اطبع هذه الصفحة


رمضان بين الطاعات والآفات

رياض يحيى الغيلي

 
الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين ...
اللهم لك الحمد حتى ترضى .. ولك الحمد بعد الرضى .. ولك الحمد في الآخرة والأولى .
اللهم لك الحمد على كل نعمة أنعمت بها علينا .. في قديم أو حديث .. أو عامة أو خاصة .. لك الحمد بالإسلام .. ولك الحمد بالإيمان .. ولك الحمد بالقرآن .. ولك الحمد بالمعافاة ..
اللهم إياك نعبد .. ولك نصلي ونسجد .. وإليك نسعى ونحفد ... نرجو رحمتك ونخشى عذابك .. إن عذابك الجد بالكفار ملحق .
وأشهد ألا إله إلا الله ... لا إله إلا الله ... لا إله إلا الله ..
ولا نعبد إلا إياه .. ولا نرجو سواه .. عظيم السلطان والجاه .. افلح من دعاه .. وسعد من رجاه .. وفاز من تولاه .
لا إله إلا الله : عبد الله :
إذا دعوت فقل : يا ألله ... إذا رجوت فقل : يا ألله .... إذا أصابك كرب فقل : يا ألله ... وإذا أصابك ضر فقل : يا ألله ... يا ألله ... يا ألله .
هي أجمل الكلمات قلها كلما ضج الفؤاد وضاقت الأزمان
وأشهد أن نبينا ورسولنا وعظيمنا وقائدنا وقدوتنا محمداً .. رسول الله ..
أشرح الناس صدراً ... وأرفع الناس ذكراً ... وأعظم الناس قدراً ... وأعلى الناس شرفاً .. وأكثر الناس صلاة وصوماً .
إن البرية يوم مبعث أحمد *** نظر الإله لها فبدل حالها
بل كرم الإنسان حين اختار *** من خير البرية نجمها وهلالها
لبس المرقع وهو قائد أمة *** جبت الكنوز فحطمت أغلالها
لما رآها الله تمشي نحوه *** لا تبتغي إلا رضاه سعى لها
صلى عليك الله يا خير الأنام ... يا من هديت لنا فقه الصيام ...

أما بعد : فيا حملة القرآن .. ودعاة الرحمن : ماذا أقول .. وعن أي شيئ أتحدث .. ونحن بين يدي ضيف كريم عزيز على القلوب ؟
ماذا أقول ونحن بين يدي سيد الشهور ... شهر القيام والطهور .. شهر الصيام و السحور .
مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام *** يا حبيباً زارنا في كل عام
فاغفر اللهم ربي ذنبنـــا *** ثم زدنا من عطاياك الجسام
أيها المؤمنون الأعزاء : لعلكم سمعتم الكثير عن رمضان .. ولعلكم قرأتم الكثير عن رمضان .. لعلكم عرفتم أن رمضان : شهر التوبة والإحسان ... شهر الصلاح والإيمان ... شهر الصدقة والإحسان ... شهر مغفرة الرحمن .. شهر تزيين الجنان ... وتصفيد الشيطان ..
ولعلكم علمتم أن رمضان : شهر العتق .. وشهر الصدق .. وشهر الرفق .
ولعلكم علمتم أن رمضان شهر القران : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه و من كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر و لتكملوا العدة و لتكبروا الله على ما هداكم و لعلكم تشكرون ) .

أيها المؤمنون الأوفياء : رمضان في هذه الأعوام غنيمة .. لأنه يأتي في فصل الشتاء ، الذي قال عنه بعض السلَف : الشتاء ربيع المؤمن قَََصُرَ نهارُهُ فصامَه ، و طالَ ليلُه فقامَهُ ، و هذا مصداق لقول النبيّ الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم: ( الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة ) .

ولهذا أجدني اليوم مضطراً للحديث عن رمضان ... حديثاً ذا شجون ... أتناول فيه بعضاً من الأخطاء التي يقع فيها الناس خلال رمضان .. وسوف أسميها في هذا الحديث
(رمضان بين الطاعات والآفات) .

