اطبع هذه الصفحة


رسالة عن بداية العام

بقلم / قطوف دانية


بسم الله الرحمن الرحيم


أحبتي في الله ..
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وبعد /
فكل عام وأنتم بخير ، وكل عام وأنتم إلى الله أقرب ..
أخط لكم هذه الكلمات ، وأملي في الله أن ينفعني وإياكم بها ..
فأقول وبالله التوفيق ..
ها قد عشنا هذا العام وعشنا اللحظات بكل مافيها من أفراح وأحزان ، وصحة ، وأسقام ولكن هل نتذكر اليوم ما قد فعلناه في بداية العام ؟ هل نذكر زلاتنا الصغيرة ، وذنوبنا الكبيرة ؟ هل نذكر في أي يوم قد أخرنا صلاة مكتوبة أو حتى ضيعناها ؟ هل نذكر أي شيء قد عملناه قبل ( ثلاثمائة وخمسة وخمسين يوما ) ؟ طبعا : لا ، فكل ما نتذكره هو أياما معدودة ، لنا فيها ذكريات إما حسنة ، أو سيئة ، ولكن لا نتذكر شيئا قد عملناه أو حتى تركناه من واجباتنا وسننا ..
هنا تكمن المشكلة أننا ننسى ، وننسى أن الله لا ينسى ..

عجبا لنا أحبتي في الله ، كيف نحيا هذه الحياة الطويلة في لهو وغفلة ، ولا نجد من يردعنا .. أهذا ضعف في إيماننا ، أم أننا نحسب أننا مخلدين في هذه الدنيا ..

كل يوم نرى ونسمع بأن فلانا قد فارق الحياة ، نبكي عليه برهة ، ويصحبنا الحزن عليه ساعة ثم نترحم عليه بضعة أيام ، وننظر له وقد فارق الحياة ، وكأنه هو فقط قد كتب الله له الموت أما نحن الذين نبكي عليه فمخلدون !

لماذا نحن في غفلة ، أهذا ضعف في الإيمان ؟ أم لأننا لا نرى رقيبا وعتيدا ؟
مع أننا نتلو القرآن ليلا ونهارا ، ونقرأ آيات الله في كل مكتوبة ..
دائما نقرأ قول الله تعالى { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعيد * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } ( ق / 16- 18 )

أحبتي في الله ..
فلنجدد النية مع بداية هذا العام الجديد ، ولنقف مع أنفسنا هذه الليالي الأخيرة من هذا العام وقفة محاسبة ومعاتبة ، ولنبك على ما ضيعناه من الخير في ليالينا ، ولنفرح بما قدمناه من الخير وندعو الله أن يتقبل منا صالح أعمالنا ، ويغفر زلاتنا ، ، ولنضع حدا للهو واللعب ..

قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه " حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا ، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا ، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ ، لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ } ( الحاقة / 18 ) .

أحبتي في الله ..
هذه بعض الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة وأقوال السلف ، التي أحببت أن أذكركم ونفسي بها في هذه الرسالة
قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرنَكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرنّكُم باللَّهِ الْغَرُورُ } ( فاطر / 5 ) .
قال صلى الله عليه وسلم " إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا ، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ " ( صحيح البخاري )

يؤيد هذا الحديث قصة الرجل الذي قتل مائة نفس ، ثم تاب الله عليه ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا ، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ فَأَتَاهُ ، فَقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ ، فَقَالَ : لَا ، فَقَتَلَهُ ، فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ ، فَقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ : جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ ، وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ : إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ ، فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ ، فَقَالَ : قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ ، فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ " ( صحيح مسلم )

فهذه القصة تدل على أن من اتقى الله وأحسن النية قَبِل الله منه ، فالتقوى وإخلاص النية من شروط التوبة وقبول العمل الصالح لقوله تعالى { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } ( المائدة / 27 ) .
وقال تعالى { فأما من طغى * وآثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى * وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى } ( النازعات / 37-41 ) .

