بسم الله الرحمن الرحيم
في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف
في العشر الأواخر من رمضان حتى توفّاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده.
الاعتكاف سنة مؤكدة داوم عليها الرسول صلى الله عليه وسلم، قال النووي:
"الاعتكاف سنة بالإجماع ولا يجب إلا بالنذر بالإجماع". المجموع (6/ 501)
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُضرب له خباء مثل هيئة الخيمة، فيمكث فيه
غير أوقات الصلاة حتى تتم الخلوة له بصورة واقعية، وكان ذلك في المسجد.
وكان دائم المكث في المسجد لا يخرج منه إلا لحاجة الإنسان، من بول أو غائط
، تقول عائشة:(وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفاً ) البخاري.
وكان يحافظ على نظافته، إذْ كان يخرج رأسه إلى حجرة عائشة رضي الله عنها
لكي ترجّل له شعر رأسه.رواه البخاري.
قال ابن حجر: "وفي الحديث جواز التنظيف والتطيب والغسل والحلق والتزين
إلحاقاً بالترجل ، والجمهور على أنه لا يكره فيه إلا ما يكره في المسجد".
ذهب الإمام أحمد إلى أن المعتكف لايستحب له مخالطة الناس، ولو لتعليم
وإقراء قرآن، بل الأفضل له الانفراد بنفسه، والتخلي بمناجاة ربه.
قال الزهري: (عجباً للمسلمين! تركوا الاعتكاف، مع أن النبي صلى الله عليه
وسلم، ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله عز وجل).
يشترط للاعتكاف شروط هي:
- الإسلام.
- والتمييز.
- والطهارة من الحدث الأكبر (من جنابة،وحيض، ونفاس).
-وأن يكون في مسجد لا يخرج منه إلا لحاجة.
قال القرطبي: "أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد؛ لقوله
تعالى: (وأنتم عاكفون في المساجد)" والأفضل في أن يكون في مسجد تقام فيه
الجمعة.
ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأزواجه وصحابته رضوان الله عليهم اعتكفوا
في المساجد، ولم يرد عن أحد منهم أنه اعتكف في غير المسجد.
لا يختص الاعتكاف بالمساجد الثلاثة فقط بل يصحّ في كل مسجد.
وأما حديث: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) فهو على القول بصحته مؤول
بمعنى أنّ أكمل ما يكون الاعتكاف في هذه المساجد كما قال أهل العلم.
أو يكون المراد: لا اعتكاف يُنذر ويسافر إليه.
والاعتكاف يصح في كل مسجد،وقد أجمع الأئمة - خاصة الأئمة الأربعة-على صحة
الاعتكاف في كل مسجد جامع.
الغرف التي داخل المسجد وأبوابها مفتوحة على المسجد لها حكم المسجد، وبناءً
عليه فيجوز الاعتكاف فيها ؛ لأنها من المسجد.
أما لو كان بناؤها خارج المسجد فلا يصح الاعتكاف فيها حتى لو كان لها باب
داخل المسجد. فتاوى اللجنة الدائمة (10/411)
في اشتراط الصوم للمعتكف خلاف بين العلماء، والأصح أن الصوم مستحب للمعتكف
، وليس شرطاً لصحته .
ذهب الجمهور إلى أن أقل زمن للاعتكاف لحظة، هو مذهب أبي حنيفة والشافعي
وأحمد.
قال النووي: "يجوز الكثير منه والقليل حتى ساعة أو لحظة".
وقال الشيخ ابن باز فتاويه (15/437): "لاريب أن الاعتكاف في المسجد قربة من
القرب، وفي رمضان أفضل من غيره.. وهو مشروع في رمضان وغيره"اهـ باختصار.
وذهب بعض العلماء إلى أن أقل مدته يوم وهو رواية عن أبي حنيفة وقال به بعض
المالكية.
القول الراجح عدم وجوب قضاء الاعتكاف المسنون إذا قطعه لعذر أو لغير عذر،
ولكن يستحب له ذلك لقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكافه عندما قطعه.
