اطبع هذه الصفحة


وجاءت العشر

جمال علي يوسف فياض

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 

الحمد لله الرحيم الرحمن , الموفِّق من أراد من خلقه إلى عمل الصالحات في أشرف الأزمان , وأشهد ألا إله إلا الله , العظيم الكريم , يُقسِم بما يشاء من خلقه ليبين عظمة المقسوم به , قال سبحانه :" والفجر * وليال عشر " وأشهد أن محمدا عبده ورسوله , أرشد أمته إلى استغلال مواسم الخيرات بالطاعات والقربات , ليتحصلوا على مرضاة رب الأرض والسماوات , صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين , وعلى أصحابه الغُرِّ الميامين , وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين , وبعد فاتقوا الله عباد الله ؛ فلقد وصاكم ربكم بها فقال سبحانه :" يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (آل عمران :102) .


أما بعد , فإن من رحمة الله بعباده أن جعل لهم مواسم للخيرات يتقربون فيها إليه , يضاعف لهم فيها الحسنات , ويرفع لهم فيها الدرجات , إذا حافظوا على أنواع القربات والطاعات , وتركوا المعاصي والسيئات , وأقبلوا على رب الأرض والسموات , ومن أفضل هذه المواسم " عشر ذي الحجة " فإنها أفضل أيام الدنيا , والعمل فيها خير من العمل في غيرها , لذا أحببت أن أذكر نفسى وإياكم بفضلها وفضل العمل فيها , وسوف يقوم حديثنا على هذه العناصر التالية :

أولا : فضل عشر ذي الحجة .
ثانيا : فضل العمل في عشر ذي الحجة .
ثالثا : ماذا يفعل من فاته الحج في هذه الأيام .


واللهُ المسؤول أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى , وأن يتقبل منا ومنكم صالح العمل .


أولا : فضل عشر ذي الحجة .


للعشر الأوُل من ذي الحجة فضائل كثيرة ؛ تدل على عظيم منزلتها عند الله تعالى , وتوجب على العاقل أن يعُدَّ العُدَّة لاغتنامها ؛ فمن هذه الفضائل :


أنها أعظم الأيام وأفضلها عند الله تعالى :


ففي مسند الإمام أحمد , عن ابن عمر، عن النبي
صلى الله عليه وسلمقال: " ما من أيام أعظمَ عند الله، ولا أحبَّ إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر , فأكثروا فيهن من التهليل، والتكبير، والتحميد " ([1]).

أيام العشر تشتمل على يوم عرفة ويوم النحر :


وهما من أفضل الأيام وأعظمها عند الله تعالى , فعن جابر، قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله إلى السماء الدنيا فيباهي بأهلِ الأرض أهلَ السماء، فيقول: انظروا إلى عبادي شعثا غبرا ضاحين([2]) جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي، ولم يروا عذابي، فلم يُرَ يوم أكثر عتقا من النار من يوم عرفة"([3]) وقد ورد في فضل يوم عرفة أكثر من ذلك , فمن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم " سُئل عن صوم يوم عرفة؟ فقال: «يكفر السنة الماضية والباقية» ([4])  , وأما يوم النحر – وهو يوم الحج الأكبر , يوم العيد – فقد جاء عن عبد الله بن قرط، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر([5]) "([6]) , وهذا كله يدل على أن عشر ذي الحجة أفضل من غيره من الأيام من غير استثناء.([7])

  ليالي العشر أفضل الليالي :

قال الله تعالى :" وَالْفَجْرِ* وَلَيالٍ عَشْرٍ * " ( الفجر: 1-2) . والليالي العشر: المراد بها عشر ذي الحجة. كما قاله ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وغير واحد من السلف والخلف
.([8]) وهذا كله يدل على فضل هذه الليالي العشر , وقد ذهب جماعة من العلماء إلى تفضيل هذه الأيام والليالي على العشر الأواخر من رمضان ولياليها باستثناء ليلة القدر فقط .([9])

  هذه العشر من جملة الأربعين التي وعدها الله عز وجلَّ لموسى – عليه السلام - :

