اطبع هذه الصفحة


رسالة إلى وفود الرحمن

سعد راشد المطيري
@saadalmutiari

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

اقتربنا من موسم عظيم من مواسم الطاعات تسكب فيه العبرات وتقال العثرات وترفع الدرجات والسعيد من وفق فيه إلى الوفود إلى الله .

‏نحن على مشارف موسم عظيم وهو موسم الحج فهنيئا لمن عزم عليه ما ورد فيه من ثواب عظيم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " . متفق عليه .
واعلم يا عبدالله أنه ليس ثمة جزاء أوفى من الجنة ولا عطاء أعظم منها إذ هي منتهى المطالب وغاية المرام وإن الله لعظم الحج المبرور عنده لم يجعل له جزاء إلا الجنة .

موسم الحج غنيمة من غنائم العمر وهو من أجل وأنفس ذخائر الدهر فهو باب من أبواب الجنان ومفتاح من مفاتيح الغفران ومنزلة علية من منازل الإحسان فمن نوى القيام به فليعلم أنه ما تزود بمثل التقوى وحسن النية .

الحج هو قصد بيت الله الحرام قصد أم القرى قصد بكة التي تبك فيها أعناق الجبابرة فما قصدها من جبار يريد أن يبغي فيها إلا وقصمه الله ومن جاءها طائعاً عابداً أكرمه الله فهي دار كرامة للمتقين ودار هوان للظالمين .
قال تعالى : ( وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) ) سورة الحج .

‏ابتدأت سيرة البيت الحرام حينما وضع ابراهيم إبنه إسماعيل وأمه هاجر عليهم من الله التسليم والرحمة بواد غير ذي زرع فأفاض الله بئر زمزم وهوت إليهم أفئدة من الناس ورزقهم الله من الثمرات حتى جاء أمر الله بأن يرفع إبراهيم وإسماعيل قواعد البيت فنحن على ملة إبراهيم وملة محمد ﷺ .‏
قال الله تعالى : ( رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) ) سورة إبراهيم .

بعدما رفع ابراهيم البيت مع إبنه إسماعيل أمره الله بأن يؤذن بالحج ويدعو الخلق إلى بيت الله .
قال ابن كثير :
( وقوله : ( وأذن في الناس بالحج )
أي : ناد في الناس داعيا لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه . فذكر أنه قال : يا رب ، وكيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ فقيل : ناد وعلينا البلاغ .
فقام على مقامه ، وقيل : على الحجر ، وقيل : على الصفا ، وقيل : على أبي قبيس ، وقال : يا أيها الناس ، إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه ، فيقال : إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض ، وأسمع من في الأرحام والأصلاب ، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر ، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة : " لبيك اللهم لبيك " .
هذا مضمون ما روي عن ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وغير واحد من السلف ، والله أعلم . أوردها ابن جرير ، وابن أبي حاتم مطولة . ) تفسير ابن كثير .

هذا البيت الذي يقصده الخلق لفريضة الحج هو أشرف البقاع اصطفاه الله والله يصطفي من خلقه ما يشاء وجعله آمناً وكم من جبار قصمه الله صيانة للبيت منهم أبرهة الذي جاء بالفيله فأرسل الله عليهم الطير من فوقهم ترميهم بحجارة من سجيل حتى صاروا عبرة للمعتبر .

والحج أفضل الجهاد ‏فعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنَّهَا قَالَتْ : " يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ ، أَفَلَا نُجَاهِدُ ؟ ، قَالَ : لَا ، لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ " . رواه البخاري .‏

الحجاج وفد الله مطالبهم مرفوعة ودعواتهم مستجابة ومقضية ومسموعة شفع لهم سفرهم للطاعة وقصدهم للعبادة وتجشمهم المصاعب وتحملهم الأعباء حتى بلغوا البيت .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الغازي في سبيل الله، والحاج، والمعتمر، وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم " . السلسلة الصحيحة .‏

والسلف لهم مآثر في موسم الحج ومن ذلك ما نقل عن عطاء ، قال محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى : ( حج عطاء بن أبي رَباحٍ سبعين حجة ) .
وهذا من حرص السلف على هذه الفريضة العظيمة التي بذلوا أوقاتهم ونفائس أموالهم للقيام بها .‏

يوافق الحجاج يوماً عظيماً وهو موقف عظيم موقف عرفة الذي يعتق الله فيه كثيراً من عباده ويباهي بمن يأتيه من عباده الملائكة .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما مِن يوم أكثر مِن أن يعتق الله فيه عبدًا مِن النار مِن يوم عرَفة، وإنه ليَدنو، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء ) . رواه مسلم .‏

وفي الحج والعمرة يتجرد العباد من المخيط وفي ذلك حكم كثيرة منها :
تذكير الخلق بأحوال البعث والمعاد إذ يبعثون حفاة عراة ثم يكسوهم الله، وتربية النفس على التواضع وترك الكبرياء، والبعد عن الترف، ومواساة الفقراء .
والتجرد من المخيط تنبيه للمؤمن على تجريد القلب لله حتى يجرد المؤمن قلبه من كل صورة من صور التعلق بغير الله .

وفي الحج والعمرة يجد المؤمن حوله عباد الله لم يجتمعوا في البلد الحرام لحسب أو نسب أو مال أو مصلحة دنيوية وإنما اجتمعوا لدين وعبادة أحمرهم وأبيضهم وأسودهم من المشرق والمغرب ملبين لله وحده لا شريك له معترفين له بالنعمة والحمد والفضل .

و‏من جميل ما قيل في حال وفود الرحمن وتجسيد مشاعرهم أبيات ابن القيم رحمه الله في الرحلة إلى البيت العتيق :

ولما رأت أبصارهم بيته الذي قلوب الورى شوقا إليهِ تضرمُ
كأنهم لم يَنْصَبوا قط قبلهُ لأن شقاهم قد ترحل عنهم
فلِلَّهِ كمْ مِن عبرة مهراقة وأخرى على آثارها لا تقدمُ
وقدْ شرقتْ عين المحِب بدَمْعِها فينظرُ مِن بينِ الدُّموعِ ويُسْجِمُ

هذه وقفات قبل موسم الحج كتبتها لخير وفد وأكرم جمع وهم وفد الرحمن الذين جاؤا من كل فج عميق أسأل الله أن ينفع بها القارئ هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .


كتبه : سعد راشد المطيري .
 

مختارات الحج

  • صفة الحج
  • يوميات حاج
  • أفكار الدعوية
  • رسائل للحجيج
  • المرأة والحج
  • المختارات الفقهية
  • أخطاء الحجيج
  • كتب وشروحات
  • عشرة ذي الحجة
  • فتاوى الحج
  • مسائل فقهية
  • منوعات
  • صحتك في الحج
  • أحكام الأضحية
  • العروض الدعوية
  • وقفات مع العيد
  • مواقع الحج
  • الرئيسية