أيها المؤمنون الأعزاء :
الطاعة الأولى : التوبة ... التوبة من الذنوب صغيرها وكبيرها .. توبة خالصة نصوحا ...
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .
فبادر أيها الأخ الحبيب إلى التوبة .. ولا تيأس من رحمة الله .. فاليأس والقنوط سلاحٌ لإبليس يمضيَه في العاصي حتى يستمر على عصيانه ... مهما عمل العبد من المعاصي والفجور ... فالإسلام لا يأس فيه من رحمة الله ... فالتوبة تهدم ما قبلها ... والإنابة تجب ما سلفها... فمن كان مبتلى بمعصية ... فرمضان موسم التوبة والإنابة، الشياطين مصفّدة ، والنفس منكسرة ، والله تعالى ينادي: (قُلْ يعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم ).
ُويقول في الحديث القدسي: ((يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة))

في هذا الشهر قوافل من التائبين يقصدون عفو الله ... فكن أحدهم ... فما أجمل أن يكون رمضان بداية للتوبة والإنابة .. فكم فيه من التائبين إلى الله ... وكم من المستغفرين من ذنوبهم ... النادمين على تفريطهم.
أنا العبد الذي كسب الذنوبا *** وصدتـه الأمـاني أن يتوبـا
أنا العبد الذي أضحى حزينا *** علــى زلاتـه قلقاً كئيبــا
أنا العبد المسئ عصيت سراً *** فمـالي الآن لا أبدي النحيبـا
أنا العبد المفرط ضاع عمر *** فلـم أرع الشبيبـة والمشيبـا
أنا العبد الغريق بلـج بحـر *** أصيـح لربما ألقـى مجيبـا
أنا العبد السقيم من الخطايـا *** وقـد أقبلت ألتمـس الطبيبـا
أنا الغدّار كم عاهدت عهـداً *** وكنت على الوفاء به كذوبـا
فيا أسفي على عمر تقضـى *** ولم أكسـب به إلا الذنـوبـا
ويا حزناه من حشري ونشري *** بيـوم يجعل الولـدان شيبـا
ويا خجلاه من قبح اكتسابـي *** اذا مـا أبدت الصحف العيوبا
ويا حذراه من نـار تلظـى *** اذا زفـرت أقلقـت القلوبـا
فيا من مدّ في كسب الخطايا *** خطاه أما آن الأوان لأن تتوبا

تقابل هذه الطاعة العظيمة آفة جسيمة : هي استغلال ما تبقى من شعبان في الإقبال على المعاصي
فالظالم يزيد من ظلمه ... والغاش يزيد في غشه ... وآكل الربا يزداد له أكلاً .. والسفيه يزداد سفهاً ...والفاجر يزداد فجوراً ..
هؤلاء يقبلون بشغف على محارم الله فينتهكونها بين يدي هذا الشهر الفضيل .. فيختمون شعبان بالمعاصي التي سيُحال بينهم و بينها بالصيام في رمضان ... و حالهم كما قال قائلهم :
إذا العشرون من شعبـان ولت *** فواصـل شـرب ليلك بالنهار
و لا تشـرب بأقـداح صغـار *** فإن الوقت ضاق عن الصغـار
و لهؤلاء و أمثالهم من المقيمين على المعاصي ، و يغفلون عن علاّم الغيوب ، نصيب من قوله تعالى : وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا لَهُمْ قُلُوبٌ و لا تشـرب بأقـداح صغـار *** فإن الوقت لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُون).

الطاعة الثانية : الإمساك عن الطعام والشراب : وهو المرتبة الدنيا من مراتب الصيام .. ويسمى " صوم العموم"
وهي طاعة يقول عنها الحبيب محمد ( صلى الله عليه وسلم) : ((والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه من أجلي كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به))
كما أنها طاعة تدرب النفس على كسر شهواتها ... وكبح جماحها ... وتشعر المسلم بألم الجوع والحرمان الذي يعانيه الفقراء والمساكين ... بل وفيها من الفوائد الصحية ما يغني عن كثير من الأدوية ..

