اطبع هذه الصفحة


" الآخر" ... في وعي وثقافة كتّاب الساحات العربية

صخرة الخلاص

 
( مقال بمثابة مراجعات وتقييم وتقويم للتجربة العربية - في عالم النت والحوار - وخاصة كتّاب الساحات العربية الكرام ، بحكم أن ساحتنا العربية تعد الأم لجميع الساحات العربية الأخرى ، والرحم التي ولدت كتّابا كبارا أصبحت المنتديات الأخرى تحاول استقطابهم ، إلى قراء وكتّاب الساحات العربية أهدي مقالي هذا ... مع خالص حبي وتقديري للجميع ) .

الآخر ... قد يكون \" أنت \" وقد يكون \" أنا \" وقد يكون شخصا ثالثا بعيدا كل البعد عني وعنك !
لو كنت \" أنت \" الآخر ... فبماذا تحب أن ينعتك الناس ؟
وبماذا تحب أن يعاملوك ؟
هل فكرت في السابق بهذا الشكل ؟ وهل فكرت في السابق أن تجعل نفسك محل الآخر الذي تم رشقه من قبلك أو من قبل الناس بكم هائل من أرتال الألفاظ الجارحة أو المقللة من الذات ؟

لو كنت \" أنت \" محل ذلك \" الآخر \" وتعرضت للهجوم فما هو الصوت الذي تريد أن توصله للناس ؟

هل ستقول \" أنت \" : إني أريد أن أقول مجرد رأي ، وقولي هذا يجب أن يقبل أو على الأقل يطرح بحكم أني حر في قول ما أشاء !

وهل سأقول \" أنا \" نفس ما قلته أنت ؟

وما هو موقفي من رأيك ؟ وما هو موقفك من رأيي ؟ وهل أنا حر في فرض رأيي عليك ؟ ومصادرة غيره من الآراء ؟

ثم الأهم من كل ذلك ... هل أنا ملزم بك كوجود أو حقيقة موضوعية ؟ وهل أنت ملزم بوجود آخر تهتم به أو تصغي إليه أو حتى تعتقد بوجوده ؟

أيها الأخ الحبيب ... لقد مر على الكثير هنا - أي في الساحات العربية - سنوات ، وهذه السنوات غنية وثرية بالتجربة والمواقف ، ومن الخسارة الكبيرة أن تمر تلك التجربة دون استخراج دروس وعبر من الماضي ، وجعلها كمصابيح وشموع تضيء لنا طريق المستقبل بمشيئة الله .

وإليك أيها الأخ الحبيب بعض الوقفات والمحطات التي أود - مخلصا - أن تقف معها كثيرا وتتأملها جادا ، من أجل غد أفضل .

وقفات وعبر من خلال مشوار الحوار :

(1) الاختلاف أمر طبيعي بل حتمي في هذه الكون :
وهذه سنة إلهية ، حيث بيّن الله سبحانه وتعالي أن الناس في خلاف ، وأنهم لا يزالون مختلفين ، وأن الخلاف لا يعرف أحقيته أو بطلانه من كثرة الأعداد أو قلتها ، وأن الحق لا يرتبط بالأشخاص ولا بالدول ولا بالمؤسسات ، والحق أصيل وقديم ، وهو الغالب ، بالكلمة والحجة والبرهان ، وأن الحق لا يحتاج إلى أشخاص يجيدون الشتائم والسباب ، وأن الحق لا يريد إقصاء الآخر ، ولا إلغاء شخصه ، بل الحوار معه ، في جو يكفل المساواة في الفرص والإمكانات ، وكما أن الحق ظاهر فإنه لا يزال في صراع ، حتى يرث الله الأرض ومن عليها .

ولولا قيمة هذا الصراع لما أوجده الله ، فالله سبحانه وتعالى لا يوجد - إطلاقا - شرا محضا ، ولا يوجد في مخلوقات الله شرور معدومة الخيريّة بوجه من الوجوه ، بل لا توجد مصيبة ولا شر، كموت الأنبياء ، والصالحون ، أو انتكاسة من انتكس ، أو زوال مظهر من مظاهر الخير ، إلا وفيه خير ظاهر أو باطن علمه من علمه وجهله من جهله ، فلله الحكمة البالغة كما له الحجة البالغة ، ولو شاء لهدى الناس جميعا ، ولكن الحياة أرض بلاء ومحك اختبار ، ودار عمل ، فمن شاء فليقدم لنفسه من الأعمال والأقوال ما ستنفعه يوم القصاص الأكبر .

