اطبع هذه الصفحة


الفلوجة بين مطرقتين

د. عبد العزيز آل عبد اللطيف

 
لا تزالُ مآسي الفلوجةِ موجعةً ومفزعةً والصورِ والمشاهداتِ التي عُرضت في بعض القنواتِ الفضائية ومواقع الانترنت, أبلغُ من كل تعليق، ومما يزيدُ الأسى, أن مَن حولَ العرقِ في غمراتِ الغفلةِ واللهوِ سادرون، قد استحوذت عليهمُ الأهواءُ والملذات.

سُكران : سكر هوى وسكرٌ ومُداومةٌ ومتى إفاقةُ من به سكرانُ

وإذا كانَ هؤلاءِ الغافلونَ يرقصون سكراً وطرباً، فإن الملهوفين في بلادِ الرافدين لهم رقصٌ, عبَّر عنه الشاعرُ بقوله:

لا تحسبوا أن رقصي بينكم فرحاً فالطيرُ يرقصُ مذبوحاً من الألمِ

وينضمُ إلى هذه الشهواتِ, أراجيفٌ وشبهات، فبينما أهلُ الإسلامِ والسنة تستباحُ ديارُهم، وتُنتهكُ أعراضهم، وتُدنسُ مساجدهم، ويُجهز على جرا حهم .. لا يزالُ بعض المتمشيخةَ يطغون وينكرون جهاد مقاومة المحتل,. ويثبتون شرعيةَ حكومةٍ صنعها المستعمر المحتل الحربي !

رحم الله زماناً قريباً، كان العلماءُ يحذرون من حصر الجهاد في الدفاع فحسب، ويقررون بالأدلة أن الجهاد طلب، وأن موجب قتال الكفار هو الكفر، وليس مجرد المحاربة .

أما في هذه الزمان الكئيب, فقد أُلغي جهادُ الطلبِ من التنظير والتقرير, فضلاً عن تطبيقه وتحقيقه في الواقع, وأمَّا جهادُ الدفع: فقيِّد بقيودٍ وآصارٍ بعيدةً عن واقع القضيةِ فضلا ًعن الدليل الشرعي .

فهذا المنكوب في بلاد العراق, أمامَ عدوٍ كافرٍ صائلٍ مستعبد، قد استباح داره وانتهك محارمه، وقتل أهلَ بلده ، أفيسوغ أن يقال بعد ذلك لا يصح له القتال إلا بوجود الراية والإمام وإذنه، و ... و... الخ ؟ !

لقد قال بعضُ عوام أهل السنة لأحد شيوخِ الرافضة: إذا جاءَ الكفارُ إلى بلادنا فقتلوا النفوسَ وأخذوا الأموال، هل نقاتلهم ؟ فقال الرافضي : لا المذهب أن لا نغزو إلاَّ مع المعصوم، فقال العاميِّ : والله إن هذا المذهب نجس .[انظر منهاج السنة 6/ 188]

إن إخواننا في العراق كابدوا أنواعاً من الظلم والعدوان، والواجبُ علينا أن نرفع الظلمَ عنهم، وكما قال صلى الله عليه وسلم (( إن الله لا يقدس أمةً لا يأخذ الضعيف حقه من القوي وهو غير متعتع )) أخرجه البيهقي وصححه الألباني في الجامع الصغير ج ( 1853) .

أوليس مخزياً أن نرى مشركي العرب _ في مكةَ _ يتحالفون على العدلِ, ونصر المظلوم، كما في حلف المطيبين، ثم نرى عرب اليوم ومسلمه هذا العصر في صمتٍ مطبق، وسكون مريب، تجاه إخوانهم المظلومين في العراق ؟

إن محنة المؤمنين ونصرتهم من الإيمان، والحب في الله أوثق عرى الإيمان، وهذه المحبةُ الإيمانية لإخواننا في العراق، لا بد أن يظهر موجبها على الجوارح، فالإرادة الجازمة مع القدرة توجب عملاً ظاهراً، فلا بد من بذل الجهد في سبيل نصرتهم، سواءً بالدعاء أو بالدعم .

يقول العلامة عبد الرحمن السعدي _ رحمه الله _ (( فالله أمر بالجهاد بالنفس والمال، وبالأقوال والأفعال، وبالمباشرة وإعانة المباشرين، وبالدعوة والتحريض والتشيجيع، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من لم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق ). فكل من في قلبه إيمان، فلا بد أن يكون له نصيبٌ من هذا الجهاد، وكل أحدٍ فُرض عليه أن يقوم بما يستطيعه من ذلك، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها )) المجموعة الكاملة ( الجهاد ) صـ 193 .

علينا أن نتأسَّى برسول الله صلى الله عليه وسلم في كثرةِ تضرعهِ إلى الله، ولجوئه إلى ربه، ومن ذلك الدعاء على أولئك الأمريكان، فقد كان صلى الله عليه وسلم يدعو على المشركين بالهزيمةِ والزلزلةِ, وكان من دعائه (( اللهم أشدد وطأ تك على مضر)، أخرجه البخاري ج (2932) لا سيما إذا أشتد ت شوكتهم، وكثر أذاهم [أنظر فتح الباري لأبن حجر 6/ 108]

وقال ابن تيمية : فيشرع أن يقنت عند النوازل، يُدعو للمؤمنين، ويدعوا على الكفار في الفجر وغيرها من الصلوات، فمن دعاء عمر لما حارب النصارى (( اللهم ألعن أهل الكتاب)) وكذلك علي, ولو سمَّي من يدعوا لهم أو عليهم، كان ذلك حسناً )) [مجموع الفتاوى 22/270]

وأخيراً علينا أن نوقن أن الأمر كله لله، فالنفع والضر بيده عز وجل، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وهو سبحانه لا يخلقُ شراً محضاً، فالشرُ ليس إليه، والخيرُ فيما أختاره الله تبارك وتعالى .

وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعلُ اللهُ فيه خيراً كثيراً ، وبالله التوفيق

11 / 10 / 1425هـ

المصدر : شبكة نور الإسلام
 

بلاد الرافدين

  • الفلوجة
  • رسائل وبيانات
  • في عيون الشعراء
  • من أسباب النصر
  • فتاوى عراقية
  • مـقــالات
  • منوعات
  • الصفحة الرئيسية