اطبع هذه الصفحة


المرأة والحج

سلمان العودة

 
المرأة كالرجل في سائر الأحكام، إلا ما ورد الدليل على استثنائه.
فمثلاً: لا ينبغي للمرأة أن تركض بين العلمين -كما أسلفت- لما يعرضها من الانكشاف؛ ولهذا روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "لا تصعد المرأة فوق الصفا والمروة، ولا ترفع صوتها بالتلبية"([i]).
وكذلك لا تُعَرِّض نفسها لمزاحمة الرجال بالطواف، أو الرمي، أو غيره، ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً؛ بل عليها أن تختار الأوقات المناسبة التي تكون أقل وأخف زحامًا (
[ii])، وعلى وليها أن يحرص عليها أشد الحرص([iii]). وفي الموطأ عن نافع: أن صفية بنت أبي عبيد زوجة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما تخلفت مع إحدى قريباتها -كما أسلفت- بالمزدلفة، فلم تأت حتى غربت الشمس يوم العيد، فأمرهما أن ترميا حين قدمتا، ولم ير عليهما شيئًا([iv]). وهذا الأثر يدل على أن للمرأة أن تؤخر الرمي إلى الليل؛ ليكون أبعد عن الزحام، ويكون أداء هذه العبادة بتؤدة، وسكينة، واطمئنان. وكذلك غير المرأة ممن يحتاج إلى الرمي ليلاً؛ فإنه يجوز له ذلك([v]).
كما أن المرأة تحرم إذا مرت بالميقات فيما شاءت من الثياب(
[vi])، غير أنها تتجنب ثياب الزينة والطيب -كما سبق-، وتُحْرِم ولو كانت حائضًا أو نفساء، غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر، وبعض النساء تخطئ في ذلك، فلا يصح أن تطوف بالبيت حتى تطهر، وينبغي أن يُعلَم أن المرأة لا يجوز لها الطواف بالبيت إلا إذا طهرت، اللهم إلا أن تكون مضطرة، مثل أن يكون وليها سيسافر إلى مكان بعيد ولن ينتظرها، ويصعب رجوعه، ويحتاج رجوعه إلى تأشيرة وإجراءات وأمور كثيرة يشق عليه الأمر بها، والمرأة لا يمكن أن تبقى، ولا يمكن رفع الحيض عنها بسبب مباح لا يضر بصحتها، فإن أمكن أن يرتفع الحيض بسبب مباح لا يضر بها فعلت، وإن لم يمكنها فإنها تطوف بالبيت بعد أن تتحفض وتستثفر، وذلك من باب الضرورة. أفتى بذلك جماعة من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وتلميذه ابن القيم. وكذلك أفتى به علماؤنا المعاصرون، كسماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز، وفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين، وهو مذهب الحنفية. وتفعل الحائض سائر المناسك -كما سبق-؛ كالوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، ومنى، ورمي الجمار.
وينبغي أن يُعلم أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر - في حج أو عمرة ولا غيرهما- إلا مع ذي محرم؛ لحديث ابن عباس المتفق عليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم"، فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجَّة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال - صلى الله عليه وسلم -: "انطلق فحج مع امرأتك". وفي رواية البخاري: فقال رجل: يا رسول الله، إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "اخرج معها"(
[vii]).
ويجب على المرأة حفظ نفسها عما حرَّم الله تعالى، فلا تتبرج بزينة، ولا تتطيب، ولا تكشف وجهها -خاصة إذا كانت بحضرة رجال أجانب-، فإن كانت مُحْرِمة، فالطيب مُحرَّم عليها من الوجهين؛ لأنها مُحرمة أولاً، ولأنها امرأة في حضرة رجال ثانيًا.
كما يجب عليها حفظ وقتها فيما ينفع، ويفيد من ذكر الله تعالى، وتعلُّم العلم، وتعليمه، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغير ذلك .. فهي قرينة الرجل في هذا، والنساء شقائق الرجال. فينبغي أن تشغل نفسها بذلك وغيره من الأعمال الدينية، أو حتى من الأعمال الدنيوية النافعة.
أما كثرة اللغو، والحديث فيما لا يفيد، والغيبة، والنميمة، والقيل والقال؛ فهو مذموم في كل وقت، وفي سفر الحج على وجه الخصوص.


===============
([i]) أخرجه الدارقطني (2/295)، والبيهقي (8821) من حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما.
([ii]) قال عطاء بن أبي رباح - وهو من التابعيين - عن أمهات المؤمنين: "لم يكن يخالطن الرجال كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حَجْرة من الرجال لا تخالطهم فقالت لها امرأة انطلقي نستلم الحجر يا أم المؤمنين قالت انطلقي عني وأبت " انظر صحيح البخاري (1618). وأخرج الفاكهي في أخبار مكة (1/252) أن عمر – رضي الله عنه -: نهى أن يطوف الرجال مع النساء، فرأى رجلا يطوف معهن فضربه بالدرة ".
([iii]) قال – صلى الله عليه وسلم - : " كلكم راع ومسئول عن رعيته ... والرجل راع في أهل بيته وهو مسئولٌ عنهم" أخرجه البخاري (893)، ومسلم (1829) من حديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنه -.
([iv] ) موطأ مالك (937) من حديث أبي بكر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر – رضي الله عنه -.
([v]) قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا كان لا يتيسر للإنسان الرمي في النهار، فله أن يرمي في الليل، وإذا تيسر لكن مع الأذى والمشقة، وفي الليل يكون أيسر له وأكثر طمأنينة، فإنه يرمي في الليل؛ لأن الفضل المتعلق بذات العبادة أولى بالمراعاة من المتعلق بزمن العبادة. انظر: الشرح الممتع (7/386).
([vi]) قال ابن المنذر، وابن عبد البر رحمهما الله: "أجمع أهل العلم على أن للمحرمة لبس القمص، والدروع، والسراويلات، والخمر، والخفاف". انظر: الإجماع لابن المنذر ص18، والتمهيد لابن عبد البر (10485).
([vii]) أخرجه البخاري (1862)، ومسلم (1341) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

 

مختارات الحج

  • صفة الحج
  • يوميات حاج
  • أفكار الدعوية
  • رسائل للحجيج
  • المرأة والحج
  • المختارات الفقهية
  • أخطاء الحجيج
  • كتب وشروحات
  • عشرة ذي الحجة
  • فتاوى الحج
  • مسائل فقهية
  • منوعات
  • صحتك في الحج
  • أحكام الأضحية
  • العروض الدعوية
  • وقفات مع العيد
  • مواقع الحج
  • الرئيسية