اطبع هذه الصفحة


وقفات للصائمين والصائمات

أيمن الشعبان


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الذي فضل شهر رمضان على سائر الشهور ، وجعله موسماً للمنافسة في الخيرات، والتجارة التي لن تبور ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي خص شهر رمضان بإنزال القرآن هدىً للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد :
فهذه وقفات موجزة تتعلق بفضل صيام رمضان وقيامه، وفضل المسابقة فيه بالأعمال الصالحات ، وما يتيسر مما يتعلق به من أحكام .

مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام --- يا حبيباً زارنا في كل عام
قد لقيناك بحبٍ مفعمٍ --- كل حبٍ في سوى المولى حرام
فاقبل اللهم ربي صومنا --- ثم زدنا من عطاياك الجسام

فضل صوم رمضان
للصيام فضلٌ عظيم على سائر العبادات ، اختصه الله سبحانه به ، بيَّنه رسول الله عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة . من ذلك : قوله صلى الله عليه وسلم :
1-(( قال الله عز وجل : كلُّ عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به. والصيام جُنة، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك . وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره. وإذا لقي ربه فرح بصومه )). متفق عليه .
2-(( ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله، إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً )) . متفق عليه .
3-(( صوم ثلاثة أيام من كلِّ شهر، ورمضان إلى رمضان صوم الدَّهر وإفطاره )). رواه الإمام أحمد ومسلم.
4-(( إن في الجنة باباً يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، فيدخلون منه، فإذا دخلوا، أغلق فلم يدخل منه أحد )). متفق عليه.
5-(( إذا كان أول ليلةٍ من شهر رمضان صُفِّدت الشياطين ومردة الجن، وغلِّقت أبواب النار فلم يُفتح منها باب، وفُتِّحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ كل ليلة: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار ، وذلك كل ليلة )) . صحيح رواه الترمذي وابن ماجه .
6-(( الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة .... )). صحيح رواه أحمد والطبراني في الكبير والحاكم .

تذكير

يجب على المسلم أن يصوم رمضان إيماناً واحتساباً، لا رياءً ولا سمعةً ولا مجاملةً لأحد، ولا موافقةً لأهله، أو متابعةً لمجتمعه .
فإن الصائم لا ينال ثواب الصيام، ولا تجتمع له فوائده إلا إذا كان الحامل له إيمانه، بأن الله تعالى فرضه عليه- رحمةً منه به وإحساناً إليه-، واحتسب الأجر على صيامه عند ربه، الذي وعد به الصائمين .
كما في الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )) وقد قال تعالى: { بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون } [البقرة:112] فإسلام الوجه هو الإخلاص لله في العبادة ، سواءً كانت صوماً أو غيره، والإحسان هو المتابعة والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم ، والعمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جُرابه رملاً يُثقله ولا ينفعه 000
ويجب على المسلم أن يصون صيامه وقيامه عمَّا حرم الله عليه من الأقوال والأعمال كالغيبة والنميمة والكذب، ولا تكن ممن أمسك عن الطعام والشراب ولم يمسك عن هذه المحرمات ، لأن المقصود بالصيام هو طاعة الله عز وجل ، وتعظيم حرماته، وجهاد النفس على مخالفة هواها في طاعة مولاها، وتعويدها الصبر عمَّا حرم الله، وليس المقصود مجرد ترك الطعام والشراب وسائر المُفَطِّرات ، ولهذا صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (( الصيام جُنّة ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابّه أحدٌ أو قاتله فليقل إني صائم )) متفق عليه. وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه)). صحيح رواه الترمذي وقال: حسن صحيح وابن ماجة واللفظ له.
فينبغي للمؤمن أن ينتهز هذه الفرصة فيسارع إلى الطاعات، ويحذر السيئات، ويجتهد في أداء ما افترض الله عليه ولا سيما الصلوات الخمس فإنها عمود الإسلام وهي أعظم الفرائض بعد الشهادتين، فالواجب على كل مسلم المحافظة عليها في أوقاتها وأداؤها مع الجماعة بخشوع وطمأنينة في بيوت الله التي أذن أن ترفع ويُذكر فيها اسمه .