ولو لم يختلف الناس فيما بينهم على غايات ووسائل الحياة ، وكما يسمي القرآن هذه الظاهرة \" بالتدافع \" ولو بقينا مع أبينا ( آدم عليه السلام ) في الجنة ، لما تحققت الغايات النبيلة والحكمة الربانية من التكاليف الإلهية ، ولما أبدع الإنسان أيضا في حياته التكليفية وأنتج العلوم والدراسات الغاية في الروعة ، لأن مثل هذه الدراسات لا تنمو وتزدهر إلا مع وجود التنافس والتدافع بين البشر .

ولذلك ُبعث الأنبياء ، وأبتلوا ، وُمحصوا ، وعذبوا ، ولولا دار التكليف ، لما حصل للأنبياء ما حصل ، فحياتنا جهاد ، ووجود المخالفين أمر حتميّ لا مناص منه شاء من شاء أو أبى من أبى !
وإذا تقررت تلك الحقيقة - وهي لزوم وجود المخالف - بقيّ علينا أن نتعلم كيف نعيش معه .


(2) أمانة الكلمة وخطورة الأفكار :
إذا آمنا بضرورة وجود المخالف أو \" الآخر \" ، بقيّ أن نؤمن بأمانة ومسؤولة الكلمة ، لأننا ندرك مدى خطورة الأفكار على القراء .

إن الإنسان - مهما كان اتجاهه - يحذر جدا من الطعام المسمم أوالفاسد ، فلا يأكله ولا يقدمه لأفراد أسرته ، إيمانا منه بأن الطعام الفاسد يسمم الجسد ويسري سمه في الدم ويهلك الإنسان .

وإذا كان الطعام الفاسد أو الرديئ يسمم الجسم ، فإن الأفكار الفاسدة أو الرديئة تسمم العقول وتقتل العلوم ، وأعتقد أن تسمم العقول أخطر من تسمم الأجساد ، والإنسان لا يكون إنسان بمجرد كونه يمتلك جسدا !

ومن الأمور المضحكة - حقا - أنني أعلم أن هناك أفرادا من الكتّاب في الساحات العربية من الذين يدمنون على الكتابة ، وإنتاجهم الكمي كبير جدا ، المضحك في الموضوع ، أن أحدهم أخبرني أنه مرة كتب موضوعا \" ما \" وهو غير معتقد بما كتب بل غير مبالي ، وإنما الذي دفعه إلى الكتابة مجرد شهية الإنتاج الكميّ الذي أدمن عليه ، ومع يقينه - أي هذا الكاتب - بتفاهة ما كتب ، إذ به يصدم إلى درجة الإغراق في الضحك ، بأن عشرات القراء أعجبوا بما كتب بل بعضهم آمن وأعتقد بصحة تلك الأفكار !!

لقد قالها لي صراحة : ما أتفه القراء !
وقلتها أنا له بصراحة : ما أشد إنفلات المسؤولية عندك !

كم من فكرة كتبت هنا - في الساحات - وتلقفها القراء بالقبول ، وطبعت وصورت آلاف المرات ، إن بعض كتاب الساحات العربية يحضون باهتمام منقطع النظير من قبل القراء إلى حجم يفوق بعض كتّاب الزوايا في الجرائد الرسمية ، بل بعضهم - كما علمت - يتابع باهتمام من قبل مسؤولين كبار هنا وهناك !

وبعد كل ذلك - يا أخي الغالي - ألا يتوجب علينا أن نحترم الكلمة ، أن نحترم الحروف ، نحترم القراء ، نحترم أنفسنا ؟

يقول أحد المفكرين الغربيين : إن إهمال الأفكارمن قبل الذين ينبغي أن يعتنوا بها أي من قبل من تدربوا على تبني نظرة ناقدة للأفكار عموما ، قد يؤدي أحيانا إلى اكتسابها قوة كاسحة لا يمكن مقاومتها أو كبحها ، تفرض على أعداد هائلة من البشر!

بل قد قالها الشاعر الألماني (هاينة ) قبل أكثر من مئة عام محذرا من مغبة الاستخفاف بسيادة الأفكار وسلطتها ... فقال :
( إن الأفكار الفلسفية التي يطرحها أستاذ من مكتبه الهادئ ، قادرة على إبادة حضارة بكاملها ) !

