اطبع هذه الصفحة


القول الفصل في مسألة رؤية هلال رمضان

أبو عبد الرحمن عبد الله نياوني الملقب بـ:سانوغو

 
الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعلمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:

لقد اختلفت مفاهيم المسلمين كالمعتاد بقدوم شهر رمضان في مسألة رؤية الهلال في تايلاند، مما سبب اختلافهم اختلافا كبيرا، حتى انقسمت جماعة مسجد واحد إلى جماعتين في الإمساك والإفطار، وتعدد عيد الفطر في حي واحد مع الأسف الشديد، وهذا ليس فقط في تايلاند بل في كثيرمن الدول وخاصة الغير الإسلامية، لذا كان من الواجب علينا التنبيه على هذه المسألة، والتذكيربشأنها،
وبيان القول الفصل فيها، ليجتمع شمل المسلمين وخاصة في هذا الشهر المبارك، لذا أقول:

إن مسألة رؤية هلال شهر رمضان،مسألة أخذت من الخلاف مكانها في صفوف أهل العلم قديما وحديثا، فمن قائل بوجوب الصوم على عموم مسلمي العالم،بمجرد ثبوت الرؤية في أي قطر من أقطار العالم، وهو مااشتهر عند الإمام أحمد، وإليه ذهب الإمام أبو حنيفة أيضا، وحجتهم في ذلك، قول الله تعالى:( فمن شهد منكم الشهر فليصمه) سورة البقرة
وقوله صلى الله عليه وسلم:( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته..) رواه البخاري ومسلم . وقوله صلى الله علي وسلم:( إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا) البخاري ومسلم.
فقالوا بعموم الوحيين أي أن الأمر الوارد في الآية والحديث عام لجميع المسلمين، إذ لم يرد تخصيص لبلد دون آخر.

ومن قائل: باستقلال كل بلد برؤيته، وإليه ذهب القاسم بن محمد، وسالم بن عبدالله، وحجتهم في ذلك، ما رواه كريب: قال قدمت الشام واستهل رمضان وأنا بالشام، فرأينا الهلال ليلة الجمعة،ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني ابن عباس، ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟ فأخبرته، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال :لا ( هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) خرَجه مسلم .

ومن مفصَل بين القولين، وهو أنه إن اختلفت المطالع فلكل قوم حكم مطلعهم، وأما إن اتحدت المطالع، فحكمهم واحد في الإمساك والإفطار، وهو مذهب الإمام الشافعي علىالمشهور، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الصحيح والحق الذي ما له من دافع قوي، وذلك للأدلة الراسخة التي تأيده وتسنده، وهي :
قال الله تعالى:( فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وقال صلى الله عليه وسلم: ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته.) البخاري ومسلم

لا ريب أن الأمر الوارد في هذه الآية وهذا الحديث، عام لجميع المسلمين، ولكن العام قد يلجه خصوص كما هو الشأن فيما نحن بصدده.
والدليل على تخصيص هذا العام، حديث كريب السالف الذكر، إذ صرح ابن عباس رضي الله عنه، حين سأله كريب:( ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فصرَح بقوله:لا، ثم بين العلة بقوله: ( هكذ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم).

ولا شك أننا لا يمكننا فهم الكتاب والسنة بمجرد مداركنا العلمية، دون الرجوع إلى فهم سلفنا الصا لح، إذن هذا هو الكتاب:( فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وهذه هي السنة( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)
وهذا ما عليه السلف كما بينه ابن عباس.

ولعل قائلا يقول: بأن ما صدر من ابن عباس، إنما هورأيه واجتهاده، وأن رأي الصحابي ليس بحجة، قلنا له: بل إن رأي الصحابي حجة، إذا لم يختلف معه غيره، ولا شك أنه كان مع ابن عباس بالمدينة من ا لصحابة، ولم يرد أن أحدا منهم خالفه، لا في الشام ولا في المدينة، فمن قال بخلاف ما قلناه،فاليأت به ببرهانه مشكورا..

