اطبع هذه الصفحة


سلسلة قبس من رمضان

محمّد رجب السّامرائي


1- 15
" إذا أقبل الليل من ها هنا..."
 

يتدرب صائمو الشهر الفضيل على أوقات معلومة ومحددة طيلة الأيام الرمضانية، كموعد الإفطار والسحور، وصلاة التراويح، وتحرِّي ليلة القدر المباركة. يقول الحق تعالى في سورة البقرة: " وكلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الأسود من الفجر ثُمّ أتموا الصيام إلى الليل…".
ويمتنع الصائمون طيلة أيام شهر الصيام عن تناول الأكل والشرب بوقت محدد . لكن نعم الله عز وجل لا تعد ولا تحصى. قال تعالى في سورة فاطر: " يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض إلا هو فأنى تؤفكون". فالصائم في شهر الطاعات سيجعل حياته في نور (بسم الله تعالى) تحيا، فيمتنع عن الأكل والشرب بأمر خالقه الرؤوف عند وقت السحور. ويفطر يوم صيامه باسمه عز شأنه عند سمعه نداء الله أكبر وقت المغرب. ولهذا تصفو روح الصائمين العابدين مهتدية بأمر بارئها:" قل إن صلاتي ونسكي ومحيايي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين .
يقول نبي الرحمة والهداية حول إفطار صائمي شهر رمضان المبارك:" إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر الليل من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم".
كذلك نلحظ خلال شهر الصوم إن روح الصائمين ترتفع، وتسمو عواطفهم تجاه المحتاجين وذوي القربى فيتذكرون المحرومين والمحتاجين فيقدمون إليهم ما تجود به أيديهم. وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسود العاطفة بين المؤمنين في الجود والكرم والإحسان، فقال:" من فطر صائما كان له مثل أجره غير انه لا ينقص من أجر الصائم شيئا". وقال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: " ما من يوم يصبح العباد فيه إلاّ ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر اللهم أعط مُمسكا تلفا".
 


2 – 15
" أنا الرحمن..."
 

الرحمن هو الله جل ثناؤه، اسم له خاصة، ولا يقال لغيره. ورحمن معناه: المبالغ في الرحمة وهو أرحم الراحمين. والرحمة هي النعمة:" هذا رحمة من ربي".
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: الرحمن والرحيم هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر فالرحمن الرقيق والرحيم العطوف على خلقه بالرزق الذي وسعت رحمته كل شيء.
وتعني الرحمة في قول العرب: رقة القلب وعطفه. ورحمة الله الجليل: عطفه واحسانه ورزقه. ولم يعرف قبل الإسلام اسم الرحمن. ويذكر إن مسيلمة الكذاب كان يعرف( برحمان اليمامة)، وحين ذكر رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام ( الرحمن) قالت قريش: أتدرون من الرحمن الذي يذكره محمد؟ هو كاهن اليمامة. فأنزل رب العزة قوله المجيد:
" ولقد تعلم انهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين".
إنّ الرحمن عزّ وجل ذو الرحمة الشاملة، المتعطف برحمته وجلائل نعمه على جميع خلقه، فسبحانه هو الرحمن الرحيم استوى على عرشه، وتجلى على خلقه باسم الرحمن وليس باسم المتكبر الجبار، وهو تعالى الذي أرسل رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بالرحم العامة. قال في سورة الأنبياء:" وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".
وقد ورد اسم الرحمن جل جلاله في البسملة مائة وأربع عشرة مرة في أول كل سورة من القرآن الكريم إلا في سورة (براءة )ووردت البسملة في سورة النمل مرتين.
وقال النبي محمد عليه الصلاة والسلام: قال الله تعالى:" أنا الرحمن، أنا خلقت الرحيم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته ومن بتها بتته". فسبحان الله تعالى كل حين وهو:" الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان".
 


3 - 15
" أعطيت أمتي خمس خصال..."