يقابل هذه الطاعة العظيمة آفة خطيرة : هي أن الكثير من الناس جعلوا رمضان موسماً للأكل والشراب ..
فتجد الكثير من الناس يأكل في رمضان ضعف ما يأكله في غير رمضان .. وينفق على شراء الأطعمة في رمضان أضعاف ما ينفق في بقية الأشهر ...
تجدون هؤلاء الناس يتسابقون على معارض الشهر الكريم ... تلك المعارض التي تجمع فيها أصناف المآكل والمشارب ... فلا يأتي رمضان إلا وقد ملئت المخازن
ثم إذا ما جاء رمضان .. تعال وانظر إلى حال صاحبنا .. وهو يوصي أهله بإعداد الأصناف المختلفة من المطاعم والمشارب ... ويظل يتردد طول نهاره بين البقالات والمطاعم .. ليجمع منها كل ما لذ وطاب .. من طعام وشراب ... فإذا ما أذن مؤذن المغرب .. تراه منكباً على طعامه وشرابه دون حساب ... هؤلاء وأمثالهم صدق في وصفهم من قال :
وأغبى العالمين فتى أكــول *** لفطنته ببطنته انــــهزام
ولو أني استطعت صيام دهري *** لصمت فكان ديـدني الصيام
ولكن لا أصوم صيام قــوم *** تكاثر في فطورهم الطعــام
فإن وضح النهار طووا جياعا *** وقد هموا إذا اختلط الظـلام
وقالوا يا نهار لئن تــجعنا *** فإن الليل منك لنا انتـقـام
وناموا متخمين على امتـلاء *** وقد يتجشئون وهم نــيام
فقل للصائمين أداء فــرض *** ألا ما هكذا فرض الصـيام

الطاعة الثالثة : صوم الجوارح : وهو المرتبة الوسطى من مراتب الصيام .. ويسمى " صوم الخصوص"
تصوم اليد عن المعاصي ؛ فلا تبطش .. ولا تسرق .. ولا تضرب ..
وتصوم الرجل عن المشي إلى المعاصي ...
و يصوم اللسان عن الكذب .. وقول الزور .. والنميمة والغيبة .. والسب .. والجدال ..
وتصوم الأذن عن سماع الغناء .. وتصوم العين عن النظر إلى العورات .
وصدق رسول الله حيث قال : ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))
وقال عمر بن الخطاب: ليس الصوم من الشراب والطعام وحده ولكنه من الكذب والباطل واللغو.
وقال جابر بن عبد الله: (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمأتم، ودع أذى الخادم وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء).

يقابل هذه الطاعة الجليلة آفة كليلة : هي أن كثيراً من الناس لم يفقهوا حقيقة الصيام .. فامتنعوا عن الطعام والشراب في نهار رمضان .. ولم يمنعوا جوارحهم من الخوض فيما يجرح الصيام ..
العجب كل العجب : أن تجد صائماً يكذب .. ويقول الزور .. ويسعى بالنميمة ... ويأكل لحم أخيه ويدعي أنه صائم ...
يظلم ... ويغش .. يضرب ويسب ... يبطش و يسرق .. يتتبع العورات .. وينظر إلى المحرمات ..
إذا لم يكن في السمع مني تصــامم *** وفي مقلتي غــض،وفي منطقي صمت
فحظي إذن من صومي الجوع والظما *** وإن قلت : إني صمت يوما فما صمت
يا مديم الصوم في الشهر الكريم *** صم عن الغيبة يوما والنمــيم
وصلِّ صلاة من يرجو ويخشى *** وقبل الصوم صم عن كل فحشا

الطاعة الرابعة : استغلال الوقت في العبادات والطاعات .. من صلاة وقيام .. وصدقة وإطعام ..وقراءة القرآن ..وذكر الواحد الديان ...
ذلك لمن عرف قدر رمضان ... وعرف خصائص رمضان ..
فالمسلم يعلم أن : ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً ، غفر له ما تقدم من ذنبه )
والمسلم يعلم أن : ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )
والمسلم يعلم أن من عمل خصلة من خصال الخير في رمضان كان له بها أجر فريضة .
والمسلم يعلم أن في رمضان ليلة هي خير الليالي ، وأن عبادة فيها تعدل عبادة ألف شهر .
والمسلم يعلم أن عمرة في رمضان كحجة مع الحبيب محمد (صلى الله عليه وسلم) .
كل هذا يعلمه المسلم .. ويعلم غيره الكثير من فضائل هذا الشهر الكريم ... لذا تجد هذا المسلم حريصاً على وقته في رمضان .. لا تضيع عليه لحظة من لحظاته في غير عبادة أو طاعة ..