تعريف الصيام وحكمه

الصيام المشروع: هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس بنية العبادة لله عز وجل .
حُكْمُه:صيام رمضان هو الركن الرابع من أركان الإسلام، وكان فرضه في السنة الثانية من الهجرة، وهو واجب بالكتاب والسنة والإجماع على كل مسلم بالغ عاقل مقيم قادر سالم من الموانع.

ما يقال عند رؤية الهلال :

كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا رأى الهلال قال: اللهمَّ أهلَّه علينا بالأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام ، ربي وربك الله ، هلال رشدٍ وخير . رواه الترمذي وقال:حسن صحيح.

أمور قد يخفى حكمها على بعض الناس

* من الأمور التي قد يخفى حكمها على بعض الناس: عدم الإطمئنان في الصلاة سواء كانت فريضة أو نافلة، وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة لا تصح الصلاة بدونه، وهي الركود في الصلاة والخشوع فيها وعدم العجلة حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، وكثير من الناس يصلي في رمضان صلاة التراويح صلاة لا يعقلها ولا يطمئن فيها بل ينقرها نقراً، وهذه الصلاة على هذا الوجه لا تجوز .
* والأفضل لمن صلى مع الإمام قيام رمضان أن لا ينصرف إلا مع الإمام لقول النبي عليه الصلاة والسلام : إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة.
* ومن الأمور التي قد يخفى حكمها على بعض الناس: ما قد يعرض للصائم من جراح أو رعاف أو قيء أو ذهاب الماء أو البنزين إلى حلقه بغير اختياره. فكل هذه الأمور لا تفسد الصوم، لكن من تعمد القيء فسد صومه، لقول النبي عليه الصلاة والسلام : من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء فعليه القضاء. صحيح رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم .
* ومن الأمور التي لا تفسد الصوم : تحليل الدم، وضرب الإبر غير التي يقصد بها التغذية لكن تأخير ذلك إلى الليل أولى وأحوط إذا تيسر ذلك لقول النبي عليه الصلاة والسلام : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك . وقوله عليه الصلاة والسلام : من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.

أحكام يجب على الصائم معرفتها

* نية الصيام : قال رسول الله عليه الصلاة والسلام من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له. صحيح رواه ابن ماجه والترمذي.
يفهم من هذا الحديث أن النية في صيام رمضان واجبة قبل طلوع الفجر، كذلك عند قضاء رمضان وفي صيام النذر، وإذا لم ينوه من الليل لم يجزه، أما صيام التطوع فمباح له أن ينوي على ما أصبح هذا قول الشافعي وأحمد وإسحاق .
* لكل أهل بلد رؤيتهم :على المسلم أن يصوم مع الدولة التي هو فيها ويفطر معها لقول النبي عليه الصلاة والسلام :(( الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون )) صحيح رواه الترمذي . ولحديث كريب في صحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي. وقال الترمذي: والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم: أن لكل أهل بلد رؤيتهم .وقال النووي في شرح مسلم:(( باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم وأنهم إذا رأوا الهلال ببلد لا يثبت لما بَعُدَ عنهم )).
* الرخصة في صيام السفر : سأل حمزة الأسلمي رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: إني أصوم أفأصوم بالسفر؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام : إن شئت فصم وإن شئت فافطر. صحيح رواه أبو داود.
قال أهل العلم: إن وجد قوة فصام فَحَسُنَ وهو أفضل وإن أفطر فحسن.
* الرخصة في إفطار المرضع والحامل : قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : (( إن الله عز وجل وضع عن المسافر شطر الصلاة وعن المسافر والحامل والمرضع ، الصوم أو الصيام )). حسن صحيح رواه الترمذي وابن ماجه .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (( إذا خافت الحامل على نفسها ، والمرضع على ولدها في رمضان قال: يفطران، ويطعمان مكان كل يوم مسكيناً، ولا يقضيان صوماً)) أخرجه الطبري وإسناده صحيح على شرط مسلم .
وعن ابن عباس وابن عمر قالا:(( الحامل والمرضع تفطر ولا تقضي )) صحيح الإسناد .
قال بعض أهل العلم : الحامل والمرضع يفطران ويطعمان ولا قضاء عليهما إن شاءتا قضيتا ولا إطعام عليهما . وبه قال إسحاق .
* صحة صيام الجنب : أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ، ثم يغتسل فيصوم . رواه مسلم وابن ماجه والترمذي
* قضاء الحائض للصيام دون الصلاة في رمضان :
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نطهر ، فيأمرنا بقضاء الصيام ولا يأمرنا بقضاء الصلاة. رواه مسلم وابن ماجه والترمذي.
* السواك للصائم: لا يرى أهل العلم في السواك بأساً للصائم، وكره بعضهم استياك الصائم بالعود الرطب وكرهوا الإستياك آخر النهار ، ولم ير الشافعي بأساً في أوله ولا آخره ، وكره أحمد وإسحاق السواك آخر النهار ليحتفظ فم الصائم بخلوفه . والله أعلم.
* الكحل للصائم : اختلف أهل العلم في تكحل الصائم ، فكرهه بعضهم ورخصه بعضهم وهو قول الشافعي.
* الأكل والشرب للصائم ناسياً : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أكل أو شرب ناسياً ، فلا يفطر فإنما هو رزق رزقه الله. صحيح رواه ابن ماجه والترمذي.
* كراهية مبالغة الاستنشاق في الوضوء للصائم: سُئل رسول الله عليه الصلاة والسلام عن الوضوء ؟قال: أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً. صحيح رواه ابن ماجه والترمذي.
* الاغتسال في رمضان : عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي عليه الصلاة والسلام يبيت جنباً فيأتيه بلال فيؤذن بالصلاة فيقوم فيغتسل فأنظر إلى تحدّر الماء في رأسه ثم يخرج فأسمع صوته في صلاة الفجر. قال مطرّق : أفي رمضان؟ قال: رمضان وغيره سواء. متفق عليه.
* النهي عن صوم يوم العيد : نهى رسول الله عليه الصلاة والسلام عن صيامين ، صيام الأضحى ويوم الفطر . صحيح رواه الترمذي ونحوه مسلم وابن ماجه.

