اطبع هذه الصفحة


المحافظة على أوقات الصلوات في رمضان

سليمان بن إبراهيم الأصقه


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فهذا مقالة اقتضاها واجب النصح للمسلمين إذ لاحظت كما لاحظ غيري كثيراً من المخالفات فيما يتعلق بالمحافظة على أوقات الصلوات إلا أني أحببت أن أسلط الضوء على المخالفات المتعلقة بأوقات الصلوات والتي تظهر في رمضان, فأقول مستعينا بالله تعالى:
 
لا يخفى على متعلم أهمية شرط الوقت للصلوات الخمس بل إنه أهم الشروط ولذا يصلي المصلي بالتيمم ليحافظ على الوقت، ويصلي راجلاً أو راكباً في حال الخوف ليحافظ على الوقت، ويصلي جالساً أو على حسب حاله في طهارة المحل أو الثوب أو البدن ليحافظ على الوقت، ويصلي وإن اختل شرط ستر العورة ليحافظ على الوقت قال تعالى ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا ) ( موقوتا )أي لها وقت معلوم في بدايته ونهايته.[1]
 
ولأهمية الوقت جعله الله مناطاً بعلامات ظاهرة واضحة يعرفها العامي والمتعلم إلا أن الناس مع تطور علم الحساب وانضباطه ووجود الإضاءة بالكهرباء مما يصعب معه تحري أوقات الصلوات = صاروا يعتمدون على التقاويم لضبط أوقات الصلوات ولا بأس بذلك إجماعاً لأن المقصود معرفة دخول الوقت ولم تحدد الوسيلة لذلك.[2]
ومع هذه الأهمية إلا أن بعض المسلمين يخل بهذا الشرط في رمضان مع أن الأولى أن يكون المسلم أكثر محافظة على أوقات الصلوات في رمضان وهذا الإخلال: إما إخلال كامل بأداء الصلاة خارج وقتها أو ناقص لكن فيه مخالفة للسنة أو الأولى، وأهم صور هذا الإخلال ما يلي:
 
1- تأخير صلاة الظهر عن وقتها وتفويت صلاة العصر:

في وقت صلاة الظهر تجد البعض يفوت الوقت ولا يصلي الظهر إلا مع العصر بسبب النوم حتى تصير صلاة الظهر في رمضان كصلاة الفجر في غيره عند البعض. مع أن الذي ينبغي في رمضان أن لا يكتفي المسلم بأداء الفريضة في وقتها بل يحافظ على الرواتب قبلها وبعدها. وأشد من ذلك أن البعض تفوته صلاة الجمعة وهو صائم. وإنك لتعجب أن الكثير يتعاظم أن يؤخر الصوم عن وقته ولو ليوم واحد وهو حقيق أن يعظم بينما هو متساهل في تأخير الصلوات عن وقتها وهي أولى بالإعظام فهي الركن الثاني من أركان الاسلام وتأخيرها عن وقتها بلا عذر أعظم من تأخير الصيام بلاعذر. والكل عظيم.
 
ونفس هذا الخلل يحصل من البعض في صلاة العصر فقد يؤخرها بسبب النوم إلى خروج وقتها باصفرار الشمس. في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلا " أخرجه مسلم 622 من حديث أنس رضي الله عنه. وصلاة العصر هي الصلاة الوسطى وقد خصها الله تعالى بالأمر بالمحافظه فقال ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ) وهي مع صلاة الفجر أهم الصلوات الخمس وقد قرن بينهما في الفضل في غيرما حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
 
ومما خصت به صلاة العصر[3] قوله صلى الله عليه وسلم "الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله" أخرجه البخاري 522 ومسلم 626 من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وتر: سلب والمعنى: أن الذي تفوته صلاة العصر كأنما سلب أهله وماله فأصبح بلا أهل ولا مال, والحديث يدل على تعظيم قدر صلاة العصر عند الله عز وجل وموقعها من الدين وأن الذي تفوته قد فجع بدينه بما ذهب منه كما يفجع من ذهب أهله وماله[4].
 
وهل المراد تفويتها مع الجماعه أم تفويتها عن أول وقتها أم تفويتها عن وقتها الاختياري الذي ينتهي باصفرار الشمس أم تفويتها عن وقتها الاضطراري الذي ينتهي بمغيب الشمس ؟ أقوال لأهل العلم[5]
القول الأول منها ممكن أن يستدل له بقول النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الجماعة "فما ادركتم فصلوا وما فاتكم فاتموا" أخرجه البخاري 635 ومسلم 603 من حديث ابي قتادة رضي الله عنه واخرجه البخاري 636 ومسلم 602 من حديث ابي هريرة رضي الله عنه.
 
والقول الثاني ضعيف لأن تأخير الصلاة عن أول الوقت مباح ـ وإن كان خلاف المستحب ـ فلا يستحق صاحبه أن يفونه من دينه كمن سلب أهله وماله من دنياه. والقول الثالث والرابع لاشك أن الحديث ينطبق عليهما لاسيما الرابع بل قد يكون فاته دينه كله والحديث محمول على من فوتها متعمداً بانشغال أو نوم لم يحتط فيه.
 