ويقول الحسن رحمه الله تعالى عند قوله تعالى { لا أقسم بيوم القيامة * ولا أقسم بالنفس اللوامة } ( القيامة / 1-2 ) ( إن المؤمن والله لا نراه إلا وهو يلوم نفسه ما أردتُ بكلمتي ما أردتُ بأكلتي ما أردتُ بحديث نفسي ، أما الفاجر فيمضي قُدُمًا قُدُمًا لا يعاتب نفسه )
فمحاسبة النفس ، والخلوة الإيمانية بين العبد ونفسه ، تجعل المؤمن يزداد إيمانا ، ويلين قلبه ،
خاصة وإن اختلط بذلك ندم وبكاء ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عَيْنَانِ لا تَمَسُّهُمَا النَّارُ ، عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ، وَعَيْنٌ نَامَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " ( حسنه الترمذي ) .
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله... وذكر منهم " ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه " .

وعَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : وهل نؤاخذ بما تكلمت به ألسنتنا ؟ فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخذ معاذ ، ثم قال : " يا معاذ ، ثكلتك أمك - أو : ما شاء الله أن يقول له من ذلك - ، وهل يكب الناس على مناخرهم في جهنم ، إلا ما نطقت به ألسنتهم ؟ فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا ، أو ليسكت عن شر ، قولوا خيرا تغنموا ، واسكتوا عن شر تسلموا " ( حديث صحيح على شرط الشيخين كما في المستدرك )
وكان الصحابة يحاسبون أنفسهم ، دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو يزجر لسانه فقال له عمر : مه ما هذا الذي تفعله يا أبا بكر ؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه : إن هذا أوردني المهالك .

وكتب عُمَرُ بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ ، فَكَانَ فِي آخِرِ كِتَابِهِ " أَنْ حَاسِبْ نَفْسَكَ فِي الرَّخَاءِ قَبْلَ حِسَابِ الشِّدَّةِ ، فَإِنَّهُ مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الرَّخَاءِ قَبْلَ حِسَابٍ فِي الشِّدَّةِ ، عَادَ مَرْجِعُهُ إِلَى الرِّضَا وَالْغِبْطَةِ ، وَمَنْ أَلْهَتْهُ حَيَاتُهُ ، وَشَغَلَتْهُ أَهْوَاؤُهُ ، عَادَ أَمْرُهُ إِلَى النَّدَامَةِ وَالْحَسْرَةِ ، فَتَذَكَّرْ مَا تُوعَظُ بِهِ ، لِكَيْمَا تُنْهَى عَمَّا يَنْهَى عَنْهُ ، وَتَكُونَ عِنْدَ التَّذْكِرَةِ وَالْعِظَةِ مِنْ أُولِي النُّهَى " .
فلنجعل عامنا المقبل هذا عاما محمودا بأعمالنا ، ولنجعل لأنفسنا كل ليلة ساعة قبل النوم نراجع فيها حساباتنا ، حتى نجعل يومنا التالي أفضل ..
وهذا أحد الشعراء يقف محاسبا نفسه قائلا ..


فَقُلْتُ لِنَفْسِـيْ وَالدُّمُـوعُ غَزِيْـرَةٌ ** أَنَفْسِيْ مَتَـى عَنْكِ الْغِـوَايَـةُ تَنْجَـلِيْ
فَحَتَـامَ لَمْ تَسْمَـعْ لِقَـوْلَةِ نَاصِـحٍ ** وَلَـمْ تَلْتَـزِمْ فِـي حَيِّهَـا بِالتَّحَـوُّلِ
أمَـا آنَ أَنْ تَبْـدُوْ بِعِفَّـةِ صَالِـحٍ ** وَعِيْـشَـةِ زُهَّـادٍ وَقَلْـبٍ مُـغَسَّـلِ
أمـا آنَ أَنْ تُنْهِي الْقَصَائِدَ فِي اللُّهَى ** أَيَفْـخَـرُ إِنْـسَـانٌ بِـبِئْـرٍ مُعَطَّـلِ
أَيَـا نَفْسُ تُوبِي مِنْ مِكَرٍّ إِلَى هَـوَىً ** وَفِرِّيْ إِلَــى الْمَوْلَـى بِتَوْبَـةِ مُقْبِـلِ
فِإِنِّ حَيَـاةَ الْمَـرْءِ كَالظِّـلِ زَائِـلٌ ** فَطُوبَى لِـذِي عَقْـلٍ وَبِالْخَيْـرِ مُبْتَلِـي
 

اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب
وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
والحمد لله رب العالمين


 

نهاية العام
  • نهاية العام
  • شهر الله المحرم
  • شهر صفر
  • شهر ربيع الأول
  • شهر رجب
  • شهر شعبان
  • مختارات رمضانية
  • شهر شوال
  • مختارات الحج
  • وقفات مع العيد
  • المواضيع الموسمية