وفي مقابل هذه الطاعة آفة : تضييع الأوقات في رمضان .. بين نوم و جولات في الشوارع نهاراً ..ولعب ولهو وسمر أما الأفلام والمسلسلات والمسابقات والأغاني ليلاً ..
كيف لا وقد قامت نخبة من أبناء هذا الوطن المعطاء ..بل من سفها ء الإعلام .. همها إسعاد هذا المواطن .. وإدخال السرور على قلبه ..بأبي هو وأمي ...
قامت بجهود جبارة ... سهرت على إعدادها الليل والنهار ... وأنفقت على إخراجها الملايين من قوت الفقراء والمساكين ... لا لشئ .. إلا ليعيش هذا المواطن المسكين الذي حرم نفسه من الطعام والشراب نهاراً .. في سعادة غامرة في الليل ..
فأعدت له مجموعة من المسابقات المباشرة .. والمسلسلات الفارغة ... والأغاني الماجنة ... والأفلام الفاضحة ..
إنها نخبة تستحق المكافأة على هذه الجهود الجبارة .
لأنها لم تدع وقتا لهذا المواطن يضيعه في صلاة التراويح ... أو تلاوة القرآن ... أو ذكر الملك الديان .

أيها المؤمنون الأعزاء : هنا مدرسة محمد (صلى الله عليه وسلم) يقول فيها الحبيب : البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت ..
إعمل ما شئت كما تدين تدان ... كل غبن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون .
فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون .


الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين ... ولا عدوان إلا على الظالمين .
أشهد ألا إله إلا الله .. ولي الصالحين ...
واشهد أن محمداً عبد الله ونبيه ورسوله ... إمام المتقين .. وخاتم الرسل أجمعين ... صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطيبين .. وأصحابه أجمعين .
أما بعد : أيها الإخوة المؤمنون .. أيتها الأخوات المؤمنات : أعود لأبث على حضراتكم .. طاعات في رمضان تقابلها آفات ...

الطاعة الخامسة : الإقبال على المساجد وإعمارها بالصلوات .. وتلاوة القرآن .. والاعتكافات .. والذكر ..
(إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر .. وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله .. فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين )
وليس المقصود بإعمار المساجد .. بناءها فقط .. وإنما إعمارها بملئها أثناء الصلوات .. ودوام ارتيادها ... واحترامها .. والسكينة والخشوع فيها ... فالمساجد بيوت الله ... وبيوت الله أحق البيوت بالاحترام .
بيوت الله أحق البيوت بالاعمار .. وبيوت الله أحق البيوت بالنظافة ..
ولكن ما يؤسف له أن تقابل هذه الطاعة أفة : هي انقطاع الناس عن المساجد بعد رمضان ... وعودتهم إلى ما كانوا عليه قبل رمضان من هجر المساجد والقرآن .
بل إن بعضاً ممن يرتادون المساجد في رمضان ... تجدهم وكأنهم سجناء في بيوت الله ... يتحرقون شوقاً للخلاص من هذا السجن .... فيا فرحتهم حين انقضاء الصلاة .. يتزاحمون على الأبواب أيهم يخرج أولاً .. ويا ويح المؤذن إن تأخر عن إقامة الصلاة ... و يا ويل الإمام من ألسنتهم إن أطال قليلاً في الصلاة .
وبلغ ببعضهم التهاون في بيوت الله مدى بعيداً ... ترى البعض منهم يحضر مائدة عريضة على الفطور ... ويفترش المسجد أو صوح المسجد ... ويأكل حتى تنتفخ بطنه .. من الثوم والبصل .. والمرق ..
فاذا انتظم في الصف للصلاة لا يتورع من أن يتجشأ بملئ فيه ... فإذا تجشأ كانت الكارثة الكبرى على من بجواره ... وهربت ملائكة الرحمن متأذية من ريح هذا الرجل ...
ثم يغادر المسجد بعد انقضاء صلاة المغرب لينتقل إلى مائدة أخرى أكثر عمراناً من سابقتها ... تاركاً فضلات طعامة في المسجد دون تنظيف ...
فيا أيها المسلم : مهلاً ... كان من هدي الحبيب محمد (صلى الله عليه وسلم) الفطور على تمرات .. فإن لم يجد فشربة ماء .. فالزم هديه تفلح وتنجح ..