ومما خصت به صلاة العصر قوله صلى اللله عليه وسلم "من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله" أخرجه البخاري 553 من حديث بريده رضي الله عنه, وهذا وعيد شديد وهو أشد مما جاء في الحديث قبله إذ أنه رتب على ترك صلاة العصر حبوط العمل. قال ابن القيم "والذي يظهر في الحديث ـ والله اعلم بمراد رسوله ـ أن الترك نوعان: ترك كلي لا يصليها أبداً فهذا يُحبط العمل جميعه. وترك معين في يوم يوم معين فهذا يحبط عمل ذلك اليوم.فالحبوط العام في مقابله الترك العام والحبوط المعين في مقابله الترك المعين".
ولو قال قائل: إن هذا الحديث في الترك لصلاة العصر بتعمد وهو سبب لحبوط العمل. والحديث السابق حديث ابن عمر رضي الله عنهما ـ في الذي تفوته صلاة العصرـ فيمن فاتته لنوم أو نسيان فإنه كمن أصيب في أهله وماله كما حكي عن بعض السلف[6] = لما كان بعيداً.
 
وبكل حال فإن هذه الأحاديث تدل على أهمية المحافظة على صلاة العصر والمبادرة إليها في أول وقتها مع الجماعة.
 
2- تأخير الإقامة لصلاة المغرب:

يعمد الكثير من الأئمة إلى تأخير الإقامة لصلاة المغرب في رمضان إلى ربع ساعة من الأذان بل قد تصل لأكثر من ذلك وحجتهم في ذلك تمكين الناس من الإفطار ومن ثم إدراك الصلاة جماعة, لكن هذا العمل لا ينبغي لأمور:
 
أولاً: أنه مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم بالمبادرة بأداء صلاة المغرب في أول وقتها ففي الصححين خ 561 م 363 عن سلمه بن الاكوع رضي الله عنه قال: "كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب إذا توارت بالحجاب." أي إذا توارت الشمس بالحجاب والمعنى توارى قرصها عن أعين الناظرين بما حجبها عنها من الأرض. واخرجه ابو داوود 417 ولفظه "كان يصلي ساعة تغرب الشمس إذا غاب حاجبها."
وعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: "كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله" أخرجه البخاري 559 ومسلم 637 وفي المسند 16415 عن أناس من الأنصار قالوا: "كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب ثم ننصرف فنترامى حتى نأتي ديارنا فما تخفى علينا مواقع سهامنا" وفيه 14246 عن جابر رضي الله عنه قال: "كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب ثم نأتي منازلنا وهي قدر ميل فنرى مواقع النبل." وقدر الميل هو ثلاثة كم إلا قليلا. ومواقع النبل: هي مواقع السهام بعد الرمي.
 
وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم يبادر بها بعد مغيب الشمس حتى إنه يبقى بعد الصلاة من ضوء النهار ما يبصرون به مواقع النبل.
قارن هذا وبين حال كثير من مساجد المسلمين لا تقام صلاة للمغرب إلا وقد عم الظلام.
 
ثانياً:
أن العلماء متفقون على استحباب تعجيل صلاة المغرب[7] .بل منهم من يرى أن وقتها مضيق ولذا لا يستحب الفصل بين اذان المغرب وإقامة الصلاة بفاصل من جلوس ولا غيره, والجمهور على أن لها وقتاً ممتداً إلى مغيب الشفق الأحمر على قول الأكثرين منهم وهو يغيب بعد خمس وأربعين دقيقة من مغيب الشمس تقريباً ويختلف في الشتاء والصيف.
والذين قالوا إن وقتها يمتد إنما استحبوا الفصل بين الأذان والاقامة بجلسة خفيفة , وقيل سكتة بقدر ثلاث آيات وهو قائم, وقال الإمام أحمد يفصل بينهما بقدر ركعتين. عن انس رضي الله عنه قال: "كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب رسول الله صلى االله عليه وسلم يبتدرون السواري حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم كذلك يصلون الركعتين قبل المغرب ولم يكن بين الاذان والاقامة شيء."وفي رواية "ولم يكن بينهما إلا قليل" أخرج البخاري 625 ومسلم 637
فاين هذا من حال الكثير من الأئمة ممن يميت صلاة المغرب ويمد الوقت بعد الأذان حتى تشتبك النجوم ويخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويتشبه بأهل البدع كالروافض ونحوهم[8] الذين يستحبون تأخير صلاة المغرب إلى أن تشتبك النجوم.
 
ثالثا:
أن المبادرة لصلاة المغرب دليل على خيرية الأمة في المسند 23534 وسنن ابي داوود 418 وصحيح ابن خزيمه 1/435 عن مرشد بن عبدالله اليزني قال: قدم علينا أبو أيوب رضي الله عنه غازيا وعقبة بن عامر رضي الله عنه يومئذ على مصر فأخر المغرب فقام إليه أبو أيوب فقال: ماهذه الصلاة يا عقبة؟ فقال: شغلنا, قال:أما والله ما بي إلا أن يظن الناس أنك رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هذا أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" لا تزال أمتي بخير- أو على الفطرة – ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم"
والسبب في بقاء خيرية الأمة مالم يؤخروا المغرب هو أنهم بتعجيلهم لصلاة المغرب يحافظون على هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته فلا يزالون بخير وهم على ذلك. أما إذا جعلوا يؤخرون المغرب إلى أن تشتبك النجوم فقد نزعتهم منهم الخيرية لرغبتهم عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته.
 