فرض صيام رمضان في السنة الثانية من الهجرة المباركة على المسلمين، وهو موسم عبادة وذكر وقيام وتلاوة، واعتكاف في بيوت الله تعالى. وقد بينت السنة النبوية الشريفة فضائل هذا الشهر العظيم بأحاديث صحيحة عن شارع الأمة رسول الله وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.
ويذكر النبي عليه الصلاة والسلام في حديث شريف بعض خصال شهر رمضان بقوله:" أعطيت أمتي خمس خصال في شهر رمضان لم تعطهن أمة قبلها.. خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا .. وتصفد فيه مردة الشياطين، ويزين الله تعالى كل يوم الجنة، ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يكف عنهم السوء والأذى، ويغفر لهم في آخر ليلة منه، قيل: يا رسول الله، أهي ليلة القدر؟ قال: لا، ولكن العامل يوفي أجره إذا قضى عمله".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا ترد دعوتهم، الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب- وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين".
والجنة هي مأوى الفائزين العابدين الصائمين. فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا كانت أول ليلة من شهر رمضان نادي الجليل- جلت قدرته- رضوان خازن الجنة، فيقول: لبيك وسعديك فيقول: أدخل جنتي وزينها للصائمين من أمة محمد ولا تغلقها حتى ينقضي شهرهم. ثم ينادي: يا ما لك، وهو خازن النار، فيقولك لبيك وسعديك، فيقول: أغلق أبواب جهنم عن الصائمين من أمة محمد، ولا تفتحها حتى ينقضي شهرهم. ثم ينادي يا جبريل فيقول لبيك وسعديك فيقول: انزل إلى الأرض وصفد وغلل المردة عن أمة محمد، لئلا يفسدوا عليهم صومهم وإفطارهم.
 


4 - 15
طُوبى لِمَن قَرأ


يحرص صائمو رمضان المبارك خلال أيامه الكريمة على تلاوة الذكر المجيد، من أول أن يتموا ختمه في اليوم الثلاثين، لما لكتاب الله الجليل من فضل وأجر وهداية لقارئه ومرتله ودارسه. ونرى إن القرآن العظيم قد حث المسلم على قراءته وتدبر آياته، ومعرفة أحكامه.
ولبيان فضل كلام الله الكريم، روى الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام إنه قال:" مثل الذي يقرأ القرآن كأترجة طعمها طيب وريحها طيب، والذي يقرأ القرآن كالثمرة طعمها طيب ولا ريح لها ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها مر وطعمها مر ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها".
أما عن حسن تلاوة القرآن العظيم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث شريف:" الماهر بالقرآن مع الكرام البررة، وزينوا القرآن بأصواتكم"، وحول استذكار كتاب الله تعالى، فعن ابن عمر رضي الله عنهما، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فإنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة، إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت".
وروى ابن مسعود رضي الله عنهما إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أقرأ علىّ القرآن فقلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأ عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية:" فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا". قال: حسبك الآن، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان.
وجاء في حديث أبي موسى الشعري رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لقد أوتيت اليوم مزمارا من مزامير آل داود". فطوبى لمن قرأ ودرس وختم قرآن ربه العظيم في أيام رمضان الكريم.
 