آداب الصيام

1- تعجيل الفطور وتأخير السحور :
- قال عليه الصلاة والسلام :(( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)) رواه البخاري.
- قال عليه الصلاة والسلام :(( إنّا معشر الأنبياء أمرنا أن نعجل فطورنا ونؤخر سحورنا ونضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة )) صحيح رواه الطبراني في الكبير.
- قال عليه الصلاة والسلام :(( تسحَّروا ولو بجرعة من الماء)) صحيح رواه أحمد.
- قال عليه الصلاة والسلام :(( تسحّروا فإن في السحور بركة)) متفق عليه.
- قال عليه الصلاة والسلام :(( إن الله تعالى وملائكته يصلون على المتسحرين)) حديث حسن رواه الطبراني في الأوسط وابن حبان .
- قال عليه الصلاة والسلام: (( فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السَّحر ))رواه مسلم وغيره.
2- الافطار على رطب : فإن لم يتيسر فتمر وإلا فماء لقول أنس رضي الله عنه: ((كان النبي عليه الصلاة والسلام يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم يكن فعلى تمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء )) صحيح رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن.
3- الدعاء عند الافطار وفضل من فطر صائماً :
-كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال(( ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله )). حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
-كان ابن عمر يقول: (( اللهمَّ إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي ذنوبي )) صحيح رواه ابن ماجه.
- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء )) رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح.
4- أن يقول إني صائم : عندما يظلمه أحد أو يعتدي عليه بشتم أو تأنيب جارح ونحوه. قال عليه الصلاة والسلام: (( إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل : إني صائم )) متفق عليه.
5- الجود ومدارسة القرآن :
- الجود ومدارسة القرآن مستحبان في كل وقت، إلا أنهما آكد في رمضان .
6- الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان :
-((كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا دخل العشر الأواخر أحيى الليل ، وأيقظ أهله ، وشدّ المئزر )) متفق عليه وفي رواية لمسلم: (( كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره )).