رابعا:
أن في هذا التأخير إغراء للناس بوضع ما شاءوا من أنواع المأكولات والمشروبات والاشتغال بها قبل الصلاة وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم يفطر قبل الصلاة قال أنس رضي الله عنه "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم يكن رطبات فتمرات فإن لم يكن تمرات حسى حسوات من ماء" أخرجه أحمد 12676 وأبو داود 2356 والترمذي 696 وقال حسن غريب وأخرجه ابن خزيمة 2063 بلفظ بـ "أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي المغرب حتى يفطر ولو كان على شربة ماء."
إذا كان صلى الله عليه وسلم يبادر بالفطر كما كان يبادر بالصلاة وهو القائل " لايزال الناس بخير ماعجلوا الفطر" أخرجه البخاري 1957 ومسلم 1098 من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.
وعن أبي عطية قال: دخلت أنا ومسروق على عائشة رضي الله عنها فقلنا يا أم المؤمنين رجلان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة قالت: أيهما الذي يعجل الافطار ويعجل الصلاة قال قلنا: عبدالله –يعني ابن مسعود- قالت: كذلك كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه مسلم 1099
 
ومبادرته بالفطر قبل الصلاة مقتصرة على ما قل ونفع من رطبات أو تمرات أو حسوات من ماء. وفي ذلك من الحكمة أن الجسم بعد طول انقطاعه عن الطعام والشراب ينخفض فيه مستوى السكر في الدم ويحتاج إلى مادة تحتوي على مواد سكرية عالية تعطيه طاقة تعوضه عما فقده أثناء الصيام. والتمر لاسيما الرطب منه يحتوي على نسبة عالية من السكريات المولدة للحرارة والنشاط وتتميز سكريات التمر بسرعة الامتصاص والوصول للدم في زمن قياس كما أن الجسم بعد انقطاعه عن الماء بالصيام لاسيما أيام الصيف الحارة الطويلة يحصل له نوع يبس يحتاج لترطيبه بالماء[9].
 
إلا أن تاخير الائمة لإقامة صلاة المغرب يغري كثيراً من الناس إلى وضع أنواع الطعام على مائدة الإفطار مع أذان المغرب مما يجعلهم ينهمكون في الأكل والشرب وفي هذا اضافة لمخالفته للهدي النبوي مضار صحية من ارهاق المعدة وعسر الهظم وانتفاخ البطن.
 
3- تقديم أذان العشاء والصلاة على الوقت المحدد في التقويم:

 
معلوم ان وقت صلاة العشاء يدخل بمغيب الشفق الأحمر وقال بعض أهل العلم يدخل بمغيب الشفق الأبيض وقد وضع دخول وقت العشاء في التقويم على مغيب الشفق الأبيض احتياطاً. وفي رمضان أخر وقت أذان العشاء عن ذلك نصف ساعة وذلك بناء على فتوى من سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله واستمر العمل على هذا إلا أن بعض المؤذنين يقومون بالأذان على حسب التوقيت السابق أو بعده بقليل ثم تقام الصلاة أحياناً قبل موعد الأذان المحدد في التقويم والذي ينبغي هو الالتزام بالوقت المحدد في التقويم وذلك لأمور:
 
أولاً: أن السنه تأخير العشاء عن أول وقتها فقد أخرها صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وما خرج حتى ذهب ثلث الليل أو بعده ثم قال حين خرج "إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ولولا أن يثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة" اخرجه مسلم 639 من حديث عمر رضي الله عنه.
 
وقال صلى الله  عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها "أنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي"  وقد أعتم بها حتى ذهب عامة الليل ونام أهل المسجد " أخرجه مسلم 638/219
وقال جابر بن سمرة رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخر صلاة العشاء الآخره" أخرجه مسلم 643
 
ثانياً: أن في هذا رفقاً بالناس وهو الذي لأجله أخر موعد الأذان في التقويم فإذا بادر المؤذن بالأذان والامام بالصلاة صار في ذلك مشقة على الناس وتضييق عليهم، وأنت تلاحظ في الأحاديث السابقة شدة مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم لحال الناس وعدم المشقة عليهم في أداء صلاة العشاء. وفي تأخير الأذان لصلاة العشاء والصلاة في رمضان لمدة نصف ساعة عن وقته المعتاد في غير رمضان مراعاة للناس ورفق بهم وهو المطلوب.
 
ثالثاً: أن هذه الموعد للاذان قد اثبت في التقاويم وعمم به بناء على فتوى شرعية معتبرة فكان اللائق بالمسلم في ذلك السمع والطاعة لما في ذلك من المصلحه الظاهره والسنة النبوية قال صلى الله عليه وسلم "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" اخرجه البخاري 7144 ومسلم 1839 من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
 
4- المبادرة بإقامة صلاة الفجر بعد ربع ساعة من الأذان المعتمد في توقيته على التقويم وأحيانا بأقل من ذلك كعشر دقائق:

يعمد كثير من الأئمة والمؤذنين في رمضان إلى المبادرة إلى إقامة صلاة الفجر بعد عشر دقائق إلى ربع ساعة من الأذان, والسبب أن كثيراً من الناس يكونون مستيقظين قبل الفجر للسحور أو أنهم لم يناموا بعد فيريدون المبادرة بالصلاة لأجل المبادرة إلى الفرش والنوم إلى قبيل موعد العمل أو إلى صلاة الظهر. ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبادر بإقامة صلاة الفجر بعد الأذان ولا يفصل بينهما إلا بالقليل من الوقت ليصلي الركعتين اللتين قبل صلاة الفجر بعد التأكد من طلوع الفجر الصادق.
 
إلا أن أكثر المؤذنين والأئمة إنما يعول في دخول وقت الفجر على التقويم  والتوقيت لوقت الفجر في تقويم أم القرى فيه تقدم على طلوع الفجر الصادق بنحو ربع ساعة على الأقل.ومهما كان التقويم فإنه فرع عن أصل, والأصل هو العلامة الشرعية لدخول الوقت.
 
