اطبع هذه الصفحة


الولاية وولاية العراق

ابوعبدالله احمد الساهوكي


ينبغي أن يعلم أنه قد اختلف أهل العلم في صحة تولي الولاية من الكافر : فمنهم من منعه ، لما في ذلك من تولي الظالمين بالمعونة لهم ، وأجاب عن تولي يوسف عليه السلام من الملك بأن الملك كان صالحا ولم يكن كافرا كفرعون موسى ، وعلى افتراض كونه كافرا فإن يوسف قد تولى النظر في أملاكه دون أعماله فزالت عنه التبعة فيه .
قال الماوردي : "واختلف لأجل ذلك في جواز الولاية من قبل الظالم ، فذهب قوم إلى جوازها إذا عمل بالحق فيما يتولاه ، لأن يوسف عليه السلام تولى من قبل فرعون ليكون بعدله دافعا لجوره . وذهبت طائفة أخرى إلى حظرها والمنع من التعرض لها ، لمافيها من تولي الظالمين والمعونة لهم وتزكيتهم بتقلد أمرهم ,و أجابوا عن ولاية يوسف عليه السلام من قبل فرعون بجوابين :
أحدهما : أن فرعون يوسف كان صالحا وإنما الطاغي فرعون موسى .
والثاني : أنه نظر في أملاكه دون أعماله . " الأحكام السلطانية ص (145).

وهناك من أهل العلم من أجاز تولي الولاية من الكافر ولكنهم اشترطوا لهذا : أن يكون مصلحا على وفق الشرع ولا يعارضه الكافر في عمله ، أما إذا كان الكافر يتدخل في عمله ويوجهه إلى مايخدم مصالحه وشهواته فلا يجوز تولي هذه الولاية لما فيه من الضرر ، واستدلوا بقصة يوسف عليه السلام ، فقد تولى هذه الولاية للإصلاح ومكنه الملك من الحكم بشريعة الله دون أن يعترض عليه أحد ، ولذلك قال الله تعالى : " وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء " .
قال القرطبي في تفسيره عند آية " قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم " : " قال بعض أهل العلم : في هذه الآية ما يبيح للرجل الفاضل أن يعمل للرجل الفاجر ، والسلطان الكافر بشرط أن يعلم أنه يفوض إليه في فعل لا يعارضه فيه ، فيصلح منه ماشاء ، وأما إذا كان عمله بحسب اختيار الفاجر وشهواته وفجوره فلا يجوز ذلك ، وقال قوم : إن هذا كان ليوسف خاصة ، وهذا اليوم غير جائز ، والأول أولى إذا كان على الشرط الذي ذكرناه ، والله أعلم " تفسير القرطبي 9/215، [وينظر للاستزادة : الهداية مع فتح القدير 7/263، 264 ،تبيين الحقائق 4/177 ، شرح أدب القاضي للصدر الشهيد 1/131 ].
فكيف يطلق الشيخ العبيكان –وفقه الله- القول بالجواز دون النص على هذا الشرط الذي يعلم يقينا عدم تحققه ، وهو يرى من هؤلاء المولين التنازل عن تحكيم الشريعة وإظهار العداوة على أهل السنة وتأليب الكفار على قتلهم واستئصالهم .

ثم يجب التنبه إلى فارق جوهري في المسألة يجعل الاستدلال في غير موضعه وهو أن حال يوسف عليه السلام مع الملك لم تكن حال قتال وحرب ، فقد كان يوسف في غير بلده ولم يعتد عليه الملك بسلب أرضه وقتل أهله ، فهو ليس كافرا حربيا بل يحكم في أرضه التي استتب له الحكم فيها ، ولهذا نجد أن من استدل من أهل العلم بولاية يوسف عليه السلام ، إنما يستدل بها على جواز تولي المسلم ولاية في بلاد الكفر ينتفع بها المسلمون بشرط أن يقوم المسلم بالعدل ولا يخالف شريعة الله في ولايته، فمثال قصة يوسف في واقعنا أن تولى بريطانيا مثلاً مسلمًا ولاية لديها وتعطيه صلاحيات مطلقة.

فأين هذا من واقع العراق الذي جاء الكافر إليه محاربا ، فاجتاح البلاد وعاث في الأرض الفساد ، فقتل المسلمين وشردهم من دورهم ومدنهم ، وسفك الدماء وأتلف الأموال والممتلكات ، ودنس المساجد والمقدسات ، وانتهك الحرمات والأعراض ، وعذب المسلمين والمسلمات ، ومايزال مستمرا في هذا الإفساد والإجرام ، وتآمر معه في هذا عدد من أصحاب المذاهب المنحرفة ، فأعانوه على المسلمين الذين يدافعون عن أنفسهم وأهليهم وممتلكاتهم ،ومع ذلك لم يستتب له الأمر بعد فما زالت الحرب قائمة ، وهو في قتال مع المسلمين ، ولهذا لم يلجأ المحتل إلى هؤلاء الأعوان إلا عندما واجه هؤلاء الذين يقومون بجهاد الدفع عن دينهم وبلادهم ، فأراد أن يجعل هؤلاء في الواجهة لكي يدفع عن جنده القتل ، ومن أجل ضرب البلاد بعضها ببعض .