قال الله – تعالى - : "وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين " ( الأعراف :142) , يقول تعالى ممتنا على بني إسرائيل، بما حصل لهم من الهداية، بتكليمه موسى، عليه السلام، وإعطائه التوراة، وفيها أحكامهم وتفاصيل شرعهم، فذكر تعالى أنه واعد موسى ثلاثين ليلة... فلما تم الميقات عزم موسى على الذهاب إلى الطور، والأكثرون على أن الثلاثين هي ذو القعدة، والعشر عشر ذي الحجة... فعلى هذا يكون قد كمل الميقات يوم النحر، وحصل فيه التكليم لموسى، عليه السلام، وفيه أكمل الله الدين لمحمد
صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} [المائدة:3].([10])

 هذه العشر خاتمة الأشهر المعلومات :

والأشهر المعلومات هي أشهر الحج التي قال الله فيها :" الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ.." ( البقرة : 197) . وهي " شوال , وذو القعدة , وعشر من ذي الحجة " وهو قول كثير من الصحابة والأئمة .


 وكذلك فهذه العشر هي الأيام المعلومات التي شرع الله فيها ذكره على ما رزق من بهيمة الأنعام :

قال ربنا جل جلاله :{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 27, 28] .

وجمهور العلماء على أن هذه الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة , والأصح أنه إنما أريد ذكره شكرا على نعمة تسخير بهيمة الأنعام لعباده فإن الله تعالى على عباده في بهيمة الأنعام نعما كثيرة قد عدد بعضها في مواضع من القرآن والحاج لهم خصوصية في ذلك عن غيرهم فإنهم يسيرون عليها إلى الحرم لقضاء نسكهم كما قال تعالى {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27] وقال تعالى {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} [النحل: 7] ويأكلون من لحومها ويشربون من ألبانها وينتفعون بأصوافها واوبارها وأشعارها.

ويختص عشر ذي الحجة في حق الحاج بأنه زمن سوقهم للهدي الذي به يكمل فضل الحج ويأكلون من لحومه آخر العشر وهو يوم النحر وأفضل سوق الهدي من الميقات ويشعر ويقلَّد عند الإحرام وتقارنه التلبية وهي من الذكر لله في الأيام المعلومات ... وأما أهل الأمصار فإنهم يشاركون الحاج في عشر ذي الحجة في الذكر وإعداد الهدي فأما إعداد الهدي فإنه العشر تعد فيه الأضاحي كما يسوق أهل الموسم الهدي ويشاركونهم في بعض إحرامهم فإن من دخل عليه العشر وأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا.
([11])

   ثانيا : فضل العمل في عشر ذي الحجة .


يا من طلع فجر شيبه بعد بلوغ الأربعين يا من مضى عليه بعد ذلك ليالي عشر سنين حتى بلغ الخمسين يا من هو في معترك المنايا ما بين الستين والسبعين ما تنتظر بعد هذا الخبر إلا أن يأتيك اليقين يا من ذنوبه بعدد الشفع والوتر أما تستحي من الكرام الكاتبين؟ أم أنت ممن يكذب بيوم الدين؟ يا من ظلمة قلبه كالليل إذا يسري أما آن لقلبك أن يستنير أو يلين تعرض لنفحات مولاك في هذا العشر فإن فيه لله نفحات يصيب بها من يشاء فمن أصابته سعد بها آخر الدهر.

أيها الإخوة الكرام !

العمل في هذه العشر مضاعف الأجر والثواب على العمل في غيرها من أيام السنة , فلا تضيعوها , بل اغتنموها وتعرضوا فيها لنفحات رحمة الله تعالى .

عن ابن عباس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام" يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء"([12])

وقد دل هذا الحديث على أن العمل في أيامه أحب إلى الله من العمل في أيام الدنيا من غير استثناء شيء منها وإذا كان أحب إلى الله فهو أفضل عنده.

وإذا كان العمل في أيام العشر أفضل وأحب إلى الله من العمل في غيره من أيام السنة كلها صار العمل فيه وإن كان مفضولا أفضل من العمل في غيره وإن كان فاضلا ولهذا قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال: "ولا الجهاد" ثم استثنى جهادا واحدا هو أفضل الجهاد.