قال علماء اللجنة الدائمة الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ عبدالرزاق عفيفي والشيخ عبدالله بن غديان رحمهم الله " التقويم من الأمور الاجتهادية فالذين يضعونه بشر يخطئون ويصيبون ولا ينبغي أن تناط به أوقات الصلاة والصيام من جهة الابتداء والانتهاء لأن ابتداء هذه الأوقات وانتهائها جاء في القرآن والسنة فينبغي الاعتماد على مادلت عليه الأدلة الشرعية ولكن هذه التقاويم الفلكية قد يستفيد منها المؤذنون والائمة في أوقات الصلاة على سبيل التقريب أما في الصوم والافطار فلا يعتمد عليها من جميع الوجوه لأن الله سبحانه علق الحكم بطلوع الفجر إلى الليل ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة وبالله التوفيق" اهـ كلامهم[10].
 
وبالتجربة العملية والتي قام بها عدد من المهتمين بهذا الشأن ومن ذلك ماجاء في التقرير النهائي لمشروع دراسة الشفق والذي أعده عدد من المشايخ والاساتذة في علم الفلك تبين أن الفجر الصادق يطلع ويتبين بعد خمس عشرة دقيقة إلى عشرين دقيقة من التحديد المقرر في تقويم أم القرى. وهذه التجربة تعتبر فريدة من نوعها في إعدادها ونتائجها وذلك لعدة أمور منها:

1- أن الذين قاموا بها عدد من المختصين في الشريعة والفلك بناء على ماورد إليهم من ملاحظات حول موعد صلاة الفجر وأن هناك اختلافاً بين التقويم والواقع.
2- انهم قاموا بالخروج في منطقة مظلمة بعيدة عن الأضواء على بعد 170 كم من مدينة الرياض.
3- أنهم قاموا برصد طلوع الفجر ثلاث عشرة مره خلال عام 1425هـ مما فيه تغطية لفصول السنة ومايحدث فيها من تقلبات جوية مؤثرة على الرصد.
4- أن الرصد كان مرتكزاً على المشاهدة البصرية الفردية من أعضاء اللجنة بأن يعطي كل راصد شنطة تحوي على ساعة معايرة مختلفة عن التوقيت الفعلي ومعروف فرقها عن التوقيت الحقيقي – التوقيت في هذه الساعات مختلف وغير مطابق للآخرين -  ثم يقوم كل راصد بتدوين المشاهدات بعيداً عن الآخرين عن طريق الوصف في ملف خاص يسلم للمبرمج بعد انتهاء عملية الرصد, وتم الاستعانة بأجهزة مساعدة من الآت للتصوير عالية الدقة وأجهزة المساحة الجغرافية GPS  
أنهم صوروا ما رأوه من الفجر. [11]
5- أنها اعتمدت على المتوسط من مشاهدات الأعضاء فبعد أن انتهت اللجنة من الرصد  جمعت جميع الارصاد لكل شهر على حده ومن ثم أخذ المتوسط الشهري للارصاد, وروعي في ذلك اتفاق أغلبية الراصدين في رؤية الفجر ثم أخذ متوسط المتوسطات الشهرية وهي النتيجة التي تحدد بداية طلوع الفجر الصادق.
 
وكانت النتيجة النهائية لهذه الدراسة أن بين طلوع الفجر الصادق والتحديد الذي في تقويم أم القرى خمس عشرة دقيقة إلى عشرين دقيقة. وهي بالمعيار الفلكي عندما تكون الشمس تحت الافق بمقدار 15,1 درجة إلى 14,0 درجة والمتوسط 14,6 درجة بينما طلوع الفجر على حسب التقويم في ذلك الحين على درجة 19 درجة تحت الافق وهو الشفق الفلكي المتوافق مع الفجر الكاذب الذي جاء في بعض النصوص الشرعية ويذكره الفقهاء.
 
وقد قمت بنفسي مع بعض الإخوة بالخروج في أكثر من موقع بعيدة عن أضواء المدينة ورصدت طلوع الفجر فاتضح  لي أنه لا يتبين  إلا بعد خمس عشرة دقيقة من توقيت أم القرى وأنه حين يؤذن الموذنون على حسب التقويم ما ثم في الأفق جهة المشرق إلا الظلام الدامس ـ  وعندي تقرير مفصل بكل خرجه ـ  وتأكد لي أنه لا يحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصلي صلاة الفجر قبل ربع ساعة من التوقيت الموجود في تقويم ام القرى كما أن هذا هو ما توصل إليه الشيخ الدكتور سليمان بن ابراهيم الثنيان عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة وأصول الدين بجامعة القصيم حيث قام برصد طلوع الفجر الصادق لمدة عام وتبين له أنه متأخر عن توقيت التقويم مابين خمس عشرة دقيقة إلى أربع وعشرين دقيقة[12] .
 
وقريب من ذلك ماتوصل إليه بعض الاخوان الذين أشار إليهم الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه على رياض الصالحين[13] حيث خرجوا إلى البر فوجدوا الفرق بين التوقيت الذي بأيدي الناس وبين طلوع الفجر نحو ثلث ساعة. قال الشيخ  معلقا على ذلك "فالمسألة خطيرة جداً ولهذا لا ينبغي للإنسان في صلاة الفجر أن يبادر في إقامة الصلاة وليتاخر نحو ثلث ساعة أو خمسة وعشرين دقيقة حتى يتيقن أن الفجر قد حضر وقته" أهـ[14] .
 