ليلة القدر

* ليلة القدر ليلة شريفة معظَّمة تُرجى إجابة الدعاء فيها، اختص الله سبحانه بها هذه الأمة ، فضلاً منه ورحمة، فمن وافقها فقد وافق الخير كلّه ، ومن حرص على التماسها في مظانِّها فقد أخذ بحظٍ وافر من أمر الآخرة.
قال الله تعالى: { وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر } قال المفسرون : أي قيامها والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر خالية منها. كما أن الله تعالى يغفر لمن قامها إيماناً واحتساباً ما تقدم من ذنبه، كما جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه )) متفق عليه .
ولِعظم منزلة هذه الليلة عند الله سبحانه ناسب أن يُنزّل فيها كتابه العظيم، وأن يُفرق فيها كلَّ أمرٍ حكيم، أي : يُفصَلُ من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمرُ السَّنة ، وما يكون فيها من الآجال والأرزاق ، وما يكون فيها إلى آخرها.
* أمارات ليلة القدر :-
وجاء ذكر أمارات ليلة القدر في السُّنَّة المطهَّرة بأنها : تكون صافية، بلجةً، كأنَّ فيها قمراً ساطعاً، ساكنة لا برد فيها، ولا حرَّ، ولا يُرمى فيها بالشُّهب، وتكون الشمس في صبيحتها مستويةً ليس لها شعاع، كالقمر ليلة البدر .
* في أي ليلةٍ هي ؟:-
ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان ، هكذا صح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (( هي في العشر الأواخر من رمضان )) متفق عليه. وفي أوتار العشر آكد، لقوله عليه الصلاة والسلام: (( تحرّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر )) رواه البخاري.
(( لكن الوتر يكون باعتبار الماضي، فتُطلب ليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وليلة خمس وعشرين، وليلة سبع وعشرين، وليلة تسع وعشرين .
ويكون باعتبار ما بقي كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (( لتاسعةٍ تبقى، ولسابعةٍ تبقى، ولخامسةٍ تبقى )).
فعلى هذا إذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع.وتكون الاثنين وعشرين تاسعة تبقى، وليلة أربع وعشرين سابعة تبقى. وهكذا فسّره أبو سعيد الخدري في الحديث الصحيح، وهكذا أقام النبي عليه الصلاة والسلام في الشهر .
وإن كان الشهر تسعاً وعشرين، كان التاريخُ الباقي، كالتاريخ الماضي .
وإذا كان الأمر هكذا فينبغي أن يتحرّاها المؤمن في العشر الأواخر جميعه، كما قال عليه الصلاة والسلام: (( تحرّوها في العشر الأواخر )) وتكون في السبع الأواخر أكثر .
وأكثر ما تكون ليلة سبع وعشرين كما كان أبيّ بن كعب يحلف أنها ليلة سبع وعشرين ، فقيل له: بأيِّ شيٍْ علمت ذلك؟ فقال : بالآية التي أخبرنا رسول الله عليه الصلاة والسلام ، أخبرنا : أن الشمس تطلعُ صبحة صبيحتها كالطشتِ، لا شعاعَ لها )) .
وقد أختلف العلماء في تعيينها بناءً على اختلاف الأدلة فيها ، ورجح بعض العلماء أنها تنتقل وليست في ليلة معينة كل عام، قال النووي-رحمه الله-: (( وهذا هو الظاهر المختار لتعارض الأحاديث الصحيحة في ذلك، ولا طريق إلى الجمع بين الأحاديث إلا بانتقالها )) ( المجموع 6/450).
* فينبغي للمؤمن أن يجتهد في أيام وليالي هذه العشر طلباً لليلة القدر، اقتداءً بنبينا عليه الصلاة والسلام، وأن يجتهد في الدعاء والتضرع إلى الله. عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلةَ القدر ما أقولُ ؟ قال: قولي: (( اللَّهُمَّ إنَّك عفوٌ كريمٌ تحبُّ العفو فاعفُ عَنِّي )) رواه الإمام أحمد والترمذي واللفظ له وابن ماجه وقال الترمذي: حسن صحيح .