فهذا الجهاد بخصوصه يفضل على العمل في العشر وأما بقية أنواع الجهاد فإن العمل في عشر ذي الحجة أفضل وأحب إلى الله عز وجل منها وكذلك سائر الأعمال وهذا يدل على أن العمل المفضول في الوقت الفاضل يلتحق بالعمل الفاضل في غيره ويزيد عليه لمضاعفة ثوابه وأجره
.([13])

وقد يسأل سائل فيقول : إذا كان العمل الصالح مضاعَف الأجر في هذا الأيام الفاضلة ,
فماذا نعمل فيها ؟

أقول : أيه الأخ الكريم , قد دل حديث ابن عباس على مضاعفة جميع الأعمال الصالحة في العشر من غير استثناء شيء منها .

وما أجمل ما قاله الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - : "لما كان الله سبحانه وتعالى قد وضع في نفوس المؤمنين حنينا إلى مشاهدة بيته الحرام وليس كل أحد قادرا على مشاهدته في كل عام فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره وجعل موسم العشر مشتركا بين السائرين والقاعدين فمن عجز عن الحج في عام قدر في العشر على عمل يعمله في بيته يكون أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج" .
([14])

ولكن هناك بعض الأعمال ينبغي على العبد أن يركز عليها ويكثر منها في هذه الأيام المباركة , منها :


الصيام :

فالصيام من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله – عز وجل – ولا يعلم ثوابه إلا الله – سبحانه وتعالى – وإذا كان هذا فضله في غير العشر , فما بالنا إذا كان في العشر ؟!

وهو يدخل أصالة في العمل الصالح الذي يستحب فعله في هذه الأيام , أما حديث السيدة عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ
صلى الله عليه وسلم صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ»([15]) , فهو محمول على أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَصُمْهُ لِعَارِضِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَوْ أَنَّهَا لَمْ تَرَهُ صَائِمًا فِيهِ وَلَا يَلْزَمُ من ذَلِكَ عَدَمُ صِيَامِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.([16]). وممن كان يصوم العشر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما , فَلَيْسَ فِي صَوْمِ هَذِهِ التِّسْعَةِ كَرَاهَةٌ بَلْ هِيَ مستحبة استحبابا شديدا لاسيما التَّاسِعُ مِنْهَا وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ .

   قيام ليالي هذه العشر :

فقيام هذه الليالي مستحب , وقيام الليل عموما من أفضل الأيام وقد أثنى الله على أهل قيام الليل ثناءً عطرا في غير ما آية من كتابه الكريم , منها قوله تعالى :" تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  " (السجدة :16-17) .

وكان سعيد بن جبير وهو الذي روى هذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما إذا دخل العشر اجتهد اجتهادا حتى ما يكاد يقدر عليه ورُوي عنه أنه قال: لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر - تعجبه العبادة - .


   استحباب الإكثار من ذكر الله – تعالى - :


فقد دل عليه قول الله عز وجل: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] فإن الأيام المعلومات هي أيام العشر عند جمهور العلماء , و عن ابن عمر، عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: " ما من أيام أعظمَ عند الله، ولا أحبَّ إليه من  العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل، والتكبير، والتحميد "([17]) , فعلى العبد أن يكثر من ذكر الله في هذه الأيام , لا سيما هذه الكلمات الأربعة " سبحان الله , والحمد لله , ولا إله إلا الله , والله أكبر " فإنها الباقيات الصالحات .

ويستحب التكبير في هذه الأيام وإظهاره  ورفع الصوت به  فقد ذكر البخاري في صحيحه عن ابن عمر وأبي هريرة أنهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما .

 وقال يزيد بن أبي زياد :" رأيت سعيد بن جبير ومجاهدا وعبد الرحمن بن أبي ليلى أو اثنين من هؤلاء الثلاثة وما رأينا من فقهاء الناس يقولون في أيام العشر: الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
([18])

 التضحية :


فالأضحية من العبادات التي تنفع الإنسان ويتعدى نفعها لغيره , ومن أبرز المعاني المتعلقة بالأضحية إحياء معنى الضحية العظمى التي قام بها إبراهيم عليه الصلاة والسلام، إذ ابتلاء الله تعالى بالأمر بذبح ابنه، ثم فداه الله بذبح عظيم كان كبشا أنزله الله إليه وأمره بذبحه، بعد أن مضى كل من إبراهيم وابنه عليهما السلام، ساعيا بصدق لتحقيق أمره عز وجل.