إن ما يجري في الساحات - وغيرها - يعد صراعا فكريا ، وسوقا رائجة للأفكار ، ومن المفترض على كل كاتب أن يستشعر بمعظم المسؤولية الملقاة عليه ، ولذلك يتوجب عليه أن يراقب الله في كل ما يكتب ، وليعلم أن ما سطره بيده سيسجل في صحائف أعماله عند الله ، وليقوي عنده الرقابة الذاتية ، وليصنع الضمير ، وليراقب أفكاره ، فهناك من الصغار والمراهقين والكبار من قد ينجرفون لبعض ما يكتب وهو الذي سيتحمل أمام الله مسؤولية كتابته وآثارها السيئة .

فهل ندرك قيمة الأفكار ؟!

(3) ضرورة الأدب مع الثوابت الدينية :
إذا كان الاختلاف أمر حتميّ وطبيعي ، فإن احترام الثوابت الدينية من الحتمي بمكان ، ولولا التجاوز في هذا الباب لكان الاختلاف أفضل مما نراه اليوم .

إن بعض المنتمين للتيارات الليبرالية والذين يفترض بهم أن يكونوا أشد الناس تقديسا للحرية وللكرامة ، هؤلاء نجد عندهم - مع كل أسف - شجاعة منقطعة النظير في وجه النصوص الدينية والثوابت ، بل وكرامة الأمة ، مالا نجده عندهم في وجه الحكام .

فبعض الليبراليين يجد من الشجاعة والقوة في الهجوم على الله أو على الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أو الدين ، مالا يجدها على بعض الحكام !!

وكأنه - للأسف - لا يؤمن إلا بالعقاب المحسوس المنظور ، وكأن قيمة الأفراد أعظم من قيمة الله جل في علاه !

وقد يكون من أسباب هذه الظاهرة المرضية بعض المنتمين للدين - مع كل أسف - حيث حولوا بعض القضايا الاجتهادية إلى قضايا قطعية ثبوتية !

إن بعض الاخوة هداهم الله قد إنعدم عندهم سلم الأولويات ، فأصبح عنده إنكار تحريك السبابة مثل إنكار الصلاة ، وإنكار وجوب ستر الوجه مثل إنكار وجود الله ، فأصبح المخالف في الحجاب يجد نفسه في صف المخالف في الإيمان أو في الأصول العقدية ، وهذا وربي خطر عظيم يصب في النهاية في مصلحة غلاة المنحرفين عن الدين .

إننا إذا تمسكنا بقضايا خاسرة نعتقد أنها هي الأصل ثم انهارت ، قد يدفعنا هذا إلى الاحساس بالخسارة ثم الاحباط ثم تقريع ومراجعة الذات مراجعة خاطئة تدفعنا إلى الانكفاء والاعزلة !

ولذلك يحلو للبعض تقريع أهل الدين لموقفهم من قضية تعليم البنات ، وأنهم وقفوا موقف الرفض ، ولكن سرعان ما تجاوزهم المجتمع ، ولذلك ستكون قضاياهم اللاحقة كقضاياهم السالفة !

هذا الإيحاء الخطير سيزرع في نفوس البعض الاحباط !!

والحقيقة أن الخطأ هو في تنبي قضايا خاسرة بل مخالفة لحقيقة موقف الدين من العلم والمرأة ، واختلاط الرؤى بين ممارسة المجتمع لعاداته وبين تعاليم الدين !

هذا قضية ... والقضية الأخرى ، أنه ليس كل قضية يخسرها أهل الدين تعد في نفسها قضايا خاسرة ، كلا ... صحيح أن الملابسات والواقع حكم بتجاوزها ، ولكنها في الحقيقة حق ولذلك نجد المجتمع يعيد تقييمه لها وترتفع الأصوات بما كان أهل الدين يريدونه .

ومثل تلك القضايا كثيرة ... وخاصة ما يتعلق بالأسرة والعمل والتربية ونحوها ، ولو أخذنا قضية فرعية لذلك لأخذنا قضية ( السائقين والشغالات ) وموقف أهل الدين منها ، وبعد تجاوز موقفهم ، اليوم يعاد التفكير فيها بعد أن تفاقم الوضع الاجتماعي والأسري والأخلاقي بل والعقدي والأمني من ظاهرة الشغالات والسائقين .