زكاة الفطر

وهي واجبة على كل فرد من المسلمين، صغير وكبير، ذكر أو أنثى، حر أو عبد.
- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد، والحر، والذكر، والأنثى، والصغير والكبير، من المسلمين )). متفق عليه
- عن ابن عباس قال: (( زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين من أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات )) صحيح رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم والبيهقي .
* على من تجب:
تجب على الحر المسلم، المالك لمقدار صاع، يزيد عن قوته وقوت عياله، يوما وليلة، وهو قول مالك والشافعي وأحمد .
وتجب عليه عن نفسه، وعمّن تلزمه نفقته، كزوجته، وأبنائه، وخدمه الذين يتولى أمورهم، ويقوم بالإنفاق عليهم .
* قدرها:
- قال أبو سعيد الخدري: (( كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من زبيب )) متفق عليه.
- يرى أهل العلم في الذي يزكي أن يُخرج من كل شيء صاع وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق .
- وقال بعض الصحابة والتابعين من كل شيء صاع إلا البُر(( الطحين)) فإنه يجزي نصف صاع وهو قول سفيان وابن المبارك .
* متى تجب ؟:
- تؤدى صدقة الفطر قبل الخروج لصلاة العيد، كما في الحديث المتفق عليه عن ابن عمر أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة.
ومن أدّاها قبل العيد بيوم أو يومين فلا حرج، كما جاء في البخاري: وكان ابن عمر رضي الله عنهما يعطيها الذين يقبلونها ، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين .

سنن العيد

- كان ابن عمر يغتسل يوم العيد قبل خروجه . صحيح رواه مالك في الموطأ.
- كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا خرج إلى المصلى خالف الطريق . أخرجه البخاري.
وقد استحب أهل العلم الخروج في طريق والرجوع من غيره اتباعاً لهذا الحديث، وهو قول الشافعي.
- ويسن للرجل أن يتجمل ويلبس أحسن ثيابه، وأما المرأة فتخرج إلى العيد غير متجملة ولا متطيبة ولا متبرجة ولا سافرة .
- عن أم عطية قالت: (( أمرنا أن نخرج فتخرج الحُيض والعواتق وذوات الخدور )) رواه البخاري.
قال ابن عون : فأما الحُيض ( النساء الحائضات): فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم ويعتزلن مصلاهم .
والعواتق : اللواتي بلغن أو قاربن سن البلوغ .
- كان ابن عمر إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى ثم يكبر حتى يأتي الإمام . صحيح رواه الدارقطني.
- عن جابر بن سمرة: (( صليت مع رسول الله عليه الصلاة والسلام العيد في غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة )) رواه مسلم .
- عن عائشة مرفوعاً: (( التكبير في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات والثانية خمس تكبيرات )) صحيح رواه أبو داود .
- قال عقبة بن عامر: (( سألت ابن مسعود عمّا يقول بعد تكبيرات العيد: قال: (( يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي عليه الصلاة والسلام )) صحيح رواه الأثرم.
ويقصد بين كل تكبيرة من التكبيرات السبعة والخمسة .
- كان النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ في العيدين: ( سبح اسم ربك الأعلى ) و ( هل أتاك حديث الغاشية ) صحيح رواه الإمام أحمد .
- عن ابن عباس أن النبي عليه الصلاة والسلام: (( خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصلي قبلها ولا بعدها ومعه بلال )) رواه البخاري .
- كان النبي عليه الصلاة والسلام يخرج في الفطر والأضحى إلى المصلى . متفق عليه
- عن عبد الله بن السائب قال: (( شهدت العيد مع النبي عليه الصلاة والسلام قال : إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب )) صحيح رواه أبو داود والنسائي .
-كان النبي عليه الصلاة والسلام لا يخرج يوم الفطر حتى يَطعم ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي . صحيح رواه الترمذي وابن ماجه.
- كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى ، وحتى يقضي الصلاة، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير . أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف.

وماذا بعد رمضان ؟!