وهذا ما توصل إليه الشيخ الدكتور يوسف بن عبدالله الأحمد في تجربة قام بها[15]. ومما يؤكد هذا أمور:

الأول:
أن تحديد وقت طلوع الفجر في معظم التقاويم ومنها تقويم ام القرى ليس مبنياً على رؤية عملية لطلوع الفجر وإنما بنيت على ما هو معروف عند الفلكين بالشفق الفلكي وبعضها يتقدم قليلاً[16] وقد سبق أنه أمر اجتهادي ولا يعدو أن يكون فرعاً عن أصل. والأصل هو العلامة الشرعية وهي طلوع الفجر الصادق الذي يدرك بالرؤية البصرية ولذا يجب التعويل عليها عند الاختلاف وتعديل التقويم بما يتوافق معها.

الثاني:
أن طلوع الفجر الذي تحرم بتبينه المفطرات وتحل الصلاة علامة ظاهرة لا تخفى, يشترك في رؤيته حديد البصر وغيره .
قالت عائشة رضي الله عنها: "أول ما بدىء  به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح"[17] قال الحافظ ابن حجر" والمراد بفلق الصبح ضياؤه, وخص بالتشبيه لظهوره الواضح الذي لا شك فيه"اهـ [18],إنه الصبح كما كان الناس يقولون لابن ام مكتوم رضي الله عنه حين ينظرون إلى بزوغ الفجر "أصبحت أصبحت" أخرجه البخاري 617 ومسلم 1092، فالفجر هو ضوء الصبح وإنما سمي فجراً لانفجار الضوء منه قال صلى الله عليه وسلم "لا يغرنكم نداء بلال ولا هذا البياض حتى ينفجر الفجر" أخرجه مسلم 1094/44 من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه.
 
وقالت حفصة رضي الله عنها "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح وبدا الصبح ركع ركعتين قبل أن تقام الصلاة" أخرجه البخاري 618 ومسلم 723 .
وفي رواية لمسلم 723/89 "كان إذا أضاء له الفجر صلى ركعتين"
وقالت عائشة رضي الله عنها "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر بعد أن يستبين الفجر" من الاستبانة وهي الظهور, وللكشميهني "يستنير" بنون وآخره راء من الاستنارة. أخرجه البخاري 626 ومسلم 724.
 
وقال ابو موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة فلم يرد عليه شيئا قال: فاقام الفجر حين انشق الفجر والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضا قال: ثم أخر الفجر من الغد حتى انصرف منها والقائل يقول قد طلعت الشمس أو كادت وفي آخر الحديث قال صلى الله عليه وسلم " الوقت بين هذين" أخرجه مسلم 614 وفي الحديث: دلالة ظاهرة على أن بداية وقت صلاة الفجر بعد وضوح نور الصبح إلا أنه لا تتبين به وجوه الناس حتى يعرف بعضهم بعضا.
 
وفي حديث جابر رضي الله عنه الذي فيه صلاة جبريل عليه السلام بالنبي صلى الله عليه وسلم في أول الوقت وآخره قال"ثم جاء الفجر فقال قم فصله فصلى حين برق الفجر أو قال "حين سطع الفجر" وصلى المرة الثانية الصبح حين اسفر وقال في آخر الحديث "ما بين هذين وقت" أخرجه أحمد 14538 والترمذي 150 وصححه ونقل عن البخاري قوله: أصح شيء في المواقيت حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم" أهـ
وفي حديث جابر رضي الله عنه في حجة الوداع "ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر وصلى الفجر حين تبين له الصبح" الحديث أخرجه مسلم 1218 مع أنه في ذلك اليوم أسرع ما يكون مبادرة لصلاة الفجر لكي يشتغل بالذكر عند المشعر الحرام إلى الإسفار جدا.
 
وقال تعالى "فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر"
فعلق تحريم المفطرات بتبين الخيط الأبيض الذي هو بياض النهار من الخيط الأسود الذي هو سواد الليل وهو الفجر الصادق الذي يحرم المفطرات على الصائم وهو الذي به يدخل وقت صلاة الفجر هكذا فسر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " إنما هو سواد الليل وبياض النهار " أخرجه البخاري 1916 ومسلم 1090 من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه, وقال قتادة في تفسير الآية: فهما علمان وحدان بينان فلا يمنعكم أذان مؤذن مراء أو قليل العقل من سحوركم فإنهم يؤذنون بهجيع من الليل طويل وقد يرى بياض ما على السحر يقال له الصبح الكاذب كانت تسميه العرب فلا يمنعكم ذلك من سحوركم فإن الصبح لا خفاء به طريقة معترضة في الأفق وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الصبح فإذا رأيتم ذلك أمسكوا.[19]
 
من خلال ما سبق ندرك ما دل عليه القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم في بداية وقت صلاة الفجر أنه علامة ظاهر لا تخفى قال الحافظ ابن عبدالبر "الفجر هو أول بياض النهار الظاهر المستطير في الافق المستنير المنتشر" اهـ[20] .
 
وبه يتبين خطأ من زعم أن الفجر الصادق نور خفي مثل سلك الخياطة أسفل الأفق مما يلي الأرض مهما كانت صغره وقصره ولا يكاد يراه إلا أحاد من الناس ممن تميز بحدة البصر كالذي يرى الهلال دون غيره[21] فإن هذا القول إضافة لكونه قولاً محدثا لم يقل به أحد من السابقين فيما أعلم = فهو قول لم يبنى على تجربة عملية ورصد ميداني لطلوع الفجر وانما حمل صاحبه على القول به الانتصار لصحة ما جاء في التقويم من توقيت طلوع الفجر.
 