ليس أي قضية تخسر آنيا تعد خاسرة في ذاتها ، كما أنه ليس كل فكرة تنجح تعد ناجحة في ذاتها .

نعود لأصل النقطة وهي ضرورة الأدب مع الثوابت الدينية فأقول : إذا كان من الواجب احترام رأي الفرد وتوقيره ، فإنه من الضروري بل الحتمي احترام النصوص الدينية التي تعد قيمتها أعظم من كونها بشرية أو مجرد رأي .

(4) قضايا صغيرة ... تثير زوبعات كبيرة :
من الملاحظة للأسف ، أن المواضيع القيمة والعلمية سرعان ما تموت بشكل مفجع ، بخلاف بعض المواضيع السطحية التي تلاقي تصفيقا بل وصراعا مريرا ، نجد العقلاء يقفون منها موقف المتحسر الذي يقرع سنه !

كم تأملت بعض المواضيع الخطيرة والرائعة كيف تموت وكأنها نجم عظيم سقط بسرعة وتلاشى ، في حين اتأمل مواضيع مشاغبة لا قيمة علمية لها ولا توثيقية تأخذ حجما عظيما كحجم البالون !

حتى أفرزت الحورات بعض الكتّاب المشاغبين الذين أجادوا لعبة الحوار وتمرنوا على قوانينها ، فأصبحوا أباطرة الاثارة والمشاغبة ، ففي موضوع صغير لا يتجاوز الخمسة أسطر أو نحوها ، يستطيع أن يجر الخصوم والقراء بالعشارات والمئات إلى موضوعه ، ثم يتركهم يتصارعون وكأني به يضحك على عقولهم !

من المسؤول عن هذه المشاغبة الشقيّة ؟
في وجهة نظري أن القراء والكتّاب هم من يتحمل أكبر المسؤولية ، لأن القراء باستطاعتهم تأديب هؤلاء المشاغبين لو حكموا عقولهم وتركوا تلك المشاكسات تأخذ دورها في الطابور السفلي لسلة المهملات العملاق في الساحات !

لقد قلتها مرة لأحد أصحابي في الساحات حينما قال لي : ألا ترى كيف أستطاع هذا الكاتب أن يحرك هؤلاء القراء والكتّاب نحوه بطريقة تدعو للرثاء والسخرية ؟!

فقلت له : نعم ... ولكن لا تلم الكاتب ولكن لم القراء الذين صنعوا هذا الكاتب !

نعم ... كم يجيد القراء البسطاء صناعة بعض الكتاب من حيث لا يعلمون ، فالشتم واللعن والغضب وتلفيق الكلام لا يقتل الخصم وليس هو الأسلوب الإسلامي لمعاملة الآخر ، ولكنه في وجهة نظري القاصرة هو أنجح الأساليب لصناعة الخصوم كنجوم هوليوود أو كأبطال السينما .

إذا أردنا أن تعلو الساحات بالكتّاب الكبار وبالموضوعات العلمية القيمة ، فيجب أن نؤدي دور القارئ الذكي ، لقد شارك بعض الكتّاب والقراء من حيث لا يدري بموت مجموعة من الأقلام كما شاركوا في صناعة بعض الأقلام ... فهل نعي ذلك ؟


(5) التسامح وافتراض حسن النية كأصل للآخر :
متى ما رأيت أن خصمي يراني خبيث وشرير وكافر أو رجعيّ ظلامي مستبد ، فإني وتلقائيا استبد ريشة قلمي بسيف بتار أضرب به عنق الآخر ، ومتى ما رأيت كلمات التسامح والصفح والمحبة من الآخر كلما خجلت من نفسي وتواريت هربا من ضميري أمام هذا الاحسان الذي أستعبدني !