لا أظن أن هناك خلافا بين المسلمين، في أن الإختلاف اليومي له أثره، فالذين في آسيا يمسكون ويفطرون قبل من هم في افريقيا.
وقداتفق الحكم باختلاف المطالع في التوقيت اليومي، فلماذا الزيغ عن الحكم بمثله في التوقيت الشهري..!؟ فهل من مجيب....؟

وهل يمكن أن يقول قائل في قوله:( فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) سورة البقرة.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم:( إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) البخاري ومسلم.

هل يمكن لأحد أن يقول بأن هذا عام لجميع المسلمين في كل الأ قطار؟ الجواب لا
فلا يمكن أن نقول إن الليل أقبل وإن النهار أدبر وغربت الشمس في السعودية إذن وجب الإفطار على كل المسلمين، لأن العموم هنا يختص بالدول التي تتحد مطالعها.

وهكذا الحكم في قوله تعالى:( فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وقوله صلى الله عليه وسلم:( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) وقوله صلى الله عليه وسلم:( إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا)
وهذا هو القول الفصل والقول السديد، والقياس الأصح بين التوقيتين(اليومي والشهري).

و أما لدليل العقلي:

إنه من الصعوبة بمكان بل من المستحيل، اعتماد جميع المسلمين على رؤيةواحدة، فمثلا في غرب أفريقيا كجمهورية مالي، يتم الإعلان فيها عن الرؤية عقب صلاة العشاء، الساعة التاسعة غالبا، ووقتئذ يكون أهل تايلاند يتأهبون لصلاة الفجربعد أخذهم لمضاجعهم وهكذ الشأن بين كثير من دول العالم.

فعلى هذا يتضح أن الصحيح الذي لا يقبل- فيما نعتقد- المرية، في هذه المسألة هو ما ذكرناه، ولو نفَذ المسلمون هذا، لاتحدت كلمتهم، ولما حصل عيدان في بلد واحد مع اتحاد المطلع، ولما حصل خلاف في العالم كله بفارق يومين فأكثر في الإمساك والإفطار.

ولكن مع الأسف، لما لم يعمل المسلمون بهذا المفهوم الصحيح، الذي عمل به ابن عباس، ولما تعصب كل بمذهبه، حصل ما حصل من الفرقة والخلاف، ما أدى إلى تعدد عيد الفطر في بلد واحد كما هو الشأن غالبا في تايلاند، وبعض الدول الأخرى.

في معظم بلدان العالم اليوم،-إن لم أقل كلها- مراكز إسلامية،تتولى بالرؤية ثم تبليغ المسلمين، ففي تايلاند مثلا، يوجد من يسمى بشيخ الإسلام وعنده مركزإسلامي ومجلس يتولى بتفقد خبر الهلال من كل المحافظات وكل بلد يتحد معها في المطلع، وقد أخبرني أهل المركز بذلك، إذن فعملا بما صح من الحديث، وحبا في الإعتصام المأمور به في قوله تعالى:( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) ننصح قاطبة المسلمين نبذ التعصب بعيدا ، والرجوع إلى ما ثبت من الكتاب والسنة ومن فعل الصحابة.
قال الإمام مالك رحمه الله:( لن تصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها). فهل بعد هذا نفترق...!؟ أسأل الله السلامة والعافية.
وهذا الذي رجحناه، هو ما أيده وقواه جمهورمشايخنا وعلمائنا كالإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى والإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى وغيرهما.

وختاما، أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يجمع شمل المسلمين على كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

وصلى الله وسلم على خير البرية نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
 

أبو عبد الرحمن عبد الله نياوني
الملقب بـ:سانوغو
niaoune@islamway.com
رقم الجوال:090666325
+669 0666325
بانكوك تايلاند


 

شهر رمضان

  • استقبال رمضان
  • يوم في رمضان
  • رمضان شهر التغيير
  • أفكار دعوية
  • أحكام فقهية
  • رسائل رمضانية
  • المرأة في رمضان
  • سلوكيات خاطئة
  • فتاوى رمضانية
  • دروس علمية
  • رمضان والصحة
  • الهتافات المنبرية
  • العشر الأواخر
  • بطاقات رمضانية
  • المكتبة الرمضانية
  • وداعاً رمضان
  • الصفحة الرئيسية