إن هذا الاستدلال يلغى معنى الاحتلال والاستعمار فيستطيع أي محتل أن يضع بعض عملائه في الواجهة ويأمر الشعب بالسمع والطاعة لهم ويبقى احتلاله للبلد محفوظًا مصانًا بمثل هذه الفتوى، وهل سنقول نفس المقولة لو أن شارون أمر بعض العملاء بتكوين حكومة فلسطينية فهل سنأمر الفلسطينيين بالسمع والطاعة لها في المنشط والمكره وعلى أثرة عليهم؟!

يوسف عليه السلام نبي كريم مؤيد من الله، فلا يمكن أن يقارن برجل عادي فضلا عن بعثي خائن، فإن يوسف عليه السلام كان:
عبدا، أسيرا، مسجونا، وحيدا، في بلد غير بلده، غير مأمور بقتال، لم يعتد عليه الملك ولم يسلب منه أرضه ويقتل أهله وينتهك عرضه. ثم ولاه الملك لثبوت صلاحه وعلمه وخوله ليحكم بشريعة الله تعالى كيفما شاء دون سلطان من أحد عليه كما قال تعالى: وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء ....
وأي أمر أعظم من التمكين في الأرض ؟؟
فأقام يوسف العدل وحكم بالقسط ولم يكن ثمة قتال وحرب ولا دماء ولا أشلاء.
وأما الحالة المستدل بها، فجيش كافر مستكبر متجبر أهلك الحرث والنسل وتعاون معه الخونة والأفاكون ومتاجرو الأعراض أمر الله سبحانه بقتالهم ودفعهم وحرم الفرار من أمامهم فقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير.
وقال صلى الله عليه وسلم: من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون عرضه فهو شهيد... إلى غير ذلك من النصوص المستفيضة التي امتلأ بها الكتاب والسنة.
فلما رأى هذا الجيش الكافر إباء المسلمين ومناجزة بائعي الأنفس لرب العالمين أتوا بعميل لهم ليكون عصا الردع للمجاهدين الذين يذودون عن حياض الدين وعرض المؤمنين بخطة بلهاء لا تنطلي إلا على السفهاء وساذجي التفكير.
ان قصة يوسف ليس لها من قريب أو بعيد بما ذهب إليه المستدلون لأنها تتكلم عن تولية حاكم ظالم أو كافر في دولته رجلا مسلما في ولاية فهل يجوز ذلك أم لا؟ يعني في أمريكا مثلا أو في بريطانيا أو فرنسا أو حتى في أسبانيا التي كانت دولة إسلام سابقا واستولى عليها الكفار، هل يجوز للمسلم أن يعمل لدى هذه الحكومة الكافرة؟
ولم يتعرضوا البتة لجيش كافر اجتاح بلاد المسلمين وهم في جهاد معه ومناجزة وأراد أن ينصب عليهم عميلا له عليهم ليوقف جهادهم لأنهم متفقون بداهة وبالإجماع الذي لا يعرف أحد في تاريخ الإسلام يخالفه على قتاله ودفعه بكل ما يمكن من الوسائل.
وكذلك إنهم اشترطوا شروطا لقبول عمل المسلم لدى الكافر وهي أن يقوم بالعدل والقسط ويطبق شريعة الله في ولايته.
استدلال المستدل بقصة نبي الله يوسف عليه السلام ، على صحة ولاية من يوليه المحتل لأرض المسلمين ،استدلال منكوس ، فيوسف عليه السلام نبيّ مسلم ، لايحكم بغير شريعة الله ، وهو القائل لصاحبي السجن " إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لايعلمون " ، قد مكّنه الله تعالى على قوم كفار ، في بلد أهلــه كفار ، فحقق بولايته علو الإسلام بأحكامه على بلاد كافرة .

وأما حكومة الإحتلال الحاكمة بأحكام الكفار ، الموالية لهم ، فهي حكومـة كافرة تتولى على قوم مسلمين ، وتحقق علوّ أحكام الطاغوت في بلاد الإسلام ، فالعجب والله من هذا الاستدلال المنكوس .

ثم إن الله تعالى ، قد قال عن يوسف عليه السلام : ( وكذلك مكنّا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ) .

فالآية تبيّن أن الله تعالى مكّن له في الأرض ، فله اليد العليا فيما تحت يــــده ، بتمكين الله تعالى ، لا بغيره ، ليحكم بالشرع والعدل والإحسان ، وأن هذا التمكين رحمة من الله ، وأنه كان في ذلك من المحسنين.

فأين هذا من حكومة احتلال ، يستخدمها الصليبيون والصهاينة ، لتحارب المجاهدين الذين يجاهدون لطرد المحتل من بلادهم ، فهي حكومة جاءت لتقيم أحكام الطاغوت ، وهي في عملها تسعى في بلاد الإسلام سعـــي الكافرين الظالمين ، ومعلوم أنّ هذه الحكومات التي ينصبها المحتل في العادة ، دُمية لم يُمكّن لها المحتـــل، وإنما يستعملها ليمتطى ظهرها ، ليحقق بها أهداف الكفار في بلاد الإسلام.

اخوكم ابو عبدالله الساهوكي
العراق

 

بلاد الرافدين

  • الفلوجة
  • رسائل وبيانات
  • في عيون الشعراء
  • من أسباب النصر
  • فتاوى عراقية
  • مـقــالات
  • منوعات
  • الصفحة الرئيسية