كلنا نخطئ ، كل نذنب ، كلنا يحتاج إلى مغفرة ، كم قسونا على الآخرين ، وكما تجاوزنا الحدود ، وماذا جنينا ؟

إن الشجرة الطيبة تطرح ثمارا طيبة ، والخبيثة تطرح ثمارا خبيثة ، ولكنك أيها القراء الفطن لأي شجرة تقصد ، وتحت أيهما تستظل ، وأي الثمار تأكل ؟

لا أريد أن أكون مثاليا أو خرافيا ( طوباويا ) أحلق في سماء الجمهورية الفاضلة ، ولكني أرى ثمار التسامح حقيقة واقعية ألمسها متى ما جربتها شخصيا أو متى جربها عليّ الآخر ، كما أني ألمس الثمار المرة للإستبداد والتعنت متى ما جربته أنا أو متى ما جرب عليّ .
العلماني بشر يحس ويتألم ويأمل .
والمتدين كذلك بشر يحس ويتألم ويأمل .
الخلاف قائم ومحتدم بينهما ، لكن ... قليل من التأمل في الآخر وهمومه ومقاصده كافتراض حسن النية كأصل في الآخر ، يبدد هذا القتال والصراع القائم ، ويحول النظرة للآخر من ملحد أو كافر أو زنديق أوظلامي أو فاسق ، إلى إنسان ضل الطريق أو أخطأ الهدف ويحتاج إلى مساعدة مكثفة أكثر من غيره .

ألا ترى أيها الحبيب أن الأب يحنو ويعطف على ابنه المريض أكثر من بقية الأبناء ؟
لماذا ؟
لأنه يحتاج الأب ليصل به - بعد الله - إلى الشفاء .
إنه في ديننا الإسلامي مساحة عظيمة للتسامحة والغفران ، بل هي حاجة بشرية ملحة يؤمن بها العقلاء في كل مجتمع .

لقد بيّن ديننا الحنيف أن الإنسان خطاء لا محالة ، ولكن خيرهم من يرجع عن الخطأ ، وليس في هذا عيب ولا عار ، لأننا نؤمن جميعا بأننا غير معصومين وأننا عرضة لفرصة التسامح من الغير .

ولذلك يجب أن يكون التسامح تبادليا : أي يتعين عليه أن يقوم على مبدأ التقابل .

ولا يجب أن نطالب بمبدأ التسامح يوم أن نكون في الموقف الأضعف ، عندها سيكون رفع مبدأ التسامح مجرد لواء برغماتي لا حصيلة قيمية أخلاقية من وراءه !

يقول الفيلسوف ( فوليتر ) :
( ما هو التسامح ؟ إنه نتيجة ملازمة لكينونتنا البشرية ، إننا جميعا من نتاج الضعف ، كلنا هشّون وميالون للخطأ ، ولذا دعونا نسامح بعضا البعض ونتسامح مع جنون بعضنا البعض بشكل متبادل ) .

أيها السادة ... إني أعلم أن قضية التسامح معضلة وليست بالهينة ولذلك لا نستغرب أن استعصت على كبار الفلاسفة من زمن إيرازموس إلى زمن جون لوك إلى ستيورات ميل !

إنني فقط إريد أن أصل إلى ثمار الأخلاق الإسلامية والتي تتمثل في أنك : كما تحتاج التسامح في كثر من الأوقات أبذله لغيرك كي يعود إليك ، وإذا كنت لا تريد أن يبرر الآخر عنفه ضدك بسبب عنفك أنت عليه ، أيضا لا ترفع تبريرا لعنفك بسبب عنفه هو .

أيها السادة ... إن دائرة عدم التسماح تضيق شيئا فشيئا حتى تخنق أفراد المجموعة نفسها ، فبالأمس لا تسامح مع المنحرف البعيد ، واليوم لا تسامح مع السلفيّ الذي يخالفنا الرأي في جزئية صغيرة ، إن التربية على عدم التسامح قد تقود في النهاية لتمرد التلاميذ وعدم تسامحهم مع أساتذتهم ومربيهم الذين ربوهم على ذلك يوما ما .

(6) احذر تنبي القضايا الكاذبة أو المشاركة فيها :
قد يوافقني البعض على أن بعض المنتديات أصبحت مرتعا للقضايا الكاذبة والشائعات ، والتي تتناول الدول والمؤسسات والهيئات والأشخاص والاتجاهات والتيارات .

ولقد تحول الإنترنت - مع الأسف الشديد - إلى سوق رائحة للبضائع الكاذبة والمزيفة والشائعات المغرضة ، والتي قد تنال من الأعراض ، والأخلاق ، والأمانة . وقد شجع مثل تلك الممارسات خلو الإنترنت من الرقابة النظامية ، ثم شيوع الأسماء المستعارة والتي بدورها توفر للشخص غطاء أمني لمثل تلك الأعمال .

