اطبع هذه الصفحة


فضيحة بلوتوث ..!

سعد بن عبدالرحمن بن سعد النفيسة


(البلوتوث) تلك التقنية التي ابتدأت بالطريف والغريب من المقاطع ، وتسللت عبر أشواك وحواجز زرعها الخوف الاجتماعي من سوء استغلالها ، هذه التقنية ما زالت تحمل معها يوما بعد يوم الكثير من المفاجآت والفضائح التي اخترقت محافظة المجتمع وانغلاقه ، كما خلعت عنه لحافه القصير الذي لا يكاد يستره من عين الفضيحة . لم تقتصر صدمات ومفاجآت هذه التقنية على الجوانب الذوقية العامة أو الاجتماعية الخاصة ؛ بل تجاوزتها إلى التفنُّن في سرقة زلات الإنسان في لحظات ضعفه واستسلامه لشهوته وهواه وجبروته. والمؤسف في كل هذه الأحوال السلبية أنَّ الرادع لا يتناسب مطلقا مع الأثر الخطير الذي يحدثه ذلك الاستغلال السيئ لهذه التقنية على المجتمعات وخصوصيتها ، والنظام وهيبته . كما أنَّه من المثير للدهشة هو تحول هذه التقنية إلى ظاهرة مجتمعية عربية ؛ فلا تكاد تخلو المجالس والأماكن العامة والخاصة من حركة دائمة في الإرسال والاستقبال، ولربما قضى الجالسون في منتدياتهم، والراكبون في سياراتهم جل أوقاتهم في تبادل هذه المقاطع في انهماك قاتل ، غير أنّ ما حدث مؤخرا ليس كالذي سبق في غرابته وسخافته وجرمه ؛ فقد تجاوز هذا الأمر كل الأعراف (البلوتوثية) ليتحول مقطع (البلوتوث) إلى حدث سياسي مثير ، وصفقة تجارية بحتة تفتقر للأخلاق، ومادة إعلامية تستقطب الملايين من المشاهدين والقرّاء .

لقد أبى (البلوتوث) إلا أن ينقل لنا الصفحة المثيرة من حياة الرئيس العراقي الراحل صدّام حسين ، لتبقى هي الصفحة الألمع في حياته والأكثر زخما ، والأكثر دقةً في نقل المستوى الأخلاقي لبعض مستخدمي (البلوتوث) من الطبقة (النخبوية) العراقية ؛ فالتصوير تمّ بأيدٍ ناعمة تقتات من فتات الدولارات الأمريكية في العراق . هذه الفتات من الدولارات لم يكن كافيا لمريدي الثراء السريع ، وليس ذا جدوى في عالم يحقق فيه البعض الملايين لمجرد الموافقة-ولا شيء سواها-على سحق الإنسان الحر ، وقمع الكرامة الراسخة ، بتهمة الإرهاب والخيانة. لقد نقل لنا (بلوتوث) إعدام صدّام كيف تزهق كل معاني الإنسانية من أجل حفنة مال ، ونقل لنا أيضا كيف تركل الوطنية مقابل التنفيس عن احتقان طائفي بغيض ، كما لم ينس أن ينقل لنا أيضا مدى الأثر الكبير الذي يتركه مقطع قصير جدا عبر (البلوتوث) في حشد الرأي العام العربي والعالمي أيضا وإثارته نحو شيء ما !

لقد ظهر أنَّ (القادسية) و (أم المعارك) وغيرها من المغامرات الصدّاميّة الدموية لم تفلح في صناعة الهالة التي أرادها صدام ليصنع لنفسه رمزية القائد العربي الفذّ ، بل إنّّها أتت بكل ما يثرّب عليه في وقت لم يكن يعبأ فيه (الرئيس الراحل) إلا بتصفيق المسبحين بمجده وبطولته وإجرامه ! ولم تكن هذه الحروب كافية ليدخل صدّام بوابة التاريخ بـذَرّة مجد أو حفنة من بطولة ؛ بل سارت الأقدار بأمر عجب ؛ إذ يجيء (صدّام) ببزته السوداء المتواضعة وشعره المسرح ولحيته المهذّبة ، إلى خشبة الإعدام بثباتٍ غير مزوَّر ، وتماسك لم يصنعه الورق ، وتحدٍّ ملجم للخصوم ..

ثمّ ينطق بالشهادتين بعد جدلٍ حضرت فيه (الرجولة) في وقت يعز فيه تذكرها فضلا عن الجدال بها ، وتنتهي بتلك الإثارة قصة رجل احتل مكانا لا ينسى في التاريخ عبر جوال (مريم الريّس) ، ليرحل مدججا بإعجاب الملايين الذي صنعنه خصومه الانتهازيون .


سعد بن عبدالرحمن بن سعد النفيسة
saad_nf@hotmail.com
 

بلاد الرافدين

  • الفلوجة
  • رسائل وبيانات
  • في عيون الشعراء
  • من أسباب النصر
  • فتاوى عراقية
  • مـقــالات
  • منوعات
  • الصفحة الرئيسية