والامام ابن جرير الطبري لما حكى الأقوال في تفسير معنى قوله تعالى "حتى يتبين لكم الخيط البيض من الخيط الأسود من الفجر" ذكر ثلاثة أقوال:

القول الأول: ان المراد بالخيط الأبيض ضوء النهار بطلوع الفجر من ظلمة الليل وسواده.
القول الثاني: الخيط الأبيض بياض النهار وسواد الليل وصفة ذلك البياض أن يكون منتشراً في السماء يملاء بياضه وضوءه الطرق فأما الضوء الساطع في السماء فإن ذلك غير الذي عناه الله تعا
لى.
القول الثالث: الخيط الأبيض ضوء الشمس والخيط الأسود سواد الليل.
وذكر من قال بكل قول وحجته ورجح الأول ورد القول الثالث وليس من هذه الأقوال أن الفجر الصادق نور خفي كسلك الخياطة مهما كان صغره وقصره لا يراه إلا النوادر من الناس!
 
ثم إن الله تبارك وتعالى  علق الأمر بتبينه لنا لا مجرد ظهور ضوء لا يراه أحد إلا النوادر من الناس قال القرطبي عن الفجر" وهو أول بياض النهار الظاهر المستطير في الأفق المنتشر, تسميه العرب الخيط الأبيض"[22] وقال مفسرا الآية " حتى غاية للتبيين ولا يصح أن يقع التبيين لأحد ويحرم عليه الأكل إلا وقد مضى لطلوع الفجر قدر. واختلف في الحد الذي بتبينه يجب الإمساك فقال الجمهور: ذلك الفجر المعترض في الأفق يمنة ويسره وبهذا جاءت الأخبار, ومضت عليه الأمصار"اهـ
 
ثالثاً:
أن طلوع الفجر الصادق الذي هو بداية وقت صلاة الفجر وبه تحرم المفطرات احتف به أمران يغران مما أوجب التنبيه عليهما ,الأول: أنه يباح الأذان قبل دخول وقت الفجر بخلاف غيرها من الصلوات. الثاني: أنه علامة دخول وقت صلاة الفجر الذي هو الفجر الصادق يسبقه فجر كاذب ولذا نبه النبي صلى الله عليه وسلم على عدم الاغترار بهذين الأمرين قالت عائشة رضي الله عنها إن بلالا كان يؤذن بليل فقال صلى الله عليه وسلم "كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن ام مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر" أخرجه البخاري 1918 و 1919 ومسلم  1092 وقال صلى الله عليه وسلم "لا يمنعن أحدكم اذان بلال من سحوره فإنه يؤذن بليل ليرجع قائمكم ولينبه نائمكم وليس أن يقول الفجر والصبح" وقال باصابعه ورفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل "حتى يقول هكذا" قال زهير بن معاوية شيخ شيخ البخاري: "بسبابتيه إحداهما فوق الأخرى ثم مدها عن يمينه وشماله. أخرجه البخاري 621 ومسلم 1093 وفي رواية لمسلم 1093/40  "هو المعترض وليس المستطيل" وفي صحيح مسلم 1094/42 عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لايغرنكم من سحوركم آذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا" وفي رواية  1094/43 "ولا هذا البياض حتى يبدو الفجر" أو "ينفجر الفجر".
 
وعن طلق بن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر" أخرجه ابو داود 2033 والترمذي 705 وابن خزيمة 193 وقال الترمذي حديث طلق بن علي حديث حسن غريب من هذا الوجه والعمل على هذا عند أهل العلم أنه لا يحرم على الصائم الأكل والشرب حتى يكون الفجر الأحمر المعترض وبه يقول عامة أهل العلم. اهـ
 يهيدنكم: لا تنزعجوا و لا تنزجروا بالفجر الكاذب.
 
وهذا التشابه والتقارب بين وقت طلوع الفجرين والذي نبه النبي صلى الله عليه وسلم على عدم الاغترار به هو الذي أوقع البعض من الناس في الخطأ في توقيت دخول الفجر. والذي كان ينبغي أن ينظر في الفروق بين الفجر الكاذب والصادق من خلال النصوص النبوية الذي لا ينطق صاحبها عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى و كلام أهل العلم ومن خلال التطبيق العملي ومن ثم يحدد وقت طلوع الفجر الصادق وهذا ماتوصلت إليه اللجنة آنفة الذكر ووجدت بنفسي ووجده غيري ممن طبق ذلك عمليا كما سبق.
كما أن أذان المؤذنين على التقويم يغر من يسمعه بأن الفجر الصادق قد طلع وفي الواقع أن الذي طلع هو الفجر الكاذب والواجب هو الانتظار حتى يمضي ربع ساعة بعد الأذان على الأقل ويتحقق  طلوع الفجر الصادق.

رابعاً:
أن توقيت صلاة الفجر في التقويم إلى نهاية عام 1429هـ كان على زاوية أن الشمس تحت الأفق عند الفجر 19 درجة ثم عدل مع بداية عام 1430هـ على 18,5 درجة بزيادة ثلاث دقائق. وهذا خطوة في الطريق الصحيح لكنها غير كافية. ولا يزال التقويم يحتاج إلى تعديل بزيادة خمس عشرة دقيقة على الأقل حتى يتوافق مع طلوع الفجر الصادق.
 
وشاهد الكلام من ذلك: هو أن هذا التعديل يدل على خطاء سابق في التقويم , مما يبين أن وضعه كان باجتهاد لم يبنى على رصد لتبين الفجر ولذا لم يوفق صاحبه للصواب, علما أنه أول ما وضع كان على درجة 18 وقد اطلعت على تقويم عام 1397 وهو متأخر عن التقويم الحالي بخمس دقائق ثم قدم بعد عشر سنوات على درجة 19 أي بنحو ثمان دقائق احتياطا للصوم ولم يزل كذالك إلى نهاية عام 1429 حيث قدم ثلاث دقائق. ولا يزال يحتاج لتعديل.
 