المهم ... أن تعلم أيها الأخ الحبيب أن هناك من له مصلحة في بث مثل تلك القضايا الكاذبة على دولة ما أو مسؤول ما أو جهة ما ، والسؤال المهم هو : هل ستكون أنت مطية له ، وهل ستقوم بخدمته من دون أن تعلم الأهداف الكامنة وراء تلك القضايا ؟

إنه من الواجب الشرعي والعقلي رفض كل مساس بالقضايا الشخصية والأخلاقية التي يثيرها أشخاص يتلثمون بالأسماء المستعارة ضد أي دولة أو أي مسؤول أو أي جهة ، لأن الرضى أو السكوت عن تلك الأسواق ، قد يعطيها الضوء الأخضر في الامتداد بشكل بشع لتمتد لأشخاص وجهات قد تكون أنت منهم يوما ما .

(7) الساحة السياسية ... والوضع العجيب :
تعد الساحة السياسية من أهم وأخطر الساحة على الاطلاق - من وجهة نظري - ولا غرابة في أن نرى العدد الهائل للزوار ينهال عليها من كل صوب ، ولا عجب أن نرى بعض المسؤولين يتابعها باهتمام ... ولكن !

مع هذا التقدم المنقطع النظير ، نجد أن الساحة السياسية أشد الساحات نفيا للآخر ، وأشدها رواجا للقضايا الكاذبة ، وأشدها صراعا وتحزبا ، والمتأمل البسيط يدرك أن أكثر الموضوعات السياسية بل معظهما في الساحة السياسية يخص ويتناول المملكة العربية السعودية ، مع أن الساحات إماراتية !

قليلا ما نرى مقالات تتناول بلدا غير السعودية ، قد يبدو هذا غريبا للوهلة الأولى ، لكن الغرابة تزول إذا علمنا أن أكثر الكتّاب هم من السعودية ، ثم إذا علمنا أن السعودية كبلد مستهدف ، وليس هذا من باب سوء الظن ، ولكنه تقرير للواقع .

المملكة العربية السعودية يتناولها بالكتابة هنا مجموعة اتجاهات لا مجال لتفصيلها ودراستها وتقييمها ، ولكني أحب أن أشير لبعض النقاط بشكل إجمالي يخص المعارضة بأي شكل ، ويخص المدافعين بأي شكل .

أولا : المدافع .
أحب أن أوجه لهؤلاء جملة من النصائح الأخوية ومنها : أن دفاعكم عن دولتنا دفاع مشروع ومشكور ومبرر ، وهذا حق طبيعي ، ولكن اتمنى أن يتغير الأسلوب من الدفاع التقليدي الذي أصبح في كثير من الأحوال عامل سلبي وليس إيجابي مثل التعميمات الخاطئة ، ومثل المدائح الفجة التي أجزم أن المسؤولين لا يحبون أن يسمعوها ، إلى دفاع علمي رصين .

كما أتمنى أن يتعاملوا مع \" الآخر\" بلطف بعيدا عن الخيانة والتخوين وما إلى ذلك .

كما أتمنى أن يقدموا مشاريع حقيقية لخدمة الوطن ، ودراسات علمية موثقة ، فالعصر الذي نعيش فيه لا يعرف إلا لغة الأرقام والحقائق ، ويتجاهل لغة التصفيق والصفير .

لو قدم \" الآخر\" حقيقة يجب الاعتراف بها أو على الأقل الاهتمام بها ومحاولة إلقاء الضوء عليها ، وترك بقية الكلمات الجارحة \" للآخر \" دون أن تكون تلك الكلمات مانعا لنا من الأخذ بالحق .

يجب أن يكون لدينا مستويات في التقييم ، فليس كل ناقد حاقد ولا حاسد كما أنه ليس كل مادح مخلص .

يجب الابتعاد عن منافع النفس والمكاسب الشخصية ، كما يجب الحذر من تلبيس الخلافات الشخصية خلافات سياسية لأجل إبلاغ غاية الأذى بالمخالف .

ثانيا : المعارض .
وجود أخطاء أيها الفضلاء ليس مبرر لشطب شرعية الدولة ، كما أن وجود عداوات شخصية لا يستحق إظهارها بمظهر المطالب الوطنية !