5 - 15
ربّ العالمين


أطلق العرب قبل بزوغ فجر الإسلام ( الربّ) على غير الله تعالى بالألف واللام للتمليك. لكن لا يقال الربّ في غير الله العزيز غلا بالإضافة . والربّ هو ذكر السالكين في عبادة الصالحين. والربّ الله عزّ شأنه، ومن أسمائه الحسنى، فهو ربّ كل شيء، له الربوبية على جميع الخلق لا شريك له، هو ربّ الأرباب ومالك الملك. وربّ كل شيء: مالكه ومستحقه.
والربّ عند اللغويّ ابن الأنباري ثلاثة أقسام: الربّ المالك، والربّ السيد المطاع:" يسقي ربّه خمرا" أي سيده. والربّ المصلح رب الشيء إذا أصلحه. أما الربّة فهي كعبة بنجران أدعى الحارث بن كعب أنّه ربها. وعظمها بعض الناس أيامه. والربيب: الملك. ونقول: دار ربّة بمعنى الضخمة.
كذلك جاء اسم الربّ جلّ جلاله أكثر عددا من جميع الأسماء الحسنى في القرآن العزيز، عدا اسم الله تعالى: وسمى الخالق نفسه برب العالمين في سورة القصص:"إنّي أنّا الله رب العالمين". وحمد نفسه قبل أن يحمده خلقه في فاتحة الكتاب:"الحمد لله ربّ العالمين".
ودعا الرسل والأنبياء ربهم باسمه الربّ أكثر مما دعوه بأسمائه الحسنى فدعاه أدم وحواء في سورة الأعراف:" قالا ربنّا ظلمنا أنفسنا وإنْ لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين". أما النبيّ نوح عليه السلام فدعا ربه في سورة القمر، يقول الله الجليل: "فدعا ربّه أني مغلوب فانتصر".وهذا دعاء إبراهيم عليه السلام لخالقه في سورة إبراهيم:" ربّ اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء. ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب".
ومن عظيم فضله سبحانه وتعالى على عباده أن علمهم أدعية يدعونه بها، فقال الحق في سورة آل عمران: " ربنا آمنا بما أنزلت وأتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين). وقال تعالى في سورة المؤمنون:" وقل ربّ اغفر وارحم وأنت خير الراحمين" . وقوله جلّت قدرته في سورة الممتحنة: " ربنّا عليك توكلنا واليك أنبنا وإليك المصير".
 


6 - 15
" من تطوع في رمضان..."


صدقة الفطر، من الواجبات التي يحرص الصائمون على تقديمها للفقراء والمحتاجين، ففيها طهرة للصائم وأجر عميم عند الله العزيز. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، صاعا من تمر وصاعا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير، من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة.
ونجد أن صيام شهر رمضان المبارك رياضة شاقة ومكلفة على الصائمين، بل هو أشق التكاليف والواجبات على الذين تنعموا في حياتهم، ولهذا فإن ثواب وأجر الصائم نجده عظيما عند الخالق عز وجل فصيام رمضان مضاعف الحسنات من غير حصر، وكل عمل مقدر الأجر، إلا الصيام فجزاؤه عند الله سبحانه وتعالى ولا يستطيع أحد أن يدرك مداه. يقول النبي عليه الصلاة والسلام:" كل عمل ابن أدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به".
فهذا شهر رمضان العظيم، وعلى الصائمين أن يتصدقوا على المحتاجين بما تجود أيديهم ليفرحوا معهم في صبيحة عيد الفطر المبارك لأنه كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من تطوع في رمضان بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه".
إنّ رمضان شهر الجوع والعطش وشهر الأجر والمثوبة والزكاة والصدقات، وفيه يمتحن الإنسان بإرادته، لأنه ثورة تدور كل عام على الإنسان لتهز كيانه وتروضها نحو الصبر والحرمان من الملذات والشبع وليحس الصائم بألم جوع الفقير كيف يلذع ويصبر عليه صابرا محتسبا، لينال الصائم بتقديم صدقة الفطر على مستحقيها الأجر والثواب من عند الله تعالى وقد سئل النبي الكريم عليه الصلاة والسلام:أي الصدقة أفضل؟ قال صدقة في رمضان.
 


