله فذا سالت اسال الله واذا استعنت استعن بالله واذا حلفت فاحلف بالله

3- ومن الدروس ذكر الله فقد وردت كلمة الذكر في ايات الحج بصورة ملفتة للنظر ( ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله ) ( واذكروا اسم الله في ايام معدودات ) ( فاذكروا الله عند المشعر الحرام ) ( فاذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله ) فكان اسعد الناس في الحج اكثرهم ذكرا لله وفي الحديث عند احمد ( أي الحجاج اعظم اجرا عند الله قال اكثرهم ذكرا لله ) وافضل الذكر التلبية فهي شعار الحج وشعار عشر ذي الحجة الذكر وسئل رسول الله عن افضل الحج فقال العج والثج والعج التلبية والثج النحر واعظم الناس اجرا في التلبية من اكثر منها واستشعر معانيها اذا نطق بها لامن يرددها بطريقة الاناشيد فحينما تعلن التلبيه فانت تعترف باعظم الحقوق لله من التوحيد والاخلاص فلا يكفي انك تثبت لله الحمد والنعمة والملك حتى تنفي الشريك ويقولها الحجاج وهو ينتقل من مشعر الى مشعراو من الميقات الى الحرام تنقطع في العمرة عند الشروع في الطواف وفي الحج عند رمي جمرة العقبة)

3- ومن الدروس في الحج استشعار نعمة الله عليك بالحج فقد لايحس الحاج بنعمة الله عليه وقد لايعرف قيمة هذه النعمة الا اناس يشاهدون الحجاج يلبون فيحس غيرك بنعمة الله عليك ايها الحاج وانت لاتشعر ان المريض هو من يحس بما الصحيح فيه من العافية فاكثر من الحمد والشكر على بلوغ بيت الله وتوفيقك لحج بيته الحرام

4- ومن الدروس ان من الحجاج من يحج وغرضه الدنيا ففي الاثر تحج فقرائهم تسولا واغنياءهم تجارة ومنهم من يحج ليسرق ومنهم من يحج رياء وسمعة لان الحج يدخل فيه الرياء بشكل عجيب ( اللهم اجعلها حجة لارياء فيها وسمعة ) فمنهم الحجاج من هجرته الى الله ومنهم من هجرته لدنيا يصيبها رجل يعلن في الجريدة على حج الافراد ثلاثة الاف والقران اربعة والتمتع خمسة

5- ومن الدروس عفة الجوارح فيسلم الحجاج من لسانه ويده ومع الاسف ترى من الحجاج من يلعن ومن يسب ومن يطلق زوجته وهو يطوف فقد سئل رسول الله عن بر الحج فقال اطعام الطعام وافشاء السلام وطيب الكلام ) فاطعام الطعام كرم يد وافشاء السلام كرم نفس فهو سليم القلب طليق الوجه وطيب الكلام فلا يسب ولا يلعن ) لان من العباد من يؤدي حق الله ويقصر في حقوق العباد لذلك اشار نبينا الى ان أكمل المؤمنين ايمانا احسنهم خلقا وقال ايضا ان الرجل ليبلغ بحسن الخلق درجة الصائم القائم ) فكيف عرف العلماء حسن الخلق فقالوا كف الاذى وبذل الندى واحتمال الاذى وهو هيئة راسخة تصدر من الشخص بدون فكر ولا روية ففي الحديث عن ابي يعلى( من قضى نسكه وسلم المسلمون من لسانه ويده غفر له)

6- ومنهم من غرضة الاخرة ( ربنا اتنا في الدنيا حسنةوفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار ) راى رسول الله رجلا كالفرخ فقال ما الذي بلغ بك ما ارى فقال دعوة دعوت الله بها فقال فما هي فقال قلت اللهم ما كنت معذبي به في الاخرة فعجله لي في الدنيا فقال سبحان الله لاتطيقه ولو قلت ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار) فهذه الدعوة المباركة من اجمع الدعوات فمن دعا بها فقد حاز على الخير كله بحذافيره

7- شرع لنا رمي الجمار من اجل اقامة ذكر الله فلي هناك شيطان في الاصل لان رمي الجمار نسك ويبدا الرمي يوم العيد وثلاثة ايام بعده يوم العيد سبع حصيات واما ايام التشريق وهي ثلاثة ايام بعده فشرع لنا رميها بعد الزوال باحدى وعشرين حصاة كل جمرة سبع حصيات ) ثم يدعوا بعد الجمرة الصغرى والوسطى فقط ليجمع بين الذكر والدعاء وهاتين الخصلتين الذكر والدعاء يأتي بها الحاج في المشاعر غالبا في عرفات وفي مزدلفة وفي منى واما الكبرى فلا يدعوا لان العبادة انتهت اما شروط الرمى ايام التشريق اولا النية ثم العددية وسبع حصياة لكل جمرة ثم ان تكون بمقدار حصى الخذف ويرفع يديه ويرمي كل حصاة على حدة ثم الحرص على ترتيب الجمرات فيبدا بالصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى ) ثم رخص للحجاج وخيروا بين التعجل في يومين او التاخر فلا حرج على من تعجل في يومين اذا اتقى الله و لاحرج على من تاخر اذا اتقى الله في حجه اما من لم يتقي الله في حجه فسواء تاخر او تعجل فهو اثم لاانه لم يتم حجه

8- ختمت ايات الحج بقوله واتقوا الله أي اذا رجعتم الى بلادكم وقد غفرت ذنوبكم فلا ترجعوا الى المعاصي فقد جمعكم الله في عرفات من كل فج عميق ثم انتقل الحجاج الى مزدلفة وهي جمع ثم الى منى ثم بعد هذا التجمع من كل مكان يرجعون الى بلادهم فاعلموا ان الله سيجمعكم غدا في ارض المحشر فانتم اليوم حجاج جمعكم من كل مكان فهو شبيه بيوم الجمع ذلك يوم التغابن ( قل ان الاولين والاخرين لمجمعون الى ميقات يوم عظيم ثم تامل فاتحة سورة الحج ( ياايها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شيء عظيم ) فيالها من رحلة سعيده الى بيت الله الحرام غفرت فيه الذنوب وفزتم بالجنان ومنكم من اعتق من النيران فعلامات الحج المقبول ان يرجع صاحبه منشرح الصدر ونور في الوجه وسبب انشراح الصدر ان الذنوب ترين على القلب فاذا اطلق عنها عنانها وفك اسرها وجد راحة ( وكفر عنهم سيئاتهم واصلح بالهم ) ومن المجرب ان كثير من الحجاج يتخاصمون في الوداع وتسمع السباب والكلام الذي لايليق والتهديد وهذا يدل على عدم القبول فمن رزق القبول ضبط نفسه ومن رد ظهرت عليه علامات الخسران

كتبه عبدالرحمن اليحيا التركي في 24/11/1431هـ

 

مختارات الحج

  • صفة الحج
  • يوميات حاج
  • أفكار الدعوية
  • رسائل للحجيج
  • المرأة والحج
  • المختارات الفقهية
  • أخطاء الحجيج
  • كتب وشروحات
  • عشرة ذي الحجة
  • فتاوى الحج
  • مسائل فقهية
  • منوعات
  • صحتك في الحج
  • أحكام الأضحية
  • العروض الدعوية
  • وقفات مع العيد
  • مواقع الحج
  • الرئيسية