يجب الاعتراف بالحق وعدم غمطه ، كما يجب الابتعاد عن تضخيم الأخطاء ، ويجب الابتعاد عن التعرض للشخصيات والأعراض والانتقام الشخصي ، ويجب أن يكون الهدف ليس الإلغاء بل الإصلاح ، والإصلاح طريقه هو النصح بقلب مشفق ومحب بعيدا عن لغة التشهير وتصفية الحسابات الذميمة .

تجنب الانسياق وراء الاشاعات بغرض السبق الصحفي أو تحقيق معرفة خفية ، لأن هذا ليس من سمات المصلح الحقيقيّ .

وأخيرا ... للمعارضين والمدافعين ، لا بد على الكل في الإنترنت أن يقبل وجود الآخر ويتعايش معه من خلال بوابة التسامح .


(8) كيف أتعامل مع المواضيع المخالفة ؟ :
همّ يؤرق البعض كثيرا ، ويقف الواحد حائرا ماذا يعمل تجاه المواضيع المخالفة أو مواضيع \" الآخر \" هل يتركها أو يتفعال معها أو يهاجمها ؟

البعض يفضل الشتائم والسباب كحل أمثل ، والبعض يفضل الإهمال ، والبعض يفضل التفاعل معها والرد عليها بشكل من الأشكال .

ولذلك نقرأ للبعض عند ردهم على الآخر قولهم : ( يا خبيث أعرف أنك كلامك غلط في غلط ، ولكن ليس عندي من العلم ما أرد عليك ، لكن اسأل الله أن يشل أطرافك ، ويعمي عيونك ، ويخرس لسانك ، ويجمد الدماء في عروقك ، وأن يتلاعب بك الصبيان في الشوارع ) !!!

ونقرأ بعض العقيبات كالتالي :
( آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين آمين .. إلخ ) !!!

إني اعتقد - مع افتراض حسن الظن بهؤلاء - أن سكوتهم كان أفضل - حتى من ناحية عقلية - فهم تفاعلوا بشكل إيجابي مع خصمهم من حيث لا يعلمون ، ويكفي على أقل تقدير رفعهم للموضوع ليعاد قراءته دون أن يقدموا أي جديد .

إذن ما هي الطريقة المثلي للتعامل مع مواضيع الآخر ؟
من وجهة نظري كالتالي :
أولا : افتراض حسن الظن ، وأن الكاتب لا يريد إلا خيرا ، وإن كان قد ضل الطريق .
ثانيا : الابتعاد عن الغضب قدر الامكان ، ويمكن ذلك عن طريق أمور منها :
- نسيان الموقف الشخصي للكاتب وعدم النظر والاعتبار بشخصية الكاتب كمحك لقبول أو رفض الموضوع .
- عدم الرد مباشرة على الموضوع لأن التسرع مع وجود الغضب قد يجعلك تكتب ما تندم عليه .
- احتساب ما تكتبه لوجه الله ، وأن هذا الاحتساب يدفعك للتخلق بالأخلاق الإسلامية .
- الاحساس بالأمل دائما في أن يكتب الله هداية \" الآخر \" على يديك أو هداية بعض القراء .
ثالثا : حسن القراءة لموضوع \" الآخر \" + حسن الفهم .
رابعا : الرد بعلم ( شرعي وعقلي ) والابتعاد عن الارتجال والعفوية .
خامسا : الاهتمام بتفخيم نقاط الالتقاء ، مع حصر نقاط الاختلاف .
سادسا : الاستفصال من \" الآخر \" حول بعض النقاط الغامضة .
سابعا : التراجع والاعتذار من \" الآخر \" متى ما ظهر أن الحق معه .

(9) وأخيرا ... مستقبل الساحات :
قد يوافقني البعض في أن مستوى الساحات لم يعد كما هو في السابق بسبب غياب بعض الأقلام القيمة ، ولكني متفائل جدا بمستقبل الساحات واتمنى لها أن تزدهر وتنمى أكبر مما نتصور .
وأدعو الأقلام المهاجرة للعودة ، وادعو المسؤولين هنا إلى دعوة من رحل ، وادعوا الاخوة لتقبل القادمين الذين يحبون أن يعاملوا الناس بمثل ما يحبون أن يعاملهم الناس .

 

منتديات الحوار

  • يا روادَ المنتديات
  • الكاتب المتميز
  • آفات وأخطار
  • منوعات
  • الفتاة والمنتديات
  • أدب الحوار
  • أدب الخلاف
  • الصفحة الرئيسية