كنا في رمضان في إقبالٍ على الله.. نكثر من النوافل ونشعر بلذة العبادة.. نكثر من قراءة القرآن.. لا نفرط في صلاة الجماعة.. منقطعين عن مشاهدة ما حرم الله.. ولكن بعد رمضان كيف لنا أن نحافظ على هذه الروحانية وهذا الإقبال فلا نفرط في صلاة جماعة ولا نافلة ولا نهجر القرآن؟
إليك أخي المسلم(11) وسيلة للمداومة على العمل الصالح بعد رمضان :
1- أولاً-وقبل كل شيء- طلب العون من الله على الهداية والثبات فأكثِر من قوله تعالى: { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة .. } .
2- الإكثار من مجالسة الصالحين والحرص على مجالس الذكر.
3- التعرف على سير الصالحين وخاصة الاهتمام بسير الصحابة، فإنها تبعث في النفس الهمة والعزيمة .
4- الحرص على أداء الفرائض الخمس في المسجد والتبكير إلى الصلاة .
5- الحرص على النوافل ولو القليل المحبب للنفس، فإن أحب الأعمال إلى الله كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (( أدومه وإن قل)). صحيح مسلم.
6- المداومة على قراءة كتاب الله بتدبر بشكل يومي ، والعمل على حفظ ما تيسر منه ، فإن قراءة القرآن حصنٌ حصين مع التدبر والاعتبار .
7- الإكثار من ذكر الله عز وجل والاستغفار فإنه عمل يسير ونفعه كبير يزيد الإيمان ويقوي القلب .
8- زيارة الأرحام والأقارب والإحسان إليهم ، ومعايشة هموم المسلمين وقضاياهم .
9- الصدقة، وبذل المعروف، والمشاركة في الأعمال الطيبة .
10- زيارة القبور فإنها تذكِّر بالآخرة وتزهد بالدنيا، وتَذَكُّر الموت وعذاب القبر، والجنة وما فيها من نعيم والنار وما فيها من جحيم .
11- البعد كل البعد عن مفسدات القلب من أصحاب السوء، والأغاني، والنظر لما حرم الله، وتجنب الغيبة والنميمة والبهتان وقول الزور ونحوه، وتجنب مجالس اللغو وبالذات التي يكثر فيها الهزل والضحك .

تنبيه :
ضرورة تجنب الكذب ولو بالمزاح أو لإضحاك الناس لقوله عليه الصلاة والسلام: (( ويلٌ للذي يحدثُ فيكذب لِيُضحكَ بهِ القومَ ، ويلٌ لهُ، ويلٌ لهُ )) حديث حسن رواه أبو داود والترمذي والحاكم .
أخي المسلم.. بادر بالتوبة العاجلة.. التوبة النصوح.. مما سلف من الذنوب، فإن هذا الشهر موسم من مواسم الخيرات، ولا ندري أيعود علينا أم لا ؟ فطالما أمضينا الأعمار في اللهو والغفلة عن طاعة الله :

يا ذا الذي ما كفاهُ الذنبُ في رجبٍ --- حتى عصى ربَّه في شهرِ شعبانِ
لقد أظَلكَ شهرُ الصومِ بعدَهُما --- فلا تُصيرهُ أيضاً شهرَ عصيانِ
واتلُ القرآن وسبحْ فيهِ مُجتَهِداً --- فإنه شهرُ تسبيحٍ وقرآنِ
كم كُنتَ تعرِف ممنْ صامَ في سَلَفٍ --- مِن بينِ أهلٍ وجيرانٍ وإخوانِ
أفْناهُمُ الموتُ واستبْقاكَ بعدَهُمو --- حَيّاً فما أقربَ القاصي من الداني


أخي المبارك: لا تكن من أولئك القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان الذين قال فيهم بعض السلف: (( بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان)) فالله رب رمضان ورب أشهر العام كلها .
نسأل الله أن يتقبل صيامنا ، وقيامنا، ويصلح أحوالنا، ويعيذنا من مضلات الفتن، ومن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلنا من اللذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

 

شهر رمضان

  • استقبال رمضان
  • يوم في رمضان
  • رمضان شهر التغيير
  • أفكار دعوية
  • أحكام فقهية
  • رسائل رمضانية
  • المرأة في رمضان
  • سلوكيات خاطئة
  • فتاوى رمضانية
  • دروس علمية
  • رمضان والصحة
  • الهتافات المنبرية
  • العشر الأواخر
  • بطاقات رمضانية
  • المكتبة الرمضانية
  • وداعاً رمضان
  • الصفحة الرئيسية