7 - 15
... أكلة السحور


لعلّ مما يتفرد به شهر الطاعة والغفران، لياليه الجميلة، وإحياءها بالذكر والعبادة، أما في هزيع الليل المتأخر فيستيقظ الصائمون طيلة أيام رمضان، لتناول طعام السحور، كي يسدوا رمقهم لصيام يوم رمضاني جديد بعون الله تعالى.
والسُحور: طعام السحر وشرابه، وما يتسحر به الصائمون من طعام أو شراب يقول ابن الأثير: السَحور اسم ما يتسحر به من الطعام والشراب، والسحور المصدر والفعل نفسه
والسَحر هو الكبد وسواد القلب، ونواصيه، وقيل بل هو القلب. والسِحْر هو البيان والوضوح في فطنة يقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إنّ من البيان لسحرا". وورد في حديث السيدة عائشة رضي الله عنها قولها: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري. فالسحر: الرئة، أي مات عليه الصلاة والسلام وهو مستند إلى صدرها بما يحاذيه.
وقد حثّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصائمين على السحور في رمضان بحديثه الشريف لما فيه من البركة:" تسحروا فإن في السحور بركة".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان لرسول الله مؤذنان بلال وابن أم مكتوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم. قال ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا".
وورد في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" فعل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور".
 


8 - 15
" حمل كتاب الله..."


أكد القرآن المعجز، على تذكره، وتلاوته وتدبر معانيه، وفهمه، بل ومعرفة كل حرف من حروفه المباركة. ولكون العلماء ورثة الأنبياء، فإنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون أن يأخذ المعلم أجراً على تعليم الغلمان، وكانوا يكرهون بيع المصحف الشريف لأنهم يرونه شيئا عظيما.
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن حمل كتاب الله إلى أرض العدو، فيقول:" لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو فإني أخاف أن يناله العدو". ويروى عن ضرار بن عمرو عن الحسن انه قال عن قرّاء القرآن الكريم:
قرّاء القرآن ثلاثة: رجل اتخذه بضاعة بنقله من مِصْرٍ إلى مِصْرٍ -الجمع أمصار- يطلب به ما عند الناس، وقد حفظوا حروفه، وضيعوا حدوده، واستبدروا به الولاة، واستطالوا به على أهل بلادهم ورجل قرأ القرآن فبدأ بما يعلم من دواء القرآن فوضعه على داء قلبه، فسهر ليله وهملت عيناه تسربلوا الخشوع وارتدوا الحزن، وذكروا فيه محاريبهم وجنوا في برانسهم فيهم يسقي الغيث، وينزل النصر ويرفع البلاء، والله لهذا الضرب في حملة القرآن من الكبريت الأحمر".
وكان الصحابي الجليل سعيد بن المسيب رضي الله عنه يستفتح قراءة القرآن ببسم الله الرحمن الرحيم ويقول: إنها أول شيء كتب في المصحف، وأول الكتب، وأول ما كتب به سليمان بن داود.
 


9 - 15
كُلْ ما تشاء أنني لصائم


تحلو السهرات والمسامرات في ليال الصيام المباركة، فيتناشد البعض دروس الوعظ، والأدب والثقافة، وهناك من يجنح إلى المفاكهة والظرف، وطالما يجيء شهر رمضان على الناس خلال فصول السنة كلها، لذلك فقد تناوله الأدباء والشعراء بقواف طريفة، وعبارات نادرة.
يروى أن نصيبا دق على الأحوص بابه، فأبطأ عليه، وكان الأحوص الشاعر حين سمع صوته راح يخفي ما كان أمامه من طعام وشراب حتى لا يراه نصيب مفطرا في شهر رمضان. فلما فتح الأحوص الباب، خاطبه نصيب قائلاً:
أراك أبطأت علىّ؟ فأجابه الأحوص: كنت أقضي حاجة. فقال له نصيب وأين عبيدك يفتحون لي، إنما كنت تأكل وكنت تخشى أن أراك، فأنشد الأحوص قائلاً:

الله ربي يغفر الذنوبـا *** فلا تكن من دونه رقيبا
إنْ شئت قدمنا لك الحليبا *** وإن تشأ فالرطب العجيبا
مِنْ هِجْر جئنا به رغيبا *** نغري به العيون والقلوبا

- وأنشد الشاعر نصيب رداً على الأحوص بقوله:

كُلْ ما تشاء أنني لصائم *** والله ربّي بالقلوب عالم
والنار فيها لذنوب جاحم *** وكيف ينجو في الحساب الآثم
إنّي على ذنبي لديه نادم *** وليس لي من نوم ربّي عاصم

ومن طرائف الصيام أنّ أحدهم سأل طفيليا في أحد الأيام: أي سورة تعجبك في القرآن؟ فأجابهم الطفيلي: سورة المائدة. وقيل له: فأي الآيات منها؟ فقال له:" ذرهم يأكلوا ويتمتعوا".
 