أضف إلى ذلك: ما فيها من المواساة للفقراء والمعْوزين وإدخال السرور عليهم وعلى الأهل والعيال يوم العيد، وما ينتج عن ذلك من تمتين روابط الأخوة بين أفراد المجتمع المسلم، وغرس روح الجماعة والود في قلوبهم
.([19]) , و التضحية أفضل من التصدق بثمن الأضحية، لأنها تقع واجبة أو سنة، والتصدق تطوع محض فتفضل عليه، ولأنها تفوت بفوات وقتها، والصدقة تؤتى بها في الأوقات كلها.([20])

 الحج والعمرة :


فهذه الأيام موسم الحج والعمرة , فعلى كل مستطيع أن يبادر إلى حج بيت الله الحرام , فإنهما يحطان الذنوب والفقر حطا , فعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد، والذهب، والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة»([21]) .

     والأعمال الصالحة كثيرة جدا , فعلى العبد أن يكثر منها في هذه الأيام المباركات , فإنها أفضل من العشر الأواخر من رمضان , وعلى العبد أن يعظم هذه الأيام فلا يظلم فيها نفسه بالمعاصي فإن المعاصي تحرم العبد المغفرة في مواسم الرحمة , والمعاصي سبب البعد والطرد عن رحمة الله – تعالى- , كما الطاعات والقربات سبب للقرب من الله – عز وجل-  ونزول رحماته على العباد .

ليالي العشر أوقات الإجابة ... فبادر رغبة تلحق ثوابه
ألا لا وقت للعمال فيه ... ثواب الخير أقرب للإصابة
من أوقات الليالي العشر حقا ... فشمر واطلبن فيها الإنابة.


ثالثا : ماذا يفعل من فاته الحج في هذه الأيام .

أيه الإخوة !!

إن الإنسان ليخفق قلبه ويحن إلى بيت الله الحرام كلما رأى الحجاج والمعتمرين , ولكنه قعد لعذر , فهل من سبيل لِلُحوق هؤلاء الكرام ؟

اسمحوا لي قبل أن أجيب على هذا السؤال أن أكَرِّر هذه الكلمات الرقيقة الرقراقة للحافظ ابن رجب الحنبلي – طيب الله ثراه – إذ يقول :" لما كان الله - سبحانه وتعالى - قد وضع في نفوس المؤمنين حنينا إلى مشاهدة بيته الحرام وليس كل أحد قادرا على مشاهدته في كل عام فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره وجعل موسم العشر مشتركا بين السائرين والقاعدين فمن عجز عن الحج في عام قدر في العشر على عمل يعمله في بيته يكون أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج ".

أقول لك أخي الكريم : إن فضل الله واسع , فهناك أعمال إن حرص العبد – الذي لم يقَدَّر له الحج هذا العام – عليها كان له أجر الحج والعمرة بإذن الله تعالى , من هذه الأعمال :


 النية الصادقة :


فإن الله إذا رأى الصدق من قلبك في طلب الحج والعمرة , ولكنك عجزت عن ذلك أعطاك أجر ما نويته وإن لم تفعله , فعن جابر، قال: كنا مع النبي
صلى الله عليه وسلمفي غزاة، فقال: «إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا، إلا كانوا معكم، حبسهم المرض» وفي رواية «إلا شركوكم في الأجر». ([22])

القاعد لعذر شريك للسائر وربما سبق السائر بقلبه السائرين بأبدانهم .

يا سائرين إلى البيت العتيق ... لقد سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا
إنا أقمنا على عذر وقد رحلوا ... ومن أقام على عذر كمن راحا.


 حضور مجالس العلم في المساجد :
فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ , عَنِ النَّبِيِّ
صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يرِيدُ إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يُعَلِّمَهُ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامٍّ حَجُّهُ» (([23] .

