اطبع هذه الصفحة


رسالة إلى قاصد البيت الحرام

الدكتور/ إبراهيم بن ناصر الحمود

 
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بمناسبة حلول موسم الحج لهذا العام 1417 هـ أبعث بهذه الرسالة المفتوحة إلى كل مسلم عقد العزم على، داء فريضة الحج أو التطوع به. فأقول: أيها الحاج.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أنت تعلم يقينا أن الحج فريضة من فرائض الإسلام وشعيرة من شعائره الظاهرة وقد كرم الله سبحانه وتعالى هذه البلاد باستقبال ضيوف الرحمن، وشرفها بضيافتهم، وحملها مسؤولية خدمتهم والسهر على راحتهم وتوفير كافة السبل التي تضمن سلامتهم بإذن الله حتى يؤدوا هذه الشعيرة على أكمل وجه ويعودوا إلى بلادهم وأهليهم سالمين غانمين، إن شاء الله، وإن حكومة خادم الحرمين الشريفين- وفقه الله- تسعى جاهدة كل عام وتبذل الغالي والنفيس في سبيل راحة الحجاج وتأدية مناسك حجهم في يسر وسهولة.

أخي الحاج..

أهديك هذه الكلمات التي أسأل الله تعالى أن تجد منك أذنا صاغية فأصغ سمعك وأمعن نظرك فأنت بحاجة إلى ما تتزود به في سفرك وتأنس به في وحدتك وتشغل به وقتك وينشرح به صدرك ويعينك على حجك وعمرتك. فأقول:

1. اعلم أن خير الزاد التقوى ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب. ومن تقوى الله إخلاص النية لله جل وعلا فهو المستحق لهذه العبادة. قال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين }. فاقصد بسفرك إلى بيت الله وجه الله فإنما الأعمال بالنيات واعلم أن الإخلاص ميزان العمل وليس لك من عملك إلا بقدر إخلاصك فيه، فالحج عبادة وكل عبادة تحتاج إلى قصد ونية. فالنية الخالصة هي سمة العبادة قال الرسول صلى الله عليه وسلم في تتمة الحديث ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله. ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه )).

ألم تسمع قول الله تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين }.

فإياك من وساوس الشيطان وتوهيمه الذي يحاول أن يصد المسلم عن دينه فيسلك به في العبادة مسلك الرياء والسمعة حتى يحبط عمله.

2. لابد للمسافر من رفيق يصحبه في سفره يأنس به ويتحدث إليه ويستفيد منه، فإن وجد فليكن من خيرة الرجال، وممن تتوسم فيه الصلاح والتقوى حتى يكون عونا لك في أداء نسكك يدلك على الخير وينهاك عن الشر، تتعلم منه ما جهلته ويكون خير معين لك وخير جليس، وإن لم يوجد فعليك بكتاب الله الذي تنشرح به الصدور وتصح به الأسقام وتندفع الشرور بإذن الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد من ابتغى الهدى من غيره أضله الله، فهو نور الله المبين وصراطه المستقيم.

3. تخلص من المظالم التي علقت بك فإن كان لأخيك عليك مظلمة فتحلل منه وادع له حتى يلين قلبه وإن كان لديك حقوق لأحد فتخلص منها قبل سفرك حتى تبرأ ذمتك منها فأنت في جهاد لا قتال فيه وهو الحج والعمرة.

4. ليكن زادك إلى الحج من مال حلال فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وكل لحم نبت من سحت فالنار أولى به وإن أطبت مطعمك كنت مجاب الدعوة. وما أحوجك إلى الدعاء في الحج عند الإحرام وفي المشاعر وفي كل مكان لسانك يلهج بالدعاء والاستغفار وبالزاد الحلال يقال لك بعد حجك ارجع حج مأجور غير مأزور.

فإن الله تعالى قد أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث والحلال بين والحرام بين، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام.