10 - 15
" اللهم إنّك عفو كريم..."


قال تعالى:" إنّا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر".
هذه سورة القدر الكريمة في كتاب الله العزيز، بين الناس منزلتها وفضلها عند المسلمين، ولمن يلتمسها في العشر الأواخر، لاحياءها بالذكر والعبادة وتلاوة كتاب الله المعجز، فهي خير من ألف ليلة.
إضافة إلى أن ليلة القدر خير من ألف ليلة، إذ تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر، لكنها أيضا سلام يستمر من غروب الشمس حتى مطلع الفجر، ومن أجل هذا الفضل الإلهي لهذه الليلة المباركة والتي هي تاج الليالي، فكان النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام يستعد لها بالعبادة، ويهيئ الجو الروحي المناسب لنزول الملائكة والروح، وكان صلى الله عليه وسلم يستعد لإحياء ليلة القدر بالإعتكاف، في العشر الأواخر من رمضان، فيدخل المسجد قبل غروب شمس العشرين من شهر الصيام الفضيل.
وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه. أما بخصوص العمل في العشر الأواخر من رمضان فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله.
فما أحرانا أن نحيي هذه الليلة المباركة التي تمرُّ علينا كل عام وهي ليلة النور، ليلة هبوط الوحي عليه السلام، حيث ينزل جبريل في كوكبة من الملائكة يصلون ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله تعالى. وأنّ أحبُ ما يدعي في ليلة القدر المباركة ما قالته السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة- ليلة القدر- ما أقول فيها؟ قال: قولي:" اللهم إنّك عفو كريم تحبُّ العفوّ فاعف عني".
 


11 - 15
" لقرآن كريم"


حينما نتلو كتاب الله المعجز، فإننا نستفتح قراءتنا بلفظ: بسم الله الرحمن الرحيم، سور القرآن العظيم، عدا سورة( براءة) وسبب سقوط البسملة من السورة لأنه كان من شأن العرب في الجاهلية إذا كان بينهم وبين قوم عهد وأرادوا نقضه، كتبوا لهم كتابا: وقد يكتبون فيه البسملة، ولما نزلت سورة( براءة) بنقض العهد الذي كان للكفار، قرأها عليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولم يبسمل على ما جرت عليه عاداتهم. وقد سأل ابن عباس رضي الله عنهما علياً عن ذلك فأجابه بقوله: لأنّ البسملة أمان.
ونجد من خصائص كتاب الحق تعالى كثرة أسمائه، وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى لذا سماه عزّ وجل بخمسة وخمسين اسماً، وهو أعلى الكتب المنزلة على الرسل والأنبياء، فسمي القرآن: كتابا كقوله تعالى:" حم والكتاب المبين". وسماه قرآنا بقوله العظيم: " لقرآن كريم" وهو رحمة في سورة يونس:" قل بفضل الله وبرحمته وبذلك فليفرحوا". وهو شفاء كما ورد في سورة الإسراء: وننزل من القرآن ما هو شفاء".
كذلك قال جلّ جلاله عن القرآن العظيم بأنه العروة الوثقى في سورة لقمان: " فقد استمسك بالعروة الوثقى". ومن أسمائه أيضا النبأ العظيم:" عم يتساءلون عن النبأ العظيم، وسمي الزبور في سورة الأنبياء بقوله الحكيم:" ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر إن الأرض يرثها عبادي الصالحون".
والقرآن المعجز هو الحبل، يقول عز من قائل:" واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا". ودستور المسلمين هو البشير والنذير لهم:" بشيراً ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون". وكتاب الله هو الهادي للتي هي أقوم بقوله المجيد:" إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم".
 