فما أدري بعد هذا التقديم والتأخير في التقويم, كيف يسوغ لنا أن نقول إنه مطابق لطلوع الفجر 100%  ؟!
وهل يسوغ أن نعول عليه وهو عمل بشري لم يبنى على رؤية معتبرة وندع ما رأيناه بأعيننا؟!
إنني إناشد مشايخنا وولاتنا أن يعيدوا النظر في توقيت التقويم لأذان الفجر بأن يقدم خمس عشرة دقيقة على حسب ما توصل إليه تطبيق اللجنة أنفة الذكر. أو تشكل لجنة يكون من أعضائها من خرج أيام الشيخ ابن باز رحمه الله مع من خرج من أعضاء اللجنة الأخيرة, ويرصدوا تبين الفجر حتى تتضح الحقيقة.
 والمسلم عندما يسمع بهذا الاختلاف فإنه  يعول على اليقين وهذا ما أوضحه في الأمر الخامس.

خامسا:
أن ما سبق من مشاهدات لعدد من المهتمين بهذا الأمر – وينبغي أن يكون هم كل مسلم- وغير ذلك مما ذكر بعض العلماء عن خطأ التقاويم كما ذكر الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة[23] والشيخ مصطفى العدوي يورث لدى سامعه إن لم يقتنع به وأصر على صحة التقويم شكاً واشتباه في طلوع الفجر الصادق على أقل تقدير, وعند الاشتباه والشك في طلوع الفجر يتعين الاحتياط في الصلاة بتأخير إقامتها إلى حصول اليقين بطلوع الفجر والمقترح أن تكون إقامة الصلاة بعد خمس وعشرين دقيقة من توقيت التقويم على الأقل لأجل أن تصلى السنة الراتبة بعد دخول الوقت.قال الموفق ابن قدامة "إذا شك في دخول الوقت لم يصل حتى يتيقن دخلوه أو يغلب على ظنه ذلك والأولى تأخيرها قليلاً احتياطاً" أهـ[24]. وقال " إن صلى من غير دليل مع الشك لم تجزئه صلاته أصاب أو أخطأ لأنه صلى مع الشك في شرط الصلاة من غير دليل فلم تصح كمن اشتبهت عليه القبلة فصلى من غير اجتهاد "اهـ [25]
 
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله "وهذه العلامات – علامات أوقات الصلوات - أصبحت في وقتنا علامات خفيه لعدم الاعتناء بها عند كثير من الناس وأصبح الناس يعتمدون على التقاويم والساعات ولكن هذه التقاويم تختلف فأحياناً يكون بين الواحد والآخر إلى ست دقائق وهذه ليست هينة ولا سيما في أذان الفجر وأذان المغرب لأنهما يتعلق بهما الصيام مع أن كل الأوقات يجب فيها التحري فإذا اختلف تقويمان وكل منها صادر من عارف بعلامات الوقت فإننا نقدم المتأخر في كل الأوقات لأن الأصل عدم دخول الوقت مع أن كل من التقويمين صادر من أهل وقد نص الفقهاء على مثل هذا" أهـ[26]
 
وأبرز التقاويم التي يعتمد عليها المسلمون في مواقيت الصلاة في الوقت الراهن ما يلي:

1- تقويم المساحة العامة المصرية وهو يجعل وقت دخول الفجر إذا كانت زاوية الشمس تحت الأفق بـ 19,5 درجة.
2- تقويم أم القرى وزاوية الشمس تحت الأفق عند الفجر 19 درجة ثم عدل عام 1430هـ إلى 18,5 درجة.
3- تقويم رابطة العالم الإسلامي وزاوية الشمس تحت الأفق عند درجة 18 درجة.
4- تقويم الجمعية الإسلامية بأمريكا الشمالية المعروفة ب( الإسنا ) وزاوية الشمس تحت الأفق عند الفجر 15 درجة.
وهنا تلاحظ التفاوت الكبير بين التقاويم (ما بين 19,5 درجة إلى 15 درجة) وهو قرابة خمس وعشرين دقيقة
والتقويم الأخير هو أقربها مطابقة لطلوع الفجر الصادق بالتطبيق العملي. وهو المتعين العمل به عند الشك احتياطاً للصلاة كما سبق تقريره.
 
أما الصيام فلا يتعين الاحتياط فيه مع الشك في طلوع الفجر الصادق  بل لو أكل أو شرب مع الشك في طلوع الفجر فصومه صحيح عند جمهور أهل العلم خلافا للمالكية ـ إذا لم يتبين أن تناوله للمفطر كان بعد طلوع الفجر, وإذا تبين أن تناوله للمفطر كان قبل طلوع الفجر فصومه صحيح عند الجميع ـ وعلى ذلك تدل آثار السلف:

ـ دخل رجلان على أبي بكر رضي الله عنه وهو يتسحر فقال أحدهما قد طلع الفجر وقال الآخر لم يطلع بعد فقال أبو بكر "كل قد أختلفا" .
ـ وقال عمر رضي الله عنه إذا شك الرجلان في الفجر" فليأكل حتى يستيقنا"
ـ وقال مكحول "رأيت ابن عمر رضي الله عنهما أخذ دلوا من زمزم فقال لرجلين أطلع الفجر فقال أحدهما لا وقال الآخر نعم فشرب.
ـ وجاء رجل لابن عباس رضي الله عنه فقال له متى أدع السحور فقال رجل جالس عنده: كل حتى إذا شككت فدعه فقال ابن عباس "كل ما شككت حتى لا تشك"  
ـ وقال رجل للحسن أتسحر وأمتري – أي أشك - في الصبح فقال: كل ما امتريت إنه والله ليس بالصبح خفاء""[27].
ولو احتاط شخص للصيام فامسك على حسب التقويم فلا ضير عليه مع الشك في طلوع الفجر. لكننا صرنا نحتاط للصيام مع أن الأصل بقاء الليل ولا نحتاط للصلاة التي يشترط لها دخول الوقت ولا تجزيء مع الشك في دخول الوقت, والاحتياط للصلاة أولى بالعناية.
 