أما الواجب – كأن نذر الاعتكاف - فيجب عليه قضاؤه إذا قطعه؛ لأن الذمة لم
تبرأ.
من نذر أن يعتكف عشرة أيام متتابعة ثم اعتكف خمسة أيام وأبطل اعتكافه هل
يعيد العشرة؟
إن كان أبطله لعذر فيعتدّ بخمسة الأيام ويكمل.
أما إن كان أبطله لغير عذر فعليه أن يعيد العشرة متتابعة.
ولو أطلق فلم يقل: متتابعة، ولا غير متتابعة، فنقول: كل يوم اعتكفه سقط من
ذمته وعليه قضاء الباقي، واليوم الذي خرج فيه ولم يكمله عليه قضاؤه.
إن مرض أثناء اعتكافه فإن كان يسيرا بحيث لا تشق معه الإقامة في المسجد
كصداع وغيره ولا تلزم الفراش فهذا لايجوز له الخروج، فإن خرج بطل اعتكافه.
وإن كان المرض شديدا بحيث تشق معه الإقامة في المسجد لحاجته إلى الفراش،
ومعاودة الطبيب، فيباح له الخروج لحاجته إليه.فإذا شفي رجع وبنى على
اعتكافه.
الاعتكاف سنة للرجال والنساء، وقد كانت أمهات المؤمنين رضي الله عنهن
يعتكفن مع النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، واعتكفن بعد وفاته عليه
السلام.
إذا حاضت المرأة المعتكفة أو نفست وجب عليها الخروج من المسجد.
جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة على جواز الاشتراط في
الاعتكاف بشرط ألا يكون منافيا للاعتكاف كالجماع أو النزهة أو التجارة ونحو
ذلك.
وفائدة الاشتراط أنه إن اشترط وخرج لاتباع الجنائز مثلا فهو في حكم
المعتكف، كمن خرج لقضاء حاجته، يخرج بقدر الحاجة والضرورة، ولا يفعل فعلا
يناقض اعتكافه.
يستحب للمعتكف التشاغل بالصلاة وتلاوة القرآن وذكرالله ونحوذلك من الطاعات
المحضة،ويجتنب مالايعينه من الأقوال والأفعال ولايكثر الكلام. ابن قدامة
من أخطاء بعض المعتكفين:
- كثرة النوم بالنهار والسهر بالليل في غير طاعة.
- كثرة الخروج من المسجد لغير حاجة.
- المبالغة في استعمال الهاتف النقال.
-كثرة الزيارات وإطالتها بين المعتكفين أنفسهم، أومن قبل بعض الناس لبعض
المعتكفين
- المبالغة في إحضار الأطعمة.
- فضول الكلام.
- عدم التبكير للوضوء.
-الظن بأن الاعتكاف إنما هو حبس النفس في المعتكف دون إكثارٍ من النوافل.
- الظن بأن التطيب والتنظف ينافي مقصد الاعتكاف.
-من الناس من يعتكف وأهله بحاجة إليه، أو ينهاه والده عن الاعتكاف لأسباب
مقنعة، فمثل هذا قد فعل سنة، وترك واجباً، فلا ينبغي له أن يعتكف.
الجوانب التربوية للاعتكاف:
-تطبيق مفهوم العبادة بصورتها الكلية.
-تحري لليلة القدر.
-تعوّد المكث في المسجد.
-الإقلاع عن كثير من العادات الضارة.
التعود على الصبر.
-الاطمئنان النفسي.
-قراءة القرآن وختمه.
-التوبة النصوح.
-قيام الليل والتعود عليه.
عمارة الوقت بالطاعة.
-تزكية النفس.
-صلاح القلب وجمعه على الله عز وجل.
قال ابن رجب رحمه الله: "كلما قويت المعرفة بالله والمحبة له والأنس به
أورثت صاحبها الانقطاع إلى الله تعالى بالكلية على كل حال.
كان بعضهم لا يزال منفردا في بيته خاليا بربه فقيل له: أما تستوحش؟
قال: كيف أستوحش وهو يقول: أنا جليس من ذكرني. اللطائف.
|