الطاعة السادسة : تصيد أوقات الإجابة في رمضان ... وأقصد بالإجابة .. إجابة الدعاء ...
فمن أفضل الأوقات للدعاء :
1) ليلة القدر.
2) جوف الليل الآخر ووقت السحر.
3) دبر الصلوات المكتوبات ( الفرائض الخمس ).
4) بين الأذان والإقامة .
5) ساعة من كل ليله .
6) عند النداء للصلوات المكتوبات .
7) عند نزول الغيث .
8) ساعة من يوم الجمعة وهي على الأرجح آخر ساعة من ساعات العصر قبل الغروب .
9) السجود في الصلاة .
10) دعاء الصائم حتي يفطر.
11) دعاء الصائم عند فطره .
( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب .. أجيب دعوة الداع إذا دعان .. فليستجيبوا لي وليؤمونا بي لعلهم يرشدون )
ولكن يقابل هذه الطاعة أفة : هي ضياع هذه الأوقات في القيل والقال ... والضحك والمزاح ..
قبل الإفطار خاصة ... تجد البعض من الناس .. إما يضحكون ... وإما في الغيبة والنميمة يخوضون ... وإما على المؤائد ينبطحون ... يقلبون في الأطعمة .. فيقدمون هذا الصنف .. وذاك يؤخرون ... وهم عن الدعاء غافلون ...

الطاعة السابعة : كثرة قراءة القران
شهر رمضان هو شهر القرآن.. فينبغي أن يكثر العبد المسلم من قراءته ..
وقد كان حال السلف العناية بكتاب الله ... فكان جبريل عليه السلام يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان .
وكان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يختم القرآن كل يوم مرة .
وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال .
وبعضهم في كل سبع ليال .
وبعضهم في كل عشر ليال .
كانوا يقرءون القرآن في الصلاة وفي غيرها .
فكان للشافعي في رمضان ستون ختمه ، يقرؤها في غير الصلاة .
وكان الأسود يقرأ القرآن كل ليلتين في رمضان .
وكان الزهري إذا دخل رمضان يفر من الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف .
وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن.
ولم يكن هدي السلف قراءة القرآن دون تدبر وفهم ، وإنما كانوا يتأثرون بكلام الله عز وجل ويحركون به القلوب .
فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اقرأ علي . فقلت : أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ فقال إني أحب أن أسمعه من غيري قال : فقرأت سورة النساء حتى إذا بلغت ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ) قال : حسبك ، فالتفت فإذا عيناه تذرفان ) .
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما نزلت ( أفمن هذا الحديث تعجبون . وتضحكون ولا تبكون ) بكى أهل الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حسهم بكى معهم فبكينا ببكائه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يلج النار من بكى من خشية الله).
والآفة التي تقابل هذه الطاعة : هي تلاوة القرآن دون تدبر أو تفكر ...
( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها )
تجد البعض من الناس يقرأ القران ... فيمر على الأيات مر السحاب ... بلا تدبر .. وبلا تمعن ... وبلا تفكر ...
كانما يقرأ قصة بوليسية ... أو مقالاً في جريدة ..
ربما يختم الواحد من هؤلاء المصحف عشرين ختمة في رمضان ... بل ربما ختمه ثلاثين مرة ... ولكن لم يفهم منه آية واحدة ... فمثله كمثل الحمار يحمل أسفارا ...

أيها المؤمنون الأعزاء : أيتها المؤمنات الفاضلات : رمضان طاعات ... أضاعتها آفات ...
فلنحذر من هذه الآفات أشد الحذر ... ولنجعل من رمضان هذا العام شيئأً آخر ..
فلعله يكون آخر رمضان في العمر إن بلغناه بفضل الله ..
أيها المؤمنون : إرفعوا أكف الضراعة إلى الله وأمنوا على دعائي ......

الدعاء
الصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم)
اسم الخطيب : رياض يحيى الغيلي
إمام وخطيب مسجد الأوقاف
صنعاء – اليمن
 

شهر رمضان

  • استقبال رمضان
  • يوم في رمضان
  • رمضان شهر التغيير
  • أفكار دعوية
  • أحكام فقهية
  • رسائل رمضانية
  • المرأة في رمضان
  • سلوكيات خاطئة
  • فتاوى رمضانية
  • دروس علمية
  • رمضان والصحة
  • الهتافات المنبرية
  • العشر الأواخر
  • بطاقات رمضانية
  • المكتبة الرمضانية
  • وداعاً رمضان
  • الصفحة الرئيسية