12 - 15
شهرُ الصيام جَرى باليُمْنِ...


يقبل الناس خلال غرة شهر رمضان الكريم، أن يتبادلوا التهاني بهذه المناسبة الجليلة، شعراً ونثراً، وهذا ما عهدته كتب الأدب العربي القديم والحديث، وهذه عبارة عن رسائل إخوانية يصوغها الشعراء أو الكتاب بأبيات أو قطع أدبية يعبر من خلالها المرسل إلى المرسل إليه فضائل صوم رمضان، ومنزلة الشهر الفضيل، بين أشهر السنة.
فمن اضمامة النثر، نقف عند الإمام الحسن البصري رحمه الله وقد كتب عن شهر الله تعالى بقوله:" إن الله تبارك وتعالى، جعل رمضان مضمارا لخلقه، يستبقون فيه بطاعته، إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا".
وهنأ الشاعر عبد الصمد بن بابك قائلاً:
كساك الصوم أعمار الليالي *** ولا زالت سعودك في خلود
أما الصاحب بن عباد فكتب قطعة نثرية ليهنئ أحد الأمراء بمقدم شهر الطاعة والغفران جاء فيها :" كتابي أطال الله بقاء الأمير، غرة شهر رمضان، جعل الله أيامه غرا، وأعوامه زهراء، وأوقاته إسعادا، وساعاته أعيادا، وأتاه في هذا الشهر الكريك مورده ومأتاه، أفضل ما قسم فيه لمن تقبل أعماله فبلغه آماله…"
ومسك ختام الشعر هذه الأبيات التي هنأ بها أحد الشعراء صديقه قائلاً:
شهر الصيام جرى باليمن طائره *** ودام قصرك مرفوعاً مجالسه
عليك ماجد باديه وحاضره ** لزائريه ومنصوباً موائده
 


13 - 15
"من قام ليلة القدر..."


قال تعالى في سورة القدر:" إنّا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك مالية القدر. ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر…". وليلة القدر المباركة يحييها صائمو رمضان لأنها تمثل تاج الليالي وهي الليلة التي أنزل الحق فيها القرآن المجيد.
والقدير والقادر من صفت الله الكريم يكونان في القدرة وفي التقدير:" إنّ الله على كل شيءٍ قدير". وقال ابن سيده: القْدر والقَدَر القضاء والحكم. وقال اللحياني: القَدَر الاسم، والقِدر المصدر.
روي عن النبي محمد عليه الصلاة والسلام أحاديث في بيان فضل وإحياء الليلة المباركة، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: كلن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحاور في العشر الأواخر من رمضان ويقول: تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان. وعنها رضي الله عنها قالت:" كان رسول اله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر"
وليلة القدر المباركة خير الليالي، وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا كانت ليلة القدر نزل جبريل عليه السلام في كَبْكَبَةٍ من الملائكة يصلون ويسلمون على كل قائم وقاعد يذكر الله تعالى".
وحول قيام ليلة القدر روي أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباَ غفر له ما تقدم من ذنبه".
وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أحيا ليلة القدر وصلى فيها ركعتين واستغفر غفر الله له وخاض في رحمة الله ومسحه جبريل بجناحه، ومن مسحه جبريل بجناحه دخل الجنة" وخير ما تدعو الله تعالى في ليلة القدر قول النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم انك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا".
 