5. إياك- في الحج- وفي غيره، من اللغو وهو ما فحش من الكلام، فإن سباب المسلم فسوق وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه )).
وليكن حجك خالصا من الجدال والمراء وكل ما ينقضه من سوء الأقوال والأفعال. وأكثر من ذكر الله ليطمئن قلبك فإن الحسنات يذهبن السيئات، وإن الكلمة الطيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، والكلمة الخبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار. وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: (( ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم )).

6. كن سفيرا لبلادك في هذا البلد الطيب وتجنب أذى الناس وحافظ على ما سخر لك من الإمكانات وكن رجل أمن ويد عون للآخرين ولا يغرنك زيف الزائفين وأفكار المغرضين الذين يحاولون النيل من كرامة هذه البلاد التي حفظها الله بالولاة المخلصين المتمسكين بدينهم وعقيدتهم حتى أصبحت محسودة على ما هي فيه من نعمة الأمن والاستقرار، ولكن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

7. أد نسكك في سكينة ووقار حتى يخشع قلبك وتلين جوارحك وتطمئن نفسك ويهنأ بالك وينشرح صدرك فإن العجلة من الشيطان ولا تتعمد مزاحمة الآخرين ومدافعتهم فإن أذية المسلم حرام وأخص بذلك عند الحجر الأسود فإن كثيرا من الناس- هداهم الله- يزاحمون بشدة ويتقاتلون من أجل الوصول إلى الحجر الأسود وهذا جهل منهم فإن تقبيل الحجر سنة والأذى محرم، فهل يليق بالمسلم أن يجعل الفعل المحرم وسيلة لتحقيق سنة. كم من شيخ كبير وامرأة عجوز وصبي صغير وغيرهم أصابه الإعياء والتعب بسبب هذا التزاحم، بل منهم من يؤدي به ذلك إلى الهلاك فلا حول ولا قوة إلا بالله.

8. إنك تشاهد في المشاعر أولئك الرجال المجندون لخدمتك على مختلف القطاعات فكن عونا لهم ولا تقابل الإحسان بالإساءة فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، وعلى سبيل المثال فإن من أهم المرافق التي عنيت بها الدولة- وفقها الله- النظافة في المشاعر والطرقات وفي كل مكان، إلا أن كثيرا من الحجاج- هداهم الله- يتجاهلون هذا الأمر ويلقون بما فضل منهم على الأرض في طريق المارة على الرغم من وجود الحاويات لهذه النفايات ولكن عدم الشعور بالمسئولية يورث عدم المبالاة، فكن أخي الحاج عونا لرجل النظافة الذي يعمل من أجل صحتك، فالتعاون أساس النجاح في كل شيء.

9. أنت تعلم أنك في بلاد تدين بالإسلام- والحمد لله- وتحكم شرع الله فإياك من قول أو فعل يخل بدينك وعقيدتك، فإنك محاسب على ذلك فكن قدوة حسنة لغيرك ولا تجعل من العادات والتقاليد ما يتعارض مع تعاليم الإسلام السمحة، فأنت في عبادة فكل حركة أو سكون إن خيرا تؤجر عليه وإن غير ذلك تؤاخذ به.
فلا فرق بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى، والناس في الإسلام سواسية تربطهم الاخوة في الله.

10. وأخيرا استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه وأرجو لك حجا مبرور! وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا وعودا حميد، بإذن الله إلى بلدك.
هذه مشاعر أخيك وأمانيه أحببت أن أزفها إليك عبر هذه الرسالة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.


مجلة الدعوة – العدد 1586 – 25ذي القعدة 1417هـ – 3أبريل 1997م


 

مختارات الحج

  • صفة الحج
  • يوميات حاج
  • أفكار الدعوية
  • رسائل للحجيج
  • المرأة والحج
  • المختارات الفقهية
  • أخطاء الحجيج
  • كتب وشروحات
  • عشرة ذي الحجة
  • فتاوى الحج
  • مسائل فقهية
  • منوعات
  • صحتك في الحج
  • أحكام الأضحية
  • العروض الدعوية
  • وقفات مع العيد
  • مواقع الحج
  • الرئيسية