 الحرص على صلاة الفريضة في المسجد :

فعن أبي أمامة، أن رسول الله -
صلى الله عليه وسلم- قال: "من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين"([24])

 صلاة الفجر جماعة ثم المكث في المسجد وذكر الله حتى طلوع الشمس ثم صلاة ركعتين :

فمن حرص على أن يصلي صلاة الفجر في المسجد في جماعة ثم يجلس يذكر الله حتى تطلع الشمس وترتفع قدر رمح – نحو عشر دقائق-  ثم يصلى ركعتين تحصل على أجر حجة وعمرة تامة , فعن أنس، قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة»، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تامة تامة تامة» .([25]),

وعن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم-: "لأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل "([26]).

المحافظة على أذكار ما بعد الصلاة :


وهذا عمل يسير قد يفرط البعض فيه دون أن يعلم عظم أجره , والأذكار التي بعد الصلاة لا تأخذ وقتا طويلا , وأجرها كبير جدا , فمن ذلك ما جاء في صحيح البخاري  من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء الفقراء إلى النبي
صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ذهب أهل الدُّثور من الأموال بالدرجات العلا، والنعيم المقيم يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يحجون بها، ويعتمرون، ويجاهدون، ويتصدقون، قال: «ألا أحدثكم إن أخذتم أدركتم من سبقكم ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين» .([27])

فهذه بعض الأعمال التي إذا حرص العبد عليها تحصل على أجر الحج والعمرة , لكن تنبه إلى أن هذا لا يسقط عنك حج الفريضة إذا قدرت عليه , ولكن هذه الأعمال بها تأخذ أجر الحج والعمرة فقط , وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى , وأسأله سبحانه كما جمعنا في هذا البيت الطيب على طاعته أن يجمعنا في الدنيا على عرفات وفي الآخرة في أعالي الجنات ,وأسأله سبحانه أن يغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنه ولي ذلك ومولاه , وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

 

كتبه الفقير إلى عفو ربه
جمال علي يوسف فياض
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف
وباحث ماجستير في الحديث الشريف وعلومه .

 


 

[1] ) حديث صحيح , مسند أحمد 9/324 .

[2] ) أي: بارزين للشمس غير مستترين منها.

[3] ) حديث صحيح , صحيح ابن حبان  ح 3853 .

[4] ) صحيح مسلم ح 1162 .

[5] ) يوم القر : هو اليوم الثاني الذي يلي يوم النحر، لأن الناس يقرون فيه بمنى بعد أن فرغوا من طواف الإفاضة والنحر، واستراحوا.

[6] ) إسناده صحيح ، مسند أحمد ح 19075 .

[7] ) لطائف المعارف ص 267 .

[8] ) تفسير القرآن العظيم 8/390 .

[9] ) لطائف المعارف ص 267 .

[10] ) تفسير القرآن العظيم 3/468 .

[11] ) لطائف المعارف 269-271.

[12] ) حديث صحيح , سنن أبي داود ح 2438 .

[13] ) لطائف المعارف ص 261 .

[14] ) لطائف المعارف ص 272 .

[15] أخرجه مسلم ح 1176 .

[16] ) شرح مسلم للنووي 8/72 .

[17] ) حديث صحيح , مسند أحمد ح 5446 .

[18] ) لطائف المعارف ص 272 .

[19] ) الفقه المنهجي ص 231 .

[20] ) لمعات التنقيح 3/ 585 .

[21] ) حديث صحيح , أخرجه الترمذي ح 810 .

[22] ) أخرجه مسلم ح 1911.

[23] ) حديث صحيح , صحيح الترغيب والترهيب ح 86 .

[24] ) حديث صحيح , أخرجه أبو داود ح 558 .

[25] ) حديث حسن , أخرجه الترمذي ح 586 .

[26] ) حديث حسن , أخرجه أبو داود ح 3667 .

[27] ) ح 843 .

 


 

 
  • صفة الحج
  • يوميات حاج
  • أفكار الدعوية
  • رسائل للحجيج
  • المرأة والحج
  • المختارات الفقهية
  • أخطاء الحجيج
  • كتب وشروحات
  • عشرة ذي الحجة
  • فتاوى الحج
  • مسائل فقهية
  • منوعات
  • صحتك في الحج
  • أحكام الأضحية
  • العروض الدعوية
  • وقفات مع العيد
  • مواقع الحج
  • الرئيسية