14 - 15
" فيهما عينان تجريان"


نقرأ في القرآن المجيد ذكر الجنة وما تحتوي، وما يقدم للذين يعملون الصالحات، ونقرأ فيه عن جهنم وهي مثوى الكافرين ويتشوق المسلمون بعد تقديم طاعتهم لربهم الجليل أن تكتحل عيونهم بما أعد لهم تعالى من جنات الخلود السرمدية.
فالجنة وجهنم ضدان صورهما القرآن العزيز وقد هيأ عز وجل للمؤمنين جنة المأوى التي سيخلدون فيها، وفيها من الأنهار الجارية، والأشجار الوارفة والثمار الشهية، والحور العين، وما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال بشر.
ونعرف بأن العرب قد أطلقوا على المطر( الغيث)، واستعمل القرآن العظيم لفظ الغيث في مواطن الخير، كما إنها لا تعدل عنه إلى المطر، حينما قد يخرج المطر بصورة المجاز إلى العذاب ووردت الجنة في عدة سور قرآنية يقول تعالى في سورة الزمر:" وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين". وجاءت الجنة بصورة العيون في سورة الرحمن:" فيهما عينان تجريان".
ولم يقتصر النعيم الرباني على المتقين في الجنة على الماء والأنهار والعيون، بل أضاف إليها في سورة محمد اللبن والخمر والعسل المصفى بقوله الكريم:" مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وانهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى".
كذلك تشمل جنة المتقين الذين وعد بها تعالى المتقين الطائعين العابدين، أغلب ألوان الشجر وأصناف الخضرة، وملابس أهل الجنة خضراء اللون:" عليهم ثياب خضر سندس وإستبرق" ويزوجهم العلي القدير: " بحور عين، وهؤلاء:" يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون".
 


15 - 15
كيف لا نبكي لشهرٍ


اعتاد مؤذنو المساجد والجوامع في الأيام الأواخر من شهر رمضان الفضيل، أنْ يودعوه بكلمات ذات نبرات مؤسية، ونغم حزين، لها وقعها على آذان السامعين، حيث يكون الضيف الكريم قد جهز نفسه ليودعنا بعد أن حل بين ظهرانينا حاملا معه الخير والعطاء، والأجر والثواب وهو أكرم الشهور، شهر الله وشهر القرآن المنزل، على خاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام.
ونقرأ في هذه القطعة النثرية، ما كتبه أحد الكتاب مودعا الشهر الكريم بقوله: " يا شهر رمضان أين أرباب القيام؟ أين المجتهدون في جنح الظلام ؟ أين الذين يهجرون المنام؟ وتمنوا لو كان رمضان على الدوام ذهبوا إلى قليلا منهم فعليهم السلام، كانوا قليلا من الليل يهجعون و بالأسحار هم يستغفرون"
أما الشاعر الأبيوردي، فأنشد أبياته التالية، مودعا شهر الصيام الفضيل، ذاكرا محاسنه وكونه ليس أول من يرحل عنه ويتركه فيقول:

صوم أغار عليه فطر *** بن يا صيام فلم تزل
وله الشهور وإنما *** ما كنت أول راحل
كالظعن ليلة فاح في *** كالنجم بز سناه جمر
فرعا له الإفطار بخر *** لك من جميع الحول شهر
ودعت والزفرات جمر *** جيب التفوه منه عطر

وأوضح أحد الشعراء وداع شهر القرآن، وبيّن كيف سيكون مآلهم، وهل ستقبل أعمالهم، فقال:

أيّ شهرٍ قد توّلى *** حقّ أن نبكي عليه
كيف لا نبكي لشهرٍ *** ثم لا نعلم إنّـا
ليت شعري من هو
يا عباد الله عنا *** بدماء لو عقلنـا
مرّ بالغفلة عنـّا *** قد قبلنا أو حرمنـا
المحروم والمطرود منا

********

 

شهر رمضان

  • استقبال رمضان
  • يوم في رمضان
  • رمضان شهر التغيير
  • أفكار دعوية
  • أحكام فقهية
  • رسائل رمضانية
  • المرأة في رمضان
  • سلوكيات خاطئة
  • فتاوى رمضانية
  • دروس علمية
  • رمضان والصحة
  • الهتافات المنبرية
  • العشر الأواخر
  • بطاقات رمضانية
  • المكتبة الرمضانية
  • وداعاً رمضان
  • الصفحة الرئيسية