فعلى الأئمة والمؤذنين أن يتقوا الله تعالى وأن لا يخضعوا لرغبات الناس في العجلة في إقامة الصلاة بعد عشر دقائق أو ربع ساعة من توقيت الأذان حتى يؤدوا الصلاة بعد دخول وقتها.
 
وليعلم كل مسلم أنه لا يكون مؤديا للسنة الراتبة التي قبل الفجر وهي آكد السنن الرواتب إلا إذا أداها بعد ربع ساعة من توقيت أذان الفجر على حسب التقويم.
 
وفي الختام أدعو كل شخص ـ وخاصة الأئمة والمؤذنين ـ ممن لم يقتنع بما ذكرت أو عنده شك في ذلك أن يخرج إلى مكان بعيد عن الأنوار وخاصة في جهة المشرق وليكن قصده من ذلك معرفة الوقت الشرعي بعلامته الظاهرة, واقترح عليه أن يخرج من آخر الليل ولينظر بنفسه ويسجل ما يرى ويتعرف على الفجر الكاذب من الفجر الصادق. حتى يقطع الشك باليقين فهو أمر يومي لا يعز متابعته وجدير بالمؤمن أن يعتني بذلك لأنه يتعلق بالركن الثاني من أركان دينه, إلى أن ييسر الله تعالى تعديله بما يوافق طلوع الفجر وما ذالك على الله بعزيز.
 
أسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين وأن يهدينا ويسددنا والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 

كتب
سليمان بن إبراهيم الأصقه
s-ms1430@hotmail.com          
 

---------------------------------------
[1]  انظر جامع البيان للطبري ت التركي 7/451 والدر المنثور ت التركي 4/675 وزاد المسير ط المكتب الإسلامي 2/188
[2]  انظر طلوع الفجر الصادق د/ الصبيحي ص 34 وقد ينازع في هذا الإجماع. ظ مجموع الفتاوى ط عالم الكتب 25 / 208 الفروع لابن مفلح 1 / 435
[3]   فتح الباري لابن رجب ط الغرباء 4/301 فتح الباري لابن حجر ط طيبة 2/319
[4]  فتح الباري لابن رجب 4/301
[5]  فتح الباري لابن رجب 4/293 و 297 فتح الباري لابن حجر 2/319
[6]  فتح الباري لابن رجب 4/299
[7]  الاوسط ط طيبة 2/369 وشرح مسلم للنووي ط دار عالم الكتب 5/138 فتح الباري لابن رجب ص 353 و 355
[8]  فتح الباري لابن رجب 4/353 نيل الأوطار ت طارق ط دار عفان 2/240
[9]  زاد المعاد ط الرسالة 2/50 ونيل الوطار 5/472 وصايا طيبة وسنن نبوية على موقع منتدى مسيف.
[10]  فتاوى اللجنة الدائمة 6/144
[11] 2 ظ  مذكرة التقرير النهائي لمشروع دراسة الشفق وفيه الصور المبينة للفجر الكاذب والصادق
[12]  له بحث بعنوان أوقات الصلوات المفروضة لم ينشر بعد بواسطة مذكرة  مشروع دراسة الشفق ص 29
[13]  3/216
[14]  شرح رياض الصالحين 3/216
[15] 4كتيب مسائل مهمة في الصيام والصلاة
[16]  ظ مذكرة التقرير النهائي لمشروع دراسة الشفق ص 30 – 33 مجلة الحكمة 424 ص215 أحكام العبادات المترتبة على طلوع الفجر الثاني د.ناصر الغامدي ط دار ابن الجوزي ص23
[17] 6 بخ 3
[18] 7 فتح الباري لابن حجر 1 / 54 ط طيبه  
[19] 1 أخرجة ابن جرير 3/249
[20]  التمهيد 4/335 موسوعة شروح الموطأ ت التركي 2/99
[21]  طلوع الفجر الصادق  ص 53 و54 و 67 و 68 و 75 و81
[22] 2 الجامع لأحكام القرآن ت التركي 3 / 193 و 196
[23]  5/52
[24] 1 من المغني ت التركي 2/30 بتصرف
[25] 22/32 وانظر الشرح الكبير ت التركي 3/ 173و177  
[26]3 الشرح الممتع 2/62.
[27]  ذكر هذه الآثار ابن أبي شيبه ط  الرشد ت الجمعة واللحيدان 40/41 و 42


 

شهر رمضان

  • استقبال رمضان
  • يوم في رمضان
  • رمضان شهر التغيير
  • أفكار دعوية
  • أحكام فقهية
  • رسائل رمضانية
  • المرأة في رمضان
  • سلوكيات خاطئة
  • فتاوى رمضانية
  • دروس علمية
  • رمضان والصحة
  • الهتافات المنبرية
  • العشر الأواخر
  • بطاقات رمضانية
  • المكتبة الرمضانية
  • وداعاً رمضان
  • الصفحة الرئيسية