اطبع هذه الصفحة


 لاستعمار ....وإعادة الإعمار !!

بقلم : طارق حميدة

 
الاستعمار ،هي اللفظة التي اختارها الغرب المعاصر لتسمية ما قام به من احتلال أراضي الغير ونهب ثرواتها، وإذلال أصحابها .
والكلمة في الأصل مشتقة من الجذر "عمر " الدال على العمران .. والاستعمار يعني طلب الإعمار ، وقد وردت في القرآن الكريم في قوله تعالى (هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها )، أي طلب إليكم إعمارها .

والسؤال هو : هل كانت المناطق التي اجتاحها الأوروبيون خرائب مهجورة،أو أراضي ليس فيها بشر يعمرونها ، أو بلاداً مدمرة ، وبالتالي قرر الغرب المتحضر إعمارها ؟
يرى الغرب أنهم في الذروة من البشرية ،وأنهم يتربعون على قمة الإنسانية ، بينما الآخرون الأغيار ليسوا بشراً ،حيث نظرية دارون في التطور امتدت إلى التفكير الاجتماعي والسياسي عندهم ، فهم الذين يمثلون الإنسان الكامل بل" السوبر" ..وسواهم لم يتطوروا بعد عن مرحلة القرود ..وفي أحسن الأحوال غادروها بقليل.
ولذلك فقد أخذ الغربيون على عاتقهم مهمة "إعمار" هذه البلاد التي لا يستطيع سكانها "البدائيون" إعمارها ، واضطلعوا "بواجب" استغلال خيراتها الوافرة التي لا يستحقها السكان الأصليون لتخلفهم وضعفهم ،ولعل هذه الكنوز قد وجدت في المكان "الخطأ" !!، فقرر الغربيون "تصحيح الخطأ الإلهي!!" كما صرح بعض قادتهم.
ولا بأس من حملات الإبادة والتطهير العرقي لهذه " الكائنات" التي قد تشكل عائقاً أمام المهمة النبيلة للقوات الغازية "، فقانون الغزاة يقرر أن البقاء للأقوى ولا مكان في هذا العالم للضعفاء.
الغربيون عادة يرون أن التاريخ يبدأ من عندهم وينتهي عندهم ، وكل وجود أو نشاط بشري قبلهم ليس بشيء .. ويكفي للتدليل على ذلك تبجحهم بأنهم هم مكتشفو القارة الأمريكية، علماً بأنها كانت مسكونة بعشرات الملايين عشية الوصول الأوروبي إليها... إن عبارة "اكتشاف" تعني السبق إلى الوصول ،فكيف يستقيم هذا الزعم مع وجود كل هؤلاء السكان؟؟
إنها أرض بكر وسكانها البدائيون المتخلفون، ليسوا بشيء ولا يستحقون الحياة ، وبقاؤهم عائق وحائل دون التقدم ، ولذلك فقد طالتهم حملات الإبادة ، ليبدأ التاريخ من لحظة وصول الجنس الأبيض ، من المتحضرين المتمدنين حملة مشاعل الحرية والتقدم ، وليطمس كل ما سواه حتى لا يشوش على مزاعم الغزاة .
وفي السياق ذاته نذكر بأن الحركة الصهيونية ، التي هي امتداد طبيعي للحضارة الغربية، كانت تبرر وتسوغ الهجرة اليهودية لفلسطين باعتبار فلسطين " أرضاً بلا شعب... لشعب بلا أرض" ، وقامت بكل ما "يلزم" من المجازر والتهجير والتدمير ، وأقامت الكثير من "المستوطنات" مكان القرى والمدن المدمرة والتي طرد منها أصحابها.
كل هذه الخواطر داهمتنا ونحن نسمع منذ شهر تقريباً وبشكل مكثف يومياً ، عبارة "إعادة إعمار العراق". سواء من قبل أمريكا وحلفائها ، الذين وضعوا أيديهم على كل شيء ، أو من قبل الفرنسيين والألمان والروس ، الذين أغاظهم التفرد الأمريكي ، وظلوا يؤكدون بأن عملية "إعادة إعمار العراق" لابد أن تتم من خلال الأمم المتحدة . وذلك كيلا تتضرر مصالحهم و تنفرد أمريكا بالكعكة .
في رأيي ، فإن تعبير "إعادة إعمار العراق" يصدر عن ذات الذهنية الغربية سالفة الذكر ، لكنهم تجنبوا عبارة "استعمار"، لأنها فقدت صلتها بجذرها اللغوي ذي المعنى الإيجابي ، ولم يبق منها في ذاكرة الشعوب إلا الممارسات البشعة للاحتلال الغربي .
إن تعبير "إعادة الأعمار " يفترض أن العراق بلد قد جرى تخريبه "على يد نظام صدام" ، وإذا لم يكن الخراب كافياً فلا بد من قيام الغزاة بتخريب كل المرافق الحيوية ..ومن الضروري أيضاً تشجيع أعمال السلب والنهب وإضرام الحرائق والنيران في كل شيء ، وليكن للمكتبات والجامعات والمتاحف النصيب الأوفى ..للتأكيد على همجية هذا الشعب وبدائيته من جهة ، ولتأكيد حاجته إلى رسل الحضارة والحرية ، وليبدأ تاريخ العراق من لحظة وصول الغزاة إليه .
هؤلاء الغزاة الذين سيكون كل همهم أن يعيدوا تشكيل العراق، ومعه كل المنطقة إن استطاعوا، وفق نمط الحياة الأمريكية ، بحيث لا يكون فيه مسمار إلا من أمريكا . وقد رأينا كيف يقوم جنودهم بحرق وتدمير أسلحة الجيش العراقي ، حتى يكون التسليح المستقبلي على الطريقة الأمريكية . وهي الطريقة التي يراد لها أن تشمل الطعام واللباس وقصات الشعر ، ومناهج التدريس وغيرها.

 

بلاد الرافدين

  • الفلوجة
  • رسائل وبيانات
  • في عيون الشعراء
  • من أسباب النصر
  • فتاوى عراقية
  • مـقــالات
  • منوعات
  • الصفحة الرئيسية